تفاقم الانقسامات في السويداء يكشف تآكل نفوذ حكمت الهجري واحتدام الصراع الداخلي
تفاقم الانقسامات في السويداء يكشف تآكل نفوذ حكمت الهجري واحتدام الصراع الداخلي
● أخبار سورية ١٤ أكتوبر ٢٠٢٥

تفاقم الانقسامات في السويداء يكشف تآكل نفوذ الهجري واحتدام الصراع الداخلي

تشهد محافظة السويداء منذ أسابيع سلسلة متسارعة من الأحداث التي كشفت عمق الخلافات داخل البيت الدرزي، وداخل المؤسسات التي أسسها الشيخ حكمت الهجري نفسه.

هذه الخلافات لم تعد محصورة في المواقف الدينية أو السياسية، بل تحوّلت إلى صراع نفوذ داخل الأجهزة العسكرية والإدارية التابعة له، وعلى رأسها الحرس الوطني، الذي أصبح اليوم مرآة لتفكك البنية التي بناها الهجري في السنوات الأخيرة.

اشتباكات داخل الحرس الوطني

بدأت القصة بتوتر داخل صفوف الحرس الوطني بين مجموعتين مسلحتين، إحداهما يقودها طارق المغوش والأخرى يتزعمها طارق خويص. الاشتباكات التي اندلعت بين المجموعتين كشفت هشاشة التنظيم العسكري وغياب القيادة الموحدة، إذ سُجّلت الغلبة الميدانية لمجموعة المغوش قبل أن تتدخل قيادة الحرس لاحتواء الموقف.

وفي العاشر من تشرين الأول صدر قرار إداري مفاجئ بإلغاء المكتب الأمني في قيادة الحرس، وتسليم مهامه إلى ضباط جدد يعينهم القائد العميد جهاد الغوطاني، أحد المقربين من الهجري. القرار نفسه أنهى عقود تسعة متطوعين بارزين بينهم المغوش وخويص، وأحالهم إلى القضاء بتهم تتعلق بمخالفات وانتهاكات داخل الجهاز العسكري.

محاولات التهدئة وتشكيك الشارع

وفي محاولة لاحتواء الجدل، أصدر المكتب الإعلامي للحرس الوطني بيانًا وصف ما جرى بأنه “سوء تفاهم إداري” مرتبط بإجراءات تنسيق لدخول جهة أجنبية إلى الجبل دون إذن مسبق، نافياً وجود أي انقسام داخل المؤسسة.

البيان شدد على وحدة الصف داخل الحرس وعلى التزامه بالقانون العسكري، لكنه لم يقنع الشارع المحلي ولا حتى طارق المغوش الذي كتب فيه حسابه الخاص على موقع فيس بوك بما يشي بعدم رضاه بالقرار، كما لم يقنع القرار حتى بعض المجموعات المحسوبة على الهجري، حيث اعتبره كثيرون محاولة لتلميع صورة جهاز يعيش صراعًا داخليًا مكتومًا.

اتساع الانقسام داخل السويداء

الانقسام لم يتوقف عند حدود الخلاف العسكري، بل تسرب إلى الشارع ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث طالبت صفحات محلية مقربة من الهجري بطرد عدد من القيادات الميدانية التي وُصفت بأنها “مرتزقة”، ودعت إلى “ضربهم بيد من حديد” لردع كل من يحاول إثارة الفتنة داخل السويداء. لكن هذا الخطاب التصعيدي لم ينجح في إخفاء حقيقة أن المؤسسة التي أنشئت تحت شعار “حماية الكرامة” أصبحت تعاني من انقسامات عميقة.

حادثة الطائرة تزيد التوتر

تزامن ذلك مع حادثة أخرى أثارت غضب الأهالي، عندما أطلقت عناصر من الحرس الوطني النار على طائرة مدنية ظنًا أنها مسيّرة معادية. الحادثة تسببت بإصابات بين المدنيين جراء الرصاص الراجع، وأحدثت حالة من الذعر في المدينة.

واعتبر كثير من السكان أن ما حدث يعكس فوضى السلاح وغياب الانضباط داخل الأجهزة التي تعمل باسم الهجري، وذهب آخرون إلى القول إن من يدّعون حماية الجبل أصبحوا خطرًا على أهله.

تسجيل حمشو يفضح الخلافات الداخلية

في هذه الأجواء، تصاعدت حدة الانتقادات الداخلية للقيادة الروحية، وكان التسجيل المصور لمشهور حمشو، رئيس منظمة لقاء جبل الريان، بمثابة الانفجار الأكبر الذي عرّى الخلافات من الداخل.

حمشو، المعروف بدعمه السابق للحراك المدني في ساحة الكرامة، أطلق هجومًا حادًا على الشيخ حكمت الهجري وابنه سلمان والمجموعة المحيطة به، متهمًا إياهم بالفساد، والعمالة للنظام، وسرقة المساعدات، والسيطرة على القرار المحلي باسم الدين.

اتهم حمشو الشيخ الهجري بأنه لا يملك قرارًا مستقلاً وأن أوامره تأتي من آل مخلوف وحسن جزان ومنصور جزان، ووصفه بأنه “دكتاتور أكثر من بشار الأسد بمليون مرة”، ,أشار حمشو إلى أن الهجري كان أحد ثلاثة مشايخ تعاونوا مع وفيق ناصر من أجل “قتل البلعوس” واحتلال الجبل. وقبل توليه المشيخة،مستعيدًا تاريخه حين كان، بحسب قوله، سمسار عقارات يسهر مع ضباط النظام.

وسرد في تسجيله تفاصيل عمليات تسليح جرت بعد التنسيق مع الهجري، قال إنها شهدت سرقات ونهبًا، إذ تم إسقاط نحو 500 قطعة سلاح بالمظلات من قبل اسرائيل، سُرق بعضها أثناء التنزيل، فيما وزعت 484 قطعة نصفها غير صالح للاستعمال. كما تحدث عن مساعدات مالية وصلت من “قسد” ومن جهات إسرائيلية، بلغت عشرات الآلاف من الدولارات، اتهم المقربين من الهجري بسرقتها أو التصرف بها بطرق غير قانونية.

شمل حمشو في اتهاماته شخصيات قريبة من الشيخ، مثل حسن جزان ولؤي ومهند بوفعور وأسامة وخلدون الهجري، واتهمهم بتشكيل دائرة مغلقة تدير كل مفاصل السلطة والمال والسلاح، واصفًا إياهم بـ“اللصوص والقوادين”.

كما انتقد اللجان القانونية والإغاثية التي شكلها الهجري، واعتبرها غطاءً لنهب المساعدات، وختم تسجيله بدعوة الوطنيين والمثقفين إلى التحرك لإنقاذ الجبل من “الفساد المستشري”، محذرًا من مستقبل خطير ينتظر السويداء إن بقيت تحت حكم رجال الدين الحاليين.

الرفض الشعبي لمصطلح “جبل باشان”

إلى جانب هذا الانفجار الإعلامي، برز موقف باسم أبو فخر، المتحدث باسم حركة رجال الكرامة، الذي أعلن رفضه العلني لتسمية “جبل باشان” التي استخدمها الهجري في بيانه الأخير. أبو فخر أكد أن أبناء الجبل ما زالوا عربًا وسوريين قبل أي انتماء آخر، وأن اسم “جبل العرب” هو رمز للهوية الوطنية والتاريخ المشترك.

ورغم خصومته السياسية مع دمشق، فإن موقفه عبّر عن رفض شعبي واسع لمحاولات الهجري ربط الجبل بخطاب توراتي أو ديني غريب عن بيئته، وأظهر أن الانقسام داخل الطائفة لم يعد بين الهجري ومعارضيه فقط، بل بين من يتمسكون بعروبة الجبل ومن يرون مستقبلهم خارج سوريا.

تقييد شيوخ العقل الآخرين

وتشير مصادر محلية إلى أن الشيخ حكمت الهجري بات يفرض سيطرته الكاملة على القرار الديني والإداري في السويداء، وأن شيوخ العقل الآخرين، يوسف جربوع وحمود الحناوي، تعرضوا لضغوط كبيرة وتم تقييد تحركاتهم، فيما تحدثت أنباء غير مؤكدة عن وضعهما تحت الإقامة الجبرية ومنعهما من ممارسة أي نشاط ديني أو اجتماعي مستقل.

وتشير الأنباء حسب نشطاء انه لم يشاهد أحد الجربوع والحناوي منذ إعلانهما الأخير الذي اتهم دمشق بتنفيذ المجازر في السويداء، كما أنه لم يظهرا في اي فعالية دينية او مدنية او مناسبة، وأكدت المصادر أن أي تحرك لهما يتم بالتنسيق مع الهجري وميلشياته فقط، كما تم منع جميع الزيارات عليهما، حتى أن لجنة التحقيق الدولية التي دخلت السويداء لم تلتقي بهما حسبما أكدت المصادر.

شرف الدين يكرّس خطاب التخويف

بالتوازي مع كل الجدل في السويداء، بين من يقف مع الهجري بكل سياسته وبين ما يعارض بعضها وبين يقف في وجهه تمامًا، يصعد هنا الإعلامي ماهر شرف الدين من لهجته الدفاعية عن الشيخ الهجري، معتبرًا أن الأخير “رمز وجودي لا يجوز المساس به”، وأن أي نقد له هو “خيانة” للطائفة.

هذا الخطاب، الذي يخلط بين القداسة الدينية والولاء السياسي، اعتبره محللون محاولة ممنهجة لتأليه الهجري وتحويله إلى زعيم غير قابل للنقد، بما يكرّس حالة استقطاب خطيرة داخل الطائفة الدرزية، ما يعني تهديدًا مبطنًا لجميع الدروز حتى أولئك الذين يحاولون مجرد التصويب والنقد البنّاء.

خطاب شرف الدين يحمل تهديدًا لجميع من يحاول من الدروز التطاول على شخص الهجري، ويضعه في خانة الخيانة بمجرد التحدث عنه بأي شيء يمس توجهاته، وهو ما يراه الكثيرون حتى من أبناء الطائفة الدرزية محاولة لخلق “آله” أو على أقل تقدير طاغية جديد بطابع ديني.

السويداء إلى أين؟

في المحصلة، تبدو السويداء اليوم في حالة تفكك داخلي غير مسبوقة. قوات الحرس الوطني التي رُفعت شعاراتها باسم الدفاع عن الكرامة أصبحت تعاني من صراعات النفوذ، والمرجعية الدينية ممثلة بالهجري التي يفترض أنها توحّد أبناء الطائفة باتت التي تفككها و غارقة بالفساد.

أما الشارع في السويداء وبالأخص الدرزي منه فغارق في الشك، يتأرجح بين الخوف من استبداد الهجري وفساد ميليشياته، وبين تخوف من المستقبل في ظل غياب أي رؤية سياسية صالحة للتنفيذ، وتبقى الحقيقة الأوضح أن السويداء تمضي في طريق خطير من الانقسام الداخلي، وأن حكمت الهجري، الذي كان يُنظر إليه كمرجع روحي، يقف اليوم على رأس منظومة تتهاوى من الداخل، فيما تتكاثر الأصوات التي تحذّر من أن الجبل يُقاد إلى مصير مجهول لا يعرف الهجري نفسه أين سينتهي به.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ