مع تصاعدت الانتقادات .. النظام يبرر رفع البنزين بالسعر العالمي وتكلفة الاستيراد والشحن
تصاعدت حدة الانتقادات الصادرة عن شخصيات موالية لنظام الأسد بسبب قرار رفع سعر البنزين، بنسبة 130%، ومن بين هذه الشخصيات أعضاء في "مجلس التصفيق"، إضافة لعدة شخصيات إعلامية واقتصادية، فيما برر معاون وزير النفط في حكومة النظام بأن القرار جاء بسبب ارتفاع المشتقات النفطية عالمياً، وغيرها من المبررات والذرائع.
وقدر معاون وزير النفط والثروة المعدنية "عبد الله خطاب"، بأن تكلفة استيراد البنزين عالية وتصل إلى قرابة 4 آلاف ليرة لليتر الواحد وأن مقدار العجز في مادة البنزين يصل إلى 3300 مليار ليرة، وقال إن رفع سعر البنزين إلى 2500 ليرة يعود لعدة أسباب، منها "ارتفاع النفط عالمياً، وخروج حقول النفط عن سيطرة النظام، والاعتماد على استيراد النفط والعقوبات الاقتصادية.
وحسب تبريرات المسؤول ذاته فإن ناقلات النفط تلاقي صعوبات كبيرة في الوصول إلى مناطق سيطرة النظام وتتعرض للتهديد والحجز أثناء قدومها، ناهيك عن رسم العبور المرتفع عبر قناة السويس، وذلك بسبب العقوبات الاقتصادية والتشدد في تطبيقها على سوريا، وعلى كل من يتعامل معها من شركات نفطية وبنوك وشركات حماية ونقل بحري، حسب وصفه.
في حين صرح الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب "حسن حزوري"، بأن خلال عملية حسابية بسيطة للتحقق من أن تكاليف ليتر البنزين تفوق سعره المحدد رسمياً، حيث أشار إلى أن سعر غالون البنزين الأميركي المكرر عالمياً والذي يباع كبنزين مصفى يصل إلى 2.8 دولار أي أن سعر الليتر يصل إلى 0.75 سنت.
واستطرد، بقياس ذلك على الداخل السوري فيجب أن يكون سعر ليتر البنزين بالنسبة لسعر الصرف الرسمي 2110 ليرات، وبالنسبة لسعر الصرف في السوق السوداء فيجب ألا يتجاوز سعر الليتر 3150 ليرة، علماً أن سورية تستورد النفط وتكرره في المصافي المحلية، أي إن التكلفة يجب أن تكون أقل من شراء البنزين المكرر من السوق العالمي.
وذكر أن العادة جرت أن يتم قطع المادة من الأسواق ورفع أسعارها في السوق السوداء لتقوم الحكومة برفع الأسعار رسمياً بحجة أنها تبيع المادة بسعر أقل من سعرها عالمياً، وأكد أن حجة رفع سعر البنزين سيتبعه توافر المادة أثبتت عدم صدقها في المرات السابقة، وأما بالنسبة لارتفاع الأسعار عالمياً فهذا غير صحيح، لأنه من خلال الاطلاع على سعر برميل النفط نجد أنه يميل للانخفاض.
وأكد أن الآثار السلبية لرفع سعر البنزين بدأت بالظهور، إذ ارتفعت أسعار الخضار والفواكه بنسبة 30 بالمئة، كما ارتفعت أجور التكاسي إلى نحو 60 بالمئة، لافتاً إلى أن الآثار لن تطول قطاع النقل وأصحاب السيارات فقط، بل ستصل إلى جميع المجالات وستنعكس على مئات السلع الصناعية والزراعية وغيرها، الأمر الذي سيؤدي إلى تدني القوة الشرائية وبالتالي ارتفاع سعر الصرف.
وشدد على تنصل حكومة النظام التي تتهرب من محاربة حلقات الفساد والهدر والسرقات وتلجأ إلى رفع الأسعار لسد العجز بالموازنة، بدلاً من التقليل من نفقات الحكومة التي تتمثل في أسطول السيارات وغير ذلك، فيجب عليها التفكير بعقلية أخرى للوصول إلى حلول غير مجربة سابقاً.
ولفت عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق "ياسر أكريم"، إلى أن لا يوجد مبرر حالياً لرفع أسعار البنزين، علماً أنه لدى الحكومة أيضاً مشكلة بتسديد أسعار الطاقة بشكل صحيح لإعادة الاستيراد من جديد وتغطية التكاليف، علماً أن هذه المعادلة يجب أن تكون غير ربحية، وأضاف أن توفير المادة أهم من رفع الأسعار، علماً أن قرار رفع أسعار البنزين في هذه الظروف قاسٍ على المواطن.
وفي سياق متصل نشر عضو "مجلس التصفيق"، "خالد العبود" منشورا تحت عنوان "في البنزين وأشياء أخرى"، وقال إن الدولة ترى مصلحتها في كثير من القرارات وتسعى لتمرير هذه القرارات من خلال الحكومة، واعتبر أن المواطن في أي دولة يمتلك جملة من المشاعر والعواطف والمواقف تجاه دولته، منتقدا رفع أسعار البنزين الأخير.
وأضاف، "ليس مقبولاً أن يتم التعامل مع المواطن، من قبل دولته، بهذه اللامبالاة وبهذه الطريقة الاستفزازيّة، من خلال قرار لإحدى وزارات الدولة، من دون مقدمات له، ومن دون حامل معنوي موضوعي يساهم في احترام المواطنين حيث يتم التعامل من قبل الحكومة مع المواطنين الطريقة غير كريمة حيث يتمّ رفع سعر مادةٍ، أيّ مادةٍ، تشرف عليها الدولة، بهذه النسبة المعيبة والمخجلة".
وهاجم القرار الأخير بأنه فيه كثير من الزجر واللامبالاة والتحدي التي ستنعكس على مشاعر المواطنين وروحهم الوطنيّة قبل أن تنعكس على جيوبهم واعتبر أن القرار يصب أخيراً في صالح الدفاع عن هذا الوطن وحمايته، لكن الآلية التي جاء بها، سيكون لها مردود وتبعات وتأثيرات كبيرة جدّاً، على علاقة الدولة بمواطنيها، قبل أن يصل القرار إلى نتائجه المرجوّة في الدفاع عن الوطن، على حد قوله.
من جانبه قال عضو مجلس التصفيق "زهير تيناوي"، إن قرار رفع البنزين كان مفاجئاً لكل شرائح المجتمع وكانت نسبة الزيادة غير متوقعة، وأضاف أنه لاشك أن هناك كلفاً كبيرة طالت المشتقات النفطية واستيرادها وشحنها وتفريغها وتكريرها وتوزيعها، لكن لم يكن متوقعاً أن تصل هذه الكلف لحدود 130 بالمئة.
وذكر أن الوزارة رفعت سعر ليتر البنزين الحر إلى 4 آلاف ليرة، على أنه كلفة الليتر الحقيقية على الدولة، بينما رفعت سعر المدعوم إلى 2500 ليرة، ما يعني أنها تتحمل خسارة 1500 ليرة في الليتر، لكن تيناوي أشار إلى أن الكلفة الحقيقية لليتر هي 2500 ليرة فقط، في إشارة إلى أن الحكومة تربح في كل ليتر بنزين حر مبلغ 1500 ليرة، بعكس ما تدعي.
وأكد أن مواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة في سوريا، لا يكون من خلال رفع سعر البنزين، بل هناك طرق أنجح للمعالجة مثل ترشيد استهلاك مادة البنزين بدلاً من رفع سعرها إذ إن ترشيد الاستهلاك للقطاع العام بكل مفاصله سيحقق وفراً بشكل أكبر لخزينة الدولة مما ستحققه الحكومة بهذه القفزة لسعر البنزين غير المتوقعة، بحسب وصفه.
وبيّن أنه بمجرد صدور قرار رفع سعر البنزين في منتصف الليل، ارتفعت أسعار وسائل النقل العاملة على البنزين كالتكاسي التي عدلت أسعارها ورفعتها بنسبة تجاوزت 100 بالمئة إضافة إلى أن رفع سعر البنزين سيطول ليس وسائل النقل التي تنقل الركاب فقط إنما التي تنقل البضائع ضمن المحافظة الواحدة وبين المحافظات، وأبدى خشيته من أن يتم رفع أسعار بقية المشتقات النفطية بعد رفع سعر البنزين.
فيما قالت "نهلة عيسى"، المسؤولة بجامعة دمشق إن عمرو سالم قال إن المواطن هو روحنا، ولا أحد سعيد برفع سعر البنزين، وعلقت باللهجة العامية بقولها: "حدا يخبروا روحهم راحت"، وكتب "محمد حلو"، مصور وزارة الداخلية متهكما: "بعد غلاء البنزين لنساعد بعض من يملك سيارة ويشاهد مواطن ينتظر المواصلات يدهسه لكي يرتاح من هذا المعيشة".
هذا ويأتي ذلك في ظل تناقض تبريرات النظام حول قرار رفع سعر البنزين، حيث قال وزير التموين "عمرو سالم"، إن رفع السعر ليس له علاقة بتوافر المادة، وزعم أن ارتفاع سعر النفط عالميا أدى إلى رفع سعر البنزين رغم أن هناك استقرار وانخفاض نسبي على الصعيد العالمي مؤخرا، وعلى عكس "سالم" قالت وزارة التجارة الداخلية إن سبب رفع السعر ضمان لعدم انقطاع المادة أو قلة توافرها.
ويذكر أن نظام الأسد قرر رفع سعر البنزين، حيث قررت وزارة التموين رفع سعر ليتر البنزين بنحو 130% فيما توقع الخبير الاقتصادي المقرب من نظام الأسد "عامر شهدا"، بأن ارتفاع الأسعار بأكثر من 40% نتيجة هذا القرار، في حين ينوي نظام الأسد رفع تعرفة النقل الداخلي بعد قرار رفع البنزين، وسط عشوائية وفوضى القرارات التي تزيد تدهور الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار المتصاعد.