“خطر التفرد ومآلات الانقسام”.. صراع شيوخ العقل يهدد بتفجير الفصائل مجددًا في السويداء
“خطر التفرد ومآلات الانقسام”.. صراع شيوخ العقل يهدد بتفجير الفصائل مجددًا في السويداء
● أخبار سورية ٢٧ يوليو ٢٠٢٥

“خطر التفرد ومآلات الانقسام”.. صراع شيوخ العقل يهدد بتفجير الأوضاع في السويداء

رغم ما بدا في ظاهر المشهد من “استقرار نسبي” أعقب الاشتباكات الطائفية الدامية في محافظة السويداء، فإن الواقع الميداني والسياسي يشير إلى أن المحافظة لا تزال فوق برميل بارود، مرشّح للانفجار في أية لحظة، ليس فقط بفعل التدخلات الخارجية أو الفوضى الأمنية، بل نتيجة تصدّع داخلي عميق داخل البنية الدينية والقيادية للطائفة الدرزية، وهو تصدّع قد يتحوّل إلى صدام مفتوح بين الفصائل المسلحة ذات الولاءات المتباينة.

الهجري في مواجهة الحناوي والجربوع.. نهاية الإجماع؟

في ظل تصاعد نفوذه خلال الأشهر الماضية، يسعى الشيخ حكمت الهجري، أحد شيوخ عقل الطائفة الدرزية، إلى تكريس موقعه كقائد روحي وسياسي أوحد للطائفة، متجاوزًا بذلك النموذج التاريخي القائم على توافق “ثلاثي المرجعية” بينه وبين الشيخين حمود الحناوي ويوسف الجربوع.

ووفقًا لمصادر مطّلعة، فإن الهجري بات يتصرف كـ”مرجعية مطلقة”، يصدر المواقف والقرارات باسم الطائفة دون مشاورة أو تنسيق، ويستخدم شبكة من الفصائل المسلحة التي تدين له بالولاء لتنفيذ أجنداته، بما في ذلك ممارسات أمنية، وانتهاكات ضد المعارضين، وحتى ترويج مطالب سياسية خارج الإجماع الوطني.

لكن هذه الهيمنة تواجه اعتراضاً مكتوماً من الشيخين الآخرين، الحناوي والجربوع، اللذين ما زالا يتمتعان بتأييد شعبي معتبر، ويمثلان قاعدة اجتماعية وروحية ترفض اختزال القرار بيد شخص واحد. ويشير مقربون من المحيط الديني في السويداء إلى أن أي قرار مصيري كان في الماضي لا يُتخذ إلا بموافقة الشيوخ الثلاثة، وأن نسف هذا المبدأ قد يؤدي إلى شقّ الطائفة وفتح أبواب الصدام الداخلي.

نموذج على التفرد: بيان اللجان والمتحدث الرسمي

في خطوة عُدّت محاولة مباشرة للهيمنة على القرار العام في السويداء، أعلنت “الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز” – التي يقودها الشيخ حكمت الهجري – يوم السبت 26 تموز/يوليو، عن تشكيل لجان محلية لإدارة شؤون المحافظة، وتعيين شخص يُدعى “مروان رزق” كمتحدث رسمي باسم الرئاسة.

غير أن البيانين لم يصمدا أكثر من 18 ساعة، حيث تم حذفهما لاحقًا بشكل مفاجئ دون أي توضيح، في تراجع نادر من الهجري، فُسّر على نطاق واسع بأنه جاء نتيجة رفض الشيخين يوسف الجربوع وحمود الحناوي لهذه القرارات، التي صدرت دون مشورتهم، وفي خرق واضح للأعراف الراسخة داخل الطائفة.

هذه الحادثة ليست فقط دليلاً على نية الهجري فرض إدارة موازية بقرار منفرد، بل أيضًا تؤكد أن محاولات احتكار القرار تصطدم بجدار الرفض الصامت من شركاء الزعامة، الذين ما زالوا يحتفظون بشرعية لا يمكن تجاوزها، مهما اتسع نفوذ القوة.

الفصائل على خطوط الانقسام: من الولاء إلى التململ

تنعكس هذه الانقسامات الدينية بشكل مباشر على بنية الفصائل المسلحة في السويداء، التي تنقسم اليوم إلى تيارات وفئات متباينة:
• فصائل تدين بالولاء للهجري، أبرزها ميليشياته المباشرة، والمجلس العسكري، وبعض المجموعات التي استفادت من الدعم الإسرائيلي. هذه الفصائل تعتبر الهجري قائدًا شرعيًا وتتبنى خطابه بالكامل، بما فيه دعوات “الحماية الدولية” ورفض عودة الدولة المركزية.

• فصائل مستقلة نسبياً، مثل حركة “رجال الكرامة” التي تمرّ بانقسامات داخلية، وقوات “شيخ الكرامة”. وتجدر الإشارة إلى أن بعض قادة هذه الحركة، ومنهم ليث البلعوس، سبق أن تبرأت منهم قيادات في الفصيل، مما يعكس تعقيد المشهد.

• مقاتلون مسلحون يتبعون بشكل مباشر لشيخي العقل يوسف الجربوع وحمود الحناوي، وقوتهم أيضًا لا يُستهان بها، إلا أنهم بالتأكيد ليسوا بقوة الهجري العسكرية.

• مدنيون حملوا السلاح ضمن حملات التجييش الطائفي، نتيجة الانتهاكات التي ارتكبها أفراد غير منضبطين في الجيش والأمن الداخلي. هؤلاء المدنيون غير مستعدين للدخول في أي اقتتال بين الفصائل.

هذا التعدد الفصائلي يحمل في طياته بذور اشتباك قادم، خصوصًا مع تصاعد مخاوف فصائل وقادة محليين من أن الهيمنة الدينية التي يسعى الهجري لفرضها قد تتحوّل إلى قرار مركزي يطال كل مفاصل الحياة في السويداء، بما في ذلك العمل العسكري، والتمثيل السياسي، والعلاقة مع الدولة وإسرائيل ودول الجوار.

تحذيرات من الداخل والخارج

في هذا السياق، خرج الشيخ ليث البلعوس – أحد أبرز القادة الميدانيين في “رجال الكرامة” – بتصريحات حذّر فيها من اختطاف قرار الطائفة، وتغوّل شبكات الفساد وتهريب المخدرات داخل الفصائل، ووجود أجندات مشبوهة مرتبطة بإسرائيل. كما أعلن عن لقاءات جمعته بمسؤولين في مجلس الشيوخ الأميركي، سعياً لفضح محاولات تقسيم المحافظة وتفكيك وحدة البلاد.

وفي الموازاة، وجه الزعيم اللبناني وليد جنبلاط انتقادات لاذعة للهجري، واتهمه بالسعي لإقامة “حكم طائفي” يمهّد للتقسيم، محذرًا من خطر استبعاد باقي مكونات المجتمع، ولا سيما العشائر البدوية الذين تعرّضوا لانتهاكات جماعية خلال المعارك الأخيرة. كما دعا شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان، سامي أبي المنى، إلى الحوار الشامل، معربًا عن استعداده لأداء دور الوسيط بين الشيوخ الثلاثة.

السيناريوهات المحتملة: هدنة هشة أم انفجار وشيك؟

• استمرار الهجري في احتكار القرار قد يؤدي إلى رفض علني من بعض الفصائل، أو حتى انشقاق مسلح، خاصة إذا شعر الحناوي والجربوع بالتهديد المباشر لموقعهما الديني.

• عودة الصراع بين الفصائل، في حال حاول الهجري إقصاء “رجال الكرامة” أو فرض هيمنة على الملف الأمني، خاصة أن هذه الحركة تحتفظ بقدرة قتالية وعمق اجتماعي لا يُستهان به.

• انفجار الصراع على خلفية التدخلات الخارجية، إذ قد ترى أطراف وطنية داخل السويداء أن مشروع الهجري لم يعد مجرد قيادة دينية، بل بوابة لتفكيك سوريا وإعادة رسم خرائطها الطائفية.

• تمكن الهجري من السيطرة على قرار السويداء وإخضاع شيوخ العقل وفرض نفسه القائد الأوحد لجميع أبناء الطائفة الدرزية في السويداء، وربما يعمل على فرض نفسه لاحقًا على كل أبناء الطائفة الدرزية في كامل المنطقة.

السويداء ليست مستقرة كما تبدو. فالخلاف بين شيوخ العقل الثلاثة، وتحركات الهجري للتفرّد بالزعامة، لا تهدد فقط وحدة الطائفة، بل قد تشعل مجددًا نار الاقتتال بين الفصائل المسلحة، وتفتح الباب أمام فوضى قد تمتد إلى عمق الجنوب السوري. إن الحفاظ على السلم الأهلي في المحافظة يتطلب عودة مبدأ الإجماع والتشاركية، بعيدًا عن نزعة الاحتكار والتفرد، وقبل أن تتحوّل السويداء إلى ساحة مواجهة جديدة بين أبناء البيت الواحد.

 

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ