
رفع العقوبات عن سوريا يفتح أبواب الأمل: أهازيج الحرية تعود إلى الشوارع وسط فرحة عارمة
يوم الثلاثاء 13 أيار، لم يكن يوماً عادياً، كان يوماً انتظره السوريون لسنوات عدة، يوماً حمل لهم أولى بشائر النصر على سنوات الألم والفقدان والنزوح، يوماً كسر فيه أحد أكبر قيود المعاناة التي خنقت الحياة في البلاد لفترات طويلة بسبب المجرم بشار الأسد. إنه يوم إعلان رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا.
فمنذ لحظة إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء 13 أيار/مايو الجاري، نيته رفع العقوبات المفروضة على سوريا، بناءً على توصية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حتى بدأت مشاهد الفرح تعمّ المدن والبلدات السورية، من الساحل إلى الداخل، ومن الشمال إلى الجنوب.
السوريون يحتفلون في الشوارع وعلى الشاشات
في مدينة طرطوس، خرج السوريون إلى الشوارع وهم يطلقون الزغاريد والمفرقعات النارية، وجابت الهتافات الأزقة والأحياء، تعبيراً عن فرحة بنصر يحرزونه للمرة الثانية بعد سقوط الأسد المخلوع والتحرير. رفع الشبان أعلام الثورة السورية عالياً، بينما علت أصوات الأغاني الوطنية في الساحات.
أما في اللاذقية، فقد امتلأت ساحة الشهداء بالأهالي، الذين احتشدوا يحملون أعلام الثورة، يلوّحون بها في الهواء، يهتفون لسوريا الحرة على وقع خبر "رفع الظلم"، كما وصفه البعض. كانت الوجوه مشرقة كأنها خرجت من ليل طويل إلى ضوء لا يُطاق من شدته.
وفي مدينة حماة، غصّت الشوارع بالناس. لا سيارات تمشي، فقط طوفان بشري من الأهالي يهتفون ويضحكون ويغنون. أحد الشباب كتب على صفحته: "حماة اليوم كأنها عادت للحياة بعد غياب طويل... كل شيء في الشارع يقول: لقد انتصرنا".
وفي حلب، المدينة التي دفعت ثمناً باهظاً للحرب، خرج المئات في الأحياء المحررة وهم يرددون شعارات النصر ويشكرون كل من وقف مع الشعب السوري. حمص أيضاً لم تكن صامتة. في أحيائها القديمة، علت أصوات الأناشيد، وتبادل الناس التهاني وكأنهم في عيد.
دموع الفرح... ومواقف إنسانية مؤثرة
"انهمرت دموعي من الفرحة، لا أعلم ما معنى رفع العقوبات، لكنهم أخبروني أنها شيء يفيد البلاد وأهلها، وعندما رأيت الشباب يهتفون في الساحات فرحت كثيراً وبكيت وكأنني أهتف معهم"، هكذا عبّرت الحاجة أم يوسف (70 عاماً) عن مشاعرها، وهي تتابع الاحتفالات عبر شاشة التلفاز في بيتها البسيط.
أما مراد العيسى، أحد النازحين العائدين مؤخراً إلى منطقته، فقال:"نحمد الله أننا بعد سنوات طويلة كانت مملوءة بالانتظار والعذاب والنزوح وألم فقدان الأحبة، تكللت بالنصر والوصول إلى هذه المرحلة، ونتمنى أن تكتمل فرحتنا بأن يعود لبلدنا الاستقرار والازدهار."
أبو محمد، الشاب الذي كان متطوعاً في صفوف الفصائل الثورية، عبّر عن مشاعر مختلطة بين الفرح والحنين إلى رفاقه الشهداء: "في كل مرة كنت أشارك في معركة، كنت على يقين أننا سنهزم هذا النظام المجرم، وأن التضحيات التي قدمناها لن تذهب سدى. أنا واثق أن الشهداء الذين ماتوا في سبيل الحرية سعداء مثلنا الآن."
ومن على أرض الواقع، وفي رسائل الواتس آب، انتشرت التهاني والتكبيرات، تبادل الناس صور الاحتفالات من مختلف المدن، وانتشرت عبارات مثل:"وأخيراً... كسرنا الحصار"، "الشعب حيّ لا يموت"، "لحظتين تاريخيتين الساعة 6:18 صباحاً - 08/12/2024 والساعة 5:18 مساءً - 13/05/2025 مبروك لسوريا".
السوريون يتطلعون للغد... وعيونهم على العدالة
رغم الفرحة، لم تغب المطالب بالعدالة والمحاسبة. يقول أبو سمير، وهو من سكان ريف إدلب: "بقي أن يُحاسب المجرم بشار الأسد وكل من تلطخت يداه بدماء الأبرياء، لتكتمل فرحة الناس، وتُطوى صفحة الظلم إلى الأبد."
تصريح ترامب... وبداية جديدة؟
الرئيس الأمريكي، خلال كلمته في الرياض، قال: "سأصدر الأوامر برفع العقوبات عن سوريا، من أجل توفير فرصة لهم للنمو"، تصريح جاء بعد لقاءات إقليمية ضمن جولة تشمل السعودية، قطر، والإمارات، وتُعتبر خطوة مفصلية في خارطة الانتقال السياسي في سوريا، التي يقودها أحمد الشرع، رئيس المرحلة الانتقالية، والذي يحظى بدعم داخلي وعربي متزايد.
اليوم، يشعر السوريون أن ثمة باباً فُتح، وأنهم أقرب من أي وقت مضى لتحقيق أحلامهم بوطن حرّ كريم. لم تكن الفرحة فقط لرفع العقوبات، بل كانت لولادة أمل جديد... ربما يكون بداية النهاية لأطول جرح عرفته سوريا.