
جلسة تشاورية في وزارة الداخلية تبحث اعتماد هيكل تنظيمي جديد… إلغاء الأمن السياسي واستحداث إدارة لمكافحة الإرهاب
عقدت وزارة الداخلية السورية جلسة تشاورية موسعة بمشاركة حقوقيين مختصين وعدد من ضباط الشرطة المنشقين، وذلك في إطار التحضيرات النهائية لاعتماد الهيكلية الإدارية والأمنية الجديدة للوزارة، تمهيداً لرفعها إلى الجهات العليا لاعتمادها رسمياً.
وتهدف هذه الخطوة إلى بناء مؤسسة داخلية جديدة قائمة على الكفاءة والخبرة، تعكس متطلبات الواقع الأمني والإداري في سوريا ما بعد النظام البائد، وتكرّس مفهوماً جديداً للمؤسسة الأمنية يقوم على المهنية والشفافية والانضباط القانوني.
تفكيك الإرث الأمني للنظام السابق وإعادة هيكلة الجهاز الشرطي
وأوضح المحامي "عارف الشعال"، أحد المشاركين في الجلسة، أن وزير الداخلية أنس خطاب قدّم عرضاً تفصيلياً للهيكلية المقترحة، تضمنت إلغاء شعبة الأمن السياسي بالكامل، في خطوة وصفها بالشجاعة والضرورية "نظراً للدور القمعي الذي لعبته هذه الشعبة خلال العهد البائد".
كما تقرر استبدال إدارة الأمن الجنائي بإدارة جديدة تحت اسم "إدارة المباحث الجنائية"، مع توسيع طابعها الفني والتقني، وإنشاء "إدارة مكافحة الإرهاب" إلى جانب الإبقاء على إدارات مكافحة المخدرات والاتجار بالبشر.
وتتضمن الهيكلية الجديدة استبدال مسمى "الأمن العام" بـ "الأمن الداخلي"، مع اعتماد هيكل هرمي جديد بحيث يكون لكل محافظة مدير أمن داخلي، ولكل منطقة مدير فرعي تابع له. ومن أبرز التعديلات، بحسب الشعال، إلغاء منصب "مدير المنطقة" التابع لوزارة الداخلية واستبداله بشخصية مدنية تابعة للمحافظة، بما يخفف الاحتكاك الأمني المباشر مع السكان ويمنح العمل الإداري طابعاً مدنياً.
التحوّل نحو الحكومة الإلكترونية وتوسيع نطاق الخدمات الرقمية
وفي السياق ذاته، تم استعراض خطة الوزارة للتحوّل الرقمي، عبر إطلاق مشروع "الحكومة الإلكترونية"، بالتعاون مع الوزارات المختصة وشركات عالمية متخصصة في الحلول الرقمية. ومن المنتظر أن تتيح هذه الخطوة مستقبلاً إمكانية استخراج الوثائق الشخصية والحصول على أغلب الخدمات الحكومية إلكترونياً ومن المنزل.
وأكد الوزير خطاب أن العمل جارٍ على إعادة دمج عدد من الكوادر السابقة ذات السيرة الحسنة بعد إخضاعهم للتدريب، كما جرى مع بعض عناصر الهجرة والجوازات والمرور، في حين عاد بالفعل بعض المهندسين إلى قسم الجرائم المعلوماتية.
إصلاح شامل للسجون والتشريعات... ومحامٍ في التحقيقات الجنائية
وتطرقت الجلسة أيضاً إلى الصعوبات التقنية في تسجيل الواقعات ضمن سجل الأحوال المدنية، وسط ترجيحات بإطلاق تجربة أولى لهذه العملية بعد عيد الأضحى. كما كشفت الوزارة عن مراجعة شاملة للتشريعات الأمنية، وعلى رأسها قانون السجون الذي يعود لعهد الانتداب الفرنسي، مؤكدة أن القانون الجديد سيراعي المعايير الدولية وفق مواثيق الأمم المتحدة، مع اعتماد حضور المحامي أثناء التحقيقات، بما فيها القضايا ذات الطابع الأمني.
إلغاء الملايين من طلبات الملاحقة والمنع من السفر
وفي ملف المطلوبين والممنوعين من السفر، كشف الوزير خطاب أن عدد من طالتهم مذكرات توقيف ومنع من السفر خلال حكم النظام السابق بلغ أكثر من 8.2 مليون مواطن، وهو ما يعادل ثلث سكان البلاد. وأوضح أنه تم حذف أسماء نحو 5.2 مليون مواطن، معظمهم بسبب قضايا تتعلق بخدمة العلم، في حين تستمر معالجة أوضاع البقية، ومنهم ما يزيد على مليون موظف حكومي.
كما أشار إلى أن النظام السابق قام بتعميم أسماء معارضيه على الإنتربول الدولي، مقدماً للجانب اللبناني وحده لوائح باسم نحو مليونَي مواطن سوري، في إجراء وصفه بـ"الكيدي".
جهود لاستعادة الموقوفين في لبنان
وفي ختام الجلسة، تطرق الوزير إلى التحديات المتعلقة باستعادة الموقوفين السوريين في سجن رومية اللبناني، مؤكداً أن الوزارة تبذل جهوداً دبلوماسية وقانونية لتأمين إعادتهم إلى البلاد.
وزير الداخلية يعلن خطة شاملة لإعادة بناء القطاع الأمني وتطوير مؤسساته في سوريا
وسبق أن أعلن وزير الداخلية المهندس أنس خطاب، عن أبرز الإنجازات التي حققتها الوزارة منذ تسلّمه مهامه، كاشفًا عن خطة تطوير شاملة تشمل مختلف إدارات الوزارة وقطاعاتها الحيوية. وأكد أن هذه التحركات تأتي ضمن رؤية وزارة الداخلية لبناء مجتمع آمن ومستقر، يتمتع فيه المواطن بالحرية والكرامة، وترتكز على توحيد الجهود، وتجاوز التحديات الميدانية، والاستثمار الأمثل للطاقات البشرية والموارد المتاحة.
تثمين للجهود السابقة
وأعرب خطاب عن تقديره للجهود الكبيرة التي بُذلت منذ لحظة تحرير العاصمة دمشق، مشيدًا بالدور الذي أداه وزيرا الداخلية السابقان، الأستاذ محمد عبد الرحمن والمهندس علي كده، في إرساء دعائم العمل المؤسسي وتعزيز الأداء الأمني. ووجّه الشكر لجميع الكوادر العاملة في الوزارة، داعيًا إلى مواصلة العمل بروح جماعية ومسؤولية وطنية.
هيكلية جديدة للأمن والشرطة: توحيد القيادة وتسهيل الأداء
ضمن خطة تطوير العمل الأمني، أعلن الوزير عن اعتماد هيكلية جديدة على مستوى المحافظات، يتم من خلالها تعيين ممثل واحد لوزارة الداخلية في كل محافظة، يتولى مهام قيادة الأمن والشرطة معًا، بدلاً من ازدواجية الهيئات السابقة. وستتبع له جميع الفروع والمكاتب الأمنية في المحافظة، مما يتيح مرونة أكبر في اتخاذ القرار، ويُحسّن من كفاءة التنسيق والتعامل مع الملفات المحلية.
المباحث الجنائية: تحديث شامل وتطوير المختبرات
وفي إطار النهوض بعمل المباحث الجنائية، تم تكليف الإدارة المعنية بإعداد دراسة متخصصة لتطوير الأداء، تشمل تجهيز المخابر الجنائية بأحدث الأجهزة والتقنيات، بما يضمن رفع القدرة على كشف الجرائم وتحقيق العدالة بكفاءة، وقد باشرت اللجنة أعمالها فعليًا خلال الأيام الماضية.
مكافحة المخدرات: تفكيك إرث الكبتاغون الأسود
أوضح الوزير أنه تم عقد جلسة موسعة مع إدارة مكافحة المخدرات، جرى فيها تقييم الوضع الحالي، وطرح خطة لتأهيل الكوادر المختصة عبر دورات تدريبية متقدمة، بهدف التصدي لآفة المخدرات المنتشرة، لا سيما بعد تحويل سوريا سابقًا إلى مركز لإنتاج الكبتاغون من قبل شبكات إجرامية مدعومة من النظام البائد.
التحول الرقمي: قواعد بيانات ذكية وتطبيقات خدمية
وفي مجال التحول الرقمي، كشف خطاب عن انطلاق المرحلة الأولى لتطوير قاعدة بيانات الأحوال المدنية، وإنشاء منظومة إلكترونية لمعالجة الطلبات والمراسلات داخل الوزارة. كما يجري التنسيق مع وزارة الاتصالات لإطلاق تطبيقات إلكترونية خدمية تسهّل إجراءات المواطنين، وتُسهم في تقليص الوقت والجهد والكلفة.
نظام مروري ذكي وحلول للازدحام
على صعيد المرور، أعلن الوزير عن البدء بتنفيذ خطة لتحديث العمل المروري باستخدام تقنيات المراقبة الذكية، مثل كاميرات الرصد، وأجهزة قياس السرعة، وبرمجيات تتبع الحوادث والمخالفات. كما تمّت مناقشة حلول إسعافية للازدحامات في مدينة دمشق، وتُتابع اللجان المختصة حاليًا دراسة المقترحات وتحديد أولويات التنفيذ.
إدارة الهجرة والجوازات: استمرارية رغم التحديات
أكد الوزير أن إدارة الهجرة والجوازات واصلت عملها منذ اللحظة الأولى لتحرير دمشق، رغم الأضرار التي لحقت بمقرها. وقد تم استخراج أكثر من 160,000 جواز سفر خلال الفترة الماضية، ويجري العمل على تطوير الإدارة لما لها من ارتباط مباشر بحياة المواطنين اليومية وشؤونهم الإدارية.
مكافحة فلول النظام: إحباط مشروع انقلاب وتنسيق أمني موسّع
وكشف الوزير عن إحباط مشروع انقلاب كان يتم التحضير له من قبل مجموعة من ضباط النظام السابق، مؤكدًا أن الملف أصبح من الماضي، بفضل جهود القوات الوطنية وتعاون الشعب. وبيّن أن الوزارة بدأت بمراجعة المعلومات الاستخباراتية بالتنسيق مع وزارة الدفاع، كما تم الاتفاق على تعزيز التنسيق بين الإدارات المختصة بملاحقة الخارجين عن القانون.
إعادة هيكلة الوزارة: تطوير شامل للموارد والسياسات
ضمن إطار التخطيط الاستراتيجي، ناقشت الوزارة سُبل تطوير الهيكلية الإدارية، بما ينسجم مع المهام المستقبلية. وأوضح الوزير أن العمل جارٍ لرسم هيكل تنظيمي متكامل يُحدد العلاقة بين المديريات والفروع، ويواكب التغيرات الطارئة على مستوى الأمن والخدمات.
السجون: من أماكن احتجاز إلى مراكز تأهيل
أشار الوزير إلى أن ملف السجون يُمثّل أولوية خاصة نظرًا لحساسيته لدى السوريين، موضحًا أن الوزارة تسعى لتحويل السجون إلى بيئات تأهيلية حقيقية، عبر برامج إصلاح وإعادة دمج للموقوفين. وتم الاتفاق مع إدارة الإنشاءات على إعادة تأهيل المرافق الحالية بشكل مؤقت، إلى حين إنشاء مراكز جديدة تراعي حقوق الإنسان وتوفّر بيئة إنسانية وعدلية تحفظ كرامة المحتجزين.
دوائر شكاوى جديدة لخدمة المواطنين ومعالجة الإشكالات القانونية
في إطار تحسين آليات التواصل مع المواطنين ومعالجة القضايا اليومية، أعلنت وزارة الداخلية عن قرب إطلاق دائرة الشكاوى المركزية في مدينة دمشق خلال العشرين يومًا القادمة، وذلك بهدف استقبال مراجعات المواطنين، وتلقي شكاواهم، والعمل على معالجتها وفق الأطر القانونية المعتمدة.
تعزيز التعاون الدولي وتبادل الخبرات لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة
في إطار الانفتاح على التجارب الدولية وتطوير العمل المؤسسي، أوضح وزير الداخلية أنه تم إيفاد عدد من البعثات التخصصية إلى دول مختلفة للاطلاع على أحدث ما توصلت إليه العلوم الأمنية والشرطية، بهدف نقل الخبرات وتطبيقها بما يتناسب مع السياق السوري.
كما استقبلت الوزارة خلال الفترة الماضية وفودًا رسمية من عدة دول، جرى خلالها بحث سبل التعاون المشترك، وإطلاق برامج تدريب وتبادل خبرات، تُعزّز من كفاءة الكوادر وتساهم في الارتقاء بالعمل الأمني والشرطي.
وأكد الوزير تطلع الوزارة إلى مزيد من التنسيق والتعاون الإقليمي والدولي، ولا سيما مع دول الجوار، في ملفات حيوية مثل مكافحة تنظيم داعش، وضبط الحدود، والحد من انتشار المخدرات والجرائم المنظمة، مشدداً على أهمية العمل المشترك في مواجهة التحديات العابرة للحدود، وتحقيق الأمن الجماعي.
وأوضح الوزير أن هذه الخطوة تأتي ضمن رؤية الوزارة في تسهيل الوصول إلى العدالة، وتقديم الخدمات مباشرة للمواطنين، بما يضمن الإنصاف وسرعة الاستجابة. كما أشار إلى أن فرعًا مماثلًا سيتم افتتاحه قريبًا في مدينة حلب لتخفيف الضغط عن الأهالي، على أن تتوسع الشبكة لاحقًا بافتتاح فروع مماثلة في باقي المحافظات تدريجيًا، بما يضمن تغطية جغرافية شاملة لخدمة جميع المواطنين دون استثناء.
أكد الوزير أن وزارة الداخلية تمضي قدمًا بخطى واثقة نحو بناء جهاز أمني ومؤسساتي متطور، يُلبّي تطلعات السوريين، ويُرسّخ قواعد الأمن والعدالة، في ظل مرحلة انتقالية تفرض تحديات كبيرة، لكنها في الوقت ذاته تفتح آفاقاً واسعة لبناء مستقبل آمن وعادل لجميع أبناء الوطن.
وفي كلمته خلال مراسم إعلان الحكومة في 29 آذار 2025، أعلن وزير الداخلية أن وزارته ستعمل على إعادة بناء المؤسسات الأمنية على أسس حديثة تعزز الثقة بين المواطنين والأجهزة الأمنية. وأكد أن الأمن مسؤولية مشتركة بين الشعب والدولة، مشيرًا إلى أن الوزارة ستقوم بتحديث الشؤون المدنية، وإنشاء قاعدة بيانات وطنية دقيقة، مما يساهم في تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين. وأضاف أن هدفه هو إنشاء منظومة أمنية نظيفة تعتمد على أحدث التقنيات، وتحفظ كرامة المواطن السوري.