"تحـ ـرير الشـ ـام" تواصل احتفالات الإفراج عن المُتهمين بـ"العمالة" في إدلب
على وقع إطلاق النار من الرشاشات الثقيلة، وتسيير أرتال كبيرة لمئات السيارات من سرمدا إلى مدينة إدلب، احتفل المئات من عناصر "هيئة تحرير الشام" اليوم الخميس، بالإفراج عن القيادي في الهيئة "أبو محجن الحسكاوي"، والذي جرى اعتقاله قبل أشهر بتهمة "العمالة"، في ظل حالة شحن واستنكار شعبية كبيرة لحجم المبالغة في إطلاق النار وسياسة "المناحرة" التي تنتهجها تيارات الهيئة في احتفالاتها.
وأثارت حوادث إطلاق النار المتكررة بمختلف العيارات الخفيفة والرشاشات المتوسطة، من قبل مقاتلي "هيئة تحرير الشام"، احتفالاً بخروج قادتهم من سجون الهيئة بعد أشهر من احتجازهم بتهمة العمالة لجهات خارجية، موجة سخط واستياء شعبية وفي أوساط الفعاليات الثورية بشكل واسع بإدلب.
وبعيداً عن مؤشرات عديدة تدل على أن كثافة إطلاق النار جاءت في سياق تحدي وتبادل رسائل داخلية بين تيارات الهيئة، أحدثت حوادث إطلاق الرصاص سخطا شديداً لا سيّما مع تكرارها في كل حالة إفراج من سجون الهيئة.
وكرر العديد من مقاتلي "هيئة تحرير الشام"، إطلاق النار بشكل عشوائي في الهواء، وسط مناطق محيطة بعشرات المخيمات التي تأوي مئات الآلاف من النازحين والمهجرين، ما أدى إلى ترهيب الأطفال والنساء وبث الخوف في صفوفهم.
وحذر ناشطون من آثار إطلاق الرصاص بالطريقة التي احتفل بها مقاتلي وأنصار هيئة تحرير الشام، والتي سببت سخط واستياء شعبي كبير، علاوة على تهديد حياة السكان بالمقذوفات المتساقطة، وعادةً ما تتسبب هذه الحوادث إلى أضرار مادية وبشرية، ناهيك عن حالة الرعب التي تنتاب الأهالي.
وكتب العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، منشورات عبر صفحتهم الشخصية، وكان أبرزهم منشور النقيب "محمود المحمود"، أحد مقاتلي فصيل جيش العزة شمال غربي سوريا، الذي قال: "صدعوا رؤوسنا بالحوكمة والضبط وسيادة القانون في ظل حكومة الإنقاذ الرشيدة".
وأضاف، النقيب أن أحد عناصر الفصيل أطلق طلقتين فقط لا غير في ظرف يراه مبرر في وقتها، ما دفع المحكمة العسكرية بطلب العنصر ودفع غرامة 100 دولار، وتبين أن الهيئة تزعم أن لا أحد فوق القانون وهذا القانون على الجميع وحتى على مقاتلي الجماعة.
بتاريخ 12 نيسان 2020، عممت وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ السورية، بمنع إطلاق النار في كافة المناسبات وتحت أي ظرف أو ذريعة كانت، وفي حال المخالفة بتعرض مطلق النار للتوقيف لمدة 3 أيام ومصادرة السلاح المستخدم ودفع غرامة مالية وقدرها 100 دولار أمريكي.
وكانت كشفت حملات الإفراج التي تمت خلال الأيام الماضية ولاتزال مستمرة، عن حجم الحملة الأمنية التي مورست ضد تيارات عديدة في الهيئة ليس من إدلب فحسب، بل من عدة محافظات، تم خلالها اعتقال العشرات من قياداتها وعناصر ومرابطين وشخصيات أمنية، جميعهم جرى تعذيبهم وتشويه صورتهم بتهمة "العمالة"، لصالح تقوية تيارات أخرى استثمرت القضية لبسط نفوذها.
وظن "الجولاني" أن تهمة "العمالة" التي أنهى بها عشرات المكونات العسكرية، يستطيع تمريرها ضد قادة وتيارات كبيرة ضمن الهيئة كانت شريكة له فيما سبق، وتعي جيداً مخططاته والحجج التي ساقها زوراً وبهتاناً ضد تلك المكونات، ليحاول الإيقاع بها بذات الأسلوب والطريقة، فكان وبالاً عليه وأوقعه في فخ كبير، كاد أن يخلق حالة من الصراع الداخلي والاغتيالات الأمنية، والتي ستكون بداية سقوط مشروعه لامحال.
وظهر جلياً حجم الانقلاب الذي تعاطى به إعلام الهيئة الرديف كعادته، في الشيطنة بداية ثم في تجميل صورة مايجري حالياً من إفراجات والترويج لعدالة القضاء وحكمة القائد، إلا أن الهيئة فيما يبدو تسير لمرحلة جديدة لن تكون قبل "فخ العمالة"، لاسيما بعد تعزيز سطوة "الجولاني" ومركزية القرار، وإنهاء كل التيارات التي توقع أن تخرج ضده، فاعتقل قادتها كعملاء ثم أفرج عنهم وحولهم لأبطال كانوا فداء لصالح المشروع، ولربما يفرج عن "القحطاني" ذاته العميل الأكبر كما روج، لكن بعد تفكيك أذرع وتقويض امبراطوريته التي بناها لسنوات طويلة.
ويبدو أن "الجولاني" بات في موقع حرج، يفرض عليه إعادة التوازن في الهيئة، من خلال إرضاء المفرج عنهم، ولن يتم ذلك إلا بمحاسبة المتورطين باعتقالهم، وتحميلهم مسؤولية الاعتقال والخروج هو بمظهر الحاكم العادل، في سياق المحافظة على هيبته التي تزعزعت بعد فضح حقيقة المخطط لتفكيك امبراطورية "القحطاني" واستغلال الحدث والتهم لهدم تيارات قوية ضمن الهيئة لصالح أخرى، لم يكن الأمر في صالح "الجولاني" الذي أجبر على لملمة القضية وإنهائها قبل الدخول في صراع وتفكك داخلي قد يُنهي مشروعه.