عبر ثلاثية الإدارة والعسكرة والخطاب.. دراسة تركز على استراتيجيات "هيـ ـئة تحـ ـرير الشـ ـام" للبقاء
نشر مركز "حرمون" للدراسات المعاصرة، دراسة حملت عنوان "استراتيجيات البقاء لدى “هيئة تحرير الشام”: ثلاثية الإدارة والعسكرة والخطاب، سلط الباحث "عزام القصير" المتخصص بدراسة الحركات الإسلامية، الضوء على سياسة الهيئة للبقاء ومواصلة السيطرة.
ورأى القصير، أن "هيئة تحرير الشام" تسعى لضمان بقائها وإدامة سيطرتها شمال غرب سوريا، من خلال اعتماد استراتيجية ثلاثية تجمع بين محاولات تحصيل شرعية محلية وقبولاً إقليمياً ودولياً، عبر "الخطاب والإدارة" إضافة إلى بناء قوة عسكرية.
ولفت إلى أن هناك توجهاً لدى "تحرير الشام" نحو مزيد من المركزية الإدارية، ما يساعدها في ضبط الساحة المحلية وتوزيع الصلاحيات والامتيازات وشراء الولاءات، لخلق فئة مجتمعية لها مصلحة ببقاء الهيئة.
وبين أن "بروباغندا" الهيئة ورسائلها اتجهت بالتحديد نحو تركيا والدول الغربية، في تحول خطابي واضح تضمن تلطيف اللهجة وتبني الدبلوماسية ولغة السياسة الواقعية والمصالح، لإيصال رسالتين: الأولى نفي صفة "الإرهاب"، والثانية تأكيد رغبتها بأن تصبح شريكاً محلياً معترفاً بنفوذه.
ومن ناحية الخطاب المحلي، يُلاحَظ تكرار الثيمات التالية: أولًا، الهيئة تحمي السكان المحليين من هجوم وانتقام النظام. ثانيًا، الهيئة ضحت بالأموال والأنفس لتحرير المنطقة وإقامة مشروع ثوري متكامل. ثالثًا، الهيئة اليوم هي الطرف المعارض الوحيد القادر على ضبط الأمن وتأمين احتياجات السكان. رابعًا، الهيئة هي الطرف المعارض صاحب الرؤية السياسية الأكثر نضجًا وواقعية. خامسًا، الهيئة هي الطرف الأقلّ فسادًا والأكثر التزامًا بالشريعة والأكثر حرصًا على “المشروع السنّي”.
وتعمل الهيئة على تعميم الخطاب محليًا، من خلال توظّيف جهاز دعائي يعتمد على شبكة من القنوات والمراسلين النشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، يتلقفون تصريحات قادة الهيئة ويعيدون تدويرها مع الإضاءة على “الأمن والاستقرار” و”نضج الرؤية” و”تلبية الاحتياجات” و”نجاح النموذج”.
ومن الناحية الأمنية والعسكرية، تسعى الهيئة لإثبات قدرتها على ضبط الأمن في مناطقها، عبر توسيع قوة واختصاص جهاز المخابرات المسمى “جهاز الأمن العام”، ونشر “الأمنيين” في كل زوايا المجتمع. ومن ناحية الاستراتيجية العسكرية، يسعى الجولاني لتحجيم حلفاء تركيا الآخرين المتجمعين تحت مظلة “الجيش الوطني”، لإبقاء الهيئة الطرف المتماسك الوحيد على جبهة المعارضة المسلحة.
أما في علاقتها المعقدة مع فصائل “الجيش الوطني”، تعتمد الهيئة حاليًا خطاب “توحيد الفصائل” مدخلًا للهيمنة. فشعارات “نبذ الفرقة” و”وحدة الصف” و”توحيد الفصائل” تطفو للسطح، كلما رغبت جماعة الجولاني في التمدد وابتلاع فصائل أخرى. وقد بدا ذلك واضحًا في خطابات قادة الهيئة في الأسابيع الماضية، بما يؤكد مساعي التوسع، واحتمال التمدد شمالًا.
واعتبر الباحث، أن مناخ الفوضى الأمنية السائد في مناطق “غصن الزيتون” و”درع الفرات” سيبقى بوابةً مُشرّعة لتدخل منها الهيئة وتتمدد وتلعب دور بيضة القبان، عسكريًا وأمنيًا. يُضاف إلى ذلك أن “الجيش الوطني” منقسم على ذاته، وفصائله مستعدة لقتال بعضها بعضًا، وأن للهيئة دورًا أساسيًا في إدارة العلاقات البينية ضمن معسكر “الجيش الوطني”.
بالتزامن مع ذلك، تسعى الهيئة لمدّ أذرعها الإدارية إلى تلك المناطق، مستغلة الفوضى وشيوع مناخ عدم الاستقرار، الذي تفاقم في أعقاب كارثة الزلزال، ومع تزايد الشكاوى من قِبل السكان الأكراد القاطنين في مناطق جنديرس وعفرين، من جراء ممارسات بعض فصائل “الجيش الوطني”.
وخلص الباحث، إلى أنّ “الشرعنة” الخطابية الأيديولوجية غير كافية على المدى الطويل، فمع تراجع وتيرة المعارك وتقدّم الزمن، تُستنفَد القدرة على الحشد الأيديولوجي والهوياتي، وهو ما يدفع غالبًا نحو البحث عن مصادر “شرعنة” إضافية مرتبطة بالسياق المحيط والتصدي للاحتياجات والمطالب المحلية الناشئة. وتلبية تلك المستلزمات الموضوعية تدفع الهيئة أخيرًا إلى التركيز على “حشد الموارد”، والذي يُترجم بمحاولاتها التوسّع بحثًا عن زيادة مواردها وتوسيع نطاق عمل مؤسساتها الإدارية وأجهزتها الأمنية.