تقرير حقوقي : أحداث الساحل تكشف ثغرات في محاسبة كبار المسؤولين بسوريا
تقرير حقوقي : أحداث الساحل تكشف ثغرات في محاسبة كبار المسؤولين بسوريا
● أخبار سورية ٢٣ سبتمبر ٢٠٢٥

تقرير حقوقي : أحداث الساحل تكشف ثغرات في محاسبة كبار المسؤولين بسوريا

أعلنت ثلاث منظمات حقوقية دولية ومحلية – هيومن رايتس ووتش، وسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، والأرشيف السوري – أن التحقيقات التي أجرتها السلطات السورية الانتقالية بشأن أحداث مارس/آذار 2025، لم ترقَ إلى مستوى الشفافية المطلوبة، ولم تحدد بعد دور كبار القادة العسكريين والمدنيين في الانتهاكات الواسعة التي شهدتها محافظات الساحل وحماة.

انتهاكات موثقة على أساس الهوية

جاء التقرير المشترك، الصادر في 51 صفحة بعنوان “أنت علوي؟ الاستهداف القائم على الهوية خلال المرحلة الانتقالية في سوريا”، ليؤكد أن العمليات الأمنية الحكومية، التي بدأت في 6 مارس/آذار واستمرت حتى 10 منه على الأقل، أسفرت عن مقتل أكثر من 1,400 شخص، معظمهم من أبناء الطائفة العلوية الذين اعتُبروا موالين للنظام السابق.

وثّقت المنظمات، استنادًا إلى أكثر من 100 مقابلة وشهادات ميدانية، بالإضافة إلى مقاطع فيديو وصور أقمار صناعية، إعدامات ميدانية، وحرق منازل، ونهب ممتلكات، وإذلال ممنهج للمحتجزين. في بعض القرى، وُجه سؤال مباشر للضحايا: “هل أنت علوي؟”، ليحدد مصيرهم بين الحياة والموت .

دور وزارة الدفاع والقيادة العسكرية

أكد التقرير أن وزارة الدفاع أشرفت بشكل مركزي على العملية العسكرية، وحشدت عشرات آلاف المقاتلين من فصائل مختلفة، وحددت مناطق انتشارهم، وسهلت تسليم السيطرة لقوات الأمن العام بعد انتهاء التمشيط.

وأشار التقرير أنه ورغم عدم وجود أدلة على أوامر مكتوبة بارتكاب الانتهاكات، إلا أن استمرار التنسيق العسكري، حتى بعد شيوع أخبار المجازر، يُظهر – بحسب التقرير – تقصير القيادة وتقاعسها عن وقف الجرائم. وهو ما قد يرقى، وفق مبدأ مسؤولية القيادة، إلى مسؤولية جنائية مباشرة .

اللجنة الوطنية والتحقيقات الرسمية

في 22 يوليو/تموز، أعلنت “اللجنة الوطنية السورية للتحقيق في أحداث الساحل” أن 1,426 شخصًا قُتلوا خلال العمليات، وأن 298 مشتبهاً بهم أُحيلوا إلى القضاء. ورغم أن اللجنة اعترفت بوقوع فظائع جماعية، إلا أنها نسبت معظم الجرائم إلى “أعمال ثأرية شخصية”، وتجنبت معالجة مسؤولية المؤسسات والقيادات العليا، مكتفية بالتركيز على الأفراد.

المنظمات الحقوقية اعتبرت أن هذا النهج يمثل استمرارية لثقافة الإفلات من العقاب التي سادت في عهد الأسد، وإن كان في سياق جديد أكثر تعقيدًا.

شهادات من الميدان

تضمن التقرير روايات مباشرة لضحايا وناجين، من بينها شهادة امرأة من قرية برابشبو في ريف اللاذقية، قالت إن مسلحين اقتحموا منزلها في 8 مارس/آذار، وبعد أن تحققوا من هوية زوجها العلوية، أطلقوا النار عليه عند عتبة الباب دون أي استجواب إضافي.

كما تحدث مقاتلون سابقون عن إعدامات تمت فقط على أساس الهوية، وأكد بعضهم أنهم تلقوا أوامر غير مباشرة عبر غرف عمليات مرتبطة بوزارة الدفاع.

امتداد الانتهاكات إلى مناطق أخرى

لم تقتصر الانتهاكات على الساحل وحماة، بل امتدت أنماط الاستهداف والاعتقالات التعسفية إلى حمص وريفها قبل مارس/آذار، كما شهدت محافظة السويداء في يوليو/تموز إعدامات ونهباً وتدميراً للممتلكات على يد وحدات تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية .

توصيات حقوقية لإصلاح جذري

المنظمات الثلاث دعت الحكومة إلى خطوات عاجلة، أبرزها:
 • نشر التقرير الكامل للجنة تقصي الحقائق، مع حماية الشهود وضمان حقوق المتهمين.
 • شمول المحاكمات المسؤولية المؤسسية إلى جانب الجرائم الفردية.
 • إخضاع جميع الفصائل المسلحة لقيادة موحدة تحت إشراف مدني، وتدقيق خلفيات المقاتلين.
 • إقصاء المتورطين في الانتهاكات من المناصب، واعتماد مدونات سلوك واضحة.
 • التعاون مع آليات الأمم المتحدة، بما فيها اللجنة الدولية للتحقيق المستقلة والآلية الدولية المحايدة.
 • إنشاء آلية وطنية لجبر الضرر، تشمل التعويض المادي وإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي، وكشف الحقيقة أمام الضحايا وعائلاتهم .

أبعاد سياسية واجتماعية

أشارت المنظمات إلى أن انتهاكات مارس/آذار ليست حدثًا معزولاً، بل ذروة لانقسامات طائفية متجذرة وضعف في سيادة القانون ورثته البلاد من عهد الأسد. وأكدت أن عدم محاسبة القادة العسكريين والمدنيين يهدد بتكرار دوامات العنف، ويفتح المجال أمام جماعات متطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لاستغلال فراغ العدالة.

ويؤكد التقرير أن مستقبل سوريا في المرحلة الانتقالية يتوقف على مدى جدية الحكومة بقيادة الرئيس أحمد الشرع في ضمان العدالة الشاملة. فإما أن تشكّل هذه الخطوات أساسًا لإعادة بناء الثقة بين المكونات السورية، أو تتحول إلى حلقة جديدة من الإفلات من العقاب والعنف.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ