
رافضين الذل أعزاء ... ثوار ومدنيو الغوطة الشرقية تحدوا الموت والجوع لخمس سنوات والعالم خذلهم
منذ خمس سنوات مضت تدافع الغوطة الشرقية عن نفسها بصدور أبنائها وأشلاء أطفالها، خمس سنوات من الحصار لم يدخل إليها أي سلاح أو عتاد أو ذخائر ومع ذلك صمدت، رغم كل الموت وكل الدمار وكل الجوع والقصف المتواصل، فإن الغوطة الشرقية عين قاومت المخرز وأي مخرز تصمد في وجهه، وتتحدى العالم الذي تركها تواجه مصيرها بعد خمس سنوات من التحدي والثبات.
وصل أهالي الغوطة الشرقية بعد كل ما قدموه من صمود ودماء لخيارين أحلهما مر، إما القبول بالتهجير والخروج من بقعة الموت التي غيبت خيرة أبنائهم ودمرت أرضهم على أمل العودة إليها ذات يوم محررين، أو القبول بالركوع للأسد وحلفائه والرضوخ لشروطهم في المصالحة وحكم الأسد من جديد وتسلط الميليشيات وأجهزة المخابرات والذل والمهانة، فكان الخيار الأول اقل شدة رغم قساوته.
يغادر أبناء الغوطة الشرقية اليوم ديارهم بتهجير قسري إلى الشمال السوري على مرأي ومسمع العالم الصامت عن كل جرائم العصر بحق شعب طالب بالحرية، ليعلن المجرم نصره على أشلاء الأطفال وتدمير البلاد وعذابات الشعب المطالب بحريته وخلاصه من الاستبداد، ليبقى شبحهم هاجساً يلاحقه في كل مكان والذي ظن أنه بإبعادهم عن أرضهم سيكسر شوكتهم.
لم تنفع سياسية "الجوع أو الركوع" التي اتبعها الأسد وحلفائه طيلة سنوات مضت في كسر إرادة أهالي الغوطة الشرقية في قبول مايفرض عليهم من اتفاقيات مصالحة أو تسليم أو تهجير، رغم كل الحملات التي واجهتها الغوطة وشلالات الدم التي سالت في شوارع بلداتها والحملات العسكرية التي استهدفت جبهاتها.
أثبت أهالي الغوطة الشرقية خلال خمس سنوات مضت أن إرادتهم وصبرهم أقوى من الجوع ومن الطائرات والصواريخ والحصار الذي مورس بحقهم برعاية دولية صامتة عن كل ما يحصل من انتهاك لحقوق الإنسان وخرق لقرارات المجتمع الدولية وليس بأخرها قرار الهدنة
للعام الخامس على التوالي حاصر نظام الأسد أكثر من 350 ألف مدني في غوطة دمشق الشرقية، كابدوا الموت جوعاً وقصفاً منذ سنوات على مرأى ومسمع العالم أجمع، والذي لم يحرك ساكناً لتخفيف الحصار عن المدنيين لا ذنب لهم إلا أنهم ثاروا على نظام استبد بهم، فكان رد الأسد بسياسة الجوع أو الركوع من خلال الحصار الجائر والذي لم يكسر عزيمتهم خلال خمس سنوات مضت.
لموقع الغوطة الشرقية الاستراتيجي على الطرف الشرقي من العاصمة دمشق مركز قيادة نظام الأسد وعاصمته السياسية أهمية بالغة بالنسبة لوجوده، حاول جاهداً منذ بدء التدخل الإيراني والروسي لمساندته على كسر الطوق حول دمشق من خلال اتباع سياسة الحصار على العديد من المدن والبلدات، كانت جنوب دمشق داريا التي كسرت شوكة الأسد لسنوات وتحدت كل صنوف الموت الذي مورس ضدها، كذلك مضايا وبقين ومعضمية الشام والعديد من المناطق التي واجهت الحصار والموت لسنوات عدة.
استطاع الأسد خلال السنوات الماضية فك عقد الطوق حول دمشق من خلال عمليات التهجير التي مارسها بمساعدة روسيا وبمباركة من المجتمع الدولي، فأجبر غالبية المناطق الثائرة على توقيع المصالحات، ومن رفض وقاوم وصمد كل آلة القتل والتجويع أجبر على الخروج من أرضه وبلده باتجاه الشمال السوري، ليأتي الدور على الحزام الشرقي للعاصمة ممثلا في الغوطة الشرقية.
خمس سنوات مرت ونظام الأسد يحكم الحصار على بلدات ومدن الغوطة الشرقية، ويعمل جاهداً على تضييق المساحة المحررة تباعاً من خلال سلسلة عمليات عسكرية لاتزال مستمرة تمكن خلالها من السيطرة على سلة الغوطة الغذائية في القطاع الجنوبي، والسيطرة على الأحياء الشرقية للعاصمة دمشق والتي كانت مصدراً رئيسياً لإمداد الغوطة الشرقية بالمواد الغذائية ومستلزمات الحياة عبر الأنفاق، وأخرها الحملة العسكرية التي مكنته من التقدم في اوتايا والشيفونية وحوش الضواهرة وحزرما والنشابية وصولاً لعزل المدن الرئيسية عن بعضها حرستا ودوما وعربين وتقطيع أوصالها.
عاش قرابة 370 ألفاً من المدنيين في بقعة جغرافية صغيرة مؤلفة من مدن وبلدات "دوما، حرستا، مسرابا، عربين، بيت سوى، حمورية، زملكا، سقبا، حزه، عين ترما، كفربطنا، جسرين، افتريس، المحمدية، حوش الأشعري، الريحان، مديرا، حي جوبر"، وسط محاولات نظام الأسد المستمرة للتوسع وتضييق الخناق أكثر على المنطقة من خلال عمليات عسكرية مستمرة على جبهات عين ترما وحي جوبر والشيفونية والمشافي وإدارة المركبات شرقي العاصمة دمشق.