
لجنة التحقيق الدولية تبدأ عملها في السويداء
بدأت لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا، أمس الأربعاء، مهامها الميدانية داخل محافظة السويداء، لتقصي الحقائق المتعلقة بالانتهاكات التي شهدتها المحافظة خلال أحداث تموز/يوليو الماضي، في خطوة وُصفت بأنها الأهم منذ توقيع اتفاق عمّان برعاية الولايات المتحدة والأردن وسوريا.
وقالت مصادر محلية إن وفد اللجنة زار عدداً من المواقع في ريف السويداء والمستشفى الوطني، كما التقى بمتضررين من الأحداث لتوثيق شهاداتهم. وفي إطار التواصل مع المرجعيات الدينية والاجتماعية، عقد أعضاء الوفد لقاء مع حكمت الهجري، المرجعية الروحية للطائفة الدرزية في بلدة قنوات، وهو أيضا قائد ميليشيات عسكرية ويوصف بأنه قائد التمرد والخارجين عن القانون.
وكانت محافظة السويداء قد شهدت منتصف تموز/يوليو 2025 مواجهات عنيفة على خلفية اشتباكات مسلحة بين عشائر بدوية ومجموعات درزية تابعة لحكمت الهجري. ومع تصاعد التوتر، تدخلت القوات الحكومية للفصل بين الطرفين لكنها تعرضت لهجوم مباشر من ميليشيات محلية، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوفها.
وأدت هذه التطورات إلى فوضى كبيرة داخل المحافظة، تلاها ما يشبه “النفير العام”، إذ تدفق مقاتلون من عشائر بدوية وقوات حكومية ومدنيون من عدة محافظات باتجاه السويداء، ما حوّل الصراع إلى مواجهات طائفية واسعة النطاق.
الموقف الرسمي السوري
وزير العدل السوري، مظهر عبد الرحمن الويس، أكد خلال لقائه وفد اللجنة الأسبوع الماضي في دمشق التزام الحكومة السورية “بتكريس مبادئ العدالة ومحاسبة المرتكبين للانتهاكات من جميع الأطراف”، مشيراً إلى أن وزارته تعمل على “إصلاح القضاء العسكري وتعزيز استقلال السلطة القضائية في إطار العدالة الانتقالية”.
وأعلنت وزارة العدل السورية، 31 يوليو 2025، تشكيل لجنة للتحقيق في أحداث السويداء، بهدف محاسبة مرتكبي الاعتداءات والانتهاكات، على أن تقدم تقريرها النهائي في مدة لا تتجاوز 3 أشهر، وأوضحت أن مهام اللجنة "كشف الظروف والملابسات التي أدت إلى الأحداث في السويداء، والتحقيق في الاعتداءات والانتهاكات التي تعرض لها المواطنون، وإحالة من تثبت مشاركته فيها إلى القضاء".
وعلى الرغم من تأكيد حرية لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها وزارة العدل السورية وحصولها على كامل الصلاحيات لكشف الملابسات، إلا أن اللجنة القانونية التي شكلها حكمت الهجري، رفضت دخول اللجنة إلى السويداء، وأفشلت جميع الجهود التي تقوم بها الحكومة لمحاسبة المسؤولين عن الأحداث.
موقف اللجنة الدولية
من جانبها، شددت اللجنة الدولية على أن مهمتها تهدف إلى “جمع معلومات دقيقة وتحليل الوقائع الميدانية”، مؤكدة أهمية الاستماع إلى الضحايا والمتضررين لتعزيز الشفافية وتوفير قاعدة بيانات محايدة تسهم في عملية المحاسبة.
وفي إحاطته أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، الثلاثاء الماضي، قال رئيس اللجنة، باولو سيرجيو بينيرو، إن مستقبل سوريا يعتمد على “إقامة دولة موحّدة وآمنة تحترم الحقوق”، مشدداً على أن الشعب السوري ما زال يواجه “وضعاً حقوقياً رهيباً” رغم انتهاء عهد الأسد. وأشار إلى أن اللجنة تتلقى تقارير عن انتهاكات مستمرة بحق الطائفة العلوية، إضافة إلى “الأحداث المقلقة” في السويداء.
وحذّر بينيرو من أن “عدم القدرة على التوفيق بين الرؤى المتضاربة لمستقبل سوريا يُنذر بمزيد من التجزئة وربما صراع طويل الأمد”، داعياً السلطات الانتقالية إلى معالجة الأسباب الجذرية للعنف ومنع تكرار الانتهاكات.
يمثل دخول لجنة التحقيق الدولية إلى السويداء أول تحرك ميداني مباشر بهذا المستوى منذ الأحداث الأخيرة، في إطار متابعة تنفيذ اتفاق عمّان. ويرى مراقبون أن التحقيقات المقبلة ستشكل اختباراً لمصداقية آلية العدالة الانتقالية في سوريا، ولقدرة المجتمع الدولي والسلطات السورية على توفير محاسبة حقيقية تفتح الطريق أمام مصالحة وطنية شاملة.
اتفاق عمان
في الثاني عشر من آب/أغسطس 2025، استضافت العاصمة الأردنية عمّان اجتماعاً ثلاثياً جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الأردني أيمن الصفدي والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم براك، وذلك في ظل التصعيد الدموي الذي شهدته محافظة السويداء خلال شهر تموز. وقد خلُص الاجتماع إلى بيان مشترك أكد أن السويداء، بكل مكوّناتها الاجتماعية، جزء أصيل من الأراضي السورية، وأن الحل لأزمتها يجب أن يتم ضمن إطار يحفظ وحدة البلاد وسيادتها.
وشدّد البيان على ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار في المحافظة وإيجاد حل شامل للأزمة، مرحباً بإجراء تحقيقات دولية لمحاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات. كما أكد على أهمية زيادة دخول المساعدات الإنسانية عبر وكالات الأمم المتحدة، واستعادة الخدمات الأساسية في السويداء، وبدء عمليات إعادة تأهيل المناطق المتضررة جراء الأحداث.
ودعا الاجتماع إلى إطلاق مسار مصالحات مجتمعية من شأنه تعزيز السلم الأهلي وردم الفجوة بين مكوّنات المحافظة والدولة، فيما أعلنت الخارجية السورية عن تشكيل مجموعة سورية – أردنية – أميركية تتولى دعم جهود الحكومة في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، خصوصاً فيما يتعلق بتثبيت الأمن.
وفي تصريحاته خلال اللقاء، أكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني التزام الحكومة بمحاسبة جميع المسؤولين عن الانتهاكات “من أي طرف كان”، مشدداً على حماية الدروز والبدو والمسيحيين من أي محاولات للإقصاء أو التهميش، وعلى ضرورة التصدي لأي خطاب طائفي أو تحريضي. أما المبعوث الأميركي توم براك، فقد اعتبر أن تحقيق العدالة وإنهاء الإفلات من العقاب يمثلان شرطاً أساسياً لتحقيق سلام دائم، مؤكداً أن سوريا ستتعاون بشكل كامل مع الأمم المتحدة في التحقيق بالجرائم التي وقعت، بما في ذلك أحداث مستشفى السويداء الوطني.