إهمال متعمد وتدمير ممنهج .. أجيال جديدة ضحية انهيار التعليم بسوريا والكارثة قادمة
إهمال متعمد وتدمير ممنهج .. أجيال جديدة ضحية انهيار التعليم بسوريا والكارثة قادمة
● تقارير خاصة ٢٥ سبتمبر ٢٠٢٢

إهمال متعمد وتدمير ممنهج .. أجيال جديدة ضحية انهيار التعليم بسوريا والكارثة قادمة

يعد قطاع التعليم من أهم قطاعات النهوض بالمجتمع وبناء الدولة، كونه أحد ركائز نشر الوعي والعلم ومحاربة الجهل، ويسهم في تحقيق التنمية المستدامة على كافة الأصعدة، ومنه تنبثق الاختصاصات وتتضح المعالم الثقافية والعلمية للبلاد، إلّا أن هذا القطاع رغم أهميته البالغة ينضم في سوريا إلى قائمة القطاعات المنهارة التي تعاني من تراجع غير مسبوق ودون أي بوادر لوقف هذه الكارثة التي تهدد مستقبل أجيال قادمة.

ونستعرض في هذا التقرير واقع التعليم حيث يتضح بأنه في طور الانهيار الكامل بدءاً من استمرار تردي جودة التعليم مروراً بالاستغلال الكبير للقطاع التربوي، وليس انتهاءاً بغسل العقول وترسيخ مفاهيم مغلوطة في أدمغة الأطفال الذين تحولوا إلى ضحايا لمرات عديدة منها ضحية انعدام التعليم وأخرى مع تعرضهم لهذه السياسات التي ترمي لتحويلهم أدوات تتبنى رؤية غير واقعية عن المراحل التاريخية التي تعيشها سوريا.

 

افتتاح العام الدراسي يكشف مدى انهيار العملية التعليمية

"يوم الفرح" الاسم الذي تداولت تحته عشرات المدارس في مناطق سيطرة النظام إعلانات بدء العام الدراسي الجديد، وما لبثت أنّ كشفت مصادر أهلية عورة هذه المزاعم حيث أكدت بأن "يوم الفرح" ليس له من اسمه أي نصيب، وذلك رغم الاحتفالات الكرنفالية التي جرى تنظيمها بحضور رسمي وبرعاية مباشرة من "حزب البعث"، إلّا أن تغطية نفقاتها كان على حساب أولياء الطلاب في مشهد يستهل به النظام استغلاله للقطاع التعليمي، حيث اتضح مع بداية العام الدراسي مدى انهيار العملية التعليمية.

واعتبر موجه تربوي في إحدى مدارس ريف حمص بأنّ العام الدراسي الحالي هو الأسوأ الذي يمر على بلدات شمال حمص منذ سيطرة قوات النظام وروسيا على المنطقة في أيار 2018، على صعيد التنظيم والإعداد وصولاً إلى مرحلة التنفيذ التي كشفت هول الفاجعة، مدراس لا تزال مدمرة، رغم مزاعم الترميم، ودون كوادر تعليمية كافية.

ولفت إلى أن إدارة المدرسة التي يعمل بها منذ العام 2000 وجهت بجلوس كل 4 طلاب في مقعد مشترك، وليس ذلك فحسب، حيث قالت مصادر مطلعة طلبت عدم كشف هويتها إن المدارس الحكومية التابعة لنظام الأسد تفتقر إلى أدنى مقومات النهوض بالتعليم، وتدرس دمج الصفوف في حل مزعوم لمشكلة الاكتظاظ وقلة الكوادر التدريسية.

وتزامناً مع عروض "يوم الفرح" التي حضرها وزير التربية "دارم طباع" ضمن مدرسة لم يصدق السوريين بأنها في بلادهم على الإطلاق، وذلك نظراً لحجم المبالغة والتكلف في محاولات إظهار صورة لن تظهر أمام المشاهد سوى خلال فترة العرض الإعلامي، تصاعدت شكاوى الأهالي من إجبار الطلاب على عمليات التنظيف ونقل مقاعد الدراسة رغم ثقل وزنها وصغر سنهم، علاوة على فرض رسوم مالية بشكل دوري بدواعي التعاون والنشاط.

ويذكر أن المصادر التي تحدثت إليها "شام"، وكشفت عن مدى تراجع العملية التعليمية لا تذيع سراً، حيث أن صفحات إخبارية محلية موالية لنظام الأسد تطرقت مؤخرا إلى تدهور القطاع الذي طالته نيران حرب النظام الشاملة، وطالما وقع ضحية بين براثن نظام الأسد الذي عمل مراراً وتكراراً على تدمير هذا القطاع بأنه وصل إلى مبتغاه حيث بات واقع التعليم في الحضيض.

 

دلائل تفضح كذبة مجانية التعليم

طفت على سطح ملف التعليم مشكلات عديدة أبرزها تلك التي تتعلق بـ "فقدان الكتب المدرسية" إلى جانب تسليم كتب قديمة وشبه تالفة، الأمر الذي تكرر في كافة مناطق سيطرة النظام وأما توزيع الكتب الجديدة اقتصر فقط على المدارس التي خصصت لتقام فيها الاحتفالات وأمام الكاميرات فقط، بينما حصلت بعظم المدارس على الكتب بنسخ قديمة مستعملة ومحلولة ومهترئة، وفي خضم أزمة الكتب التي تطرق لها وزير التربية الدكتور البيطري "طباع"، كثيرا، ينفصل إعلام النظام مرة جديدة عن الواقع حيث قال تلفزيون النظام الرسمي إنه أرسل عبر شحنة جوية أطنان من الكتب إلى محافظة الحسكة شمال شرق سوريا.

 

الكتب حلم يراود الطلاب و الأسعار كاوية

ولم يكتمل الشهر الأول على افتتاح العام الدراسي الجديد فيما تتصاعد شكاوى أهالي الطلاب في مناطق سيطرة النظام، بسبب عدم توفر الكتب سينعكس سلبياً على الطلاب، وقالت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا"، إن الطلاب أصبحوا يعتمدون على الملخصات والنوت التجارية من المكتبات الخاصة في حين اضطر آخرون لدفع تكاليف إضافية لتأمين بدائل، بما فيها الكتب المستعملة، التي يتراوح سعر النسخة منها بين 25 ألفاً و35 ألف ليرة سورية.

وانتهز نظام الأسد فرصة افتتاح العام الدراسي مباغتاً السوريين بأسعار جديدة ملتهبة للكتب المدرسية، حيث رفعت وزارة التربية أسعار الكتب المدرسية للعام الدراسي 2022-2023 وتراوح سعر نسخة الكتب المدرسية بين 35 ألف ليرة إلى 60 ألف ليرة، بحسب الصفوف وعدد الكتب في كل مرحلة، ما يعادل أكثر من ثلث راتب الموظفين في الدوائر الحكومية.

ويأتي ذلك وسط ارتفاع غير المسبوق لأسعار تلك المستلزمات، مع تحذيرات من أم عدم قدرة السوريين على تأمينها يدفعهم إلى الزج بأولادهم في سوق العمل، الأمر الذي سيزيد من ابتعاد الطلاب عن مقاعد المدارس، ما يزيد من التجهيل وتدمير الأجيال المقبلة.

كما رفعت المؤسسة أسعار المطبوعات الأخرى لـ 144 نوع من المطبوعات والكتب المستخدمة في التعليم وأما تبريرات النظام حول رفع أسعار الكتب فكانت على لسان المدير العام للمؤسسة المطبوعات، "علي عبود"، مدعيّاً أن رفع أسعار الكتب هذا العام جاء لكي يحافظ الطالب عليها، ويكون لها قيمة علمية، وكذلك برر الارتفاع، بـ"قلة المحروقات وانقطاع الكهرباء وغلاء سعر الورق عالميا".


 
القرطاسية تثقل كاهل الأهالي وعدم تأهيل المدارس ينسف رواية النظام

وإلى جانب غلاء وفقدان الكتب باتت تكاليف القرطاسية تؤرق المواطنين، ويعد إعلان المؤسسة السورية للتجارة لدى نظام الأسد عن فتح باب التقسيط على القرطاسية والألبسة المدرسية والحقائب للعاملين بالدولة بسقف قدره 500 ألف ليرة سورية، إقراراً منها بحجم التكلفة الكبيرة وحاجة الطالب تصل إلى نصف مليون ليرة سورية، وكانت نشرت وسائل إعلام محلية استطلاع للرأي يوضح مدى غلاء أسعار القرطاسية.

ومع انعدام الكتب المدرسية وغلاء القرطاسية، لم تنته مشكلات التعليم في سوريا، إذ أن هذه المواضيع أثيرت مع تفاقمها في بداية العام الدراسي الحالي، إلّا أن هنالك مشكلات أعمق من ذلك تسهم في تهالك القطاع التعليمي، تفضح كذب النظام وتنسف روايته حول التعليم، ولعل أبرزها تهالك البنى التحتية رغم استجلاب دعم مالي يذهب إلى حزينة النظام عبر صفقات فساد محكمة التطبيق.

ويأتي ذلك في ظل عدم ترميم المدارس التي دُمرت على يد نظام الأسد قبل سيطرته على مناطق بدمشق وحلب وحمص ودرعا ودير الزور وغيرها، في الوقت الذي يروج نظام الأسد فيه لعودة الحياة في تلك المناطق، وأما الواقع يشير إلى تزايد وزارة التربية تعمل بعقلية التجارة الداخلية والنتيجة طوابير للحصول على الكتاب المدرسي مع استحالة الدارسة بالكتب التالفة التي وصلت إلى يد التلاميذ.

 

إجراءات هلامية وجرعات مسكنة لا تفي بالغرض

يعتقد المتابع لقرارات وزارة التربية والتعليم في حكومة نظام الأسد بأن هذه الوزارة وآخر صيحات الوزارة التي يتسلم حقيبتها أكثر الوزراء إثارة للجدل، تعميم ينص على تخفيف وزن الحقيبة المدرسية ضمن معايير محددة تأخذ بعين الاعتبار وزن الحقيبة ووزن التلميذ، وكذلك تكرر الوزارة نفي صدور لائحة أسعار جديدة للكتب المدرسية، وزعم استمرار مجانية التعليم من الصف الأول الابتدائي حتى الصف التاسع الإعدادي في المدارس الحكومية.

ومؤخراً أعلنت وزارة التربية، عن مخالفة مكتبة خاصة تبيع الكتب المدرسية المجانية، ولم تقتصر الإجراءات الهلامية على ما تعلنه الصفحة الرسمية بل تتصدر تصريحات وزير التعليم مواقع التواصل الاجتماعي، مع كل ظهور إعلامي وأحدث ما قدمه من جرعات مسكنة لهذا القطاع المتهالك، حديثه  إمكانية تأمين مدرسين للغة العربية بهدف دعم التدريس في الإمارات وتبادل الخبرات في مجال تكنولوجيا المعلومات، خلال لقاء على هامش قمة تحويل التعليم التي اختتمت في نيويورك.

 

أطفال لتمرير الرسائل .. جرائم موثقة بعدسة النظام

 ويستغل نظام الأسد الأطفال السوريين في المدارس وتنسيبهم مبكرا إلى "حزب البعث"، ويقوم على ترسيخ روايته المناقضة للواقع في عقولهم، ويسعى دائما إلى استخدامهم لتمرير رسائل يجري نقلها عبر وسائل إعلام تابعة لنظام الأسد، وتشكل جرائم بحق الطفولة، حيث أراد النظام تمرير رسالة مزعومة حول مدى تأييده من قبل الأطفال حيث حمل التلاميذ صورا تظهر رأس النظام في كل زاوية من المدارس المعلن افتتاحها.

 وأما المسرحية التي شهدتها إحدى مدارس التعليم الأساسي في مناطق سيطرة النظام، وتظهر الطالب العسكري المخلص والآخر الذي يريد خيانة الوطن وتركه، تلخص انتصار الأول الذي نجح بإقناع نظيره بإلغاء السفر مقابل البقاء وحمل السلاح! هذا الرسالة أيضا مررت عبر أطفال يبدو أن بقائهم لسنوات إضافية على هذا النحو يجعل منهم مشاريع شبيحة يستكمل النظام خلالهم تدمير ونهب البلاد.

 

احتضار التعليم في سوريا فهل من مسعف؟

وفي المناطق الخارجة عن سيطرته فشل نظام الأسد فرض المناهج الدراسية التي تصدرها وزارة التربية على هذه المناطق التي استقلت تعليماً، بينما انقسمت إلى الشمال السوري بمناطق إدلب وأرياف حلب الشرقي والشمالي، إضافة إلى مناطق شمال شرق سوريا الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" وسط أخذ ورد حول الاعتراف بالشهادات التعليمية هناك إلى جانب مخاوف حول استغلال للعملية التعليمة والاتجاه نحو الخصخصة.

في حين تتعدد مصادر التعليم في الشمال السوري وسط حالة إضراب مع تدني الأجور والرواتب للعاملين في الحقل التعليمي، وفي الشرق السوري تفرض "قسد" مناهج مؤدلجة طالما أثارت حفيظة الأهالي في مناطق دير الزور والحسكة والرقة، وكان أخرها الحديث عن إدراج اسم "عبد الله أوجلان"، مؤسس حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا ضمن كتاب الفلسفة، تترافق مع تجدد إضراب كوادر تعليمية في مناطق بالحسكة، حتى زيادة رواتبهم 100% من قبل "هيئة التربية" التابعة لـ"الإدارة الذاتية"، حيث يصل راتب المدرس في المنطقة إلى 260 ألف ليرة سورية.

 

أرقام حول قطاع التعليم في سوريا

 وكان وزير التربية بحكومة النظام، دارم الطباع، قد أعلن بدء أكثر من ثلاثة ملايين و651 ألف طالب سوري عامهم الدراسي الجديد في مناطق سيطرة النظام السوري، ضمن 13660 مدرسة ومعهد، وفق تقديراته.

بالمقابل تفيد "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" بأنّ أكثر من 1597 مدرسة تضرّرت ما بين مارس/ آذار 2011 والشهر نفسه من عام 2022، ولفتت إلى أنّ قوات الحلف السوري - الروسي هي الطرف الأكثر اعتداءً على المدارس بنسبة 89 في المائة من الحصيلة الإجمالية.

 وكذلك وثّقت قيام هذه القوات بتحويل عشرات المدارس إلى مقرّات عسكرية ونهب محتوياتها بطريقة بربرية، الأمر الذي يجعلها مصدر تهديد رئيسي وخطر على التعليم والمنشآت التربوية، وسبق أن أدانت الشبكة الاعتداء السافر على المدارس والكوادر التدريسية، وحملت نظام الأسد المسؤولية الكاملة، وطالبت المجتمع الدولي كافة بالتدخل الفوري والعاجل لوقف الانتهاك الجسيم لحقوق الإنسان في سوريا.

وكذلك طالبت من منظمة اليونسكو وهي المنظمة المختصة بشؤون التعليم والتربية والثقافة أن تقوم بالضغط الحقيقي والجاد على حكومة النظام وأن تصدر بيانات صارمة بهذا الخصوص كما نطالبها بتوفير الحماية والرعاية للطلاب من أبناء الشعب السوري والبدء بقيام عمليات ترميم وإصلاح للمدارس ومعداتها التي دمرتها طائرات ودبابات حكومة النظام وعليها أن تتحمل مسؤولياتها كمنظمة دولية مختصة بهذا الشأن.

وبحسب منظمات دولية، فإن هناك نحو 2.5 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاما – ثلث السكان في سن الدراسة – خارج المدرسة، وهم غير قادرين على ممارسة حقهم الأساسي في التعليم على النحو المنصوص عليه في اتفاقية حقوق الطفل عام 1989.

وكانت الأونروا أعلنت أن قرابة 50 ألف طالب انضم إلى مدارس وكالة الغوث في جميع أنحاء سوريا خلال اليوم الأول من العام الدراسي الجديد، وعن نيتها توزيع نسخة كتب كاملة مع حقيبة وقرطاسية خلال الأسبوع الأول والثاني من العام الدراسي الجديد.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ