العدالة المغيبة دولياً ... الذكرى السنوية الخامسة لمجزرة الكيماوي بـ "خان شيخون"
يصادف اليوم الرابع من شهر نيسان لعام 2022، الذكرى السنوية الخامسة لمجزرة صنفت على أنها ضمن الجرائم الأكثر فداحة، والتي ارتكبها نظام الأسد و حلفاؤه، بعد أن حملت صواريخهم هذه المرة السلاح الكيماوي ضد المدنيين العزل في مدينة خان شيخون بإدلب، فيما لازالت أصداء هذه الجريمة تتردد في أروقة المؤسسات الدولية الحقوقية والإنسانية، التي عجزت كما العادة في تحديد ومحاسبة المجرم.
"الرابع من نيسان "موت بلا دماء"
في يوم الثلاثاء 4/ نيسان/ 2017 قرابة الساعة 6:49 نفَّذت طائرة حربية من طراز SU-22 تابعة لنظام الأسد، تحمل رمز قدس 1، يقودها الطيار "محمد حاصوري" من مدينة تلكلخ (وهو قائد سرب سوخوي ٢٢ مطار الشعيرات الملقب قدس١ ورئيس أركان اللواء 50)، هجوماً على الحي الشمالي من مدينة خان شيخون بأربعة صواريخ أحدها كان محملاً بغاز سام، ما أدى إلى استشهاد 91 مدنياً خنقاً، بينهم 32 طفلاً، و23 سيدة، وإصابة ما لا يقل عن 520 آخرين بحسب آخر تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان.
المجزرة التي ألقت بثقلها الكبير على أكثر من 80 ألف نسمة تقطن مدينة خان شيخون، من السكان الأصلين والعائلات النازحة للمدينة على جميع النواحي النفسية والاجتماعية.
خلفت المجزرة المروعة أصداء دولية كبيرة وعلى مختلف المستويات، دفع الولايات المتحدة الأمريكية لتوجيه ضربة صاروخية لمطار الشعيرات، قالت إنه رداً على مجزرة الكيماوي في خان شيخون، حيث قامت المدمرتان الأمريكيتان "بورتر" و "روس" بقصف قاعدة الشعيرات التي انطلقت منها طائرات الأسد لقصف خان شيخون بـ59 صاروخ كروز من طراز توماهوك، في السابع من نيسان أي بعد المجزرة بأيام، تلاها تحذير من وزير الدفاع الأمريكي "جيمس ماتيس"، لنظام الأسد من مغبة استخدام الأسلحة الكيميائية مجدداً.
وسبق أن كشفت صحيفة "نيويورك تايمز"، في تقرير مفصل مدعماً بأدلة وصوراً لأقمار صناعية، أن كافة تصريحات نظام الأسد وروسيا، حول نفيهما لقصف خان شيخون بالكيماوي، "كاذبة"، بعد ان شككت بثلاث ذرائع اتخذها نظام الأسد لدحض التهم عنه، تتعلق بالتوقيت والمواقع المستهدفة وامتلاكه لأسلحة كيماوية.
وأكد التقرير أن الأماكن المستهدفة بالقصف هي مبانٍ صغيرة في أحياء سكنية ووسط شوارع وفي أحياء مدنية تقع جغرافياً بعيداً عن مستودعات زعم نظام الأسد أنها تضم مواد كيماوية للثوار، كما نشرت "نيويورك تايمز"، تقريراً للمنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية، يوضح عدم تأكد فريق المنظمة من تخلص نظام الأسد من كامل ترسانته الكيماوية، في الوقت الذي نفى النظام امتلاكه لأي سلاح كيماوي.
وأصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تقريراً مفصلاً بعنوان "القوات الروسية أيَّدت غالباً قوات النظام السوري في هجوم خان شيخون الكيميائي" وثَّقت فيه تفاصيل الهجوم الكيميائي على مدينة خان شيخون والهجمات الروسية التي تلت الهجوم، مؤكداً ليس فقط إلى معرفة القوات الروسية بالهجمات الكيميائية التي شنَّها نظام الأسد، بل إلى تورطها بشكلٍ مخزٍ.
وأشار التقرير إلى وجود نيَّة جُرميّة مُبيَّتة لدى قوات الأسد لتنفيذ الهجوم الكيميائي وإيقاع أكبر ضرر ممكن من خلال اختيار توقيت القصف فجراً والغارات التي استهدفت عدة مراكز طبية قبل الهجوم وبعده إضافة إلى الغارات التي استهدفت الطرق المؤدية للمدينة؛ ما جعل هذا التكتيك يُشبه إلى حد بعيد ما قام به نظام الأسد في هجوم الغوطتين في 21/ آب/ 2013.
وكان نفى الإرهابي "بشار الأسد" بأسلوبه المعتاد في التهرب والتكذيب، مسؤوليته عن الهجوم بالكيماوي على مدينة خان شيخون، في مقابلة أجراها معه تلفزيون "دبليو آي أو إن" الهندي، في الوقت الذي أكد فيه تقرير فريق تقصي الحقائق، أن منظمة "حظر الأسلحة الكيماوية" أفادت باستخدام غاز "السارين"، في هجوم خان شيخون، وتداول أعضاء المنظمة في لاهاي التقرير لكنه لم يعلن.
وكانت أصدرت مؤسسات الدفاع المدني السوري (SCD) والجمعية الطبية السورية الأمريكية (SAMS) ومركر توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا (CVDCS)، بياناً حول التحقيقات المنجزة مع بعثة تفصيل الحقائق FFM التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية OPCW بشأن استهداف مدينة خان شيخون بريف إدلب بغاز السارين في الرابع من نيسان 2017.
" خان شيخون بعد خمس أعوام من المجزرة"
لا يزال أهالي مدينة خان شيخون المبعدين عن أرضهم بعد نزوحهم وسيطرة الأسد وحلفائه على المدينة يعيشون تفاصيل المجزرة الرهيبة التي أودت بأكثر من 90 شهيد أغلبهم من الأطفال والنساء ولا تزال الأحاديث والنقاشات تتردد حول سكوت المجتمع الدولي عن هذا الأمر وخاصة بشأن محاسبة المجرم"، كما أن الذكريات التي لاتكاد تفارق ذوي الضحايا تقطع قلوبهم حسرة ولوعة عليهم، وتعيد للأذهان صور مشاهد الموت خنقاً أمام مرأى العالم أجمع.
في خان شيخون فقدت الكثير من العائلات جل أبنائها وما حالهم إلا كحال الأم الثكلى التي فقدت أبناءها فهي بين حزن دائم وذكريات مرعبة مستمرة، وأما من الناحية النفسية، هناك يأس عام يشعر به أبناء المدينة وخاصة في ظل عدم محاسبة المجرم.
"كلمة أخيرة "
لم يكن استهداف نظام الأسد للمدنيين في خان شيخون هو الأول في انتهاك القرارات الدولية المتعلقة باستخدام الأسلحة الكيماوية، حيث وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 33 هجمة بعد قرار مجلس الأمن رقم 2118 الصادر في 27 أيلول 2013، و169 هجمة قبل القرار رقم 2118، منهم 100 هجمة بعد القرار رقم 2209 الصادر في 6/ آذار/ 2015، و44 هجمة بعد القرار رقم 2235 الصادر في 7/ آب/ 2015، وقرارات الأمم المتحدة اللاحقة.
وبحسب الشبكة فإنَّ معظم هجمات نظام الأسد بالأسلحة الكيميائية قد تمَّت عبر استخدام غاز يُرجح أنه الكلور، وذلك عبر إلقاء مروحيات براميل مُحملة بغاز الكلور، كما استخُدِمت في بعض الأحيان قذائف أرضية وقنابل يدوية مُحمَّلة بغازات سامة، مشيراً إلى أنَّ هجومين على الأقل بعد هجوم الغوطتين استخدم نظام الأسد فيهما غازاً يبدو أنه مُغاير لغاز الكلور، يعتقد أنه نوع من غازات الأعصاب هما هجوم ريف حماة الشرقي في 12/ كانون الأول/ 2016 وهجوم خان شيخون في 4/ نيسان/ 2017.
ورغم كل الخروقات للقرارات الدولية الصادرة عن نظام الأسد، إلا أن الدعم الذي تقدمه حكومة روسيا لنظام الأسد، والتواطئ الدولي في محاسبة مجرمي الحرب، هو ما دفع نظام الأسد لتكرار عمليات استهداف المدنيين بالأسلحة الكيماوية، وارتكاب المجازر بحقهم في انتهاك مستمر لكل الأعراف الدولية التي سيكون لها تبعات وخيمة في حال استمر السكوت والصمت الدولي عن جرائم الأسد، والتي لن يقبل الشعب السوري الثائر بتمريرها، مصراً على محاسبة المتورطين في قتله، والاستمرار في حراكه الثوري وتقديم التضحيات حتى تحقيق العدالة المنشودة في الحرية وإسقاط الأسد وكافة رموزه ومجرميه.