
أطفال بين الشاشات وواقع العنف: أثر الصراع على نموهم النفسي والسلوكي
مع التقدم التكنولوجي وانتشار الأجهزة الذكية، أصبح بإمكان الطفل في معظم المجتمعات، بما فيها المجتمع السوري، الوصول إلى أي محتوى يريده، ومن بين هذه المحتويات، قد يواجه مشاهد وقصص العنف والقتل، التي غالباً ما تُقدَّم بأسلوب وحشي يترك أثراً بالغاً على نفسيته وسلوكه.
ولم تقتصر تلك المشاهد والقصص على منصات التواصل الاجتماعي فقط، فخلال سنوات الثورة وما رافقها من اشتباكات وأحداث دامية، أصبحت هذه الحكايات حديثاً متداولاً بين البالغين والآباء، الذين قد يظنون أن الحديث عنها عادي كباقي الأحاديث اليومية، إلا أن هذه الكلمات لا تمر مرور الكرام عند الأطفال، فهي تؤثر فيهم بشكل عميق.
وخلال السنوات الماضية، تعرض عشرات الأطفال لتجارب مباشرة مع العنف، سواء من خلال مشاهدة اشتباكات مسلحة بين أشخاص نتيجة خلافات شخصية أو عائلية، أو سماع تهديدات بالقتل والتدمير والحرق خلال المشادات الكلامية، ما يجعلهم عرضة لشعور دائم بالخوف والقلق، ويترك أثراً نفسياً سلبياً طويل المدى.
تؤدي مشاهد العنف إلى آثار سلبية عميقة على الطفل، تشمل تأثيراً مباشراً على نفسيته وسلوكه، كما تمتد لتؤثر على جوانب مختلفة من حياته اليومية، وبحسب الأخصائيين النفسيين، من بين التداعيات التي يتعرض لها الطفل فقدان شعوره بالأمان تجاه أسرته، إلى جانب إمكانيه إحساسه بالقلق والخوف.
فالطفل عادةً يرى والديه كملجأ آمن ومصدر للحماية والدعم، ولكن عندما يسمعهم يتحدثون عن العنف بشكل متكرر أو بأسلوب مخيف، يبدأ شعوره بالأمان بالاضطراب. يصبح من الصعب عليه التمييز بين البيئة الآمنة والبيئة المهددة، وقد يصل الأمر إلى أن يشعر بأن حتى الأشخاص الأقرب إليه قد يمثلون مصدر خطر.
كما تنعكس آثار مشاهد العنف بشكل واضح على سلوكيات الأطفال اليومية، فقد يظهر الطفل عدوانية تجاه الآخرين، أو انسحاباً اجتماعياً، أو صعوبة في التحكم بالعواطف، نتيجة شعوره بالخوف والقلق المستمر، كما يمكن أن يقلد بعض السلوكيات العنيفة التي يشاهدها، معتقداً أنها طريقة طبيعية للتعامل مع المشكلات أو النزاعات.
وهذه التغيرات السلوكية قد تؤثر أيضاً على علاقاته بالأسرة والأقران، وتزيد من احتمالية مواجهته صعوبات في التكيف مع البيئة المدرسية والاجتماعية. وبحسب أخصائيين نفسيين تحدثنا معهم، مشاهد العنف تؤثر بشكل كبير على نفسية وسلوك الأطفال، لذا يصبح من الضروري التوعية حول مخاطرها وطرق التعامل معها.
ويمكن حماية الأطفال بالحد من تعرضهم للمحتوى العنيف على الشاشات، والحرص على أن تكون المحادثات حول العنف مناسبة لعمرهم وبعيدة عن التفاصيل الصادمة. كذلك، تعليم الطفل التعبير عن مشاعره بطرق صحية مثل اللعب أو الرسم، وتشجيعه على الحديث عن مخاوفه، يعزز شعوره بالأمان، إلى جانب ضرورة بأن يكون الأهل قدوة في التعامل السلمي مع المشكلات.
تؤدي مشاهد العنف سواء على على أرض الواقع أو عبر منصات التواصل، إلى تأثيرات عميقة على نفسيته وسلوكه، لذلك، بالوعي الأسري، وتحديد المحتوى المسموح، وتشجيع الطفل على التعبير عن مشاعره، يمكن حماية الطفل وبناء بيئة أكثر أماناً ودعماً لنموه النفسي والسلوكي.