
المعلمون في سوريا: تعليم في ظروف صعبة ورواتب لا تسدّ الرمق
تُعدّ مهنة التعليم واحدة من أسمى المهن في العالم، لما تحمله من رسالة نبيلة في بناء الأجيال وصناعة المستقبل. ويُحظى المعلم بالاحترام والتقدير من طلابه والمجتمع المحيط به. إلا أن المعلمين في سوريا، اصطدموا بجملة من العقبات خلال مزاولتهم عملهم في ظلّ الحرب وما فرضته من ظروف قاسية ألقت بظلالها على شؤونهم الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
تدهور الرواتب
يأتي تراجع الرواتب وعدم كفايتها لتغطية الاحتياجات اليومية في مقدمة الصعوبات التي أرهقت المعلمين، خاصة مع التدهور التدريجي لقيمة الليرة السورية. فقد أصبحت الأجور زهيدة جداً، لا تكفي لسدّ الرمق، ما دفع بالعديد من المعلمين إلى اللجوء للعمل في مهن إضافية، لضمان إعالة أسرهم وتأمين متطلبات حياتهم الأساسية.
في المقابل، تتعب مهنة التدريس المعلم، خاصة أنه خلال الحصص، يمضي وقته واقفاً على قدميه أمام اللوح يشرح الدروس بصوت مرتفع ليضمن وصول المعلومة إلى جميع الطلاب. كما يعيد الشرح مرات عدة حتى يتأكد من فهم الجميع، ويقضي وقته في التنقل بين الطلاب لمتابعة تقدمهم وتدوين الملاحظات المهمة.
علاوة على ذلك، لا يقتصر عمل المعلم ونشاطه على ساعات الدوام داخل المدرسة فحسب، بل غالباً ما يمتد إلى وقت أسرته واستراحته في المنزل. إذ يضطر أحياناً لأداء مهام إضافية مثل تصحيح الأوراق، التحضير للدروس، والرد على استفسارات الطلاب عبر مجموعات "الواتس أب"، ما يزيد من ضغوطه ويقلص وقته الخاص.
تعليم تحت وطأة القصف
من ناحية أخرى، أضيفت إلى جانب تلك العقبات المذكرة آنفاً مآسي أخرى بالنسبة للمعلمون الذين كانوا يقيمون في مناطق تأثرت بالحرب بشكل مباشر، لتصبح طبيعة عملهم محفوفة بالمخاطر، حيث تعرّضت مدارسهم مراراً للقصف من قبل طائرات النظام وحلفائه، وكانوا يؤدون واجبهم المهني وسط القنابل والدمار.
إضافة إلى ذلك، الكثير منهم تعرّض للفصل من عمله والحرمان من راتبه نتيجة مواقفه السياسية المناهضة للنظام البائد، وتعرض آخرون لتهم كيدية من قبل أجهزة الأسد الأمنية، بسبب نشاطهم أو تقارير كيدية قدمت بحقهم.
وتجرع عدد من المعلمين مرارة النزوح، ورفضوا العمل تحت سلطة النظام بعد استعادته السيطرة على قراهم ومدنهم، خشية الاعتقال أو الملاحقة، ورفضاً للعمل مع جهة شاركت في قتل أبناء بلدهم، وقصفت أوطانهم وسلبت ممتلكاتهم.
عمل تطوعي دون مقابل
كما عمل مدرسون لفترات طويلة بشكل تطوعي في مدارس لا تتلقى دعماً من أي منظمة، ما دفعهم لتحمل نفقات المواصلات من دخلهم الشخصي، ومواصلة التدريس رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، فقط بدافع حبهم لمهنتهم وشعورهم بالمسؤولية تجاه الطلاب، كما أشاروا إلى أنهم لم يتلقوا أجراً عن الفترات الصيفية، إلا في حالات نادرة عندما توفّر مشروع صيفي بتمويل من جهة مانحة.
وإلى جانب ذلك، خسر العديد من المعلمين منازلهم التي دُمّرت أو نُهبت خلال الحملة العسكرية على مدنهم وقراهم، وهم الآن يعيشون في ظروف معيشية صعبة، الرواتب قليلة مقارنة بالاحتياجات اليومية والأساسية.
الآن وبعد سقوط النظام البائد، يأمل المعلمون أن يؤخذ وضعهم بعين الاعتبار، وأن تتحسن رواتبهم بما يتناسب مع التزاماتهم اليومية، ويتمنى من تضرر طوال السنوات الماضية بفعل الحرب والنزوح والقصف أن يتم تقدير تضحياتهم وصبرهم على الظروف المتمثلة بانقطاع الرواتب والعمل التطوعي وغيرها.