الاكتناز القهري بين التعلّق بالماضي والحياة اليومية
الاكتناز القهري بين التعلّق بالماضي والحياة اليومية
● أخبار سورية ٨ سبتمبر ٢٠٢٥

الاكتناز القهري بين التعلّق بالماضي والحياة اليومية

في كثير من المنازل السورية، ستجد زاوية منسية أو غرفة صغيرة مخصصة لتخزين ما لم يعد له استخدام: أكواب مكسورة المقابض، أجهزة كهربائية عتيقة، أقمشة بالية، قطع أثاث قديمة. تُعرف هذه المساحات غالباً باسم "غرفة الكراكيب"، أو تكون جزءاً من سطح المنزل فيما يُعرف بـ "السقيفة".

وسط هذه الفوضى الصامتة، تبرز أشياء لا تزال بحالة جيدة، قابلة للاستخدام أو التبرع، لكنها تظل حبيسة المكان لسنوات، دون أن تُلمس أو يُفكّر في التخلص منها. مشهد يبدو عادياً، مألوفاً،  لكنه غالباً ما يخفي خلفه ما هو أعمق من مجرد فوضى مادية؛ إنه انعكاس لذاكرة، أو حنين، أو حتى عجز عن الفقد.


حين يصبح التخلص من المقتنيات قراراً صعباً

هذه العادة لا تقتصر على النساء فقط، بل كثير من الرجال أيضاً يحتفظون بأغراضهم القديمة: أدوات، ملابس، أجهزة، أو أشياء يظنون أنهم قد يحتاجونها لاحقاً. يعتبر البعض هذا التصرف طبيعياً، بدافع الحرص أو التعلّق.

 لكن محاولة التخلي عن هذه الأغراض كثيراً ما ترافقها مشاعر تردد ومقاومة داخلية، وربما انزعاج نفسي يصعب تفسيره، في بعض الحالات، لا يكون السبب مجرد تعلق عاطفي، بل قد يرتبط بما يُعرف بـ الاكتناز القهري، وهو اضطراب نفسي يجعل من التخلّي عن الأشياء مهمة شاقة.

تقول آمنة عبد الرحيم، نازحة من ريف معرّة النعمان: "نزحت قبل اشتداد القصف، وحملت ما استطعت من أغراضي. تنقلت بين بيوت كثيرة خلال سبع سنوات، وفي كل مرة كانت حاجياتي تزداد، ولم أترك شيئاً خلفي".

وتضيف: "لدي ملابس وأدوات وأثاث، بعضها لم أعد أستخدمه، لكنني أحتفظ به في زاوية من البيت. كلما حاولت التخلص من شيء، أتذكر أنه يحمل ذكرى أو كان هدية، فأتراجع. أشعر أن شيئاً داخلي يمنعني من رميها".

الفقد والنزوح يعززان التعلّق بالمقتنيات

يُرجع أخصائيون نفسيون الاكتناز القهري إلى الخوف من الفقد أو الشعور بالنقص، خاصة لدى من عاشوا نزوحاً طويلاً أو فقدوا ممتلكاتهم، كما هو حال كثير من السوريين الذين يرون في أغراضهم رموزاً للأمان.

بعض الأشياء تحمل ذكريات عاطفية عميقة: هدايا، قطع أثاث، أو مقتنيات ترتبط بمراحل مهمة من الحياة. التخلي عنها قد يثير مشاعر حزن أو ذنب، كما يعاني المصابون بالاكتناز من صعوبة في التمييز بين ما هو ضروري وما يمكن الاستغناء عنه، ويميلون إلى تأجيل القرار خشية الندم.

بين الضغوط الاجتماعية والمشكلات الأسرية

رغم أن البعض قد يراه تجميع الأشياء سلوكاً عادياً، إلا أن الاكتناز القهري قد يسبب مشكلات حقيقية. فـتراكم الأغراض لا يشوّه شكل المنزل فحسب، بل قد يجعله غير مريح، كما يعرّض صاحبه للنقد أو الاستغراب من الآخرين، ويخلق توتراً داخل الأسرة، خاصة حين يتحوّل الخلاف على الاحتفاظ بالأشياء إلى سبب دائم للشجار بين الزوجين.

خطوات عملية لفهم السلوك وتخفيف أثره

يوصي الأخصائيون النفسيون بالعلاج السلوكي المعرفي كأكثر الطرق فعالية لمساعدة المصابين بالاكتناز القهري، إذ يساعدهم على فهم دوافعهم والتدرّب على التخلص من الأغراض تدريجياً.

كما تُعد الجلسات الفردية أو الجماعية وسيلة داعمة لتخفيف القلق المرتبط بالتخلي عن المقتنيات، ويؤكد المختصون على أهمية التوعية، ليفهم المجتمع أن الاكتناز القهري اضطراب نفسي حقيقي، لا مجرد عادة يمكن تجاهلها.

العطاء راحة

ويقترح مراقبون أن يقوم الأشخاص الذين يحتفظون بأشياء لا يستخدمونها، إذا كانت صالحة للاستفادة، بالتبرع بها لمن يحتاجها، فالعطاء لا يمنح الآخرين فائدة فقط، بل يمنح الشخص شعوراً بالسلام الداخلي والراحة النفسية، ويخفف من تراكم الأغراض في المنزل.

يميل كثير من الناس إلى الاحتفاظ بالأشياء خشية فقدانها، وهو سلوك يرتبط بالذكريات والشعور بالأمان. ورغم اعتباره أحياناً أمراً عادياً، فإنه في الواقع قد يكون اكتنازاً قهرياً يحتاج إلى فهم ودعم نفسي، مع تدريب تدريجي على التخلص مما لا يُستخدم.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ