الشرع في قمة المناخ: سوريا ماضية في إعادة الإعمار وفق رؤية خضراء قائمة على الطاقة المتجددة
أكد الرئيس أحمد الشرع أن الجمهورية العربية السورية ماضية بثبات في تنفيذ خطة وطنية شاملة للتعافي وإعادة الإعمار والتنمية المستدامة، ترتكز في جوهرها على استخدام الطاقة المتجددة وإعادة تأهيل النظم البيئية المتضررة، مشدداً على أن الحفاظ على البيئة ليس ترفاً أو خياراً ثانوياً، بل واجب إنساني مشترك تتوقف عليه حياة الأجيال القادمة واستدامة الموارد الطبيعية في الأرض.
جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها الرئيس الشرع خلال أعمال قمة رؤساء الدول والحكومات ضمن الدورة الثلاثين لمؤتمر الأطراف (COP30)، المنعقد في مدينة بيليم البرازيلية، حيث عبّر عن تضامن سوريا العميق مع الشعوب التي تواجه كوارث المناخ من فيضانات وحرائق وجفاف، مؤكداً أن سوريا بدورها عاشت آثار التحولات المناخية القاسية، رغم أنها كانت يوماً من أكثر البلدان تنوعاً وخصوبة.
وأوضح الرئيس الشرع أن سوريا شهدت خلال السنوات الماضية سلسلة من الأزمات المناخية المتراكمة التي طالت الإنسان والموارد على حد سواء، فقد أدى الجفاف الطويل وتراجع مصادر المياه إلى إضعاف الإنتاج الزراعي وتراجع الأمن الغذائي، فيما تسببت موجات الحرارة والتصحر في تغير أنماط العيش والإنتاج، وزاد الوضع تعقيداً بسبب الحرائق الواسعة التي أتت على مساحات من الغابات والبيئات الزراعية في ظل تضرر البنى التحتية للطاقة والمياه خلال سنوات الحرب.
وأشار إلى أن موجات النزوح الواسعة خلال الحرب فرضت ضغطاً إضافياً على المناطق المستضيفة، في ظل محدودية الموارد والقدرات المتاحة، لتبلغ الأزمة ذروتها هذا العام مع أسوأ موجة جفاف تشهدها البلاد منذ أكثر من ستين عاماً، حيث انخفضت معدلات الأمطار بنسبة قاربت 70%، ما أدى إلى تراجع مساحات زراعية واسعة كانت تؤمن الغذاء لملايين السكان، لتزداد معها حدة أزمة القمح وتعمق آثار الفقر الذي يرزح تحته أكثر من 90% من السوريين، بينما يواجه أكثر من 15 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي.
وأكد الرئيس الشرع أن إدراك حجم التحديات لم يمنع السوريين من الإيمان بقدرتهم على تجاوزها، قائلاً: "جئنا إليكم اليوم مدركين ثقل ما نواجهه، لكن مؤمنين بأن قوة الإرادة والوحدة حول هدف نبيل يمكن أن تشق طريقاً نحو مستقبل أفضل". وأوضح أن سوريا تعمل على طرح رؤية مختلفة لإعادة الإعمار، تنطلق من إعادة تعريف العلاقة بين الإنسان والأرض، وبناء نظم عمرانية عادلة، مستدامة، متوازنة بيئياً.
وأضاف الرئيس الشرع أن الخطة الوطنية التي بدأت سوريا بتنفيذها تشمل مسارات عملية واضحة، في مقدمتها التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة، وإعادة تأهيل الأنهار عبر تقنيات الري الحديثة، وبناء مدن مستدامة صديقة للبيئة تنهض من بين الركام، إلى جانب إطلاق خطط زراعية متوافقة مع تغير المناخ، وإدماج الوعي البيئي في التعليم والمناهج والعمل المجتمعي، باعتبار الثقافة البيئية أساساً للحفاظ على الموارد وضمان استمرار الحياة.
وتابع بالقول إن مواجهة التغير المناخي لا يمكن أن تكون جهداً محلياً فقط، لأنه تحدٍ عالمي بطبيعته، مشيراً إلى التزام سوريا التام باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، واستعدادها لتحديث بلاغاتها الوطنية ومساهماتها المحددة وطنياً وفق المعايير الدولية، إلى جانب استكمال الإجراءات المتعلقة بتمثيلها الفني ضمن الأمانة العامة للاتفاقية.
ودعا الرئيس الشرع المجتمع الدولي إلى الانتقال من منطق المساعدات الإنسانية المؤقتة إلى منطق الشراكات التنموية المستدامة، قائلاً: "لا نطلب إعانات، بل ندعوكم إلى الاستثمار والعمل المشترك، نقدم فرصاً واضحة في الطاقة المتجددة، والمدن الخضراء، والزراعة المستدامة، ضمن بيئة استثمارية تضمنها الدولة وقوانينها ومؤسساتها".
وفي ختام كلمته، وجّه الرئيس الشرع تحية تقدير إلى حكومة وشعب البرازيل على استضافة المؤتمر في قلب غابات الأمازون "رئة العالم"، مؤكداً أن حماية البيئة مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون التزاماً سياسياً، مضيفاً بعبارة مستوحاة من التراث الإسلامي: "إن علاقتنا بالطبيعة علاقة أمانة، لا ملكية. بقدر ما نصون الأرض، تصوننا؛ وبقدر ما نحترم الماء والهواء والشجر، يمنحنا الكون حياةً كريمة مستدامة".