الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها السنوي الرابع عشر بمناسبة اليوم العالمي للطفل
أصدرت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرها السنوي الرابع عشر بمناسبة اليوم العالمي للطفل، بعنوان تعزيز منظومة حماية الطفل في سوريا: مواجهة إرث خمسة عشر عاماً من الانتهاكات الممنهجة وضمان مستقبل آمن للأجيال.
استعرض التقرير ما تعرّض له الأطفال في سوريا على مدى 14 عاماً من انتهاكات واسعة النطاق شملت القتل والتعذيب والتجنيد القسري والحرمان من التعليم والرعاية الصحية، إلى جانب تدمير المدارس والمنشآت الطبية، واستمرار خطر الألغام والذخائر غير المنفجرة.
أوضح التقرير أنَّ الأطفال في سوريا خلال المرحلة الانتقالية التي تلت سقوط نظام الأسد ما يزالون يواجهون تحديات بنيوية عميقة، من أبرزها تدهور قطاع التعليم، وغياب الخدمات الأساسية، واحتياج 7.5 مليون طفل للمساعدات الإنسانية.
ورغم تراجع مستويات العنف، ما تزال آثار الصدمات النفسية والفقر وفقدان الوالدين وضعف أنظمة الحماية الاجتماعية تشكل عوائق كبيرة تحول دون حصول الأطفال على حقوقهم الأساسية. ويؤكد التقرير السنوي للشَّبكة استمرار تأثير إرث النزاع المسلح على حاضر الأطفال ومستقبلهم، وضرورة تعزيز آليات التعافي والحماية.
وأشار التقرير إلى أنَّ الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت مقتل 30,686 طفلاً منذ آذار/مارس 2011 حتى 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، يتحمل نظام بشار الأسد السابق المسؤولية عن 76 % منها، أي ما يعادل 23,138 طفلاً. وكان عام 2013 الأكثر دموية، فيما تصدرت محافظة حلب قائمة الضحايا الأطفال، تلتها إدلب ثم ريف دمشق ودير الزور.
كما تُظهر قواعد بيانات الشَّبكة أنَّ 5,359 طفلاً ما يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري، بينهم 3,736 طفلاً اعتقلهم أو أخفاهم نظام الأسد السابق، ما يجعله مسؤولاً عن 70 % من مجموع الحالات. وقد سُجلت أعلى حصيلة لحالات الاعتقال/الإخفاء في عام 2014، فيما جاءت محافظة دير الزور في المرتبة الأولى من حيث عدد الحالات، تلتها دمشق ثم الرقة وريف دمشق.
وأضاف التقرير أنَّ الشَّبكة وثقت مقتل 226 طفلاً تحت التعذيب منذ آذار/مارس 2011 حتى 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، بينهم 216 على يد نظام بشار الأسد السابق، ما يجعل النظام مسؤولاً عن 96 % من إجمالي حالات قتل الأطفال تحت التعذيب خلال سنوات النزاع. وكان عام 2012 الأكثر سوءاً، يليه 2013 ثم 2015 و2014. وقد سُجلت الحصيلة الأعلى للضحايا الأطفال تحت التعذيب في محافظة حماة، تلتها حمص ثم ريف دمشق وإدلب.
وبيّن التقرير أنَّ قواعد بيانات الشَّبكة تشير إلى تعرض 1,743 مدرسة ورياض أطفال لاعتداءات منذ آذار/مارس 2011 حتى 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، بينها 1,287 اعتداءً نفّذه نظام بشار الأسد السابق، بنسبة تبلغ 74 %.
وقد أدى الاستهداف الممنهج للبنية التعليمية إلى حرمان مئات آلاف الأطفال من حقهم في التعليم، وأسهم في تعميق الأثر الممتد للنزاع على العملية التربوية. كما وثقت الشَّبكة 919 اعتداءً على منشآت طبية خلال الفترة ذاتها، بينها 566 اعتداءً نفذتها قوات النظام، أي بنسبة 62 %، ما يعكس استهدافاً مباشراً للقطاع الصحي ويزيد من تدهور القدرة على تقديم الرعاية للأطفال في ظل ظروف إنسانية قاسية.
وتناول التقرير أيضاً أبرز المخاطر والانتهاكات المستمرة التي يتعرض لها الأطفال في سوريا. فبعد سقوط النظام، استمرت أنماط قتل الأطفال نتيجة الاشتباكات بين المجموعات المسلحة، والقصف المتبادل، والهجمات الإسرائيلية، إضافة إلى الإصابات الناتجة عن الرصاص العشوائي خلال الاحتفالات.
وقد وثقت الشَّبكة مقتل 51 طفلاً في أحداث الساحل، و20 طفلاً في السويداء، و18 طفلاً جراء إطلاق الرصاص في الاحتفالات حتى 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2025. كما تُعد الألغام والذخائر غير المنفجرة من أخطر تهديدات المرحلة الانتقالية، إذ تسببت منذ كانون الأول/ديسمبر 2024 بمقتل ما لا يقل عن 107 أطفال وإصابة آخرين بجروح خطيرة.
وتنتشر هذه المخلفات في مناطق سكنية وزراعية، ما يعرقل عودة الأهالي، ويُبقي الأطفال في حالة خوف دائم، في ظل ضعف عمليات الإزالة ونقص برامج التوعية.
وأشار التقرير إلى أنَّ احتجاز الأطفال تعسفياً ما يزال مستمراً، ولا سيما في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، حيث يُمنع الأطفال المحتجزون من التواصل مع ذويهم ويتعرضون لمعاملة قاسية. كما يبقى نحو 25,500 طفل محتجزين في مخيمي الهول وروج في ظروف قاسية تشكّل حرماناً غير قانوني من الحرية، في حين شهدت محافظات اللاذقية وطرطوس والسويداء حوادث خطف متفرقة لأغراض الابتزاز.
وأضاف التقرير أنَّ قوات سوريا الديمقراطية تواصل تجنيد الأطفال عبر أساليب تشمل الاختطاف والضغط المباشر، بما في ذلك استقطابهم من الشوارع والمدارس. وتؤكد الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان أنَّ هذه الممارسات تُعد انتهاكاً لاتفاقية حقوق الطفل والقانون الإنساني الدولي، لما تسببه من تعريض الأطفال للعنف وحرمانهم من التعليم وزجّهم قسراً في النزاع المسلح.
ويشير التقرير إلى أنَّ بيانات الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان تُظهر أنَّ نظام بشار الأسد السابق انتهج منذ عام 2011 سياسة ممنهجة لاعتقال الأطفال وإخفائهم قسرياً، كما عمدت الأجهزة الأمنية إلى نقل عدد من الأطفال إلى مؤسسات رعاية مثل “قرى أطفال SOS” دون أية وثائق رسمية، ما أدى إلى طمس هوياتهم والتلاعب بمصائرهم القانونية.
وتطالب الشَّبكة بإجراء تحقيقات شاملة في هذه الممارسات وإعادة الهوية والحقوق للأطفال الذين ما يزال مصير كثير منهم مجهولاً، باعتبار هذه القضية جزءاً أساسياً من مسار العدالة الانتقالية بعد سقوط النظام.
ومنذ عام 2011، تعمل الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان على توثيق الانتهاكات الجسيمة بحق الأطفال، بما في ذلك القتل والاعتقال والتعذيب والاختفاء القسري، بهدف توفير بيانات دقيقة تدعم حماية الأطفال ومساءلة الجناة.
وتتعاون الشَّبكة مع آليات أممية متعددة، من بينها الآلية الرصدية MRM، لجنة التحقيق الدولية، اليونيسف، وفريق الأمم المتحدة المعني بحالات الاختفاء القسري، لتقديم توصيات في سياق العدالة الانتقالية وتعزيز برامج التأهيل النفسي والاجتماعي والتعليم.
كما تواصل جهودها في كشف مصير الأطفال المنقولين من أماكن الاحتجاز وإيصال أصواتهم على المستوى الدولي، لضمان أن تكون حقوق الأطفال محوراً لأي برنامج وطني في المرحلة الانتقالية بعد سقوط النظام.
ويبيّن تقرير الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان في اليوم العالمي للطفل أنَّ الانتهاكات المرتكبة بحق الأطفال منذ عام 2011 واسعة ومنهجية، وتشمل القتل، والتعذيب، والاختفاء القسري، والتجنيد القسري، الأمر الذي يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية، كما يؤكد أنَّ نظام بشار الأسد السابق يتحمل المسؤولية الأكبر عن هذه الانتهاكات، ولا سيما القتل خارج القانون، والتعذيب، والهجمات ضد المدنيين، والاختفاء القسري.
ويشدّد التقرير على أنَّ الاختفاء القسري لآلاف الأطفال ما يزال قائماً قانونياً ولا يسقط بالتقادم، وأنَّ النظام السابق والجهات المتورطة في هذه الممارسات ملزمون بكشف مصيرهم، إذ إنَّ نقل الأطفال إلى مؤسسات الرعاية دون وثائق رسمية يمثّل تلاعباً بالهوية وانتهاكاً جوهرياً للنسب والحقوق الأساسية.
وأشار التقرير إلى أنَّه بعد سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، ما تزال بعض الأطراف، وفي مقدمتها قوات سوريا الديمقراطية، تمارس عمليات التجنيد والاحتجاز التعسفي وانتهاكات أخرى بحق الأطفال. كما تمثل مخلفات الأسلحة من ألغام وذخائر غير منفجرة تهديداً مستمراً لحياة الأطفال، وتشكل إخلالاً بواجبات حماية المدنيين وفق القانون الدولي الإنساني.
كذلك فإنَّ احتجاز أكثر من 25,000 طفل في مخيمي الهول وروج دون مراجعات فردية يُعد انتهاكاً لاتفاقية حقوق الطفل وحرماناً غير مشروع من الحرية. ويشير التقرير إلى أنَّ الانتهاكات الجسيمة خلّفت آثاراً عميقة عبر الأجيال، من بينها فقدان الوالدين، وانهيار التعليم، والأزمات النفسية، واستمرار التهديد الذي يطاول مستقبل المجتمع السوري بأسره.
وفي الختام، أكد التقرير أنَّ حماية الأطفال في المرحلة الانتقالية تُعد اختباراً حاسماً لمدى التزام الدولة السورية الجديدة والمجتمع الدولي بمبادئ حقوق الإنسان والعدالة، إذ لا يمكن لأي عملية سياسية أن تكتمل دون كشف الحقيقة، وجبر الضرر، وضمان عدم تكرار الانتهاكات التي دمّرت حياة أجيال كاملة من الأطفال السوريين.
وخلص التقرير إلى التوصيات التالية:
أولاً: إلى الهيئة الوطنية للمفقودين
إطلاق قاعدة بيانات وطنية موحدة للمفقودين تشمل جميع الفئات العمرية، وتخضع لمعايير تحقق مستقلة وتتضمن الربط مع السجلات المدنية.
فتح تحقيقات رسمية حول عمليات نقل الأطفال من مراكز الاحتجاز إلى دور الرعاية والأيتام، وضمان إطلاع ذويهم على نتائج التحقيق وتمكينهم من طلب المراجعة.
وضع خطة وطنية للبحث والكشف تتضمن آليات للوصول إلى أماكن الاحتجاز السابقة، والمشافي، والمشارح، والمواقع المشتبه باحتوائها على المقابر.
تعزيز التنسيق المؤسسي المنتظم مع الجهات الدولية المعنية بالمفقودين في مجالات تحليل الحمض النووي، وإدارة الأدلة، وتطوير قواعد البيانات.
إطلاق برنامج تواصل مباشر مع عائلات المفقودين يتضمن جلسات استماع وتحديثات دورية وإشراك العائلات في صياغة السياسات.
إنشاء وحدة وطنية لحماية الشهود والمبلّغين لضمان بيئة آمنة لكل من يملك معلومات عن مصير المفقودين، بما يشمل حالات الأطفال.
نشر تقارير فصلية تتضمن مستجدات عمليات البحث وفتح المقابر الجماعية وجمع العينات والتواصل مع العائلات.
ثانياً: إلى الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية
دمج ملفي المفقودين والأطفال ضمن منظومة العدالة الانتقالية بوصفهما ركيزتين أساسيتين لكشف الحقيقة وجبر الضرر.
صياغة إطار تشريعي شامل يعالج مختلف الجرائم، بما في ذلك الاختفاء القسري، تجنيد الأطفال، نقلهم غير القانوني، والحرمان من الهوية.