تأكيداً لدورهم وتكريمهم .. "الشرع" يستقبل علماء دمشق "الرفاعي والنابلسي" في قصر الشعب
استقبل "أحمد الشرع" قائد الإدارة المدنية الجديدة في سوريا، في قصر الشعب بدمشق، الشيخ "أسامة عبد الكريم الرفاعي" المفتي العام للجمهورية العربية السورية الحرة، بعد انتخابه من قبل "المجلس الإسلامي السوري ومجلس الافتاء" عام 2021، سبق ذلك استقبال "الشرع" للدكتور "محمد راتب النابلسي"، أعطت هذه المبادرات حالة ارتياح وإشادة شعبياً، لما فيها من تكريم لقامات دينية سورية، اتخذت مواقف صريحة في مواجهة نظام الأسد البائد.
ولعل الخطوات التي قام بها "الشرع" يمكن النظر إليها من باب تعزيز دور علماء الدين، لما له من أثر كبير في المجتمع، سواء من الناحية الدينية أو الاجتماعية أو السياسية، فعلماء الدين يلعبون دورًا أساسيًا في نشر القيم الأخلاقية والدينية التي تعزز من تماسك المجتمع واستقراره، من خلال الدروس الدينية، والخطب، والمواعظ، يساهم العلماء في تذكير الناس بأهمية القيم مثل العدالة، والرحمة، والأمانة، والتسامح، وهو ما يعزز بناء مجتمع متماسك يحترم القوانين والحقوق.
ويلعب علماء الدين دورًا محوريًا في تعزيز الوحدة الوطنية والتعايش السلمي بين الأفراد، في المجتمعات المتنوعة دينيًا وثقافيًا، وهم قادرون على توجيه الرسائل التي تشجع على احترام الآخر، والتعايش بين مختلف الطوائف والمذاهب، بما في ذلك عبر نشر التفاهم المشترك والتسامح بين الأديان، وكان التقى "الشرع" بشخصيات دينية درزية ومسيحية ومن طوائف أخرى، وأكد على دورهم في بناء سوريا الجديدة.
سيرة الشيخ أسامة الرفاعي
والشيخ "أسامة الرفاعي" من أصول دمشقية، ويعدّ من الشخصيات البارزة في الساحة الإسلامية في سوريا والعالم العربي، وُلد في دمشق في عام 1961، وهو ينحدر من أسرة دينية معروفة في المدينة، بدأ الشيخ أسامة دراسته في العلوم الشرعية منذ سن مبكرة، حيث التحق بجامع زين العابدين في دمشق، ثم أكمل دراسته في جامع الأزهر الشريف في مصر، حيث حصل على شهادة الماجستير في الشريعة الإسلامية، يشتهر الشيخ بالعديد من مؤلفاته ودروسه التي تهتم بمختلف قضايا الفكر الإسلامي، ويُعتبر من أبرز علماء الشام في العصر الحديث.
موقفه من الثورة السورية
الشيخ أسامة الرفاعي كان من أوائل العلماء الذين أبدوا موقفًا واضحًا تجاه أحداث الثورة السورية التي انطلقت عام 2011. في البداية، كان الشيخ داعمًا لمطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة والإصلاح السياسي، حيث أكّد في العديد من تصريحاتاته على ضرورة تحقيق التغيير السلمي والديمقراطي في البلاد، كما كان من المؤيدين للمظاهرات الشعبية السلمية التي كانت تطالب بالحقوق السياسية والاقتصادية.
مع مرور الوقت، ومع تصاعد العنف والاشتباكات بين النظام السوري والمحتجين، بدأ الشيخ أسامة الرفاعي يُعبّر عن موقفه المعارض للنظام، داعيًا إلى التمسك بالوحدة الوطنية وتجنب الاقتتال الطائفي. إلا أنه سرعان ما قرر أن يُمضي في مسار تأييد الثورة السورية بشكل أكبر، مُدافعًا عن حقوق الشعب السوري في تقرير مصيره.
وعبّر في كثير من تصريحاته عن حزنه لما آلت إليه الأوضاع في سوريا من تدمير وقتل، داعيًا المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية إلى التدخل من أجل وقف المذابح التي يرتكبها النظام. كما عمل على تشكيل دعم معنوي للثوار السوريين عبر فتوى تؤكد مشروعية الثورة والاحتجاجات ضد النظام السوري.
ويذكر أن الشيخ "الرفاعي" يرأس المجلس الإسلامي السوري، وهو الابن الأكبر للعلامة الراحل "عبد الكريم الرفاعي"، حيث لازم والده، وقدم شرحا لعدد من الكتب، وتنقّل بين عواصم إسلامية أثناء مسيرته الدعوية، وهو شقيق الدعية "سارية الرفاعي" الذي دفن في دمشق قبل يومين، وشارك "الشرع" في تقديم واجب العزاء بوفاته إلى جانب عدد من المسؤولين في الإدارة الجديدة.
سيرة الدكتور "محمد راتب النابلسي"
أما الدكتور "محمد راتب النابلسي" هو أحد أبرز العلماء والمفكرين في العالم العربي في مجال العلوم الإسلامية، وُلد في مدينة دمشق في سوريا عام 1938، بدأ دراسته الدينية في مرحلة مبكرة من حياته، حيث تعلم في مدارس دمشق التقليدية ومن ثم حصل على شهادة الثانوية العامة. بعد ذلك، توجه إلى جامعة دمشق حيث درس الشريعة الإسلامية، ليتخرج منها بشهادة في العلوم الدينية.
واصل النابلسي تعليمه العالي في مجال الشريعة الإسلامية، حيث أكمل دراسته في المملكة المتحدة، حيث حصل على شهادة الماجستير في الدراسات الإسلامية من جامعة لندن. كما قام بدراسة أعمق في علم التفسير وعلوم الحديث.
شغل النابلسي عدة مناصب أكاديمية ودينية خلال مسيرته. عمل كأستاذ في كلية الشريعة بجامعة دمشق، بالإضافة إلى عمله كإمام في المساجد، حيث أصبح له حضور قوي في مجال الدعوة الإسلامية، كما أن له العديد من المحاضرات والدروس التي تنشر على نطاق واسع في العالم العربي والإسلامي، وله تأثير كبير في العديد من الدوائر العلمية والدينية.
موقف النابلسي من الثورة السورية
منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، اتخذ الدكتور محمد راتب النابلسي موقفًا معارضًا لنظام بشار الأسد، وكان أعرب عن رفضه للحكومة السورية في ذلك الوقت، وأكد على أن النظام غير قادر على تحقيق التغيير والإصلاح في البلاد، كما وصف ما يحدث في سوريا بأنه "ثورة من أجل الحرية والكرامة" داعيًا إلى ضرورة دعم الشعب السوري في نضاله من أجل حقوقه وحرياته، وقد طالب النابلسي بضرورة وقف العنف والقتل في سوريا، واعتبر أن تحقيق الديمقراطية والإصلاح السياسي في سوريا أمر لا بد منه.
ومع مرور الوقت، واصل النابلسي انتقاداته للنظام السوري ولما اعتبره استبدادًا، ودعا إلى تطبيق العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان في سوريا، كما كان يعبر عن استيائه من التدخلات الخارجية التي تستهدف الشعب السوري وتزيد من تعقيد الوضع في البلاد، وعاد النابلسي إلى دمشق عقب سقوط نظام الأسد، واستقبله الآلاف من الدمشقيين في مسجد النابلسي في العاصمة دمشق بحفاوة كبيرة.
ولعلماء الدين، دور فاعل وريادي في توجيه المجتمع السوري، ولهم تأثير كبير على مختلف شرائح المجتمع إذا استطاعت الإدارة السورية الجديدة بناء علاقة إيجابية معهم، يمكن أن يسهم ذلك في تعزيز الاستقرار الاجتماعي وتعزيز الثقة بين السلطة والشعب، ويمكن أن يساهم العلماء في تقليص التوترات الطائفية والمجتمعية من خلال تعزيز قيم الوحدة والعدالة.
بشكل عام، يعتبر التقرب من العلماء استراتيجية مهمة للمساهمة في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في سوريا، خاصة في مرحلة ما بعد الحرب، حيث يسهمون في توجيه المجتمع نحو مستقبل أفضل قائم على التسامح والتعايش والعدالة.
كيف استخدم نظام الأسد لعلماء الدين لدعم نفوذه
عمل نظام الأسد على استقطاب بعض العلماء لفرض وتوجيه الفتاوى التي تتناسب مع مصالحه السياسية، خاصة في فترات الأزمات، هؤلاء العلماء كانوا يساعدون في تقديم شرعية دينية للأعمال السياسية والعسكرية للنظام، بما في ذلك التدخل العسكري في الحرب، على سبيل المثال، كانت هناك فتاوى تبرر قمع المعارضة وحصار المدن، كما كانت هناك فتوى تدعم تدخلات النظام ضد "الإرهاب" و"المجموعات المسلحة".
وسيطر النظام على المؤسسات الدينية المهمة في سوريا، مثل وزارة الأوقاف والمجمع الفقهي الأعلى، وكان يُعين علماء موالون للنظام في هذه المناصب لضمان أن تكون الفتاوى والخطب التي تصدر من هذه المؤسسات متوافقة مع سياسات الحكومة، وخلق هذا تأثيرًا كبيرًا على العديد من الناس، حيث كان النظام يعزز سلطته من خلال دعم الدين.
كما استخدم النظام علماء الدين للسيطرة على المساجد وتوجيه الخطب، وتم إغلاق العديد من المساجد التي كان يُعتقد أنها تروج لأيديولوجيات معارضة للنظام أو تلك التي كانت تحت سيطرة أئمة معارضين. بدلاً من ذلك، تم تعيين أئمة موالين للنظام لتمجيد سياسات الحكومة وتعزيز ولاء الناس.
من خلال هذه السياسات، نجح النظام في استخدام علماء الدين كأداة فعالة لضمان استمرارية حكمه، وحماية استقرار نظامه وسط تحديات عديدة، وأيضًا لترسيخ أسس سلطته السياسية والاجتماعية في الداخل والخارج.