
معهد دراسات : تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط يعزز قوة اسرائيل
حذّر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، في تقريره السنوي الصادر من لندن، من أن تقليص القوات الأمريكية المخصّصة للقيادة المركزية في الشرق الأوسط (CENTCOM) أدى إلى تراجع قدرة واشنطن على الردع، ما سمح باندلاع أزمات متلاحقة في المنطقة خلال عامي 2024 و2025.
وأشار التقرير، الذي حمل عنوان «في البحث عن الردع والاستقرار: تموضع القوات الأمريكية في الشرق الأوسط عام 2025»، إلى أن الولايات المتحدة باتت تفتقر إلى قوة ردع ميدانية حقيقية، وأن حضورها العسكري أصبح دورياً ومحدوداً بالأزمات، بعد أن تحوّل تركيزها الاستراتيجي نحو شرق آسيا والمحيط الهادئ.
تحوّل استراتيجي نحو آسيا وتراجع في الشرق الأوسط
أوضح التقرير أن القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، التي كانت تدير أكثر من 270 ألف جندي خلال ذروة حربَي العراق وأفغانستان، لم تعد تضم سوى 40 ألف عنصر دائم في 2025، معظمهم متمركزون في أربع قواعد رئيسية:
• قاعدة العديد الجوية في قطر (نحو 11 ألف جندي)،
• قاعدة الكويت البرية (10 آلاف)،
• مقر الأسطول الخامس في البحرين (8,600 جندي)،
• وقاعدة الظفرة في الإمارات (5 آلاف عنصر من سلاح الجو).
وأشار المعهد إلى أن هذا التركيز الجغرافي «على الجانب الغربي من الخليج» جعل القوات الأمريكية في مرمى الصواريخ الإيرانية، وهو ما ظهر بوضوح في يونيو 2025 حين اضطرت واشنطن إلى نقل مقاتلاتها من قطر والبحرين بعد تهديدات إيرانية باستهدافها رداً على الغارات الأمريكية ضد منشآت نووية في إيران.
ردع محدود… وصعود أدوار إقليمية جديدة
يؤكد التقرير أن تموضع القوات الأمريكية الحالي يجعل القيادة المركزية «قادرة على إدارة الأزمات لا منعها»، إذ تعتمد واشنطن اليوم على نشر مؤقت لقواتها عند تصاعد التوتر، كما حدث بعد هجمات 7 أكتوبر 2023 ضد إسرائيل، عندما ارتفع عدد القوات الأمريكية مؤقتاً إلى نحو 60 ألف جندي قبل أن تعود إلى مستوياتها المعتادة.
وأضاف المعهد أن هذه السياسة أدت إلى تآكل الردع الأمريكي في وجه الخصوم الإقليميين، ولا سيما إيران والحوثيين، مشيراً إلى أن الحملة الجوية الأمريكية ضد الحوثيين في ربيع 2025 (المعروفة باسم عملية “Rough Rider”) فشلت في كبح هجماتهم على الملاحة الدولية.
وأوضح التقرير أن الحوثيين «احتفظوا بحق مهاجمة السفن المرتبطة بإسرائيل» رغم التفاهم المؤقت مع واشنطن، ما جعل الوضع الأمني في البحر الأحمر «هشاً وغير مستقر».
تبدّل ميزان القوى: إسرائيل صاعدة والخليج يبحث عن ضمانات
أشار التقرير إلى أن سياسة واشنطن الجديدة، القائمة على تشجيع الحلفاء الإقليميين على استخدام القوة بأنفسهم، أدت إلى تصاعد الدور العسكري الإسرائيلي في المنطقة.
ونقل التقرير عن وكيل وزارة الحرب الأمريكية للسياسات، إلبرج كولبي، قوله في يوليو الماضي إن «إسرائيل تُعدّ النموذج الأمثل للحليف القادر على الجمع بين الإرادة والقوة»، في إشارة إلى دعم واشنطن لتحركات تل أبيب ضد إيران ووكلائها.
في المقابل، عبّرت دول الخليج – ولا سيما السعودية وقطر والإمارات – عن قلق متزايد من هذا التحول، مطالبةً بعقود دفاع ثنائية “ملزمة” مع واشنطن تضمن حمايتها، بعدما أصبحت تشعر أن «الولايات المتحدة لم تعد الضامن الفعلي للأمن الإقليمي»، وفق التقرير.
الانعكاسات العالمية: الصين الرابح الأكبر
يرى المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن هذا التقلص الأمريكي في الشرق الأوسط يخدم الصين على المدى البعيد، إذ يستهلك واشنطن لوجستياً ويجعلها أقل قدرة على دعم حلفائها أو مواجهة خصومها في أكثر من جبهة.
وأضاف التقرير أن استمرار واشنطن في تركيزها الضيق على المحيط الهادئ سيعجّل في إعادة تشكيل البنية الأمنية في الشرق الأوسط، مع بروز قوى جديدة وتحالفات متبدّلة، وربما انتقال ميزان القوة نحو محور الصين–إيران–روسيا–كوريا الشمالية.
خلص التقرير إلى أن القيادة المركزية الأمريكية فقدت مكانتها كقوة ردع مستقرة، وأصبحت تعمل وفق نموذج «الانتشار المؤقت»، وهو ما يضعف قدرتها على منع الصراعات ويقوّض ثقة الحلفاء بها.
وأكد أن الحفاظ على توازن القوى في الشرق الأوسط يتطلّب من واشنطن إعادة تعريف دورها العسكري، إما بتعزيز وجودها الدائم أو بتمكين ترتيبات أمنية إقليمية جديدة تضمن الاستقرار دون الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة.