
رؤية "الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان" لتحقيق التعددية السياسية وتشكيل هيئة العدالة الانتقالية
أصدرت "الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان" تقريراً يعرض رؤيتها لتحقيق التعددية السياسية وإنشاء هيئة العدالة الانتقالية، وذلك في سياق التحول السياسي الجذري الذي شهدته سوريا عقب سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024.
شدد التقرير على أنَّ المرحلة الانتقالية تمثل منعطفاً حاسماً في إعادة تشكيل النظام السياسي، إذ ينبغي أن تستند إلى أسس تضمن التعددية السياسية وتعزز المشاركة الشعبية في صناعة القرار، مع ضمان احترام حقوق جميع مكونات المجتمع السوري.
ويتوقف نجاح هذه المرحلة على بناء مؤسسات قوية، وإرساء قواعد دستورية واضحة تُكسب العملية الانتقالية الشرعية، فضلاً عن تحقيق توافق وطني يُعزز الاستقرار ويحول دون الانزلاق في صراعات جديدة، وأشار التقرير إلى أنَّ تحقيق انتقال سياسي ناجح يتطلب مواجهة تحديات رئيسة، أبرزها:
1. ضعف مؤسسات الدولة والتفكك الإداري.
2. تراجع الثقة بين مكونات المجتمع.
3. التدخلات الخارجية والمصالح الإقليمية والدولية.
4. الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
5. الانتقال من الشرعية الثورية إلى نظام سياسي تعددي.
خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية
وضع التقرير تصوراً للمرحلة الانتقالية يضمن تحقيق العدالة والمساءلة، وترسيخ مبادئ التشاركية وحقوق الإنسان، وتعزيز التعددية السياسية، من خلال الخطوات التالية:
1. تشكيل هيئة حكم انتقالية وتكون برئاسة السيد أحمد الشرع رئيس الجمهورية في المرحلة الانتقالية، مما يضمن تمثيلاً أوسع لمختلف القوى السياسية والمجتمعية.
2. إصدار إعلان دستوري مؤقت ينظم المرحلة الانتقالية، ويحدد صلاحيات المؤسسات المختلفة لضمان وضوح المسار السياسي.
3. تشكيل حكومة انتقالية تعمل على إعادة بناء مؤسسات الدولة وإدارة شؤون البلاد خلال الفترة المؤقتة.
4. صياغة دستور جديد يعبر عن تطلعات الشعب السوري، ويضمن الحقوق والحريات الأساسية.
5. إجراء انتخابات حرة ونزيهة تكفل مبدأ التداول السلمي للسلطة، وتتيح لجميع السوريين فرصة اختيار ممثليهم بشكل ديمقراطي.
التحول من الشرعية الثورية إلى التعددية السياسية
أكد التقرير على ضرورة الانتقال من الشرعية الثورية إلى التعددية السياسية وفق نهج مدروس قائم على إعادة هيكلة الدولة، وضمان مشاركة فاعلة لمختلف القوى الوطنية، وترسيخ أسس الحكم الرشيد، وذلك من خلال:
1. إرساء المعايير التشاركية في المؤسسات.
2. إصلاح هياكل الدولة لضمان استقلاليتها وكفاءتها.
3. بناء نظام سياسي تعددي يحترم حقوق جميع الأطراف.
4. استمرار وتعزيز الحوار الوطني كوسيلة لتحقيق التوافق.
5. ترسيخ ثقافة التعددية والانفتاح السياسي.
تشكيل هيئة الحكم الانتقالية
تُعد الخطوة الأولى نحو الانتقال السياسي التعددي تشكيل هيئة حكم انتقالية تضمن عملية تحول منظمة وشاملة، تمهد الطريق نحو استقرار مؤسسي حقيقي. وأكد التقرير على أهمية الاستفادة من تجارب دولية سابقة في إدارة المراحل الانتقالية، خاصة تلك التي قامت على مبادئ التمثيل العادل، والشرعية السياسية، والفعالية المؤسسية.
في السياق السوري، يمثل تشكيل هيئة حكم انتقالية بقيادة السيد أحمد الشرع رئيس الجمهورية في المرحلة الانتقالية، خطوة أساسية نحو تحقيق الاستقرار وإعادة بناء الدولة، لعدة أسباب رئيسة، من بينها:
1. ضمان تمثيل أوسع لمختلف القوى السياسية والمجتمعية.
2. التعامل مع التحديات المعقدة للمرحلة الانتقالية بآليات مؤسسية واضحة.
3. تعزيز الشرعية السياسية محلياً ودولياً.
4. دعم آليات العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.
5. التمهيد لإرساء حكم ديمقراطي مستدام.
6. كسب دعم المجتمع الدولي لإعادة الإعمار والاستقرار.
وشدد التقرير على ضرورة اختيار أعضاء هيئة الحكم الانتقالي وفق معايير صارمة تشمل الكفاءة، والنزاهة، والشرعية الثورية، مع ضمان تمثيل لجميع الأطياف السياسية والمجتمعية. وأكد أيضاً أهمية اعتماد آليات شفافة لاختيار الأعضاء، تشمل مشاورات موسعة بين القوى السياسية والجهات الفاعلة، بالإضافة إلى تشكيل لجان مستقلة للتحقق من مؤهلات المرشحين وضمان توزيع المقاعد وفق معايير سياسية وجغرافية عادلة.
كما أوضح التقرير أنَّ هيئة الحكم الانتقالية يجب أن تتمتع بصلاحيات واضحة ومحددة، لمنع إعادة تمركز السلطات، وأن يتم تشكيلها ضمن جدول زمني محدد يوازن بين سرعة التنفيذ وفعالية المشاورات السياسية. وأكد التقرير أنَّ المجتمع الدولي يمكن أن يلعب دوراً داعماً دون التدخل المباشر، عبر تقديم المساعدة الفنية واللوجستية لتعزيز نجاح المرحلة الانتقالية.
الإعلان الدستوري كإطار قانوني للمرحلة الانتقالية
ترى الشبكة أنَّ إصدار إعلان دستوري مؤقت يمثل خياراً أكثر حكمة من الشروع المباشر في صياغة دستور دائم أو تعديل الدستور السابق، إذ يوفر مرونة قانونية تتيح إدارة المرحلة الانتقالية دون تعطيل المسار السياسي بسبب الخلافات الدستورية. كما يسمح بتأجيل النقاشات الدستورية الكبرى إلى مرحلة لاحقة، مما يمنح جميع الأطراف فرصة لإجراء حوار وطني موسّع حول مستقبل النظام السياسي.
ويوضح الإعلان الدستوري أهداف المرحلة الانتقالية بشكل دقيق، بما في ذلك:
• تعزيز الوحدة الوطنية وضمان التوافق السياسي.
• الاعتراف بشرعية الهيئات الانتقالية ووضع أطر عملها.
• إرساء مبادئ الحكم الرشيد، مثل السيادة الشعبية، وسيادة القانون، وتعزيز السلم المجتمعي، وإنهاء النزاعات الداخلية.
• تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.
حماية الحقوق والحريات الأساسية
تؤكد الشبكة على ضرورة أن يتضمن الإعلان الدستوري بنوداً واضحة لحماية الحقوق الأساسية لجميع المواطنين، بما في ذلك:
• الحريات المدنية والسياسية، مثل حرية التعبير والتجمع والتنظيم السياسي.
• حظر جميع أشكال التمييز على أساس العرق، أو الدين، أو الجنس، أو التوجه السياسي.
• ضمان الحق في اللجوء إلى القضاء، والحق في المشاركة السياسية.
• إنشاء الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية لمتابعة قضايا المساءلة والمصالحة.
وشدد التقرير على أهمية تضمين خارطة طريق واضحة لإصلاح المؤسسات الأمنية، وآليات مرنة لتعديل الإعلان الدستوري، بحيث يكون قادراً على الاستجابة للتحديات المستجدة خلال المرحلة الانتقالية.
تشكيل الحكومة الانتقالية وصياغة الدستور
وأشار التقرير إلى أنَّه مع تعيين السيد أحمد الشرع رئيساً للجمهورية خلال المرحلة الانتقالية، وتشكيل هيئة الحكم، وإقرار الإعلان الدستوري، تبدأ مرحلة جديدة تركز على تشكيل حكومة انتقالية تتولى إدارة شؤون البلاد، وتنفيذ أحكام الإعلان الدستوري، ووضع الأسس اللازمة للتحول الديمقراطي في سوريا.
وفقاً للرؤية المطروحة، يقوم الرئيس أحمد الشرع بإعداد قائمة المرشحين للمناصب الوزارية، والتي تُعرض على هيئة الحكم لمراجعتها. يمكن للهيئة الموافقة على الترشيحات، أو إدخال تعديلات عليها، أو رفض بعض الأسماء في حال عدم استيفائها معايير الاختيار التي تشمل الكفاءة، النزاهة، والتوازن بين الاستقلالية والانتماء السياسي، مع ضرورة تجنب الإقصاء أو عسكرة الحكم.
حدد التقرير صلاحيات الحكومة الانتقالية، والتي تشمل:
• الإشراف على العملية الانتخابية.
• إصلاح قطاع الأمن.
• إدارة الخدمات العامة.
• وضع سياسات اقتصادية فعالة.
• التحضير لإجراء الانتخابات.
• إرساء العدالة الانتقالية.
صياغة الدستور والانتقال إلى نظام ديمقراطي مستقر
بعد تشكيل الحكومة الانتقالية، تبدأ مرحلة محورية تتمثل في صياغة دستور دائم من خلال لجنة تأسيسية، بهدف ضمان انتقال سياسي مستقر يؤسس لنظام ديمقراطي يحكم سوريا على المدى الطويل. يحل الدستور الجديد محل الإعلان الدستوري المؤقت، ويعمل على:
• إرساء الشرعية السياسية والقانونية.
• تكريس الحقوق والحريات الأساسية.
• وضع الإطار القانوني للانتخابات.
• تحديد أسس عمل السلطات الثلاث: التنفيذية، التشريعية، والقضائية، مع ضمان الفصل بينها لتحقيق التوازن ومنع الاستبداد.
تتشكل اللجنة التأسيسية بإحدى الطرق التالية:
1. الانتخاب المباشر من قبل الشعب.
2. التعيين من قبل هيئة الحكم الانتقالية بالتشاور مع القوى السياسية والمجتمع المدني.
3. مزيج من التعيين والانتخاب لضمان التمثيل العادل والتنوع.
بغض النظر عن الآلية المعتمدة، يجب أن تستوفي اللجنة معايير صارمة عند اختيار أعضائها، بحيث تضم:
• خبراء قانونيين متخصصين في الشؤون الدستورية.
• ممثلين عن الأحزاب السياسية.
• ممثلين عن المجتمع المدني.
• ممثلين عن المناطق الأكثر تضرراً من النزاع.
الانتخابات ونقل السلطة إلى حكومة منتخبة
ذكر التقرير أنَّ الانتخابات البرلمانية والرئاسية تُعد المحطة الأخيرة في العملية الانتقالية، حيث يتم نقل السلطة إلى حكومة منتخبة ديمقراطياً، مما يعزز الاستقرار السياسي ويمنح الشرعية للنظام الجديد.
ولضمان نزاهة الانتخابات، يجب أن تُجرى وفقاً للمعايير التالية:
• تحقيق درجة عالية من الشفافية.
• ضمان النزاهة والاستقلالية في الإشراف على العملية الانتخابية.
• تحقيق التمثيل الشامل لكافة فئات المجتمع السوري.
• توفير بيئة آمنة وعادلة تتيح مشاركة جميع السوريين دون قيود أو ضغوط سياسية.
التوصيات للمرحلة الانتقالية
أولاً: توصيات إلى الحكومة الحالية
1. تنفيذ عملية الانتقال السياسي وفق آليات واضحة ومحددة:
o الاستفادة مما ورد في التقرير لضمان انتقال تعددي يضمن الشرعية.
o وضع خارطة طريق تتضمن خطوات عملية وإجراءات تنفيذية ضمن أطر قانونية واضحة.
2. تحديد جداول زمنية دقيقة لتنفيذ خطة الانتقال السياسي:
o وضع مواعيد محددة وقابلة للتنفيذ لكل مرحلة، لضمان الالتزام وتجنب الفراغ السياسي.
o تشكيل لجنة إشراف مستقلة لمتابعة تنفيذ الخطة وضمان الشفافية والمساءلة.
ثانياً: توصيات إلى المجتمع الدولي
1. تقديم الدعم الفني والمالي مع ضمان السيادة الوطنية:
o توفير مساعدات تقنية ومالية لدعم بناء مؤسسات الحكم وتعزيز قدرتها في مجالات الإدارة العامة، القضاء، الأمن، والاقتصاد.
o تمويل مشاريع إعادة الإعمار لضمان تنمية شاملة، مع التأكيد على عدم فرض أجندات سياسية خارجية.
o دعم مسار العدالة الانتقالية لضمان تحقيق الإنصاف للضحايا.
2. تعزيز عمليات المراقبة والاستشارة مع احترام القرار الوطني:
o توفير خبرات دولية محايدة لضمان نزاهة العملية الانتخابية ومنع التلاعب بإرادة الناخبين.
o تقديم استشارات قانونية لدعم صياغة دستور جديد يعكس تطلعات جميع السوريين.
o دعم المجتمع المدني السوري في بناء ثقافة المواطنة والديمقراطية لضمان الاستقرار وحماية حقوق الإنسان.
3. ضمان بيئة دولية داعمة لاستقرار سوريا:
o العمل على رفع العقوبات الاقتصادية التي تؤثر سلباً على معيشة المواطنين.
o تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمنع التدخلات الخارجية السلبية، وضمان حماية وحدة الأراضي السورية واستقلال القرار الوطني.
ثالثاً: توصيات إلى المجتمع المدني السوري
1. التنسيق مع الحكومة الانتقالية:
o إنشاء قنوات تواصل بين المجتمع المدني والحكومة لضمان التنسيق الفعّال في تحقيق أهداف الانتقال السياسي.
o تنفيذ مشاريع خدمية وتنموية بالتعاون مع السلطات المحلية لتعزيز ثقة المواطنين في العملية الانتقالية.
o تقديم مقترحات للحكومة الانتقالية لضمان شمولية السياسات وعدالتها.
2. المشاركة الفاعلة في الرقابة وتعزيز الشفافية:
o تكثيف المشاورات الوطنية حول عملية الانتقال لضمان توافقها مع تطلعات السوريين.
o مراقبة أداء الحكومة الانتقالية عبر آليات رقابية مستقلة لضمان الشفافية والمساءلة.
o تعزيز دور الإعلام المستقل في تغطية مراحل الانتقال وكشف أي انتهاكات تعيق تحقيق التعددية والاستقرار.
3. تعزيز الوعي بحقوق المواطنين والحريات الأساسية:
o تنظيم حملات توعوية لتعريف المواطنين بحقوقهم الدستورية ودورهم في بناء الدولة.
o تدريب الشباب والنساء على مهارات القيادة والمشاركة السياسية.
o نشر ثقافة المساءلة المجتمعية من خلال ورش عمل وحوارات مفتوحة حول الشفافية والحكم الرشيد.
4. تعزيز المصالحة الوطنية وإعادة بناء النسيج الاجتماعي:
o دعم مبادرات المصالحة الوطنية لتعزيز الحوار وتجاوز الانقسامات.
o تنفيذ برامج إعادة الاندماج للنازحين والعائدين، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لضمان تعايش سلمي مستدام.
o توثيق الانتهاكات وتقديم الدعم لضحايا النزاع، لضمان تحقيق العدالة الانتقالية ومنع تكرار التجاوزات السابقة.
5. تمكين المجتمع المدني كمحرك رئيس في العملية الانتقالية:
o تطوير شراكات بين منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية لتعزيز القدرات المؤسسية.
o الضغط لضمان بيئة قانونية تحمي حرية تكوين الجمعيات وحرية التعبير والعمل المدني المستقل.
o دعم مبادرات التنمية المحلية لتعزيز الاستقرار وخلق فرص عمل للمجتمعات المتضررة من النزاع.