حاكم المركزي يكشف عن خطة جديدة لتحقيق الاستقرار النقدي في سوريا
 حاكم المركزي يكشف عن خطة جديدة لتحقيق الاستقرار النقدي في سوريا
● أخبار سورية ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٥

 حاكم المركزي يكشف عن خطة جديدة لتحقيق الاستقرار النقدي في سوريا

كشف حاكم «مصرف سوريا المركزي» عبد القادر حصرية، عن خطة شاملة تهدف إلى تحقيق استقرار الأسعار والحفاظ على قيمة العملة، بالتوازي مع خلق بيئة مالية تدعم النمو الاقتصادي، موضحاً أن هذه السياسة النقدية تُطبَّق لأول مرة في سوريا رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها، وفي مقدمتها تطوير الأدوات اللازمة لمكافحة التضخم واتساع حجم الاقتصاد غير الرسمي.

تحديات السياسة النقدية
أوضح حصرية في تصريحاته لصحيفة «الشرق الأوسط» أن أبرز التحديات تتمثل في النمو الكبير للاقتصاد غير الرسمي، وتداول كميات نقدية خارج النظام المصرفي، ونقص البيانات الاقتصادية الدقيقة، ما يجعل اتخاذ القرار أصعب. وأشار إلى أن هذه العوامل ترافقت مع العقوبات والقيود الخارجية التي حدّت من قدرة النظام المالي على التواصل السلس مع الأسواق الدولية.

أهداف السياسات النقدية
بيّن حصرية أن السياسة النقدية تسعى إلى تحقيق هدفين متكاملين هما: استقرار الأسعار والحفاظ على قيمة العملة، مع توفير بيئة مالية تدعم النمو. ولتحقيق هذا التوازن، يعمل «المصرف» على إدارة عرض النقود ومعدلات الفائدة للحد من الضغوط التضخمية، وتحسين قدرة المصارف على تمويل القطاعات الإنتاجية وفق ضوابط مخاطرة سليمة، وتنسيق السياسات مع وزارة المالية لتوجيه الإنفاق العام والاستثمارات نحو مشروعات ذات أثر نمو كبير، وتعزيز الشفافية والبيانات الاقتصادية لتوجيه السياسات بدقة.

معالجة أزمة القطاع المصرفي
قال حصرية إن القطاع المصرفي يعاني حالياً من نقص السيولة الذي تُعد الأزمة اللبنانية سبباً رئيساً له، إضافة إلى فقدان الناس الثقة بالمصارف وتوقف الإقراض تقريباً، مؤكداً أن «المصرف» يسعى للتعامل مع هذه الأزمة برؤية واضحة تعيد للقطاع دوره الوسيط بين القطاع الأهلي وقطاع الأعمال، وتحريك فوائض القطاع الأهلي لتوفير التمويل للمشروعات.

دوافع إصدار العملة الجديدة
ذكر حصرية أن قرار طرح عملة محلية جديدة وحذف أصفار منها يهدف إلى تبسيط التعاملات اليومية وتسهيل الحسابات، واستعادة ثقة الجمهور بالعملة من خلال عملية إعادة التسمية وطرح أوراق نقدية جديدة، والحد من التدفقات النقدية الكبيرة في التداول غير الرسمي التي تُصعّب مراقبة السيولة، فضلاً عن أثرها الرمزي في بدء إصلاحات نقدية أوسع. وأوضح أن هذه الخطوة تُنفَّذ عادة ضمن حزمة إصلاحات تشمل تحديث الأنظمة المصرفية وحملات توعية وإجراءات فنية لتقليل المخاطر التشغيلية والالتباسات لدى الجمهور.

خطوات الطباعة والتعاقدات
أُعدّ طلب استجلاب عروض لطباعة العملة السورية الجديدة، ويجري حالياً مراسلة الشركات الكبرى العاملة في هذا المجال. وأكد حصرية أن جميع الشركات الكبرى تقريباً تواصلت مع «المصرف» وأبدت اهتماماً بالطباعة، والهدف هو إتمام العملية خلال نحو ثلاثة أشهر، لافتاً إلى أن «المصرف» لم ينشر حتى الآن قائمة رسمية بأسماء الشركات المتقدمة بالعروض.

 مكافحة التضخم واستقرار الأسعار
أشار حصرية إلى أن «المصرف» يتعامل مع مستويات التضخم الحالية عبر أدوات متعددة تشمل ضبط عرض النقد، وإدارة سياسات الاحتياطي لدى المصارف، والتعاون مع وزارة المالية لضبط العجز والإنفاق، وإجراءات رقابية على الأسواق لمنع الممارسات الاحتكارية. كما يعمل على تحسين نظم جمع البيانات ومؤشرات الأسعار لقياس التضخم بدقة وتمكين السياسات الاستباقية، متبنياً نهجاً متدرجاً يراعي تأثير الإجراءات على النمو وفرص العمل.

وأوضح أن معدل التضخم السنوي لشهر فبراير (شباط) 2025 بلغ 15.2 في المائة، في تراجع حاد عن 109.5 في المائة خلال الشهر نفسه من عام 2024، وهو تراجع فسّره بتحسّن سعر الصرف وزيادة المعروض من السلع بعد إسقاط الإرهابي الفار بشار الأسد.

استقرار سعر الصرف
كشف حصرية أن الاستراتيجية المتبعة للحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة تجمع بين إدارة احتياطات النقد الأجنبي للتدخل عند الضرورة، وتنظيم سوق الصرف وتحسين آليات عملها عبر المصارف الرسمية لتقليل الفجوة بين السوقين الرسمية وغير الرسمية، وتشجيع التحويلات الواردة وقنوات التحويل الرسمية لدعم المعروض من العملة الأجنبية، والتنسيق مع الشركاء التجاريين والإقليميين لتعزيز التدفقات التجارية والمالية، بالتوازي مع سياسات مالية هيكلية لمعالجة اختلالات المدفوعات.

وبيّن أن الليرة السورية تحسنت مقابل الدولار في ظل الحكم الجديد لتبلغ نحو 11 ألفاً و500 ليرة مقابل الدولار في السوق الموازية، بعدما خسرت أكثر من 99 في المائة من قيمتها منذ اندلاع الحرب في سوريا ووصلت إلى أكثر من 15 ألفاً مقابل الدولار قبل إسقاط الأسد مقارنة مع 50 ليرة قبل الحرب.

إصلاح القطاع المصرفي وتعزيز الشمول المالي
أوضح حصرية أن القطاع المصرفي يواجه تحديات سيولة ورأسمالية وانكشافاً على القطاع المصرفي اللبناني يتجاوز 1.6 مليار دولار، إضافة إلى الحاجة لتحديث البنية التحتية والحوكمة وتعزيز إدارة المخاطر. 


وبيّن للصحيفة أن هذا «الانكشاف» يعني التزامات على القطاع المصرفي اللبناني و«مصرف لبنان المركزي» تجاه القطاع المصرفي السوري، وهي مختلفة عن ودائع السوريين الأفراد أو الشركات في البنوك اللبنانية.

ولتعزيز هذا القطاع، يجري العمل على رفع متطلبات الحوكمة والشفافية، وتعزيز الملاءة عبر متطلبات رأسمال تدريجية، وتشجيع الإقراض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ودعم رقمنة الخدمات المصرفية لتوسيع الشمول المالي، مع إعداد برامج إشرافية وفنية مع شركاء دوليين لتحسين معايير العمل المصرفي.

تحديث الأطر الرقابية والتقنية
أكد حصرية وجود خطة لتحديث الأطر الرقابية والتشريعية بما يتماشى مع الممارسات المصرفية الدولية وإدخال متطلبات تقنية حديثة، تشمل تطوير البنية التحتية لأنظمة الدفع الإلكتروني، وتشجيع حلول الدفع عبر الهاتف المحمول، ووضع أطر تنظيمية للتقنيات المالية توازن بين الابتكار وحماية المستهلك وإدارة المخاطر.

تأثير الوضع الدولي
أشار حصرية إلى أن القيود على الوصول إلى الأسواق والتمويل الدولي، وتقلب أسعار الطاقة والسلع، والتوترات الجيوسياسية، جميعها تؤثر على الاقتصاد السوري عبر قنوات متعددة، لكنه لفت إلى أن إعادة الانخراط الإقليمي الأخيرة فتحت بعض قنوات التعاون والاستثمار التي قد تخفف هذه الضغوط تدريجياً إذا ترافقت مع إصلاحات داخلية.

التحويلات وتشجيع الاستثمار
أوضح حصرية أن التحويلات من المغتربين تمثل مصدراً مهماً للعملة الصعبة وتدعم الاستهلاك وتساهم في استقرار سعر الصرف إذا دخلت عبر قنوات رسمية، مؤكداً أن «المصرف» يعمل على تيسير وتحفيز القنوات الرسمية لتحويل الحوالات لتوجيهها إلى الاقتصاد بشكل أفضل.

وبيّن أن «المصرف» يدعم برامج تمويلية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وخطوط تمويل ميسرة للقطاعات ذات الأولوية كالزراعة وإعادة الإعمار والطاقة، ويشجع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، ويعمل على تبسيط إجراءات القروض المصرفية وتحسين الوصول إلى الائتمان من خلال فرض معايير ائتمانية مرنة ومدروسة.

تحسين مناخ الأعمال
اعتبر حصرية أن تحسين مناخ الأعمال لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية يحتاج إلى استقرار تشريعي وتنظيمي وحماية حقوق المستثمر، وتبسيط الإجراءات الإدارية والجمركية، وشفافية في القوانين الضريبية، وتسهيل الوصول إلى التمويل، مؤكداً أن التعاون الإقليمي والدولي ووجود آليات لضمان تسوية المنازعات والاستثمارات سيكونان محركين أساسيين لجذب المستثمرين.

الأهداف المستقبلية ودور المصرف في إعادة الإعمار
كشف حصرية أن الأهداف الاستراتيجية لـ«المصرف» في السنوات المقبلة تتضمن استعادة الاستقرار النقدي، والتحكم في التضخم، وإعادة بناء ثقة الجمهور بالنظام المصرفي، ودعم الانتعاش الاقتصادي عبر قنوات ائتمانية لقطاعات الإنتاج، وتحديث البنية التحتية لأنظمة الدفع والرقمنة، وتحسين الإطار الإحصائي والمعلوماتي لضمان سياسات مبنية على بيانات موثوقة.

وأكد أن للمصرف دوراً تمكينياً ومحورياً في دعم إعادة الإعمار الاقتصادي عبر توفير وسائل تمويلية ملائمة بالتنسيق مع الحكومة والجهات الدولية، وإدارة المخاطر المالية والاجتماعية لعمليات الإعمار، وتوفير نظم دفع وكفاءة مصرفية تدعم استثمارات إعادة الإعمار، والمشاركة في برامج تمويل مشتركة مع جهات مانحة ومؤسسات دولية لتقليل كلفة التمويل وتحفيز القطاع الخاص.

 التعاون السوري - السعودي
أوضح حصرية أن زيارته الأخيرة إلى الرياض ركزت على دعم التعاون المصرفي الثنائي بين «مصرف سوريا المركزي» و«البنك المركزي السعودي»، وتطوير آليات التسوية والدفع، وتشجيع الاستثمارات السعودية في قطاعات إعادة الإعمار، وفتح حسابات للمصارف السورية في المصارف السعودية الرائدة لتكون مصارف مراسلة، وتأسيس مصارف سورية بمشاركة مصارف سعودية، وفتح قنوات تمويل ومبادلات تجارية، لافتاً إلى أن لقاءات رفيعة المستوى عقدت مع الجهات السعودية المعنية، وأن الأطراف أبدت اهتمامها بتوسيع التعاون المصرفي والاقتصادي بين البلدين.

 

المصدر: الشرق الأوسط الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ