
تحقيق لـ "رويترز" يوضح كيف هرَّب "بشار" ثروته ووثائق سرية إلى دولة عربية قبل سقوط نظامه
كشفت وكالة "رويترز" في تحقيق استقصائي موسّع، تفاصيل عملية تهريب سرية قادها رأس النظام السوري السابق الإرهابي "بشار الأسد" قبل أيام من انهيار نظامه في ديسمبر/كانون الأول 2024، شملت نقل أموال نقدية ضخمة، ووثائق سرية، ومقتنيات ثمينة، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، على متن طائرة خاصة، بمساعدة مقربين منه، وتحت غطاء أمني مشدد.
شبكة تهريب عبر طائرة خاصة.. أربع رحلات خلال 48 ساعة
وفقاً لتصريحات أكثر من 14 مصدراً مطلعاً على العملية – من بينهم ضباط سابقون في المخابرات الجوية والحرس الجمهوري، وموظفون في مطارات سورية، وأفراد من شبكة أعمال الأسد – فإن يسار إبراهيم، المستشار الاقتصادي الخاص للأسد، أشرف على تنسيق العملية. إبراهيم، الذي تولى إدارة المكتب المالي والاقتصادي للرئاسة، كان أحد الوجوه البارزة في منظومة الأسد الاقتصادية، ويُعد "واجهة مالية" للنظام.
استُخدمت طائرة من طراز "Embraer Legacy 600"، مسجلة في غامبيا تحت الرقم التعريفي C5-SKY، لتنفيذ أربع رحلات متتالية بين دمشق وأبوظبي، خلال 6 إلى 8 ديسمبر 2024، أي قبل يوم من انهيار النظام وفرار الأسد إلى روسيا.
محتويات الطائرة: أموال ووثائق سرية
كشفت مصادر التحقيق أن الطائرة حملت في رحلاتها المتتالية:
- مبالغ نقدية لا تقل عن 500 ألف دولار
- أجهزة كمبيوتر محمولة ومحركات أقراص صلبة تحتوي على معلومات حساسة تتعلق بـ"المجموعة"، وهو الاسم الرمزي لشبكة الكيانات التجارية التي يديرها الأسد.
- سجلات مالية، ومحاضر اجتماعات، وبيانات تحويلات بنكية، ووثائق تتعلق بملكية عقارات وشركات
- مقتنيات ثمينة ولوحات فنية ومنحوتات صغيرة
إشراف أمني مباشر: المخابرات الجوية والحرس الجمهوري
تمركزت وحدات من المخابرات الجوية، المعروفة بدورها في قمع الثورة، في مطار دمشق الدولي لحماية قاعة كبار الزوار أثناء تحضير الرحلات. كما شاركت وحدات من الحرس الجمهوري، الذي يخضع مباشرة لبشار الأسد، في تأمين العملية، ما أكد ضلوع الأسد شخصياً في إصدار أوامر التهريب، بحسب مصادر استخباراتية.
مدير أمن المطار، العميد غدير علي، طلب من العاملين "عدم الاقتراب من الطائرة"، وصرّح لهم: "أنتم لم تروا شيئاً"، وفق شهادة محمد قيروط، رئيس العمليات الأرضية للخطوط الجوية السورية.
دور السفارة الإماراتية
في واحدة من الرحلات، أُبلغت رويترز أن سيارات تابعة لسفارة الإمارات في دمشق وصلت إلى المنطقة الخاصة بكبار الزوار، وهو ما اعتبره ضباط سابقون "إشارة على أن الإمارات كانت على علم بالعملية، أو سهّلتها بشكل غير مباشر"، كما أن الطائرة كانت تهبط وتقلع من مطار البطين في أبوظبي، وهو مطار مخصص لكبار الشخصيات ومعروف بسرية إجراءاته.
من دمشق إلى حميميم: الهروب الأخير
في فجر الثامن من ديسمبر 2024، وبعد أن أصبحت العاصمة دمشق على وشك السقوط بأيدي قوات المعارضة، فر الأسد من قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية إلى روسيا. الطائرة ذاتها التي استخدمت في نقل الأموال والوثائق، عادت لتحمل الأسد ومقربين منه إلى خارج البلاد.
أظهرت صور أقمار صناعية التُقطت في تمام الساعة 09:11 صباحاً وجود الطائرة C5-SKY على مدرج حميميم. وبينما اختفت الطائرة عن أجهزة تتبع الطيران لعدة ساعات، عادت للظهور مجدداً وهي تحلّق فوق حمص في طريقها إلى أبوظبي.
شهادات ومراسلات
اطلعت "رويترز" على: مراسلات عبر تطبيق "واتساب" بين معاونين ليسار إبراهيم، ووثائق ملكية شركات في ثلاث قارات، وبيانات الرحلات الجوية وسجلات المطارات، ومقابلات مع ضباط ومصادر على دراية مباشرة بالعملية.
من كانوا على متن الرحلات؟
بحسب المصادر، شملت الرحلات "أقارب بشار الأسد من الدرجة الأولى، موظفين في القصر الجمهوري منهم "أحمد خليل خليل"، وهو أحد المقربين من يسار إبراهيم، والذي وصل إلى مطار حميميم في سيارة مصفحة تابعة لسفارة الإمارات، حاملاً حقيبة تحتوي على 500 ألف دولار. خليل يخضع لعقوبات دولية بتهمة إدارة شركات تدعم النظام السابق.
الحكومة السورية الجديدة: نلاحق الأموال المهربة
في تعليق رسمي لوكالة "رويترز"، أكد مسؤول بارز في الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، أن الدولة تعمل على تتبع واستعادة الأموال العامة المهربة قبيل سقوط الأسد، مشيراً إلى أن العملية كانت ممنهجة وتهدف إلى حماية ثروات النظام وقياداته.
وقال المسؤول: "نحن ملتزمون باسترجاع أموال السوريين المنهوبة، ومحاسبة كل من ساهم في تهريبها أو التستر عليها".
صمت رسمي روسي وإماراتي
وفق "رويترز" حتى تاريخ نشر التقرير، لم يصدر أي تعليق رسمي من وزارتي الخارجية في روسيا أو الإمارات، رغم إرسال رويترز طلبات رسمية للتوضيح بشأن العملية.
وتكشف هذه العملية عن مدى تعقيد شبكة الفساد التي أسسها النظام السابق، وتحالفاته السياسية والأمنية، والتي استخدمها للهروب بموارده إلى الخارج قبل انهياره. وبينما تسعى الحكومة الجديدة إلى استعادة الأموال وتفعيل العدالة الانتقالية، يبقى ملف "الهروب الكبير" شاهداً على نهاية نظام استمر لعقود على أنقاض الدولة السورية.