أطفال ونساء وأحياء: "حفّار القبور" يكشف تفاصيل مرعبة لدفن ضحايا التعذيب في سجون الأسد
أطفال ونساء وأحياء: "حفّار القبور" يكشف تفاصيل مرعبة لدفن ضحايا التعذيب في سجون الأسد
● أخبار سورية ١٨ أبريل ٢٠٢٥

أطفال ونساء وأحياء: "حفّار القبور" يكشف تفاصيل مرعبة لدفن ضحايا التعذيب في سجون الأسد

في أول ظهور علني له عبر شاشة "تلفزيون سوريا"، روى محمد عفيف بن أسعد نايفة، المعروف إعلامياً بلقب "حفّار القبور"، تفاصيل صادمة عن واحدة من أفظع الجرائم التي ارتُكبت بحق المعتقلين السوريين، خلال السنوات التي أعقبت اندلاع الثورة السورية في عام 2011.

نايفة، الموظف السابق في مكتب دفن الموتى بمحافظة دمشق، كشف خلال المقابلة عن شهادات موثقة تتعلق بعمليات دفن جماعية طالت آلاف الضحايا الذين قضوا تحت التعذيب في سجون ومعتقلات النظام السوري. وقد تحولت شهادته، التي سبق وأدلى بها أمام محكمة كوبلنز الألمانية والكونغرس الأميركي، إلى واحدة من أكثر الشهادات إيلاماً في الذاكرة السورية الجماعية.

بداية المهمة.. من موظف إداري إلى شاهد على الفظائع
ينحدر محمد نايفة من حي القدم الدمشقي، وكان يشغل وظيفة إدارية في مكتب دفن الموتى، حيث اقتصر عمله قبل الثورة على تعبئة الاستمارات ومعاملات نقل الموتى. لكن في عام 2011، تغيّر مسار حياته عندما استدعاه مديره وطلب منه مرافقة شخصين بلباس مدني إلى مقبرة "نجها" في ريف دمشق، ليُفاجأ حينها بشاحنة تحمل 335 جثة، تُدفن في مقابر جماعية ضيقة.

وأوضح نايفة أن الجثث كانت تُحشر في قبور فردية على شكل مجموعات، تصل إلى ثلاث جثث في القبر الواحد، وتم استخدام المقبرة المدنية كموقع لدفن الضحايا الذين قضوا في أقبية المخابرات السورية.

الانتقال إلى الخنادق و"الدفن الصناعي"
مع تزايد أعداد الضحايا، بدأ الحفر في خنادق جماعية يصل عمقها إلى ستة أمتار، تستخدم فيها الجرافات والبواقر. في بعض الحالات، كان يتم فتح البرادات الكبيرة لإلقاء الجثث مباشرة في الخنادق، التي كانت تُغطى بالتراب تدريجياً على مدى أيام.

وفي إحدى المهام، تعرّف نايفة على العقيدين مازن اسمندر وأيمن الحسن من المخابرات الجوية، الذين أشرفوا على عمليات الدفن بحماية من سيارات "الدوشكا" المنتشرة حول المقبرة.

من نجها إلى القطيفة: اتساع المقابر واتساع الرعب
بحلول عام 2012، ومع امتلاء مقبرة نجها، انتقل الدفن إلى منطقة القطيفة بالقرب من الفرقة الثالثة العسكرية، حيث كانت الخنادق أطول وأسهل للحفر. وأفاد نايفة بأن برادات الموتى كانت تصل من مختلف مستشفيات دمشق مثل المجتهد والمواساة وتشرين، وتضم ما بين 100 إلى 500 جثة يومياً.

وأشار إلى أن عمليات الدفن كانت تتم وفق جدول منظم بحسب المستشفى أو الجهة الأمنية المسؤولة، مؤكداً أنه دفن بيديه معارف له، من بينهم أصدقاء وجيران وأطفال، بينهم ضحايا يظهر على أجسادهم آثار تعذيب مروعة.

مشاهد لا تُنسى: أطفال في صناديق وأحياء يُدفنون
في شهادته المؤلمة، وصف نايفة جثة لامرأة تحتضن طفلها، وآثار التعذيب على أجسادهما، وأخرى لطفلة عمرها سبع سنوات قيل إنها توفيت بجلطة دماغية بينما كانت قد قضت نتيجة اغتصاب جماعي نفذه 11 عنصراً من الشبيحة.

وفي حادثة مروعة، كشف نايفة أن أحد المعتقلين كان لا يزال على قيد الحياة عندما تم إنزاله مع الجثث، حيث أُمر بدفنه حياً بواسطة جرافة، في مشهد قال إنه ما زال يسمع صوت تكسر عظامه حتى اليوم، وأضاف أن بعض الضباط كانوا يمنعون دفن الأطفال، ويأمرون بتركهم على الساتر الترابي، لتنهشهم الكلاب في اليوم التالي.

إشراف مباشر من أركان النظام
أفاد نايفة بأن عمليات الدفن كانت تتم تحت إشراف مباشر من ضباط كبار، من بينهم العقيد اسمندر والعميد عمار سليمان، أحد أبرز ضباط المخابرات الجوية، والذي كان، بحسب قوله، على اتصال مباشر مع رأس النظام بشار الأسد.

وأوضح أن الوثائق التي كان يحتفظ بها تضمنت رموزاً لفروع أمنية معروفة، مثل الفروع 215 و227 و251، وأنه كان ممنوعاً من الاطلاع عليها أو نسخها، مع إرسال نسخ رسمية إلى الجهات العليا، أشار إلى أن بعض الضباط كانوا يتفاخرون بعدد الجثث التي يرسلونها للدفن، ويعتبرونها "إنجازات أمنية" يُفاخر بها في الاجتماعات المغلقة.

تهديدات لعائلته ومعاناة نفسية حادة
نايفة تحدث أيضاً عن معاناة شخصية كبيرة، إذ تعرض ابنه للاختطاف مرتين، وتلقى تهديدات طالت عائلته وأقاربه حتى بعد مغادرتهم البلاد. كما أُجبر على الإقامة في المكتب التابع للمقبرة بحماية أمنية، وعاش في عزلة نفسية بسبب مشاهد الرعب التي ترافقه في نومه ويقظته.

قال نايفة إنه كان يسمع في كوابيسه أصوات الجثث تناديه: "لا تنسنا... لا تضيّع حقنا"، مؤكداً أنه فقد شهيته للطعام والنوم لأسابيع بسبب الفظائع التي عاشها.

من ألمانيا إلى واشنطن: شهادات دولية وتوثيق للجريمة
بعد خروجه من سوريا ووصوله إلى ألمانيا عام 2018، بدأ نايفة بالكشف عما في جعبته، وقدم شهادته في محكمة كوبلنز الألمانية ضمن ملف محاكمة العقيد أنور رسلان. كما زار الولايات المتحدة بدعوة من منظمات حقوقية، وأدلى بشهادته أمام الكونغرس الأميركي ومجلس الشيوخ والأمم المتحدة.

أوضح أن شهاداته أسهمت في فرض عقوبات على شخصيات في النظام السوري، وطالب بضرورة التمييز بين الشعب والنظام في تطبيق العقوبات.

رسالة ختامية: لا أطلب شكراً.. فقط العدالة
في ختام شهادته، وجّه نايفة رسالة إلى المجتمع الدولي قال فيها: "لا أطلب شكرًا، أريد فقط تحقيق العدالة. لقد حملت الأمانة وأوصلت صوت الضحايا، وأنا مستعد للإدلاء بشهادتي أمام أي محكمة سورية مستقبلية. هذه رسالتي أمام الله وأمام الشعب السوري"، وختم قائلاً: "ما رأيته لا يمكن وصفه بالكلمات، ولن يكتمل السلام في سوريا إلا حين يُحاسب كل من شارك في هذه الجرائم".

 

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ