تحقيق لـ "شام" يكشف تفاصيل تستر "مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة" على اعتقال النظام لناشطة حصلت على دعمه داخل سوريا
بعد عدة أشهر على التحقيق الذي عمل عليه عدد من النشطاء في سوريا، والذي كشف عن تورط موظفة في مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، بالتجسس على عدد من الناشطين والتورط في اعتقال ناشطة، تكشف شبكة "شام" الإخبارية، في تحقيق جديد بأن ذات المكتب كان قد تستر على اعتقال ناشطة أخرى حصلت على دعم وتمويل من المكتب ذاته.
الناشطة (ع.ا) وهي موظفة في إحدى منظمات المجتمع المحلي في السويداء، شاركت في عدة ورش تدريب مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان عبر الإنترنت، تزامنا مع حصول منظمتها على تمويل ضمن إحدى برامج المنح المالية التي يشرف عليها المكتب.
تفيد معلومات "شام" بأن تلك الناشطة اعتقلت في أواخر عام 2021 أثناء تواجدها خارج محافظة السويداء، وأطلق سراحها لاحقا بعد ضغط وجهاء من عشائر المحافظة وإحدى الفصائل المحلية.
وكشفت الناشطة بعد إطلاق سراحها أن التحقيقات معها كشفت أن لدى مخابرات النظام تقارير كاملة عن التواصل بين المنظمة ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان وتفاصيل عن برنامج المنح المالية والتمويل الذي حصلت عليه المنظمة رغم أنها كانت تتلقى التحويلات المالية من خلال "السوق السوداء" وبطرق غير رسمية بعيدة عن مكاتب التحويل التي تراقبها أجهزة النظام الأمنية.
وتؤكد معلومات الناشطة أن مكتب المفوض السامي تستر على حادثة الاعتقال من خلال عدم نشر أي بيان إعلامي لإدانة النظام وخاصة أننا نتحدث عن اعتقال لناشطة متعاونة وتتلقى دعم المكتب داخل سوريا، بالإضافة لغياب أي تفسير رسمي عن الطريقة التي حصلت فيها مخابرات النظام على كافة التقارير التي يفترض أنها سرية وتحمي خصوصية الناشطين داخل مناطق سيطرة النظام، ما دفع عدد من الناشطين إلى الربط بين اعتقال الناشطة وتقارير سابقة كشفت عن اعتقال ناشطة أخرى كانت على تواصل مع موظفة داخل المكتب اتضح تورطها مع النظام لاحقا.
تقول معلومات "شام" أن الحادثة الأخيرة أكدتها رشا القيسي، مديرة قسم المراقبة والتقارير في مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، في مكالمة مع أحد الناشطين، والقيسي سردت تفاصيل حادثة الاعتقال وتدخل الوجهاء للإفراج عن الناشطة في وقت لاحق، كما أكدت عمل الناشطة وحصولها على المنحة المالية من المكتب الأممي، لكنها استبعدت أي علاقة بين المعتقلة والموظفة التي سبق ونُشرت تقارير عن ارتباطها بالنظام، مشيرة أن الاعتقال تم بعد تسريب تقارير من منسق كان يعمل ضمن برنامج المنح المالية لأسباب شخصية كما وصفتها القيسي.
ما هو برنامج المنح المالية؟
يقدم مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة منح مالية لعدد من المنظمات السورية، بهدف تعزيز قدرتها على الدفاع عن حقوق الإنسان وممارسة الأنشطة والفعاليات المرتبطة بها، وأحد الموظفين في إحدى هذه المنظمات التي تلقت دعما من المكتب خلال العام الماضي، شرح لشبكة "شام" أن البرنامج يشرف عليه مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ولكن يتم من خلال منظمة وسيطة لعدم قدرة المكتب على التمويل المباشر دون الحصول على موافقة النظام، ليصار لاحقا لاستلام الحوالات بالسوق السوداء بعيدًا عن أعين النظام.
ولفتت القيسي إلى أن المنح التي كان يديرها المكتب كانت تتم عن طريق وسيط هو المنظمة "الأورومتوسطية"، لكن مصدرًا في المنظمة نفى لشبكة "شام" علاقتهم ببرنامج المنح المالية الذي يديره مكتب المفوض السامي نهائيا ونفى وجود أي تمويل تم من خلالهم، بينما أشارت المعلومات التي حصلت عليها الشبكة من إحدى المنظمات التي حصلت على المنحة سابقا أن التمويل تم عبر منظمة سورية مرخصة في ألمانيا (تتحفظ شبكة شام عن ذكر تفاصيلها حتى الحصول على رد رسمي من قبلهم).
وأضاف المصدر، أن برنامج المنح كان يستهدف المنظمات العاملة في مناطق سيطرة قوات النظام فقط، وأن المنظمات عبرت في أكثر من مرة عن استغرابها من تخصيص مناطق النظام لهذه المشاريع واستبعاد المنظمات العاملة في المناطق المحررة، دون الحصول على أي إجابة من المكتب الأممي، إلى أن تعرضت الناشطة للاعتقال واكتشفت المنظمات انتهاك خصوصيتهم وحصول النظام على كافة معلوماتهم.
هذا الأمر وفق معلومات "شام" دفع المكتب الأممي إلى انهاء البرنامج مع كافة المنظمات العاملة في مناطق سيطرة النظام مبررًا ذلك بالأسباب الأمنية، دون أن يتخذ أي اجراءات لحماية الناشطين ودون اطلاعهم على تفاصيل التحقيق في هذا الملف، تاركًا الناشطين والمنظمات التي عملت مع المكتب في مناطق سيطرة النظام تواجه مصيرها لوحدها.
يذكر أن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، قد وجه دعوة لعدد من الناشطين والمنظمات للمشاركة في جلسة حول الاستعراض الدوري الشامل أواخر هذا الشهر، وسط مقاطعة العديد من المنظمات والناشطين وخاصة في مناطق سيطرة النظام للمشاركة في ظل مخاوف أمنية ومخاوف من انتهاك خصوصيتهم لا سيما بعد التأكد من إشراف موظفة على الجلسة سبق وأن طالتها تقارير بالتعامل مع نظام الأسد.
ولا تعتبر هذه المعلومات التي يتم الكشف عنها اليوم عن تورط المكتب الأممي وتستره على اعتقال النظام لناشطين منفصلة عن سياق العديد من التقارير والمعلومات التي أكدتها جهات إعلامية واستقصائية دولية خلال السنوات الماضية، من تمويل برامج الأمم المتحدة المختلفة لجهات تابعة لنظام الأسد ومتورطة في ارتكاب الانتهاكات واستفادة الأسد وأجهزته الأمنية من ملايين الدولارات من تمويل برامج الأمم المتحدة، وسط غياب كامل للشفافية في عمل المنظمات الدولية وتعاطيها مع نظام الأسد وتسترها على انتهاكاته، لتوضع المزيد من علامات الاستفهام على الأداء الأممي في الملف السوري.