
الهجري يُجدّد خطابه "الانفصالي".. تناقضات تكرّس الفوضى بدل الدولة
في كلمة جديدة ألقاها الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، كرر خطاباته وتصريحاته السابقة بين مفردات الوحدة الوطنية ومفاهيم “اللامركزية”، مع تحميلٍ مبطّن للمؤسسات الرسمية مسؤولية الانفلات الأمني والتدهور المجتمعي، رغم تعثّر أي تعاون فعلي مع الدولة في استعادة الاستقرار داخل المحافظة.
الهجري تحدّث عن “مرحلة خطرة” و”مجازر متكررة” و”حالات تغييب قسري”، لكنه تجاهل أن السلاح المنفلت في السويداء لا يزال يُدار خارج سلطة الدولة، وأن مقرات الضابطة العدلية والأمن الداخلي طالما وُوجهت بالرفض والتشكيك من محيطه المقرب، ما منع الحكومة من بسط سلطتها وتحقيق العدالة التي يطالب بها في كل مناسبة.
الهجري في خطابه تجاهل عنصرية مجموعاته المسلحة ضد مكونات المحافظة من البدو السنة، ومحاولات التضييق عليهم بكل شيء ومحاصرة مناطقهم، بينما في المقابل تتعاون مجموعاته مع عصابات تهريب المخدرات وتحمي بل وتجند كل عناصر الأسد الذين ارتكبوا مجازر بحق السوريين في كل المحافظات السورية ويمنع محاسبتهم.
دعوات بلا تطبيق.. وتقديس للسلاح
اللافت في خطاب الهجري تأكيده المتكرر على “حرمة الدم السوري” مقابل دعوته إلى “صون السلاح وتنظيمه”، وهو تناقض يُكرّس واقع الميليشيات المحليّة بدل دعم جهود الاندماج في المؤسسات الأمنية والعسكرية الوطنية، خاصة بعد دعوة الحكومة المتكررة لأبناء المحافظة للانتساب الرسمي للشرطة والجيش.
هجوم مبطّن على الإعلام.. وانحياز في تحميل المسؤولية
وفي تكرار لنبرة سابقة، شنّ الهجري هجومًا على وسائل إعلام عربية “معروفة” دون تسميتها، واتهمها بـ”التحريض الطائفي” و”نقل الفتن”، محمّلاً الإعلام مسؤولية الدماء دون أي إشارة للميليشيات التي تعرقل سيادة القانون، أو للخطف والسطو والتمرد داخل السويداء نفسها.
ورغم شكره الظاهري لدول الخليج والولايات المتحدة، إلا أن الخطاب خلا من أي إشارة إلى جهود الحكومة السورية الجديدة التي تحاول بكل السبل تحسين الواقع الميعشي في سوريا عبر جذب الاستثمارات العربية والغربية، أو لتحسين ظروف المعيشة في محافظة السويداء، والتي تعرقلت مرارًا بسبب تغوّل السلاح ورفض التعاون من بعض الجهات المحلية.
في النهاية، لم يُقدّم خطاب الهجري جديدًا سوى استمرار الدوران في حلقة خطابية مغلقة، تُحمّل الدولة المسؤولية وتدعوها للعدل، دون أن تفتح المجال أمام أي حل واقعي يعيد الأمن والمؤسسات إلى السويداء، بل تكرّس منطق “الحماية الذاتية” في وقتٍ يحتاج فيه السوريون إلى دولة واحدة، لا إلى زعامات مناطقية تتحدث باسم الجميع دون تفويض.
تصريحات يومية مكررة
وفي يوم الخميس الماضي، أطلق الشيخ حكمت الهجري، خطابًا تصعيديًا من دار قنوات، دعا فيه إلى “استمرار الاستنفار العام”، مهاجمًا بشكل غير مباشر مسار الدولة نحو إعادة توحيد المؤسسات والاستقرار الوطني.
الخطاب، الذي أعاد التلويح بـ”لا مركزية الدولة”، تجاهل التحولات الكبرى التي شهدتها سوريا مؤخرًا، من رفع العقوبات وتطبيع العلاقات العربية، إلى لقاء الرئيس أحمد الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتوقيع اتفاقيات استثمارية هي الأكبر منذ سنوات.
في المقابل، تعاني محافظة السويداء من أزمات معيشية خانقة، وسط تفاقم البطالة وتدهور الخدمات، في ظل رفض فصائل مسلحة تسليم السلاح أو تنظيم الوضع الأمني، ما يحرم المحافظة من الاستفادة من مشاريع حكومية تنموية تُعدها دمشق ضمن خطة التعافي الوطني.
وكان الرئيس أحمد الشرع قد التقى بوجهاء من السويداء ووعد بدعم مشاريع تنموية وفرص اندماج مؤسساتي، بشرط استتباب الأمن ووحدة القرار المحلي. إلا أن استمرار فوضى السلاح وتغوّل التهريب، خاصة على الحدود مع الأردن، يعيق هذه الخطط، وفق تقارير أمنية تشير إلى أن أكثر من 90% من عمليات تهريب المخدرات تنطلق من السويداء.
الشيخ الهجري لم يكتفِ برفض التعاون مع الدولة، بل عارض مبادرات درزية محلية لإعادة ضبط الأمن، ومنع شخصيات مثل الشيخ ليث البلعوس من تنفيذ تفاهمات ميدانية. الأخطر، بحسب مصادر، أن الهجري فتح قنوات خارجية، أبرزها مع إسرائيل، وطالب بالحماية الدولية، وهو ما أثار استياء واسعًا داخل الطائفة.
إن خطاب الهجري، بدلًا من أن يكون دعوة للإصلاح والحوار، يتحول إلى عامل انقسام، يهدد بفصل السويداء عن المسار الوطني، ويحرمها من فرصة الإنقاذ الاقتصادي في ظل حكومة تسعى لبناء دولة مدنية جامعة.