تذبذب سعر الصرف وإعادة الإعمار: تحديات وفرص للاقتصاد السوري
لا يزال سعر الصرف في سوريا يتأرجح بين الانخفاض والارتفاع من دون أن يشهد استقراراً طويل الأمد، وذلك نتيجة دوران عجلة الإنتاج وتحريك قوى الاقتصاد الفعلية من صناعة وزراعة ومخرجاتهما.
ورغم هذا الواقع، فإن الاتجاه الأخير للدولار نحو الهبوط يُعتبر أمراً مفرحاً للمواطنين، إذ قد ينعكس فعلياً على انخفاض أسعار المواد الغذائية التي ارتفعت بشكل كبير خلال الفترة الماضية، مضيفةً ضغوطاً إضافية على مستوى المعيشة اليومية، رغم الزيادات الأخيرة في الرواتب، والتي لم تنعكس بعد على أسعار السلع الأساسية.
وأوضح الخبير الاقتصادي الدكتور "فاخر القربي"، أن التحسن الحالي لليرة السورية لا يعود إلى أسباب اقتصادية مباشرة، مما يجعل استمراره غير مضمون بشكل كامل، مشيراً إلى أن أي تحسن مستمر ومستقر يتطلب تحسناً حقيقياً في مؤشرات الاقتصاد الفعلي من إنتاج واستثمار وتصدير.
وأكد أن الاعتماد على الليرة كوسيلة وحيدة للادخار ليس آمناً في الوقت الحالي، داعياً إلى تحقيق توازن بين الادخار بالليرة في المدى القصير، والدولار للادخار لعدة أشهر، والذهب للادخار لفترات تزيد عن العام.
وحول أسباب انخفاض سعر الصرف، أشار القربي إلى إلغاء مصطلح السوق الموازية الذي كان يُستخدم لتغطية نشاط السوق السوداء، ما أدى إلى تقليص المضاربات التي كانت تؤثر سلباً على القوة الشرائية للمواطنين واقتصاد البلد.
وأضاف أن تراجع حركة المستوردات وانخفاض الطلب على الدولار كان له دور مهم في تعزيز قيمة الليرة، إلى جانب توجه بعض المواطنين لادخار الليرة على أمل تحسنها المستمر، وهو ما قلل العرض في السوق ورفع قيمتها.
كما أن العامل النفسي لعب دوراً أساسياً في تعزيز ثقة الناس بالليرة، خاصة مع توقع تحسن اقتصادي قريب وبدء عملية إعادة الإعمار، إضافة إلى التوقعات بإلغاء كامل للعقوبات المفروضة على الدولة، مما عزز الثقة بالدور الاقتصادي لسوريا.
رغم هذا التحسن الطفيف في سعر صرف الليرة، يبقى التحدي الأكبر مرتبطاً بانخفاض أسعار السلع، إذ إن أي تحسن حقيقي لقيمة الليرة يرتبط بقدرتها على خفض تكلفة المعيشة بشكل فعلي.
ويرى الخبراء أن الانخفاض الحالي لا يكون مفيداً إلا إذا تحول إلى حالة ديمومة حقيقية، وذلك عبر زيادة الإنتاج الوطني، رفع الصادرات، الحد من المستوردات، وخلق حوافز للمستثمرين لتعزيز المشاريع الإنتاجية.
كما شدد الخبير على أهمية رفع نسبة الفائدة في المصارف الممنوحة لمدخري القطع الأجنبي، وضبط آلية عمل الشركات الصناعية والتجارية التي تعتمد الدولار في تصريف منتجاتها، لأنها تزيد الطلب على العملة الأجنبية وتؤثر على سعر الصرف.
إضافة إلى ذلك، يرى الخبراء ضرورة وضع آلية جديدة لتمويل استيراد البضائع الأساسية، مع الحد من تمويل السلع الكمالية، ومراقبة المستوردات وتقييد استيراد البضائع التي تتوافر لها بدائل محلية، حماية للصناعة الوطنية والحد من استنزاف القطع الأجنبي، بما يخلق بيئة اقتصادية أكثر استقراراً ويضمن انعكاس أي تحسن في سعر الصرف على حياة المواطنين اليومية.