
تحديات التنمر: تأثيراته النفسية على النساء العاملات في ظل الحرب السورية
عانت العائلات السورية خلال الحرب من أعباء اقتصادية ثقيلة، تجسّدت في الغلاء وانهيار قيمة العملة السورية، إلى جانب تحديات أخرى كفقدان المعيل والنزوح. هذه الظروف دفعت آلاف النساء لدخول سوق العمل بمختلف مجالاته، متحديات أعبائه لتأمين احتياجات أسرهن اليومية.
لكن هؤلاء النساء واجهن عقبات عديدة، أبرزها التنمر من بعض الأفراد، سواء في بيئة العمل أو في المجتمع المحيط، مما تسبب في أذى نفسي، أثّر على أدائهن، وانعكس سلباً على علاقاتهن الاجتماعية. في هذه المادة، نستعرض أشكال التنمر وآثاره من خلال قصص ميدانية جمعناها خلال إعداد هذا الموضوع.
نزحت ربا المحمد من قريتها بريف إدلب الجنوي عام 2019، لتستقر في مخيم تابع لقرية قاح بريف إدلب الشمالي، حيث واجهت ظروفاً معيشية قاسية، وتحمّلت مسؤولية إعالة أسرتها بمفردها، إذ يعاني زوجها من مرض الديسك الذي يمنعه من العمل. لاحقاً، سنحت لها فرصة العمل مع إحدى المنظمات الإنسانية براتب جيد، لكن فرحتها لم تكتمل بسبب تعرضها للتنمر من زميل في العمل.
تقول ربا: "كان يردد كلاماً جارحاً باستمرار، مثل أن الزوج الجيد لا يسمح لزوجته بالعمل، وأن من يفعل ذلك طماع، وأن المرأة يجب أن تبقى في المنزل للطبخ والتنظيف والغسيل، وإذا خرجت فإنها تتعرض للتدهور برأيه".
تعرضت أم أحمد لتجربة مشابهة لكن بصورة مختلفة، حيث قررت العمل في ورشات زراعية بعد نزوحها من كفرزيتا بريف حماة الشمالي قبل سنوات، إذ لم تجد فرصة عمل أفضل. عمل زوجها في بيع الدراجات النارية بشكل حرً لم يكن كافياً لتغطية نفقات الأسرة، إلا أنها اصدمت بنظرات الجيران والأقارب وانتقاداتهم السلبية.
تقول أم أحمد المُقيمة في مخيم تابع لمدينة أطمة: "عندما أكون في السيارة مع العاملات، بينما التراب والغبار يغطي ملابسنا، ينظر إلينا البعض بفوقية كأننا اخترنا هذا العمل برغبتنا. وصلت إلى درجة صرت أضع لثاماً على وجهي كي لا يتعرف عليّ أحد ولا أشعر بالحرج".
وفقاً لأخصائيين نفسيين، يُسبب التنمر على النساء تأثيرات نفسية سلبية عميقة تؤثر على حياتهن الشخصية والمهنية. من أبرزها انخفاض الثقة بالنفس، حيث يدفع التنمر النساء للتشكيك في قدراتهن وقيمتهن الذاتية. كما أن التعرض المستمر للتنمر قد يؤدي إلى القلق والتوتر المزمنين، مما قد يدفع بعض العاملات إلى الانعزال عن الآخرين لتجنب التعليقات الجارحة.
تؤكد ناشطات اجتماعيات أن عمل المرأة، في إطار الأعراف والتقاليد، يستحق الاحترام والفخر، لاسيما أنها تساهم في مكافحة الفقر وتحمل أعباء الحرب، ساعيةً لتحسين الوضع المعيشي لأبنائها وأسرتها من خلال تحمل مسؤوليات إضافية على حساب وقتها وجهدها.
دعت الناشطات إلى مكافحة التنمر ووضع حد له، واقترحن عدة حلول، أبرزها أن تتقدم المرأة التي تتعرض للتنمر من زميل في مؤسسة أو منظمة بشكوى إلى إدارة الموارد البشرية. كما نصحن بتجاهل الآراء الجارحة تماماً أو الرد عليها بأسلوب مناسب.
ربا صبرت على تنمر زميلها لفترة، ثم رفعت شكوى بحقه في قسم الموارد البشرية، وبعد التحقق من الموضوع تم توجيه إنذار له، تُعلّق بالقول: "توقف عن كلامه المزعج وتغيّرت معاملته بالكامل، وصار لا يتحدث معي إلا عند ضرورات العمل".
كما تم اقتراح تنظيم حملات توعوية في المجتمعات والمؤسسات لتسليط الضوء على آثار التنمر وتعزيز ثقافة الاحترام والمساواة بين الجنسين، مع التركيز على دور المرأة العاملة كجزء أساسي من التنمية، وتقديم برامج توعية تستهدف الرجال في المجتمع والعمل لتغيير الصور النمطية حول أدوار المرأة، وتشجيعهم على دعم زملائهم النساء.
يُعد التنمر في بيئة العمل أو بسبب طبيعته إحدى العقبات البالغة التي تواجهها النساء، مما يُخلف آثاراً نفسية وسلبية تنعكس على حياتهن الشخصية والمهنية، وقد تدفعهن أحياناً إلى تراجع الأداء الوظيفي أو حتى التخلي عن العمل. تتطلب هذه الظاهرة جهوداً مكثفة للتثقيف والتوعية للقضاء عليها وردع المتنمرين، لضمان بيئة عمل داعمة ومحترمة.