
واشنطن تعيد تموضع قواتها: العراق يتسلم زمام المبادرة والأنظار تتجه إلى سوريا
في تطور لافت يعكس تغيّر الأولويات الأميركية في المنطقة، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن خطة لخفض وجودها العسكري في العراق، مقابل تعزيز التركيز على الساحة السورية لملاحقة فلول تنظيم "داعش".
القرار الأميركي يعني عمليًا أن بغداد باتت مطالَبة بقيادة المعركة الأمنية داخل أراضيها، بعد سنوات من الاعتماد على التحالف الدولي، بينما ستحتفظ الولايات المتحدة بمعظم جنودها في إقليم كردستان، وتحديدًا في أربيل، حيث يُنظر إلى القاعدة هناك كمنصة أكثر أمانًا وفاعلية لإدارة العمليات.
المسؤولون الأميركيون أوضحوا أن مهمة القوات المتبقية في بغداد لم تعد تتعلق بالعمليات القتالية، بل بالتعاون الأمني الثنائي وتبادل الخبرات. هذا التحوّل يتزامن مع تراجع التهديد المباشر للتنظيم داخل العراق، الأمر الذي اعتُبر "إنجازًا" يسمح بنقل زمام المبادرة إلى السلطات العراقية.
غير أن الانسحاب لا يخلو من حسابات سياسية؛ فالحكومة العراقية طالما نظرت إلى الوجود الأميركي باعتباره سببًا إضافيًا لعدم الاستقرار، خصوصًا في ظل الهجمات المتكررة التي شنتها جماعات مرتبطة بإيران ضد قواعد القوات الأميركية.
في المقابل، تبقى الساحة السورية مصدر قلق لواشنطن، فبينما انخفض مستوى التهديد في العراق، ما زالت التقارير الاستخباراتية تشير إلى نشاط متجدد للتنظيم في شرق وشمال سوريا، إلى جانب المخاطر المرتبطة بآلاف المعتقلين في السجون الخاضعة لقوات "قسد". ولهذا السبب، لم تُعلن أي خطة واضحة للانسحاب من سوريا، حيث يرتبط القرار بتطورات ميدانية لم تتضح بعد.
وشدد البنتاغون في بيانه على أن الخفض العسكري لا يعني الانسحاب الكامل، بل يمثل مرحلة جديدة من "الشراكة الأمنية المستدامة" بين واشنطن وبغداد، تقوم على التدريب والدعم الفني أكثر من المشاركة المباشرة في القتال، وهذا التوجه يتماشى مع ما توصلت إليه اللجنة الأميركية–العراقية المشتركة في أيلول الماضي، ومع توجه الإدارة الأميركية لإعادة توزيع مواردها الاستراتيجية عالميًا.