
أب سوري يواصل بحثه عن ابنته المعتقلة منذ سنوات: باع أرضه وواجه الاستغلال... ولا إجابة حتى اليوم
رغم سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، لا تزال آلاف العائلات السورية تعيش على أمل كاذب أو مجهول، بانتظار بصيص خبر عن مصير أبنائها المغيبين قسرًا. عبد اللطيف متعب، والد الشابة المعتقلة منى نسب، هو أحد هؤلاء الآباء الذين أنهكتهم سنوات البحث والاستنزاف، دون أن يجدوا ما يطفئ ألم الانتظار أو يضع نهاية لمأساتهم.
يقول عبد اللطيف في مقطع مصوّر نشرته صحيفة "زمان الوصل"، إن ابنته اعتُقلت منذ سنوات بينما كانت متجهة إلى دمشق برفقة خطيبها، الذي كان يسعى لإتمام معاملة تأجيل الخدمة العسكرية. اتصلت به من "كراجات" العاصمة، وأبلغته أنها في طريق العودة، لكن الاتصال انقطع ولم تعد إلى المنزل.
مرت الساعات وأُغلِق هاتفها، لتبدأ بعدها رحلة طويلة من الأسئلة والإنكار والتضليل. علم الأب لاحقًا من أحد ركاب الحافلة أن ابنته وخطيبها أُنزلا منها عند حاجز يتبع الفرقة الأولى التابعة للنظام المخلوع، إلا أن مسؤولي الفرقة أنكروا وجودها لديهم.
ورغم ذلك، استمرت "إشارات الحياة" تظهر بين الحين والآخر. فقد أكدت مصادر من داخل وزارة الدفاع، بحسب رواية الأب، أن منى لا تزال على قيد الحياة، مستندين إلى عمليات "تفييش أمني" أظهرت اسمها في عدة مرات، كان آخرها عام 2022. هذه المعلومات المضللة فتحت أبواب الاستغلال على مصراعيها، حيث دفع الأب مبالغ طائلة بحثًا عن وسطاء أو محامين يعدونه بسماع صوت ابنته أو المساعدة في الإفراج عنها.
في إحدى المحاولات، لجأ إلى محامية تعمل في شارع بغداد بالعاصمة دمشق، طلبت منه 3.5 ملايين ليرة سورية مقابل وعود برؤية أو سماع صوت ابنته، لكنه لم يجد منها سوى وعود كاذبة. اضطر عبد اللطيف في نهاية المطاف إلى بيع قطعة من أرضه، واستدان أموالًا من الآخرين في سبيل مواصلة رحلة البحث المرهقة، والتي شملت زيارة أماكن احتجاز سرية مثل مساكن الضباط ومراكز الأمن.
ورغم كل المحاولات، لم يصل عبد اللطيف إلى أي نتيجة مؤكدة. يقول بمرارة: "بدنا نعرف إذا كانت عايشة ولا ميتة، وإذا ماتت، بدنا قبر ندفنها فيه".
قضية منى ليست استثناءً، بل تمثل جرحًا جماعيًا في جسد المجتمع السوري، حيث تشير بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى أن أكثر من 177 ألف شخص لا يزالون في عداد المختفين قسرًا. ورغم انهيار النظام الذي كان السبب الرئيسي في هذه الجريمة الممتدة، لا تزال الحقيقة غائبة، والمسؤولون عن هذه الانتهاكات بعيدون عن المحاسبة.
ومع كل وقفة احتجاجية تنظمها عائلات المفقودين، يرتفع الصوت نفسه: "لن نسامح، ولن نصمت"، مؤكدين أن العدالة هي الطريق الوحيد لإنصاف أبنائهم، وأن الغياب لا يجب أن يتحوّل إلى نسيان، ولا إلى عفو مجاني عن الجناة.