ملف خاص: "طرد تحت مُسمى التقاعد".. "الإنقاذ" تتجاهل مطالب المعلمين المتقاعدين بإدلب
شهدت مدينة إدلب شمال غربي سوريا، وقفة احتجاجية جديدة، وذلك أمام مبنى مديرية التربية التابعة لحكومة الإنقاذ السورية المظلة المدنية لـ"هيئة تحرير الشام"، نظمها معلمون متقاعدون جددوا خلالها مطالبهم المحقة بعد قرار إحالتهم للتقاعد دون تعويض أو رواتب.
وفي نظرة عن كثّب على هذه القضية الهامة، يتضح مراوغة الجهات الحكومية ومحاولات الالتفاف المتواصلة على مطالب المعلمين المتقاعدين، كما يتبيّن أن القضية تدخل عامها الثالث ما يكذب الوعود الرسمية التي تلقاها المعلمون المتقاعدون.
وتواصلت شبكة شام الإخبارية، مع عدد من المعلمين المتقاعدين، بينهم منظمين ومشاركين في الاحتجاجات التي جددت المطالب المتكررة، دون وجود مؤشرات حقيقية على اقتراب الاستجابة، فيما يطلب المعلمون من المنابر الإعلامية تسلط الضوء على قضيتهم.
"الإنقاذ" تتجاهل المطالب.. طرد وليس تقاعد
قال المعلم المتقاعد، عبد الله حسن ملندي، في حديثه لشبكة "شام" الإخبارية، إن الوقفة الاحتجاجية الأخيرة جاءت بسبب عدم استجابة حكومة الإنقاذ العاملة في مناطق إدلب وغرب حلب، لمطالب المعلمين المطرودين تحت مسمى التقاعد.
وأضاف ملندي، أن مطالب المعلمين المتقاعدين تخصيص راتب تقاعدي لا يقل عن 100 دولار أمريكي، معتبراً أن هذا هو المطلب الأساسي، بالإضافة إلى ضرورة تفعيل دور نقابة المعلمين بالشكل الحقيقي الذي وجدت من أجله.
ولفت إلى أن الاحتجاجات ليست وليدة اللحظة، بل نشبت وتكررت قبل نحو عامين، ولدى سؤاله عن كيفية تعاطي الجهات المعنية مع مطالب المعلمين المتقاعدين بإدلب، أكد أنها "عبارة عن كلام معسول وتطمينات غير محددة بزمن وتسويف، ومماطلة واللعب على عامل الوقت".
القصة منذ البداية.. قرار تعسفي دون راتب تقاعدي!
منذ عامين قامت حكومة الإنقاذ، بطرد المعلمين تحت اسم التقاعد على السن القانوني، دون رواتب تقاعدية للمعلمين، واعتبر المعلم المتقاعد في حديثه لـ"شام" أن ذلك سابقة عالمية حيث لم يسبق أن قامت جهة حكومية بإحالة المعلمين إلى التقاعد وعدم تقديم أي رواتب لهم.
ولفت إلى تشكيل لجنة مصغرة ناطقة باسم المعلمين المتقاعدين، وعملت هذه اللجنة وفق أعضاء فيها على عقد العديد من اللقاءات والحوارات مع الجهات الحكومية بما فيها مجلس الوزراء والشورى، دون التوصل إلى نتيجة تنهي مأساة المعلمين المتقاعدين.
وتقول مصادر تعليمية إن معايير التقاعد المفروضة على المعلمين المعهد يتقاعد على 60 عاماً والمجاز الجامعي عند 65 عاماً، وذكرت أن لا خلافات على السن المحدد لكن المشكلة الأساسية في عدم وجود تعويض أو رابط.
وتشير مصادر من المعلمين المتقاعدين إلى أن الوقفة الاحتجاجية جددت المطالب وتم تشكيل وفد من الحضور للدخول إلى مبنى وزارة التربية، حيث جرى طرح مقترحات وتجديد المطالب، في وقت تجددت الوعود الرسمية المتكررة من قبل المسؤولين.
تجاهل رسمي للحلول والمقترحات يقابله مواصلة الوعود المعسولة
أكدت مصادر مطلعة من المعلمين المتقاعدين، بأنهم تقدموا بحلول منطقية خلال الحوارات مع الجهات الحكومية، دون أن تتكلف الأخيرة بالإيرادات المالية، ومثالاً على ذلك تم اقتراح اقتطاع 2 إلى 3 دولار من راتب كل معلم على رأس عمله لصالح صندوق تكافل للمتقاعدين، إلّا أنه تم رفض المقترح.
ويعاني المعلمون المتقاعدون من الفقر المدقع مع انعدام مصادر الدخل، ومن بين المقترحات التي يتم طرحها على طاولة الحكومة بشكل متكرر، التنسيق مع المنظمات المعنية لدعم المعلمين، فيما رجحت مصادر من المعلمين أنفسهم أن المماطلة في دراسة المقترحات تؤكد عدم جدية الحكومة في معالجة مطالبهم.
مآسي صادمة.. هل تهدف "الإنقاذ" لدفع المعلمين للتسول؟!
علمت شبكة "شام" الإخبارية، من خلال الحديث مع عدد من المعلمين المتقاعدين والاستماع إليهم، بوجود معاناة كبيرة، تصل إلى مآسي صادمة تشير إلى مدى تدهور الأوضاع المعيشية الصعبة التي يكابدها المعلم المطرود تحت مسمى التقاعد، في وقت يشار إلى أن عدد المتقاعدين يصل إلى 420 معلم.
وقال أحد المعلمين المتقاعدين في سرد لإحدى هذه المآسي والقصص المؤلمة جداً، إن أحد زملائه قال إنه يقبل زكاة الفطرة خلال شهر رمضان الماضي، وانتقد ممارسات الحكومة وما ينتج عنها من سياسات يرى بأنها متعمدة وأضاف "كأن الحكومة تدفع المعلم الذي خدم 40 سنة إلى التسول، حيث أن الكثير منهم لا يملك قوت يومه.
ومن بين الروايات والتصريحات التي تجسد الواقع المزري للمعلمين المتقاعدين بإدلب، قال أحد المعلمين إنه تلقى اتصالا من زميل له يخبره بأنه تم طرده بحجة التقاعد وحرمانه من راتبه رغم قلته مشيراً إلى أنه عندما كان مدرسا كان يعيل 3 عوائل من ذوي الشهداء "ابنه وشقيقه" علما أنه يقطن في مخيمات النزوح شمالي إدلب.
واستغرب كثير من المعلمين طريقة التعامل معهم وسط قناعة بعضهم بأن هناك تعمد في إهانة المعلم المتقاعد، ويؤكدون بأن الإنقاذ هي حكومة أخذ وليس عطاء، وعبارة عن تشكيل صوري، ويلفت معلمون إلى أنه مع الحراك الشعبي ضد قيادة تحرير الشام في إدلب تقدموا بشكوى حول قضيتهم للجان المشكلة لنقل المطالب الشعبية إلا أنه تم تجاهله أيضًا.
هذا وتقدر فجوة التمويل في قطاع التعليم ضمن مناطق شمال غربي سوريا بأنها وصلت 38.7 مليون دولار بحسب تقديرات سابقة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، التي قالت إن التعليم من الأولويات الثلاث الأولى في المنطقة، بعد إدارة الخدمات وقضايا التعافي المبكر.
ويشير فريق منسقو الاستجابة في سوريا لالتوجه إلى خصخصة التعليم "التحول إلى القطاع الخاص" بزيادة قدرها 24 % عن العام الماضي، الأمر الذي زاد من نسب التسرب وحرمان آلاف الطلاب من التعليم، كما تشهد المدارس العامة ازدحامات هائلة ضمن الصفوف المدرسية، وصلت إلى نسبة 44% كمتوسطة الازدحام، و 23% مزدحمة جداً.
قرارات سابقة تستهدف قطاع التعليم في إدلب
كانت أصدرت وزارة التربية لدى حكومة الإنقاذ في إدلب، تهديدا للعاملين فيها بذريعة ضبط تعليقاتهم على وسائل التواصل، وذلك في سياق تضييق سلطات الأمر الواقع على السكان من بوابة مواقع التواصل الاجتماعي.
وسبق أن أصدرت "الإنقاذ" بياناً عبر وزارة التربية والتعليم، يقضي بتنظيم فعاليات ترفيهية ضمن إحدى مدن الملاهي والألعاب في محافظة إدلب، وتقديم حسومات على الأسعار للطلبة والمعلمين، في بيان يوضح انفصال "الإنقاذ" عن واقع التعليم شمال غرب سوريا.
وكشفت مصادر محلية عن قيام وزارة التربية والتعليم في حكومة "الإنقاذ" بتأجير عدة مدراس في محافظة إدلب وريفها ضمن مناطق سرمدا وسرمين وكفرتخاريم، لمؤسسة تعليمية خاصة، وذلك في سياق خصخصة التعليم ضمن سياسة تعمل عليها الإنقاذ منذ أمد بعيد.
وأصدرت الوزارة التربية تعميماً منذ قرابة عام لمديريات التربية التابعة لها، يحدد قيمة رسم التسجيل والتعاون والنشاط بـ "100ليرة تركية"، يضاف إليها 5 ليرات تركية ثمن بطاقة طالب يتم شراؤها حصراً من مديريات التربية التابعة للحكومة المذكورة.
وكان أثار هذا الإجراء، حفيظة الأهالي في مناطق هيمنة تربية الإنقاذ، والتي باتت تستثمر العملية التعليمية لصالح جني الأرباح على حساب أولياء الطلاب، وحتى المعلمين المحرومين من أبسط حقوقهم، لتضيف معاناة جديدة تواجه الأهالي في سياق تعليم أبنائهم وإبعاد آفة الجهل عنهم.
ويأتي ذلك وسط تحجيم دور التعليم حيث بات هدف مديرية التعليم البحث عن أي مكان للدورات أو التعليم المجاني وإغلاقه بحجة عدم وجود ترخيص والإبقاء على المرخصين من تلك المعاهد رغم غلاء أقساطها على الطلاب، وتجاهل الواقع المعيشي للمعلمين وعدم الاكتراث بوضعهم المتدني وإصدار قرارات غير صائبة من شأنها تقويض العملية التعليمية بشكل عام وسط تسهيلات للقطاع الخاص الذي يدر الأرباح ويجني الفوائد المالية على "حكومة الإنقاذ".