رغم سقوط "النظام" كطرف مفاوض.. لماذا يتمسك "الائتلاف" بالقرار 2254 ...؟
بات القرار الأممي "2254"، موضع سجال جديد، عقب دعوة "لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا، في اجتماع العقبة إلى تطبيق القرار لإنجاز العملية الانتقالية في سوريا، تلا ذلك مساعي "بيدرسون" في دمشق لتثبيت القرار، ومن ثم إعلان "الإئتلاف الوطني"، في بيانه الصادر يوم الاثنين 16 كانون الأول، تمسكه بتطبيق القرار كـ "خارطة طريق" للمرحلة الانتقالية في سوريا.
يأتي هذا الحديث عن تطبيق القرار الأممي، رغم أن بنوده لم تُنفذ خلال كل جلسات التفاوض على مدار سنوات، بسبب تعنت نظام الأسد ومراوغته، وبات القرار برأي محللين في حكم المنتهي بعد سقوط نظام بشار الأسد عسكرياً أمام تقدم "إدارة العمليات العسكرية" التي باتت تدير السلطة وسط حراك دولي واسع للتواصل مع السلطة القائمة وإرسال الوفود وفتح السفارات، فيما لم يبادر أي من أعضاء الائتلاف للنزول إلى دمشق أو حتى طرح الأمر، متخذاً وضع المراقب الباحث عن باب لتمكين استمراريته كممثل لقوى الثورة سياسياً.
ويرى مراقبون أن تمسك "الائتلاف" الذي أعلن دعم حكومة "البشير" على مضض، يعود إلى شعوره بسحب البساط من يده، إذ أنه طيلة سنوات مضت، نصب نفسه كممثل لقوى الثورة سياسياً، والسعي وراء تطبيق القرارات الدولية، والتي لم تتوصل لأي اتفاق أو صيغة للحل في سوريا، وبالتالي بات على الائتلاف اليوم النزول إلى دمشق وقبول بالواقع الجديد.
وأضاف هؤلاء، أن "الائتلاف" يريد حوار سوري – سوري على أرضية القرار 2254، وتشكيل هيئة حكم انتقالي، شاملة لجميع السوريين على أساس غير طائفي، ومن ثم تشكيل بيئة آمنة لعودة كل السوريين إلى ديارهم، ما يؤهل الوضع لانعقاد مؤتمر وطني، رغم أن الطرف الثاني في تطبيق القرار وهو نظام الأسد قد انتهى سياسياً وبات من الماضي.
ويبدو أن "الائتلاف" يعتبر "هيئة تحرير الشام" التي تمثل القوة الأكبر في "إدارة العمليات العسكرية" طرفاً آخر في المعارضة، وبالتالي يحاول تصدير القرار الأممي ليحصل على شرعية التفاوض مع الهيئة، خوفاً من تهميشه أو لعدم نيته النزول إلى دمشق ولقاء قيادة العمليات والتباحث في الخطوات اللاحقة للانتقال السياسي.
ويعتبر "عبد الحكيم بشار" نائب رئيس الائتلاف، أن تيسير المجتمع الدولي للحوار السوري - السوري وفق القرار 2254، يفتح آفاقًا مهمة جدًا، من مساعدات إنسانية وإعادة الإعمار، بناء ما دمره النظام السابق، ورفع العقوبات الأميركية والأوروبية، في وقت برزت دعوات خلال الأسبوع الجاري للخروج بتظاهرات شعبية يوم الجمعة القادم تحت عنوان "إسقاط الائتلاف".
لكن "رضوان زيادة" الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، رأى أن إعلان العقبة لا يأخذ بعين الاعتبار أن نظام الأسد سقط بالقوة العسكرية، بالتالي فإن القرار 2254 لم يعد صالحًا للتطبيق.
وقال زيادة في حديث مع "التلفزيون العربي"، إن عدم الثقة في إدارة الأمم المتحدة للملف السوري على مدى 9 سنوات، لا يسمح للسوريين الآن بإعطاء رقابهم مجددًا إلى المنظمة الدولية، كي تدخلهم في نفس الدهاليز فيما يتعلق بهذا الإطار.
وكان قال رئيس الوزراء السوري الأسبق المنشق عن النظام السوري "رياض حجاب "، إن "دمشق تسدل الستار على حكم آل الأسد"، محذراٌ بالقول: "ما أخذه السوريون بالقوة يجب ان لا ينتزع منهم عبر ترتيبات "ناعمة".
وسبق أن أكد "أحمد الشرع" قائد "إدارة العمليات العسكرية" خلال لقائه المبعوث الأممي "بيدرسون" على أهمية إعادة النظر في القرار الأممي 2254، نظرا للتغييرات الكبيرة التي طرأت على المشهد السياسي في البلاد بعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر الجاري.
وأوضح "الشرع" أن العديد من بنود القرار الصادر عن مجلس الأمن في 18 ديسمبر 2015 لم تعد قابلة للتطبيق، وشدد على أهمية التركيز على قضايا السوريين الملحة، مثل الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، إعادة إعمار البلاد، وتحقيق التنمية الاقتصادية، والتعاون السريع والفعال لمعالجة قضايا السوريين وضرورة التركيز على وحدة أراضي سوريا وإعادة الإعمار وتحقيق التنمية الاقتصادية.
ماهو القرار الأممي 2254 ..؟
القرار بالأساس، هو مشروع قرار أميركي اعتمد بيان اتفاق جنيف "1"، وأيد بيانات فيينا الخاصة بسوريا، صدر عن مجلس الأمن الدولي يوم 18 ديسمبر/كانون الأول 2015 بهدف وضع إطار لحل سياسي للأزمة السورية، ونص على بدء محادثات السلام بسوريا في يناير/كانون الثاني 2016، وأكد أن الشعب السوري هو من يحدد مستقبل البلاد، كما دعا إلى تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية، مطالبا بوقف أي هجمات ضد المدنيين فورا.
وكان اعتمد القرار بيان جنيف الذي صدر عام 2012 ودعم بيانات فيينا 2015، باعتبارها أسس تحقيق عملية الانتقال السياسي لإنهاء الحرب في سوريا، ونص على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة ممثلي النظام السوري والمعارضة للمشاركة في مفاوضات رسمية بشأن مسار الانتقال السياسي، على أن تبدأ تلك المفاوضات مطلع يناير/كانون الثاني 2016 "بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة".
ويطالب القرار جميع الأطراف بالامتثال للقانون الدولي، ويشدد على ضرورة حماية المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية دون قيود، ووقف الأعمال العدائية، والتعاون للتصدي للإرهاب، وإطلاق سراح المحتجزين والمختطفين، وتوضيح مصير المفقودين.
وكان أقر بدور المجموعة الدولية في دعم سوريا، باعتبارها المنبر المحوري لتسهيل جهود الأمم المتحدة الرامية إلى تحقيق تسوية سياسية دائمة، وطالب القرار -الذي صوّت عليه أعضاء مجلس الأمن الـ15 بالإجماع- جميع الأطراف في سوريا بوقف الهجمات ضد المدنيين على الفور، وهو مالم يتحقق طيلة سنوات طويلة.
وأوصى القرار رقم 2254 "جميع الأطراف في سوريا باتخاذ تدابير لبناء الثقة من أجل المساهمة في فرص القيام بعملية سياسية وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار"، ودعا القرار إلى وقف فوري للأعمال القتالية في سوريا باستثناء العمليات العسكرية ضد عدد من التنظيمات، منها تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، وغيرها من الجماعات التي تصنف "إرهابية" ومدرجة في لوائح مجلس الأمن.
ودعم القرار عملية انتقال سياسي بقيادة سورية وفقا لبيان جنيف الذي صدر عام 2012، ودعا إلى بدء مفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة برعاية الأمم المتحدة، وحدد مدة 6 أشهر لتشكيل حكومة انتقالية ذات مصداقية وغير طائفية و18 شهرا لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف أممي.
وطالب القرار بصياغة دستور جديد لسوريا باعتباره جزءا من عملية الانتقال السياسي، وأكد القرار على أهمية إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق السورية دون عوائق، ودعا الأطراف إلى تسهيل العودة الآمنة للنازحين واللاجئين، وشدد على أهمية تكثيف الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب في سوريا.
ويرى نشطاء الحراك الثوري، أن القوى السياسية في الخارج، التي تقول إنها تمثل تطلعات الشعب السوري، فشلت طيلة سنوات مضت في تحقيق أي تقدم سياسي، وتماهت مع كل المؤتمرات والاجتماعات وقدمت التنازلات منها الكثير ولم ينجح حراكهم في تحرير معتقل، أو إدخال سلة غذائية لمحاصر، أو فرض موقف سياسي يحترم، أو حماية لاجئ، أو بناء علاقة مع أبناء الثورة الحقيقيين في الساحات، فشغلتهم المناصب والكراسي.
ورغم مرور أربعة عشر عاماً على الحراك الشعبي السوري، ورغم كل مامرت به الثورة السورية من مراحل قوة وانكسار وتراجع، ورغم حجم الصمود المتواصل لملايين المدنيين في المناطق المحررة ورفضهم الخضوع للنظام أو القبول بأي تسويات تنهي مأساتهم، لاتزال المعارضة في الخارج مفككة مضطربة لا تمثل هذا الحراك ولا المعاناة، تعيش حالة انفصام عن الواقع.
وكان دور منصات المعارضة، منوطاً بإصدار البيانات الخشبية المتكررة التي تحمل في كثير منها صيغة استجداء المجتمع الدولي للتوصل لحل، دون أن يكون لها أي دور حقيقي في تمثيل معاناة الشعب الشكل الصحيح، وترك التحزبات والمصالح والتنافس على المقاعد الوظيفية، علاوة عن تحول جزء كبير من متصدري المشهد السياسي لبيادق بيد الدول التي تحركهم.
وكان واضحاً حجم البعد بين الحاضنة الشعبية على الأرض ضمن المناطق المحررة والتي مثلت من بقى صامداً في وجه الأسد وقادراً على التعبير عن ثورته ورفضه التصالح، إذ باتت منصات المعارضة تجري الزيارات وبروفات التصوير والاستعراض في مناطق شمال غرب سوريا مقتصرة على مناطق سيطرة الجيش الوطني، ولم يسجل خلال الأعوام الماضية أي زيارة لأي مسؤول في منصات الائتلاف وغيرها لمناطق ريف إدلب التي تعتبر من أكبر التجمعات البشرية لأبناء الثورة بكل ما فيها من سكان أصليين ومهجرين ونازحين من شتى مناطق سوريا، بدعوى سيطرة هيئة تحرير الشام.
وطيلة السنوات الماضية، رهنت قوى المعارضة نفسها للأجندات الدولية، وتمسكت بالقرارات التي لم يتعد تنفيذها حبر الورق الذي كتبت به، ولاتزال رغم كل المراوغة الروسية متمسكة بالاجتماعات واللقاءات المتعلقة بالشأن السوري دون أي يكون لها موقف شجاع ولو مقاطعة مثل هذه المؤتمرات والاجتماعات التي تتزامن مع التصعيد واستمرار قتل أبناء الشعب السوري، كما كان عام تبديل المناصب والكراسي والأدوار والتنافس على من يتصدر المشهد ويتملك الواجهة.