إعادة الإعمار في رؤية النظام تبدأ بإعادة نُصب "المقبور" إلى ساحات المدن المدمرة
إعادة الإعمار في رؤية النظام تبدأ بإعادة نُصب "المقبور" إلى ساحات المدن المدمرة
● أخبار سورية ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤

إعادة الإعمار في رؤية النظام تبدأ بإعادة نُصب "المقبور" إلى ساحات المدن المدمرة

رصدت شبكة "شام" الإخبارية، عبر تتبع صفحات ومواقع النظام، بدء عمليات إعادة تماثيل المجرم الأكبر "حافظ الأسد" إلى ساحات بعض البلدات والمدن التي دمرها ابنه "بشار"، ليس آخرها في مدينة خان شيخون، التي كانت ولاتزال شاهدة على جرائمهم ومجازرهم أبرزها مجزرة الكيماوي عام 2017.

وبدا واضحاً أن مؤسسات النظام التي عادت لتفعيل نفسها في المناطق التي دمرتها آلة الأسد الإجرامية، وساهمت في تهجير أهلها، بدأت بإعادة تماثيل "حافظ" للساحات، بدلاً من إعادة ترميم المدارس والمؤسسات الخدمية والطرقات والمنازل المدمرة والتي لاتزال شاهداً على وحشية الأسد ونظامه حتى اليوم.

فـ "إعادة الإعمار" من وجهة نظر النظام، تتمثل في إعادة مخلفات حقبة ماقبل عام 2011، والتي ثار أحرار سوريا ضدها، وكان لتدمير تلك الرموز والتماثيل وتحطيمها مشهداً غير معتاد وغير مألوف بل من المحرمات والخطوط الحمراء التي تجاوزتها شجاعة الأحرار، فأسقطوا عشرات بل مئات التماثيل التي كانت تحتل الساحات وتفرض سطوة الأسد فيها.

ففي "خان شيخون" المدينة المنكوبة التي دمرها الأسد وشرد أهلها، بعد عشرات الهجمات الجوية أبرزها هجوم الكيماوي عام 2017، عادت مؤسسات النظام لتفعيل نفسها واتخاذ المدينة مركزاً لإدارتها في محافظة إدلب، لتبدأ إعادة معالم هيمنة الأسد بنصب تمثال "المقبور حافظ" وسط الساحة الرئيسة، وتطلق عليها اسم ساحة "حافظ الأسد" الذي يتربع فوق دماء وأشلاء مئات المدنيين وترمق نظراته صور الدمار التي لاتزال حاضرة.

ويبدو أن عملية إعادة الإعمار بالنسبة لنظام الأسد لا تبدأ بتبديد آثار ما دمرته الحرب طوال السنوات الماضية، على صعيد تشييد المباني مجددا أو حتى إعادة السكان إلى قراهم ومدنهم الأصلية التي تحولت إلى خراب، بل على العكس يتخذ المسار منحى استثنائيا، يستند على عقيدة تقوم على "التوحش" ونصب التماثيل، كي لا يتمكن المنكوبون من السير مترا واحدا دون رؤية حافظ الأسد.


وقبل نصب تمثال الأسد الأب مجددا في خان شيخون، أعاد النظام تمثالا أخرا في ساحة السبع بحرات وسط مدينة دير الزور شرقي البلاد، في أكتوبر 2018، وفي شهر أغسطس من ذات العام جدد تمثالا ثالثا في مدينة حمص وسط البلاد، بعدما أن تعرض في مطلع أحداث الثورة لرصاصات اخترقت ظهر جسده البرونزي.

وفي مدينة حماة الشاهد الحي على جرائم وفظائع حافظ الأسد وابنه بشار، فقد أسدل الستار فيها عام 2017 عن تمثال لـ "حافظ" في مدخلها الجنوبي. وجاء ذلك بعد أن أزيل في 2011 بأوامر مباشرة من هشام بختيار حينها.


ووفق إحصائيات الأمم المتحدة، فإن تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية في سوريا تصل إلى 400 مليار دولار. وهذا الرقم يشمل حجم الدمار فقط، ولا يشمل الخسائر البشرية، والمقصود بها الأشخاص الذين قتلوا خلال المعارك، والأشخاص الذين نزحوا وهجّروا من منازلهم.

يقول الكاتب والناشط السياسي، حافظ قرقوط في تصريح لموقع "الحرة" إن "تماثيل حافظ الأسد منثورة في كل مكان في سوريا، كنوع من الترهيب والتذكير بأن الدولة الأمنية قائمة"، موضخاً أن تماثيل الأسد الأب "كانت أفرع أمن بحد ذاتها وتصب عيناها بنوع من الحقد على البشر"، مضيفا: "لم يكن فيها أي نوع من الفن الذي يمكن أن يظل في ذاكرة الإنسان بشكل هادئ وجميل".

وفق قرموط، فإن اتجاه النظام السوري لإعادتها بالتدريج أنه يريد القول للجمهور المحلي "إننا هنا"، وإن "السطوة الأمنية قائمة وقادرة على فهل أي شيء"، وإن "النظام الذي حاولتهم إسقاطه بقي!"، معتبراً أنها "عملية بمثابة إعادة نشر السجون المعنوية للناس. النظام حاقد والحقد يشكل حالة انتقامية له. وهذه أهم حالات الانتقام".

وكانت نشرت صحيفة "ذا أتلانتيك" عام 2019 مقالاً للصحفي "سامر داغر" وهو مؤلف كتاب "الأسد أو نحرق البلد" قال فيه إن "حكم سوريا شأن عائلي إلى حد كبير، وأنه وبينما كان الأمر كذلك منذ ما يقرب من خمسة عقود، سوف يظل كذلك فيما يتصل بآل الأسد".

ويعتقد داغر أن إعادة التماثيل واللوحات الإعلانية طريقة الأسد لإخبار المجتمعات المتمردة ذات يوم بأن أي مقاومة أخرى لن تجدي نفعا، كما يرى أن إعادتها تؤكد رسالة مفادها أن "عائلة الأسد انتصرت على الرغم من التكلفة الهائلة".

ويقول ستيفن هايدمان، مدير برنامج دراسات الشرق الأوسط في كلية سميث والخبير البارز في الشؤون السورية في تعليقه على إعادة نصب تماثيل الأسد الأب: "الرسالة واضحة للغاية: لقد عدنا"، ويصف هايدمان إعادة نصب التماثيل بأنها "تعبير عن الانتصار من جانب النظام" وهو ما كان "مُحبطا للغاية" لمعارضيه، مضيفا: "إنها استراتيجية قوية للغاية ومؤثرة للغاية".

وكانت قالت الكاتبة والأكاديمية الأميركية "ليزا وادين"، في كتابها "السيطرة الغامضة" الصادر عام  2011، إنه لم يعد "الرفيق المناضل" شبحاً في مقر "القيادة القطرية"، ولا مجرد عسكريٍّ ببزةٍ كتانيةٍ في وزارة الدفاع، إنه حاضر في حياة السوريين اليومية، صوره وتماثيله في كل مكان.

وختمت بالقول: "لم تكن مجرد مصادفة أن تبدأ الانتفاضة السورية ضد النظام الأسدي بتحطيم "الأيقونات"، من درعا إلى الرستن مروراً بكل مدينة وبلدة وصلتها الانتفاضة، كانت تماثيل حافظ الأسد وابنه باسل والصور العملاقة لبشار الأسد هدف المنتفضين الأول، أدرك شباب الانتفاضة أنَّ تحطيم النظام مادياً يبدأ بتحطيمه رمزياً، كسر جدار الخوف يبدأ من الأنصاب التي تمثل رمزاً للخوف والتركيع والقهر".

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ