حلب "ست الكل".. حملة وطنية كبرى لإعادة الإعمار في قلب سوريا الاقتصادي
أطلقت محافظة حلب، واحدة من أضخم الحملات الوطنية لدعم إعادة تأهيل مدينة حلب تحت شعار "حلب ست الكل"، بمشاركة رسمية وشعبية واسعة، في رسالة واضحة على أهمية هذه المدينة اقتصادياً وتاريخياً، ومكانتها في الوجدان السوري.
الحملة شهدت حضور شخصيات رفيعة على رأسها محافظ حلب عزام الغريب، ووزير الخارجية أسعد الشيباني، ووزير الإعلام حمزة المصطفى، ومفتي حلب إبراهيم شاشو، إضافة إلى وفود من مختلف المحافظات.
في يومها الأول، سجلت الحملة رقماً قياسياً في حجم التبرعات التي تجاوزت 150 مليون دولار، في مؤشر على الاستجابة القوية من المواطنين والمؤسسات داخل وخارج سوريا. كما شهدت مزاداً علنياً على ساعة وزير الخارجية أسعد الشيباني، وصلت قيمته إلى 2.5 مليون دولار.
هذه الحملة تأتي امتداداً لسلسلة مبادرات انطلقت مؤخراً في عدة محافظات سورية، أبرزها إدلب التي جمعت أكثر من 208 ملايين دولار، وريف دمشق (73 مليوناً)، ودرعا (44 مليوناً)، ودير الزور (30 مليوناً)، وحمص (13 مليوناً).
لكن حلب تحديداً تحتل مكانة استثنائية، فهي من أقدم المدن المأهولة في العالم، وتُعد قلب الصناعة السورية بامتياز. قبل الحرب، كانت تسهم بنسبة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي وتضم آلاف المنشآت الصناعية والحرفية، إلى جانب تراث ثقافي غني جعلها مقصداً للسياحة ومركزاً تجارياً حيوياً.
تسعى الحملة إلى جمع الموارد اللازمة لإعادة بناء المدارس والمشافي والأسواق والطرق، وتوفير بيئة داعمة لعودة الصناعات والحرف، وتمكين القطاع الخاص من استعادة نشاطه، بما ينعكس على فرص العمل والمعيشة.
حلب عبر التاريخ… مدينة حضارات
تُعدّ حلب واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم، وتُرجّح الدراسات التاريخية أن تاريخها يمتد آلاف السنين، فكانت على الدوام ملتقى طرق التجار والقوافل بين الشرق والغرب، وملتقى حضارات عديدة من آشورية وعباسية وأيوبية وعثمانية وغيرهم. مركزها التاريخي، خاصة القلعة والأسواق القديمة، حافظ على مكانة الإبداع البشري والابتكار الحضاري، حتى أدرجت اليونسكو أجزاء منها ضمن شبكة التراث العالمي لما تمثّله من ثروة ثقافية.
كانت حلب بوابة التجارة بين آسيا وأوروبا عبر طرق الحرير القديمة، ومركزاً للصناعات التقليدية، مثل صناعة النسيج، الزجاج، الفخار، والزيوت، التي شكلت عماد اقتصادها منذ قرون. وارتبط اسمها عبر التاريخ بـ«السوق الكبير»، الذي كان يعجّ بالباعة والحرفيين والتُجّار من كل حدب وصوب، وشكّل نواة اقتصاد متكامل يربط بين الإنتاج المحلي والأسواق الإقليمية.
حلب الاقتصادية… قلب صناعة سوريا
قبل الحرب، كانت حلب تُشكّل محور الاقتصاد السوري بمعنى الكلمة: صناعات قوية ومتنوعة: من النسيج الغذائي إلى المعادن والبناء، وشبكات صغيرة ومتوسطة تُعتبر مصادر رئيسية للوظائف.
أيضاً زراعة وتجّر: المنطقة المحيطة بحلب إحدى أغنى السهول الزراعية، ما جعلها مركزًا لتجارة الحبوب والزيت والزراعة عموماً، وخدمات لوجستية وتجارية: ترتبط بالعديد من المحافظات السورية، وتُعدّ نقطة وصل بين الشمال والجنوب والشرق، كذلك سياحة ثقافية: المواقع الأثرية والأسواق التاريخية تجذب الزوار من الداخل والخارج، ما يدعم قطاع الخدمات.
ينظر إلى حملة "حلب ست الكل" بأنها بيان إرادة وطنية لإعادة الحياة إلى عصب الاقتصاد السوري، واعتراف بأن حلب تمثل محورًا لا يمكن الاستغناء عنه في أي استراتيجية وطنية للنهوض.
إذا نجحت الحملة في توظيف الموارد بكفاءة، وإذا ترافقت مع سياسات إصلاحية فعّالة، فإن حلب لن تعود فقط إلى ما كانت عليه، بل قد ترتقي إلى نقطة انطلاق لتجربة تنموية جديدة في سوريا، تُثبِت أن الماضي التاريخي والقدرات الاقتصادية يمكن أن يصنعا مستقبلاً أكثر إشراقًا لسوريا بأكملها.