"القضاء" أداة تستخدمها "تحـ ـرير الشـ ـام" لكبح الحريات وكم أفواه المعارضين بإدلب
تتنوع الوسائل والأساليب التي تستخدمها "هيئة تحرير الشام"، في عملية إخضاع المعارضين لتوجهاتها في مناطق سيطرتها شمال غرب سوريا، بعد أن سلطت الأجهزة الأمنية لملاحقتهم وترهيبهم واعتقالهم في كثير من الحالات، لتبدأ مؤخراً مرحلة جديدة من الملاحقة بواجهة مدنية تحت اسم "تطبيق القانون".
فمنذ إعلان تشكيل "حكومة الإنقاذ السورية"، كذراع مدني لـ "هيئة تحرير الشام" في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، عملت الهيئة على استخدام تلك الحكومة بكافة مؤسساتها كـ (واجهة مدنية) لتنفيذ سياساتها، منها قطاع القضاء ممثلاً بـ "وزارة العدل"، الذي سجل مؤخراً عشرات حالات الاستدعاء والدعاوي ضد نشطاء وفعاليات ثورية، بهدف ترهيبهم وكم أفواههم.
جهاز قضائي متعدد و"سياسية ماكرة"
"الشبكة السورية لحقوق الإنسان" قالت في تقرير سابق لها نشرته في 31 يناير, 2022، إن الجهاز القضائي لدى الهيئة مكوَّن من أجهزة قضائية عديدة، تكاد تكون منفصلة عن بعضها البعض ولا يوجد تنسيق بينها، كما أنه لا يستند إلى أحكام ولوائح قضائية محددة ومعروفة، ويعتمد بشكل رئيس على التعاميم والتعليمات الوزارية التي تعتبر بمثابة قانون ينظم عمل المحاكم، ولا يوجد قانون للإجراءات الناظمة لعمل المحاكم “قانون أصول المحاكمات”.
ركز التقرير ذاته، على نقطة مهمة، وهي أن "هيئة تحرير الشام" تتبع "سياسة ماكرة" تقوم على استدعاء النشطاء المعارضين والمتظاهرين، والمنتقدين لسياسة "حكومة الإنقاذ" والأخطاء التي ترتكبها، حيث يجري التحقيق معهم، بهدف احتوائهم عن طريق الترغيب أو التهديد، وهذه المرحلة تعتبر بمثابة إنذار وتهديد، وتتجنب من خلالها الهيئة نهج الاحتجاز المفاجئ.
ولفت تقرير الشبكة الحقوقية، إلى أن هذا التكتيك تركَّز بحق النشطاء البارزين والشخصيات الاجتماعية بشكل أساسي، أما المدنيين العاديين الذين لا يثير اعتقالهم أي رد فعل، فتقوم الهيئة باعتقالهم مباشرة، دون اللجوء إلى هذه المرحلة التمهيدية، التي يتخللها الطلب من الناشط التعهد بعدم تكرار ما قام به.
نهج مستمر واعتقالات تعسفية
خلال الأشهر القليلة الماضية، سجل العديد من حالات الاستدعاء لنشطاء وفعاليات ثورية، عبر دعاوى قضائية رفعت ضدهم، من قبل مؤسسات تتبع لـ "حكومة الإنقاذ" بتهم متعددة، للتغطية على السبب الرئيس وهو انتقادهم لتلك الحكومة أو الهيئة، منهم من تم اعتقالهم، وآخرون لاتزال الدعاوى القضائية قائمة ضدهم في محاكم الهيئة نفسها.
ففي يوم الاثنين 23 كانون الثاني 2023 الجاري، اعتقلت "هيئة تحرير الشام" شخصية ثورية من مدينة الأتارب هي الأستاذ "عبد الرزاق عبد الرزاق"، وعللت السبب بأن وزارة الأوقاف التابعة لحكومة الإنقاذ قدمت دعوى قضائية ضده، ليتم اعتقاله بشكل تعسفي خلال مراجعته محكمة سرمدا للنظر في أمر الدعوى.
تبين - وفق نشطاء المدينة - أن السبب وراء الاعتقال والدعوى القضائية، هو تعليق له على أحد منشورات أصدقائه على موقع "فيسبوك"، انتقد فيه سياسة حكومة الإنقاذ وزراة الأوقاف فيها، في توجيه خطباء المساجد بمواضيع لاتمت لواقع المدنيين في المنطقة.
ذات الأمر تم اتباعه مع الناشط الإعلامي المعروف باسم "شامل الحمصي"، والذي فوجئ برفع وزارة الأوقاف التابعة لحكومة الإنقاذ دعوى قضائية ضده في كانون الأول/ 2022، بسبب نشره منشوراً على صفحته الشخصية على "فيسبوك" ينتقد فيها خطبة الجمعة وعنوانها في أحد مساجد مدينة إدلب، واصفاً خطيب الجمعة بالحكواتي، بسبب حديث الخطيب عن أهوال يوم القيامة دون التطرق لواقع المدنيين والظروف المعيشية التي يعيشها الأهالي في المناطق المحررة.
ووفق مقربين من الناشط قالوا لشبكة "شام" إن "شامل" رغم حذفه منشوره في نفس اليوم، تم استدعائه لمرات عدة من قبل مديرية الإعلام التابعة لحكومة الإنقاذ، وإلزامه كتابة اعتذار عبر صفحته الشخصية على "فيسبوك"، من وزارة الأوقاف، وفق سياسة ترغيب وترهيب مورست بحقه.
ورصدت "شام" نشر الناشط في 28 كانون الأول 2022، منشوراً على صفحته بعنوان "الرجوع عن الخطأ فضيلة"، اعتبر فيها أن التعبير قد خانه في أحد المواقف، وتقدم بالشكر الجزيل لمديرية الأوقاف في إدلب على رحابة صدرهم في التعامل وتقويم الأخطاء وتصحيحها وتعاملهم اللبق الذي يمثّل أهل العلم والمعرفة بكل تفاني ومسؤولية، وفق تعبيره، مقدما اعتذاره عن منشوره الذي قام بحذفه بعد نشره، مقابل وقف الدعوى القضائية بحقه.
حادثة أخرى مشابهة رصدتها شبكة "شام" بحق الناشط "محمد حسني" من مدينة تفتناز، والذي قام مسؤول إعلامي يتبع لحكومة الإنقاذ برفع دعوى قضائية بحقه، بتهمة الإساءة وابتزاز نساء، خلال تصوير الناشط ورشة تدريبة لنساء في مركز وطن بمدينة إدلب، ليصار لملاحقة الناشط ومن ثم اعتقاله في 29 كانون الأول 2022، قبل إلزامه توقيع تعهد خطي بوقف عمله الإعلامي لقاء الإفراج عنه في 5 كانون الثاني 2023.
في شهر آب من عام 2021 اعتقلت أمنية "هيئة تحرير الشام"، الناشط الإعلامي "أدهم دشرني" من مدينة تفتناز، بعد دعوى قضائية رفعت ضده من قبل حكومة الإنقاذ، بتهمة سب الحكومة "على فيسبوك"، يضاف لذلك سلسلة طويلة من الحالات انتقدوا فيها وضع الهيئة والفصائل والإنقاذ، منها الأستاذ "معمر حاج حمدان" أستاذ تربية رياضية من بنش، بسبب منشورات على "فيسبوك"، كما اعتقل المدني "حسام شريف" من معرة مصرين، لخطبة ألقاها في مسجد انتقد فيها تراخي الفصائل.
عامل في المجال الحقوقي ( طلب عدم ذكر اسمه) قال في حديث لشبكة "شام"، إن "هيئة تحرير الشام" تستخدم القضاء كـ "فزاعة" لترهيب النشطاء وكل معارض لتوجهاتها، بدلاً من تحقيق العدل وإفساح مجال للحريات في الانتقاد وإصلاح الأخطاء، لافتاً إلى أن سطوة الجهاز الأمني على قطاع القضاء "لا حدود لها"، في وقت لا يستطيع أي محامي الدفاع عن المتهم لتخوفات أمنية من تعرضه للملاحقة أيضاَ، وفق قوله.
قضاء الهيئة "الخصم والحكم"
وبين الناشط الحقوقي، إلى أن المحاكم التابعة لـ "حكومة الإنقاذ" ظاهرياً، باتت تستخدم الدعاوى ضد المناوئين لتوجهات الهيئة وسياستها كوسيلة للابتزاز والضغط لكم أفواههم وإلزامهم الصمت، من خلال تكرار الاستدعاء والتهديد بالاعتقال، وإلزام المدعى عليه بالتوقيع على تعهد خطي بعدم تكرار انتقاده، مع ترك الدعوى القضائية مفتوحة ضده ليصار لتحريكها في أي وقت.
( م ، ف)، ناشط إعلامي واجه دعوى قضائية في مؤسسات الهيئة، قال في حديث لشبكة "شام" إن القضاء في إدلب هو "الخصم والحكم" في ذات الوقت، تديره شخصيات معروفة بولائها المطلق للهيئة، وتنفذ أجندتها عبر مؤسسة القضاء التي يجب أن تنصف المظلوم وتعيد الحقوق لهم، وتضمن حرية التعبير والرأي والانتقاد.
لكن هذه المؤسسة - برأي الناشط - تحولت لوسيلة ترهيب لكل مخالف وفق القانون الذي تفرضه الهيئة، في محاولة منها لإظهار عمليات التضييق التي يتم ممارستها على النشطاء أنها ضمن أطر قانونية، متحدثاً عن وجود عشرات الملفات لنشطاء وفعاليات مدنية بتهم "التحريض وتعدي الحدود الثورية" وتهم أخرى متنوعة.
يضاف للدعاوى القضائية، عشرات الاستدعاءات والتبليغات التي تصل لنشطاء في الحراك الشعبي السوري، تطلب منهم مراجعة الأجهزة الأمنية ومكاتب علاقات الهيئة أو الإنقاذ، بسبب تعليق أو منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، ليتم استدعائهم وترهيبهم وإجبارهم على حذف منشوراتهم وحتى طلب تقديم الاعتذار، وكتابة تعهد بعدم تكرار الأمر.
رقيب على النشطاء
كثير من تلك الحالات سجلت خلال الأشهر الماضية، مع فرض "هيئة تحرير الشام" ذراعها في مكتب العلاقات الإعلامية في حكومة "الإنقاذ" كرقيب على النشطاء، ليبدأ مرحلة تقييد حريتهم ومتابعتهم في كل حركة وتعليق ومنشور ونقاش على مواقع التواصل، قد تعرضهم للمساءلة والاعتقال، علاوة عن فرض حصول النشطاء على بطاقة صادرة عن المكتب، بدعوى "تسهيل عملهم"، باتت سيفاً على رقابهم تستطيع استخدامه في الوقت الذي تريد.
في يناير 2019، نشرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريراً حمل عنوان "هيئة تحرير الشام" تمارس الاعتقال والتعذيب خطوة لترسيخ السيطرة وإسكات المعارضين، واستعرض التقرير شهادات لمعتقلين بينهم نشطاء أفرج عنهم من سجون الهيئة، تحدث هؤلاء أنهم لم يتمكنوا من مقابلة محام أو استشارته، ولم يمثل سوى 2 أمام قاضٍ شرعي في إحدى محاكم الهيئة.
ووفق التقرير، قال معظم المعتقلين الثمانية الذين قابلتهم "هيومن رايتس ووتش" إنهم يعتقدون أنهم اعتقلوا بسبب انتقاداتهم لحكم الهيئة، بسبب طبيعة الاتهامات التي وجهها إليهم محققو الهيئة. 7 من الثمانية كانوا ناشطين إعلاميين أو صحفيين شاركوا في المظاهرات أو غطّوها، أو كانوا يعملون مع وسائل إعلام أجنبية.
وارتكبت "هيئة تحرير الشام" انتهاكات واسعة للقانون الدولي لحقوق الإنسان بحق الأهالي في المناطق الخاضعة لسيطرتها عبر عمليات الخطف والاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب، وعبر الأحكام الجائرة الصادرة عن محاكم لا ترقى بأي حال من الأحوال إلى القواعد الأساسية للمحاكمات العادلة، وفق تقرير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" سالف الذكر.