
بيدرسن محذرا من النموذج الليبي : سوريا على "حافة الهاوية" إذا لم يتم تصحيح المسار
حذّر المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، من أنّ البلاد «على حافة الهاوية» وتحتاج إلى «تصحيح مسار عاجل»، في ظل تزايد التوترات الطائفية وبطء تنفيذ الإصلاحات السياسية والأمنية التي وعد بها الرئيس أحمد الشرع، ما يهدّد استقرار المرحلة الانتقالية بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وفي مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، قال بيدرسن إنّ حالة «العصبية والقلق» تتصاعد داخل سوريا، مشيرًا إلى أن بطء الإصلاحات القضائية والأمنية «يُضعف الثقة» بالرئيس الشرع الذي كان يتمتع بشعبية واسعة عقب الإطاحة بالأسد العام الماضي.
وأضاف: «نحن نعلم أن مثل هذه التحولات تحتاج إلى وقت، لكن الشرع بحاجة إلى ما أسميه تصحيح المسار. فالوضع خطير إلى درجة تجعل سوريا تقف فعلاً على حافة السكين».
ولمّح بيدرسن إلى أنّ أسوأ السيناريوهات يتمثل في «تحوّل سوريا إلى ليبيا جديدة»، في إشارة إلى الفوضى والانقسام الذي أعقب سقوط القذافي عام 2011، مؤكدًا أن «لا أحد يريد ذلك، لكنه خطر حقيقي».
ويأتي هذا التحذير بعد نحو عام من قيادة أحمد الشرع هجومًا عسكريًا أنهى حكم عائلة الأسد الذي استمر أكثر من خمسين عامًا. وقد أُجريت الأحد الماضي انتخابات برلمانية انتقالية، وُصفت بأنها رمزية، لكنها عُدت اختبارًا لمدى التزام الرئيس بالإصلاح السياسي.
وبحسب ما نقلته فايننشال تايمز، استقبل معظم السوريين سقوط النظام السابق بفرح كبير، ورحّبوا بصعود الشرع إلى الحكم رغم خلفيته الإسلامية وانتمائه السابق إلى هيئة تحرير الشام ذات الجذور القاعدية، خصوصًا بعد تعهده بحماية الأقليات وتشكيل حكومة جامعة.
لكن الواقع، بحسب بيدرسن، أظهر أن «هيئة تحرير الشام» ما تزال القوة المهيمنة في مؤسسات الدولة الجديدة، وأن الثقة الشعبية تراجعت بسبب اشتباكات عنيفة ذات طابع طائفي بين قوات الأمن ومجموعات محلية.
ففي مارس/آذار الماضي، اندلعت مواجهات دامية في محافظة اللاذقية بين مقاتلين من الطائفة العلوية الموالية للنظام السابق، وعناصر تابعة للشرع، أسفرت عن مقتل نحو 1400 شخص. كما شهدت محافظة السويداء في يوليو/تموز مواجهات مشابهة بين مقاتلين دروز وقوات حكومية، رافقها تدخل إسرائيلي عبر غارات جوية استهدفت مواقع للجيش السوري ووزارة الدفاع في دمشق، بحجة «حماية الدروز».
وقال بيدرسن إنّ تلك التطورات «أثارت تساؤلات جدّية حول قدرة الرئيس على ضبط قواته، وأرسلت رسالة مقلقة عن مدى تماسك السلطة الجديدة». وأضاف: «يبدو أنهم لم يدركوا بعد مدى خطورة الوضع على العملية الانتقالية برمّتها».
كما انتقد المبعوث الأممي بطء دمج الفصائل السنية التي قاتلت إلى جانب الشرع في هجوم ديسمبر الماضي ضمن جهاز أمني موحّد، مشيرًا إلى أنّ الرئيس «لا يشعر بأنه مستعد بعد لإطلاق إصلاح أمني شامل». وأضاف: «ما يحدث حاليًا هو أن تلك الفصائل تنشئ مناطق نفوذ خاصة بها في أنحاء البلاد».
ووفق الصحيفة البريطانية، تواجه الحكومة صعوبة في بسط سيطرتها على كامل الأراضي السورية. ففي الجنوب انسحبت القوات الحكومية من السويداء عقب أحداث يوليو، تاركة المحافظة تحت إدارة فصائل درزية ترفض الانضمام إلى الإدارة الجديدة. أما في الشمال الشرقي، فما تزال قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية، والمدعومة من الولايات المتحدة، تسيطر على المنطقة.
وكانت دمشق قد وقّعت في مارس اتفاقًا مع قوات سوريا الديمقراطية لدمج نحو 60 ألف مقاتل منها في مؤسسات الدولة، غير أن التقدّم في تنفيذ الاتفاق كان بطيئًا، خصوصًا بعد أحداث السويداء التي زادت من شكوك الأكراد تجاه الحكومة.
وقال بيدرسن إن الرئيس الشرع «أبدى نية حقيقية في منح الأكراد حقوقهم السياسية»، لكن تصاعد التوترات الطائفية وتدخّل إسرائيل في الجنوب «زاد من انعدام الثقة»، موضحًا أن التدخلات الإسرائيلية «لا تساهم في استقرار الوضع».
ورحّب المبعوث الأممي بقرار الشرع السماح للجنة تحقيق أممية مستقلة بالنظر في أحداث السويداء واللاذقية، مؤكّدًا أنّ بعض عناصر الأمن ضُبطوا وأُحيلوا إلى القضاء. لكنه شدّد على ضرورة الإسراع في إطلاق عملية عدالة انتقالية شاملة تشمل الجرائم المرتكبة خلال حكم الأسد وبعده.
وفي الوقت نفسه، أعرب بيدرسن عن قلقه من تعيين الحكومة قضاة شرعيين من معاقل هيئة تحرير الشام في إدلب ضمن سلك القضاء، واعتبر أن هذا التوجّه «يغذّي التوترات الطائفية ويقوّض الثقة بمؤسسات الدولة».
وأشار إلى أنّ الرئيس الشرع يتميّز بـ«براغماتية وقدرة على التعلم»، موضحًا أنه اكتسب خبرة في إدارة التوازنات خلال سيطرته على إدلب قبل توليه الرئاسة، حيث اعتمد على مزيج من القوة والاحتواء السياسي. لكنه حذّره من أنّ إدارة بلد بحجم سوريا «تتطلّب نوعًا آخر من الشرعية»، يقوم على بناء الثقة لا القوة.
وختم بيدرسن تصريحه بالقول: «على الرئيس الشرع أن يقنع السوريين بأن هذه مرحلة جديدة حقًا، لا نسخة معدّلة من الاستبداد القديم. عليه أن يُظهر أنه يستمع إليهم ويفهم مخاوفهم، حتى لا يظهر من يسعى لإفشال المرحلة الانتقالية».
وفي 19 أيلول/سبتمبر 2025، أعلن بيدرسن عزمه مغادرة منصبه كمبعوث أممي إلى سوريا بعد أكثر من ستة أعوام ونصف من الجهود السياسية والدبلوماسية، موضحًا أمام مجلس الأمن أنه يتنحى «لأسباب شخصية»، ومؤكدًا التزامه بمهامه حتى نهاية ولايته، وداعيًا المجتمع الدولي إلى دعم المرحلة الانتقالية السورية وحمايتها من التدخلات الخارجية.