وسط غياب صوت من يمثل قضيتهم .. تصاعد التعديات يُضاعف الخوف بين اللاجئين في تركيا
تصاعدت حوادث التعدي بحق اللاجئين السوريين وصلت لتعدد حوادث القتل، في عدة ولايات تركية، في سياق حملة عنصرية تقف ورائها أطراف من قوى تتخذ من التحريض على اللاجئين سياسة ممنهجة ومستمرة لها، في وقت يبدو أن السلطات الرسمية لم تستطع حتى اليوم، إيجاد حد لتصاعد تلك الحالات بشكل بات يشكل مصدر رعب وقلق يومي للاجئين، مع غياب صوت من يمثل قضيتهم.
وأعلنت عائلة الشاب السوري "أحمد مدراتي" صاحب متجر لبيع الهواتف المحمولة في أضنة، مقتله جراء إصابته بأربع رصاصات أطلقها مواطنون أتراك لأنه رفض منحهم موبايل مجانا، في حين سبق أن تعرض مطعم النزهة السوري في اسنلر بمدينة إسطنبول لهجوم مسلح، قالت السلطات إنها اعتقلت أحد المتورطين بالهجوم، دون معرفة الدوافع.
وكان قتل الشاب السوري "عمار إبراهيم طبوش 22عاما) جراء إصابته بعيار ناري أطلقه نحوه رب عمله السابق في منطقة سلجوقلو التابعة لولاية قونيا؛ وذلك على إثر جدال دار بينهما بسبب طلب الشاب لباقي مستحقاته التي تقدر بـ1000 ليرة تركية، قبل أيام، إضافة لعشرات الحوادث التي سجلت مؤخراً.
وعلق "خالد خوجة" رئيس الائتلاف السابق، وعضو في حزب المستقبل التركي المعارض، على الأمر بالقول إن "حوادث الاعتداء على الأجانب في تركيا باتت للأسف بشكل يومي في ظلّ استمرار تجاهل الحكومة، نيل المهاجر السّوري بشكل خاص عقوبة الترحيل في كلّ الأحوال يعتبر تواطؤ مع الاعتداءات العنصرية وتشجيع عليها، وأيّ إجراء حكومي يتفادى اصدار قانون أو مرسوم رئاسي يتبنّى عقوبات رادعة لجريمة العنصرية وللاعتداءات الوحشيّة على الأجانب هو بمثابة ذرّ الرماد في الأعين".
واعتبر خوجة أن "الادعاء أن العنصرية موجة صغيرة محصورة بمعارضة علمانية سخيف، هذه الموجة اخترقت كل شرائح المجتمع التركي حتى وصلت إلى الأطفال وتعدّت حزب النصر إلى مؤسسات الحكومة المتماهية مع أطروحاته فعلياً".
وكان قال وزير العدل التركي، "يلماز تونش"، لن نتسامح مع المحرضين على كراهية الأجانب، الادعاء العام لدينا فتح العديد من التحقيقات في هذه القضية و يمكننا القول إن هذه التحقيقات ستتحول خلال الفترة المقبلة إلى دعاوى قضائية بحق مرتكبي هذه الجرائم.
وفي خضم تلك التعديات التي بات اللاجئ السوري ضحيتها، ومع تكرار الحوادث بشكل بات شبه يومي، يفتقد اللاجئ السوري في تركيا للجهة السياسية الممثلة لقضيته، مع غياب تام لقوى المعارضة من ائتلاف ومنظمات أخرى، يقتصر عملها على "التريند" للوقوف مع بعض الحالات بهدف الظهور والتصوير، في وقت لم تستطع تلك القوى حتى اليوم تمثيل نفسها وفرض وجودها أمام السلطات التركية.
ولعل حوادث الاعتداء على "الشاب اليمني والسائح الكويتي"، وطريقة التعاطي الرسمي مع تلك الحوادث من قبل ممثليهم في تركيا وردة فعل السلطات التركية، فضحت وعرت قوى المعارضة السورية التي تتصارع على المناصب والكراسي وادعاء تمثيل السوريين سياسياً، في وقت يغيب صوتهم وحتى بياناتهم الرسمية عما يحصل ويجري بحق اللاجئين السوريين في تركيا.
وقبل أيام، نظمت جمعية "أوزغور دير" الحقوقية التركية، وقفة احتجاجية في منطقة الفاتح بمدينة إسطنبول، بهدف التنديد بتصاعد الممارسات العنصرية من قبل بعض الأطراف ضد اللاجئين السوريين والعرب بشكل عام.
ورفعت الوقف شعار "دعونا نرفع مستوى الأخوة في مواجهة العنصرية"، معلنة التضامن مع اللاجئين السوريين في تركيا، في وقت حاول مجموعة من الأشخاص إعاقة إقامة الوقف ومهاجمتها، إلا أن فرق الشرطة منعت الوصول إلي المحتجين وقامت باعتقال عدد من المهاجمين.
ووفق مصادر عدة، شارك في الوقفة ناشطون عرب وأتراك، ورفعوا لافتات تطالب بوقف العنصرية، ورددوا هتافات طالبت بوقف خطاب الكراهية، ومحاسبة العنصريين، ومساءلة ومحاكمة السياسيين ممن يحرضون ضد اللاجئين، وشدد المحتجون على أن هناك الكثير من الأتراك يقفون إلى جانب السوريين ويرفضون الممارسات بحقهم.
يأتي ذلك في وقت شهدت الولايات التركية عامة، ومدينة اسطنبول بشكل خاص، حملة اعتقالات واسعة النطاق، وصفت بأنها الأكبر والأضخم منذ أعوام، طالت المئات من المهاجرين المخالفين لشروط الإقامة والتنقل في الولايات التركية، كان السوريون هي الخاسر الأكبر فيها، مع ارتفاع نسبة المرحلين إلى الشمال السوري.
ورصدت عمليات ترحيل جماعية للشباب ولكل من جرى اعتقاله بشكل مباشر لمناطق الشمال السوري سواء إدلب وريف حلب أو مناطق تل أبيض، بينهم سجناء سوريين بالمئات جرى ترحيلهم خلال الأشهر الماضية، في ظل حالة تخوف كبيرة يعيشها اللاجئ السوري بشكل عام من تشديد الإجراءات والخوف من المصير المجهول.
وسبق أن قال "مراد أردوغان"، الباحث التركي في مركز أبحاث اللجوء والهجرة، إن اللاجئين السوريون باتوا يشعرون أنهم أقل أمناً في تركيا مما كانوا عليه في السنوات السابقة، لافتاً إلى أن أكثر من 60% منهم يريد الذهاب إلى أوروبا إذا أتيحت لهم الفرصة.
وحذر الباحث أردوغان، من أن عدم إدارة ملف اللاجئين السوريين بشكل جيد، "وإذا لم نتمكن من إدراج أطفالهم وشبابهم في النظام الاجتماعي التركي، فإن هذا يخلق منطقة خطر"، ولفت إلى أن مفهوم "العودة الطوعية" ليس في حسابات السوريين، "ولم ترحب الإدارة السورية أبداً بعودة اللاجئين من تركيا".
وكانت أصدرت عدد من منظمات المجتمع المدني السوري، بينها "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، بياناً مشتركاً، عبرت فيه عن قلقها إزاء قرار الحكومة التركية الأخير إعادة اللاجئين السوريين قسراً إلى شمال غرب سوريا، لافتة إلى أن الانتهاكات مستمرة في كافة المناطق السورية بما فيها شمال سوريا ولهذا الإعادة القسرية للاجئين تشكل تهديدا جدياً.
ولفتت المنظمات إلى أن القرار يُعدُّ انتهاكاً لمبدأ عدم الإعادة القسرية، المنصوص عليه في القانون الدولي والمنعكس في اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967 ، والذي يمثل حجر الزاوية في حماية حقوق طالبي اللجوء واللاجئين. وهو مبدأ عرفي ملزم لجميع الدول بما فيها الدول غير المصادقة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951.