
فهم الطالب غير المهتم: من الحكم السريع إلى الدعم الفعّال
يُواجه المعلمون في مسيرتهم التربوية طيفاً واسعاً من شخصيات الطلاب، ولكلٍّ منهم أسلوب خاص في الفهم والتفاعل، ومن بين هؤلاء، يبرز أحياناً الطالب الذي يبدو غير مهتم، قليل المشاركة، لا يُنجز واجباته، ولا يُبدي تفاعلاً داخل الصف. وغالباً ما يُوصَف هذا النوع من الطلاب بأحكام جاهزة مثل "كسول" أو "فاشل"، وهي تسميات قد تُخفي وراءها واقعاً أكثر تعقيداً مما يبدو.
ما وراء اللامبالاة الظاهرة
يُجمع العديد من المربين والخبراء النفسيين على أن مظهر اللامبالاة ليس دائماً انعكاساً حقيقياً للإهمال، بل قد يكون ستاراً يخفي معاناة داخلية أو ظروفاً ضاغطة، فقد يعاني الطالب من ضعف ثقته بنفسه، أو من الخوف من الفشل أمام الآخرين، أو من صعوبات في التعلم تجعله يشعر بالعجز عن مجاراة زملائه.
وفي بعض الحالات، تكون المشكلات الأسرية أو الاجتماعية عاملاً مؤثراً في ضعف تركيزه وغيابه الذهني عن الدروس، مثل التعرض للتنمّر أو الشعور بالعزلة داخل الصف. وهنا يتحوّل الانسحاب إلى آلية دفاعية، لا إلى سلوكٍ سلبي متعمّد.
أخطاء شائعة في التعامل مع الطالب غير المهتم
كثير من المعلمين – عن غير قصد – يقعون في فخ التقييم السريع حين يصنّفون الطالب بأنه "فاشل" أو "غير مجتهد"، فيتوقف اهتمامهم به أو يُهمّش دوره داخل الصف، ويُضاعف بعضهم الخطأ عندما يُقارن الطالب بزملائه أو يوبّخه علناً، ما يؤدي إلى ترسيخ مشاعر العجز والإحباط لديه، هذه الأساليب، وإن بدت تهذيبية، إلا أنها تترك آثاراً نفسية عميقة تُفاقم المشكلة بدلاً من معالجتها.
أساليب تربوية فعّالة للتعامل
ينصح التربويون باتباع نهجٍ أكثر تفهماً وإنسانية مع الطلاب الذين يُظهرون قلة اهتمام، من خلال فتح حوار شخصي هادئ معهم بعيداً عن الضغط والعلنية، لفهم ما يواجهونه من صعوبات، كما يُوصى بالتعاون مع المرشد التربوي وأولياء الأمور لتوفير الدعم النفسي والتربوي المناسب، وتشجيع الطالب على المشاركة التدريجية عبر إسناد مهام بسيطة تُنمّي إحساسه بالمسؤولية والثقة بالنفس.
ويؤكد المختصون أن التجارب التربوية الناجحة أثبتت أن هذا النوع من الدعم يُحدث تحولاً جذرياً في سلوك الطالب وأدائه، إذ يتحول الإهمال إلى حافزٍ للتطور والاجتهاد عندما يجد الطالب من يفهمه ويثق بقدراته بدلاً من محاسبته فقط على تقصيره.
تربية قائمة على الفهم لا الإدانة
في النهاية، لا يخلو أي صفٍّ من طلابٍ يبدون غير مبالين أو متراجعين في أدائهم، لكنّ دور المعلم الحقيقي لا يقتصر على التعليم، بل يتجاوز إلى رعاية النفوس الضعيفة واستنهاض طاقاتها الكامنة.
فالمعلم الناجح هو الذي يُدرك أن اللامبالاة ليست دائماً مؤشراً على الكسل، بل نداء استغاثة يحتاج إلى فهم، ومساندة، وصبر. وبمجرّد أن يجد الطالب من يُنصت إليه بإخلاص، يتحول من هامش العملية التعليمية إلى جزء فاعل فيها، مساهماً في صنع بيئة صفّية أكثر توازناً وإنسانية.