بيان لمنظمات سورية تعبر عن قلقها إزاء قرار السلطات التركية إعادة اللاجئين قسراً إلى سوريا
أصدرت عدد من منظمات المجتمع المدني السوري، بينها "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، بياناً مشتركاً، عبرت فيه عن قلقها إزاء قرار الحكومة التركية الأخير إعادة اللاجئين السوريين قسراً إلى شمال غرب سوريا، لافتة إلى أن الانتهاكات مستمرة في كافة المناطق السورية بما فيها شمال سوريا ولهذا الإعادة القسرية للاجئين تشكل تهديدا جدياً.
ولفتت المنظمات إلى أن القرار يُعدُّ انتهاكاً لمبدأ عدم الإعادة القسرية، المنصوص عليه في القانون الدولي والمنعكس في اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967 ، والذي يمثل حجر الزاوية في حماية حقوق طالبي اللجوء واللاجئين. وهو مبدأ عرفي ملزم لجميع الدول بما فيها الدول غير المصادقة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951.
وجاء في البيان أن هذا المبدأ يحظر طرد طالبي اللجوء واللاجئين أو إعادتهم أو تسليمهم إلى مناطق قد تتعرض فيها حياتهم أو حريتهم أو سلامتهم للخطر. ومناطق شمال غرب سوريا التي يُعاد إليها اللاجئون السوريون من تركيا، والخاضعة لسيطرة كل من هيئة تحرير الشام وقوات الجيش الوطني ما زالت غير آمنة وتُسجَل فيها يومياً انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وبين أن الانتهاكات المنهجية والواسعة التي قامت بها كافة أطراف النزاع في سوريا، وبشكل أساسي النظام السوري وحليفيه الإيراني والروسي المتسببين في النسبة الأعظم من الانتهاكات والتي بلغ بعضها مستوى الجرائم ضد الإنسانية، تسببت في تشريد قسري لقرابة 14 مليون مواطن سوري ما بين نازح ولاجئ، وقد هرب المواطن السوري نتيجة الاضطهاد والقمع الوحشي الذي وقع في بلده منذ آذار 2011 وحتى الآن، وأصبح وفقاً للقانون الدولي مستحقاً لطلب اللجوء.
وأضافت أنه "نظراً لعوامل عديدة من أبرزها قربها الجغرافي وطول الحدود اضطر الملايين من السوريين للجوء إلى تركيا، وبسبب الاتفاق الأوروبي التركي عام 2016 لم يتمكن مئات الآلاف منهم من العبور من تركيا إلى دول أوروبية تمنح اللاجئين حقوقاً ورعايةً أفضل، من ضمنها الحصول على إقامة دائمة وعلى المواطنة".
وذكرت المنظمات أنه "بسبب هذا الاتفاق بشكل أساسي أصبحت تركيا تضم أكبر عدد من السوريين، وحصلت تركيا على مبالغ مالية طائلة من الاتحاد الأوروبي مقابل هذا الاتفاق، وقدمت بالمقابل بعض الحقوق الأساسية للاجئين السوريين، وبقيت كثيراً من الحقوق عالقةً دون حلول. وبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين فإنه يوجد في تركيا 3329516 لاجئاً سورياً حتى 13/ تموز /2023".
وأضاف البيان: "عادةً ما تقوم العديد من الدول بتحميل اللاجئ الهارب إليها مشاكل اقتصادية واجتماعية متراكمة على مدى سنوات حتى قبل قدومه إلى هذه الدولة أو تلك، لكنه الشماعة الأسهل والتي ليس لها صوت مسموع في وسائل الإعلام المحلية، فغالباً ما تقوم الحكومات والأحزاب السياسية المعارضة بتحميل مشاكلها على تواجد اللاجئين وتقدم وعوداً انتخابية زائفة بتحسن مستوى الدخل بعد الترحيل القسري لمئات آلاف اللاجئين".
وبينت أن "هذا ما حصل في تركيا على خلفية الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة، والذي شهدنا تداعياتها منذ مطلع العام الجاري 2023 وبشكل متصاعد في شهري حزيران وتموز، وقد تجسد هذا كله في عمليات ملاحقة واحتجاز اللاجئين السوريين في العديد من الولايات التركية من أبرزها ولاية إسطنبول، تلتها عمليات ترحيل طالت المئات منهم".
وبينت أنه بحسب روايات بعض اللاجئين الذين تمت إعادتهم قسرياً من تركيا إلى سوريا، تبين أن حملات الاحتجاز استهدفت اللاجئين السوريين الذين لم يتمكنوا من الحصول أو استخراج أوراق رسمية لتبرير تواجدهم في تركيا، كما استهدفت المقيمين السوريين الذين لم يتمكنوا من تجديد إقامتهم أو حاملي بطاقة الحماية المؤقتة المتواجدين في الولايات التي تخالف الولاية التي تم استخراج البطاقة منها.
وذكرت أنه "جرى نقل معظم من تمَّ احتجازه من قبل الشرطة التركية إلى مراكز الترحيل التابعة لإدارة الهجرة التركية المنتشرة في الولايات التي تقوم بدورها بنقلهم إلى المعابر الحدودية التركية السورية، وقد تضمنت عمليات الترحيل العديد من الانتهاكات الأخرى وفق تعبيرها".
ومن هذه الانتهاكات وفق البيان، تعرض العديد منهم للضرب والشتم وإهانة المعاملة الإنسانية خلال فترة احتجازه وترحيله، وعدم تمكنهم من توكيل محامٍ والاعتراض على قرارات الترحيل الصادرة ضدهم، كما جرت عمليات الاحتجاز من الطرقات والأماكن العامة ومن ثم الاقتياد مباشرةً إلى مراكز الترحيل من دون أن يتمكن معظم المرحلين من توديع عائلاتهم وجرى فصلهم عن زوجاتهم وأطفالهم أو أمهاتهم الذين ما زالوا في تركيا.
وذكرت أنه لم يتمكن غالبية المرحلين من إنهاء التزاماتهم وأعمالهم أو الحصول على حقوقهم المالية والمادية الخاصة بهم في تركيا إذ وجد معظمهم نفسه في شمال سوريا بعد 48 ساعة من احتجازه، وتُرِك المرحلين في شمال سوريا بلا مأوى، ودون الحصول على مساعدات إنسانية، تضاعفت معاناة المرحلين الذين ينتمون لمحافظات أخرى كحمص وحماة ودمشق ودرعا بسبب عدم وجود ما يربطهم في شمال غرب سوريا.
وقالت إنه في مطلع تموز أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ثلاث تقارير ترصد حالة حقوق الإنسان في سوريا في النصف الأول من عام 2023 . وفيما يلي أبرز الانتهاكات التي سجلت حدوثها تحديداً في مناطق شمال غرب سوريا الخاضعة لسيطرة كل من هيئة تحرير الشام وقوات الجيش الوطني، كونها المناطق التي يُعاد إليها اللاجئون السوريون من تركيا.
ولفتت إلى مقتل ما لا يقل عن 98 شخصاً في كل من حلب وإدلب، جراء عمليات القصف من قبل قوات النظام السوري أو انفجار الألغام ومخلفات ذخائر الأسلحة، أو الاشتباكات والتفجيرات. وقتلت هيئة تحرير الشام 7 مدنيين بينهم 2 سيدة وقتلت قوات الجيش الوطني 9 مدنيين بينهم 1 طفل و1 سيدة.
وشهد حزيران الفائت استمراراً في عمليات القصف المدفعي الذي تنفذه قوات النظام السوري على شمال غرب سوريا، حيث سجلنا عمليات قصف متفرقة تركزت على قرى وبلدات جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي وريف حلب الغربي وسهل الغاب في ريف حماة الغربي وريف اللاذقية الشمالي، القريبة من خطوط التماس مع فصائل في المعارضة المسلحة.
كما شهد حزيران تصعيداً عسكرياً هو الأعنف خلال هذا العام من قبل القوات الروسية، حيث شهد الثلث الأخير من الشهر عدة هجمات جوية نفذتها هذه القوات على منطقة شمال غرب سوريا، أسفر عن ضحايا مدنيين. كما قتل عدة مدنيين في مناطق سيطرة قوات النظام السوري جراء هجمات بطائرات مسيرة لم نتمكن من تحديد مصدرها.
وبينت أن ما لا يقل عن 289 حالة احتجاز/اعتقال في المناطق الخاضعة لسيطرة كل من هيئة تحرير الشام وقوات الجيش الوطني في شمال غرب سوريا، 128 حالة اعتقال، بينهم 2 طفل و3 سيدات، في مراكز الاحتجاز التابعة لهيئة تحرير الشام، تحول 101 منها إلى حالة اختفاء قسري. وما لا يقل عن 161 حالة اعتقال، بينهم 5 أطفال و14 سيدة، في مراكز الاحتجاز التابعة لجميع فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني، وتحول 118 منهم إلى حالة اختفاء قسري.
يضاف إلى ما سبق التجنيد الإجباري، والتدهور الأمني والاقتصادي والبنى التحتية الهشة وغيرها من تحديات العودة إلى سوريا، والتي لا تزال تدفع بمئات من المدنيين للخروج والهروب من سوريا بحثاً عن اللجوء وبالتالي فإن سوريا غير آمنة حتى للمدنيين المقيمين فيها.
وأكدت المنظمات السورية المحلية والدولية مثل هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ولجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين أن سوريا ما زالت بلد غير آمن لعودة اللاجئين، وتوصي الحكومة التركية بالتوقف عن إعادة اللاجئين قسرياً إلى سوريا لأن احتمال تعرضهم للانتهاكات المستمرة عالي جداً.
وشددت على أن جميع الأسباب التي تعلن عنها الحكومة التركية كدوافع لعمليات ترحيل اللاجئين وغيرها من الأسباب غير المعلنة، جميعها لا تمنح الصلاحية القانونية للحكومة التركية لإعادة اللاجئين قسرياً إلى سوريا، لأن عدم الإعادة القسرية هي مبدأ عُرفي مُلزم لجميع الدول بما فيها الدول غير المصادقة على اتفاقية 1951، كما أن عمليات الاحتجاز يجب أن تتم وفقاً لمذكرات قضائية، وتحترم الضمانات الأساسية لحقوق المحتجزين، فقد شاهدنا فيديوهات منتشرة عبر الإنترنت تظهر تُجاوزات صارخة من قبل قوات الأمن التركية.
وقال البيان إنه يجب على بقية دول العالم تحمل مسؤولياتها في ملف اللجوء السوري الذي أصبح الأضخم في العالم، والبدء باستقبال حصصهم من اللاجئين السوريين من كل من تركيا ولبنان والأردن الذين تحملوا القسم الأكبر من الجهد والمسؤولية، كما يتوجب عليهم زيادة الدعم المخصص للاجئين في هذه الدول، والأهم من كل ذلك، معالجة قضية اللاجئين من جذورها عبر تسريع عملية الانتقال السياسي والتي سوف تُمكن ملايين السوريين من العودة الآمنة والكريمة لمنازلهم، فالعديد منهم يرغبون في العودة لكنهم لا يستطيعون ما دام النظام السوري وأجهزته الأمنية تحكم بهذه الطريقة الوحشية، وما زالت بقية أطراف النزاع تمارس الانتهاكات دون قضاء أو محاسبة.
ووقع على البيان كلاً من (بيتنا، رابطة المحامين السوريين الأحرار، محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان، البرنامج السوري للتطوير القانوني، الشبكة السورية لحقوق الإنسان، المجلس السوري البريطاني، المجلس السوري الأمريكي، اليوم التالي).