
تقرير لـ "الشَّبكة السورية" يُسجل 127 حالة اعتقال تعسفي واحتجاز في أيلول لعام 2025
قالت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم إنَّ ما لا يقل عن 127 حالة اعتقال تعسفي تم تسجيلها في أيلول/ سبتمبر 2025.
التقرير الذي جاء في 19 صفحة، وأوضح الحاجة الملحة إلى وضع ضوابط قانونية لإنهاء حقبة الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، وضمان الحقوق الأساسية للأفراد، وذلك مع التحولات السياسية والعسكرية الجذرية التي تمثلت في سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وتولي حكومة انتقالية زمام السلطة.
استعرض التقرير حصيلة عملية الاعتقال التعسفي وعمليات الإفراج من مراكز الاحتجاز، في سياق المرحلة الانتقالية التي دخلتها سوريا عقب سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، ويغطي الحالات المسجلة خلال شهر أيلول/ سبتمبر 2025.
ووفقاً للتقرير فقد تمَّ توثيق ما لا يقل عن 79 حالة اعتقال تعسفي/ احتجاز في أيلول/ سبتمبر 2025، بينهم 6 أطفال و4 سيدات، حيث كانت 11 حالة بينهم 1 سيدة منها على يد قوات الحكومة السورية، و68 حالة احتجاز تعسفي على يد قوات سوريا الديمقراطية بينهم 6 أطفال و3 سيدات.
أظهر التحليل الجغرافي أنَّ محافظة دير الزور سجلت الحصيلة الأعلى من حالات الاحتجاز التعسفي، تليها محافظة حلب والرقة، ثم الحسكة. وأبرز التقرير مقارنة بين حصيلة حالات الاحتجاز التعسفي وعمليات الإفراج.
وأشار إلى أنَّ عدد حالات الاحتجاز التعسفي في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات سوريا الديمقراطية يفوق عدد حالات الإفراج. ويعود ذلك إلى عمليات الاعتقال التي طالت مدنيين على خلفية انتقادهم للممارسات التي تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية في المناطق التي تسيطر عليها.
وأوضح التقرير قيام عناصر من قيادة الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية في الحكومة السورية في أيلول/سبتمبر بتنفيذ حملات دهم واحتجاز طالت ما لا يقل عن 48 شخصاً من المتهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان خلال فترة حكم نظام الأسد، خاصة في محافظات اللاذقية، طرطوس، حمص، حماة، حلب ودمشق، وإدلب. شملت هذه العمليات عسكريين سابقين، وموظفين حكوميين، وتمت خلالها مصادرة كميات من الأسلحة والذخائر. نُقل المحتجزون إلى سجون مركزية في حمص، وحماة، وعدرا في ريف دمشق.
بالإضافة إلى ذلك وثقت الشَّبكة عمليات احتجاز لأشخاص يشتبه بارتباطهم بالمجموعات المسلحة التي شنت هجمات في آذار/مارس 2025 على مواقع أمنية تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية في الحكومة السورية، وهي مجموعات مرتبطة ببقايا تشكيلات النظام السابق أو محسوبة عليه. وتركزت هذه العمليات في محافظات اللاذقية، طرطوس، وحماة، وأسفرت الهجمات آنذاك عن سقوط مئات الضحايا خارج نطاق القانون.
ورغم أنَّ هذه العمليات نُفّذت في إطار حملات أمنية، إلا أنَّه لم يتسنّ التأكد مما إذا كانت قد جرت وفق مذكرات توقيف قانونية صادرة عن النائب العام أو الجهات القضائية المختصة. وتؤكد الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان على أهمية التقيّد بالإجراءات القانونية، وعلى ضرورة الإعلان عن أسماء المحتجزين وضمان حقوقهم القانونية.
كما أشار التقرير إلى أنَّ الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت 16 حالة إفراج من مراكز الاحتجاز المختلفة، معظمهم من أبناء محافظات حماة وحمص وريف دمشق، والذي تم احتجازهم في سياق المحاسبة، وتم الإفراج عنهم بعد انتهاء التحقيقات وعدم إثبات تورطهم في تلك الأحداث.
أفاد التقرير بأنَّ الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان أصبحت مصدراً موثوقاً للعديد من هيئات الأمم المتحدة، حيث استندت إليها عدة قرارات دولية، من بينها مشروع قرار حالة حقوق الإنسان في سورياA/C.3/78/L.43 ، الذي تم التصويت عليه في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2023. وقد أدان القرار نظام الأسد لارتكابه انتهاكات جسيمة، وأكد أنَّ عدد المعتقلين تعسفياً فاق 160,123، مشيراً إلى مسؤولية نظام الأسد عن الاختفاء القسري المنهجي، والذي يصنف كجريمة ضد الإنسانية.
دعا التقرير مجلس الأمن الدولي والمجتمع الدولي إلى إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، والضغط لتسليم المتورطين في الجرائم، وفي مقدمتهم الإرهابي الفار بشار الأسد والمقربون منه، إلى العدالة الدولية.
كما أوصى بتجميد أصول النظام السابق ومصادرتها لاستخدامها في برامج العدالة الانتقالية وتعويض الضحايا، إلى جانب توفير الموارد اللازمة لدعم عمل اللجان الدولية المعنية بالمفقودين، وتمويل برامج المصالحة الوطنية والدعم النفسي لعائلات المختفين.
وحث التقرير مجلس حقوق الإنسان على إبقاء قضية المعتقلين والمختفين بنداً دائماً في اجتماعاته الدورية، وتعزيز الشراكات مع المنظمات الحقوقية السورية لمواصلة التوثيق. كما دعا لجنة التحقيق الدولية المستقلة والآلية الدولية المحايدة المستقلة إلى فتح تحقيقات معمّقة في ملفات الاعتقال والاختفاء والتعذيب، والعمل على جمع الأدلة وحفظها لاستخدامها في المحاكمات المستقبلية.
وفي جانب آخر، طالب التقرير الأمم المتحدة بالضغط على جميع الأطراف لنشر قوائم بأسماء المعتقلين والكشف عن أماكن احتجازهم، والسماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة السجون دون قيود، إضافة إلى توفير تمويل مستدام لبرامج إعادة تأهيل الضحايا والناجين. كما ناشد الفريق الأممي المعني بالاختفاء القسري زيادة عدد العاملين المكلفين بملف سوريا وإصدار تقارير دورية مفصلة عن المستجدات.
أما على المستوى الوطني، فقد شدد التقرير على أن الحكومة السورية الانتقالية مطالبة بالتعاون مع الهيئات الدولية وتمكينها من الوصول إلى مراكز الاحتجاز، وتوثيق مواقع المقابر الجماعية والسجون ومنع العبث بها، والتصديق على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ومنحها ولاية قضائية بأثر رجعي.
وأكد ضرورة إصلاح النظام القضائي والأمني بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ونشر قوائم دورية بأسماء المحتجزين، وإنشاء برامج دعم وإعادة تأهيل لعائلات الضحايا والناجين، فضلاً عن تشكيل لجان رقابية مستقلة لضمان عدم وقوع انتهاكات جديدة أثناء الحملات الأمنية.
واختتم التقرير بالتشديد على أن استمرار هذه الانتهاكات بعد سقوط النظام البائد يتطلب مضاعفة الجهود الوطنية والدولية من أجل تأسيس منظومة حقوقية شاملة تضع حقوق الضحايا في مركز العملية السياسية والقانونية، وتؤسس لبناء سوريا جديدة قائمة على العدالة والمساءلة وسيادة القانون.