مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٨ أغسطس ٢٠١٦
سورية صندوق رسائل دولية!

تلتزم الإدارة الأميركية موقف المراقب من الحرب الدائرة في حلب بين فصائل عدة، بينها جبهة «فتح الشام» («النصرة سابقاً»)، وجيش النظام وداعموه مثل ميلشيا «حزب الله» وغيرها، فيما تعلن هذه الإدارة في شكل واضح أنها شريكة وراعية لحرب أخرى تدور في نفس الحيّز الجغرافي تقريباً لكنها بين من تسميه YPG أي «قوات الحماية الشعبية» وتنظيم «الدولة الإسلامية (داعش).

على ذلك، ربما أن ما سرّب عن اجتماع مايكل راتني المبعوث الأميركي إلى سورية مع قيادة «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» (في 10 الشهر الجاري في إسطنبول)، وأثار تكهنات عدة، لم يأت بجديد عما هو معروف من سياسة أميركية تدير ظهرها للحرب الدائرة في سورية منذ قرابة الخمس سنوات، على رغم أنها واحدة من مجموعة دول ما يسمى «أصدقاء الشعب السوري»، أي الدول الداعمة للمعارضة وللثورة ضد نظام الأسد. وقد يمكن القول عن الاجتماع المذكور أن راتني كان صريحاً بما فيه الكفاية وهو يرد على تساؤلات أعضاء من «الائتلاف» عن دور أميركي ملتبس، وعن شبهة تراجع واضح في إدارة ملف الصراع السوري لمصلحة روسيا، وهو الأمر الذي لم يعد خافياً على أحد من السوريين.

في الوقت ذاته بددت صراحة المبعوث الأميركي الغموض الذي يلتبس موقف إدارة أوباما المتعلق بدعمها العسكري المطلق لـ «قوات الحماية الشعبية» أو «قوات سورية الديموقراطية» في حربها ضد «داعش»، علماً أن هذه القوات هي بمثابة الجناح العسكري لـ «حزب الاتحاد الوطني الديموقراطي» (الكردي).

هكذا اتضح أن ثمة رسائل أميركية متعددة مما يجري في حلب، ليس أولها انتزاع الأضواء عما يحدث هناك، سواء ما يتعلق بمعارك تخوضها فصائل عدة ضد قوات النظام، وليس آخرها تجاهل ما يمكن أن تقرأه تركيا من دعم أميركي لقوات تصنفها هي بالإرهابية، نظراً لاعتبارها بمثابة امتداد لـ «حزب العمال الكردستاني» (pkk)، مروراً بما يمكن تسميته الابتسامة الأميركية الصفراء إزاء التقاربات الروسية - التركية - الإيرانية، مع العلم أن معظم المحلّلين يحيلون هذا التقارب الثلاثي إلى الموقف المشترك من المشروع الكردي، بعد المبرّر الاقتصادي الذي يأتي في مرتبة متقدمة جداً، بالنظر إلى متطلبات الاعتمادية المتبادلة بين هذه الدول في كثير من المجالات.

يستنتج من ذلك أن الإدارة الأميركية التي تقف إلى جانب المعارضة السورية («الائتلاف الوطني» و»الهيئة العليا للتفاوض») تقف أيضاً وفي الوقت نفسه، وربما بمستوى أعلى، مع ما تعتبره معظم أوساط المعارضة السورية طرفاً أقرب إلى النظام منه إلى الثورة السورية (أي «قوات سورية الديموقراطية»)، مع فارق شاسع يتعلق بطبيعة الدعم الأميركي لكلا الطرفين الذي يتخذ شكله الإعلامي فقط مع المعارضة بينما يتجسد بتدفق أسلحة فعالة، وبرامج تدريب ومستشارين على أرض الواقع مع ما سماه مبعوثها YPG. بل إن الولايات المتحدة تقدم أيضاً الدعم «الإنساني» للمناطق التي ترزح تحت سيطرة هذه القوات لرفع نسبة تأييد وجودها وتعزيز شرعيتها بين مواطني المحافظات المستهدفة بالتحرير من «داعش».

في هذا السياق لا بد من التأكيد أن أهمية تحرير هذه المدن من سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي يتطلب أيضاً مجموعة من العناصر التي تؤمن حماية لسكان هذه المدن، وضمان تعددية مرجعياتهم القومية والدينية، وعدم تحويل هذه الانتصارات المدعومة أميركياً إلى بيئة صالحة لإطلاق أحلام تقسيمية لسورية. وكان تأكيد الإدارة الأميركية للمعارضة بخصوص أن هذا الدعم لا يشمل الدعم السياسي التي تطلبه الـ PYD منهم والمتعلق بالاعتراف بالشكل الذي أقرته للدولة السورية (الفيديرالية)، لأن هذا ينبغي أن يحدده الشعب السوري بالتوافق في ما بينه وليس بإعلان صريح ومريح من طرف واحد.

من جهة أخرى، وعلى الأرض، تحاول الإدارة الأميركية فرض مفهومها عن القوات المعتدلة، والمؤيدة للحل السياسي، وفصلها عن الجماعات الإرهابية، التي تحصرها في «داعش» و»النصرة»، بحيث تشتغل على إقناع روسيا بهذا المفهوم، بغرض عدم استهدافها بالقصف الروسي، كما أنها تحاول إقناع المعارضة بمثل هذا التوجه. ويبدو من كل هذه المطالبات أن الولايات المتحدة تهادن روسيا، مع علمنا أن ذلك ليس من موقف الضعيف، وليس من موقف المتردد ربما، وإنما موقف اللامبالي إزاء ما يجري في سورية، أو من موقف ترك الأطراف تتصارع، حتى تستنزف، وهذا هو الأرجح. أي أن الموقف الأميركي يتحرك مع موسكو من منطلق سياسي براغماتي قوامه تركها لترى حدود قدراتها، وربما لاستدراجها لمزيد من التورط، لإضعاف موقفها، واستنزافها، وكشفها إزاء مجتمعات المنطقة، وتالياً دفعها للتقارب مع الموقف الأميركي، وقوامه التركيز على ما تسميه مواجهة الإرهاب ولا سيما «داعش» و»النصرة»، بالتزامن مع إقامة حكومة انتقالية تضم المعارضة وأطرافاً من النظام، من دون حسم مسبق لمصير الأسد على رغم تصريح راتني أن واشنطن متمسكة بسورية جديدة من دون الأسد.

في الغضون فإن الولايات المتحدة تشتغل على الأرض، كما ذكرنا آنفاً، مع «قوات سورية الديموقراطية»، كميليشيا صاعدة، أو كقوة يمكن أن تنمو أكثر، وتشتغل مستقبلاً وفق ديناميات جديدة، وحدها أو مع أطراف أخرى (ممن تعتبره معارضة معتدلة)، هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية فإن الولايات المتحدة ما زالت تمانع قيام أي تعاون سياسي بينها وبين روسيا، باعتبار أن لهذا التعاون أثمانه السياسية التي لا ترضي الإدارة الأميركية، فضلاً عن أنها تضر بصدقية علاقتها مع المعارضة، وبين هذا وذاك فهي تشتغل على إقناع الروس بتخفيف الطلعات الجوية، وضمنه الكفّ عن استهداف المدنيين، ولا تخفي الولايات المتحدة قناعتها بأن الروس يفعلون كل ما يحلو لهم بحجة استهداف «جبهة النصرة»، وأن هذا يستلزم من المعارضة التعامل مع هذا الأمر، وعدم تجاهله، وبالطبع فإن الأميركيين هنا يقصدون أنه ليس كافياً تغيير «جبهة النصرة» اسمها أو ادعاء انفكاكها عن «القاعدة».

بالمحصلة، فإن أهم رسالة أميركية قوامها أن الولايات المتحدة لم تغير موقفها، وأنها لا تسمح بإنهاء المعارضة، كما لا توفر لها الدعم الكامل لانتصارها، ولا تسمح بتبييض صفحة «النصرة» من حلب، وأن الحرب لم تنته بعد، وأن الحل لن يكون بحسب ما يريد هذا الطرف أو ذاك من السوريين. وبالنتيجة لا يبدو أن الإدارة الأميركية غيرت موقفها بقدر ما أن بعض المعارضة كان يبني على تصريحات أميركية لا رصيد عملياً لها على الساحة السورية.

من جهة ثانية ثمة رسالة روسية مقابلة للرسالة الأميركية تمثلت في التقارب الروسي التركي، وهي الورقة الجديدة التي ستضعها روسيا في ملفها أثناء الجلوس إلى طاولة التفاوض الروسية - الأميركية عندما ستمضي قدماً في الملف السياسي بعد الانتهاء من الاتفاق العسكري لمحاربة الإرهاب، فعلى رغم التعتيم الإعلامي على مجريات اجتماعات «القيصر والسلطان» في موسكو إلا أن مجرد الابتعاد عن الخوض في تفاصيل خلافية أمام الإعلام هو اتفاق ضمني على ضرورة التوصل إلى حلول وسطى، وهو ما يعنيه اليوم استمرار معركة حلب لإعطاء دافع جديد لذهاب المعارضة إلى مفاوضات سياسية بشبه انتصار، ورضوخ النظام لإملاءات روسية لا يمكنه مخالفتها بحكم وصاية روسيا الجوية الكاملة والدائمة في سورية من خلال أبدية وجود قاعدة حميميم.

إيران أيضاً لم يطل صمتها على توزع الأدوار على طاولة الغنائم فهرعت إلى تركيا تفرد أوراقها وتقاطع مصالحها مع المصالح التركية والروسية في آن معاً، بخاصة في ما يتعلق بالملف الكردي على الحدود، حتى لو كلفها ذلك تنازلات عما سمته خطاً أحمر (مصير بشار الأسد) في مرحلة لاحقة لما بعد التحضيرية أو ما تسميه المعارضة مرحلة ما قبل الانتقالية. في مقابل ذلك تنازلات بدأت عبر تصريحات متفرقة عن قبول تركي للأسد في تلك المرحلة لكن شرط أن يؤدي ذلك إلى رحيله آخراً.

لا شك أن الساحة السورية صندوق رسائل دولية لكن ما لا يمكن تجاهله أيضاً هو السؤال المحوري: من يملك مفاتيح هذا الصندوق؟ والأهم ما حدود دور السوريين فيه؟

اقرأ المزيد
١٨ أغسطس ٢٠١٦
استعراض القاذفات الروسية يفضح ارتباك حلفاء الأسد

الخطوات العسكرية المتباعدة التي تتخذها روسيا والولايات المتحدة، الأولى في إيران وسورية والثانية بالقرب من الصين وكوريا الشمالية، تعكس الافتراق الكبير في اهتمامات الدولتين الكبريين، وبالتحديد في منطقة الشرق الأوسط. ففي حين مدّ الروس انتشارهم العسكري إلى إيران، في سابقة منذ العام 1941، وأرسلوا إلى إحدى قواعدها قاذفات استراتيجية لقصف مواقع يتبع معظمها للمعارضة السورية المعتدلة، كان «البنتاغون» يعلن حشد قاذفات أميركية مماثلة في جزيرة غوام في المحيط الهادئ، على بعد آلاف الأميال من سورية، حيث يسود توتر بين القوى الإقليمية نتيجة النزاع على الموارد.

رد فعل واشنطن الذي كشف علمها المسبق بالخطوة الروسية، على رغم أنها «فوجئت» بالتوقيت، جاء ليؤكد أن ما فعلته موسكو لم يتخطّ حدود الاتفاق على تلزيم «الحل» في سورية إلى الروس. فالأميركيون المنكفئون لديهم أولوية وحيدة: دحر تنظيم «داعش»، من دون اهتمام فعلي بما سيحصل لاحقاً، وهم سيتعاطون مع الوقائع المستجدة في وقتها، مثلما يفعلون في العراق، وقد يوافقون على الطرح الروسي الذي قبلته تركيا بتشكيل حكومة «وحدة وطنية» في سورية تشمل الأسد، على رغم ميلهم الى وجوب رحيله.

ومن الواضح أن إسرائيل أيضاً كانت على علم مسبق بالإجراء الروسي، وإلا لكانت رادارتها ستعتبر القاذفات «المجهولة» المنطلقة من إيران باتجاه سورية عبر العراق تهديداً مباشراً لأمنها، ولأطلقت صافرات الإنذار في مدنها.

لكن هل لنشر القاذفات الروسية الذي أكدت إيران أنه ليس دائماً، تأثير كبير على سير المعارك في سورية، وخصوصاً في منطقة حلب المستعصية على خطط موسكو وطهران؟

من المفترض أن تكون موافقة إيران على هذا الخرق الطوعي للسيادة الوطنية، ولو كان موقتاً، أملتها أسباب تفوق بأهميتها قرار السماح بنشر قوة أجنبية على أراضيها. صحيح أن هناك مصالح كبيرة مشتركة بدأت تتبلور بين موسكو وطهران بعد رفع العقوبات الدولية عن الأخيرة، لكنها لا تبرر وحدها مثل هذه الخطوة، إلا إذا كان الإيرانيون يستشعرون خطراً وشيكاً يتهدد ما يعتبرونه «معركة مصير» في حلب التي يستهدفها القصف الروسي بشكل خاص.

والواقع أن القوات الإيرانية، من «حرس ثوري» وميليشيات شيعية متعددة الجنسية، تلقت صفعة قوية في حلب قبل نحو أسبوعين عندما نجح المعارضون السوريون في فك الحصار عن شرق المدينة، ويواصلون هجماتهم في مناطق أخرى منها متوعدين بتحريرها بالكامل. وعنى ذلك أن القيادة الإيرانية لمعركة حلب تواجه صعوبات تدفعها إلى الاستعانة أكثر بالدعم الجوي الروسي، مع ما يستلزمه ذلك من القبول بمطالب روسية بينها استخدام القواعد الإيرانية، علماً أن خبراء عسكريين غربيين يعتقدون جازمين بأن هذا الانتشار لا يشكل فرقاً كبيراً على الصعيد العسكري، لأن القصف الروسي متاح من قاعدة حميميم ومن السفن المنتشرة قبالة الساحل السوري، ومن جنوب روسيا نفسها، ولم يمنع مقاتلي المعارضة من التقدم.

من الواضح أن نتائج معركة حلب أربكت حلفاء نظام الأسد، كونها فضحت عجز مرتزقة طهران، ودفعت موسكو الى استعراض مسرحي لقوتها بعدما عجز طيرانها وصواريخها عن حسم المواجهة، ذلك أن هدفها الفعلي تقديم دعم معنوي إلى إيران ونظام الأسد، وتوجيه رسالة إلى العالم بأن روسيا هي التي تدير معركة سورية، وأنها الطرف الأقدر على ملء الفراغ الأميركي في المنطقة.

اقرأ المزيد
١٨ أغسطس ٢٠١٦
لا تكن حاقداً أو نافخ فتنة .. لا تقُل أن فرق بين المشهدين “صليب” مسالم و “اسلام” متشدد !؟

لافرق بين المشهدين إلا تلك البسمة المرسومة على شفاه الجميع ، و تلك الطفلة التي تعيش بهدوء و سعادة وسط حضور كاهن يلعب دور المطمّئن، وفي نفس الوقت ينتشر جنود على شاكلة “الاحتلال الاسرائيلي” شكلاً و فوقونهم اجراماً و حقداً .

الفرق البارز بين الصورتين اذا ما قررنا المقارنة ، هو ابتسامة طفلة تدل على السلام الأمان ، بفضل حضور مجموعة من العساكر لا يحملون معهم قنابل أو تسبقهم طائرات، بل قالوا أنهم يحملون في شاحناتهم مساعدات و أغذية و بعض الألعاب، لضمان اريحية و حياة طبيعية لهم، و طبعاً كانت الغاية أن يظهر الأمر اعتيادياً عاماً، يشمل كل المناطق السورية التي وعد، “القيصر” الصغير الباحث عن “المجد” فلا ديمير بوتين، الشعب السوري به، على شاشات التلفزة و البيانات المصدرة من مكتبه أو مكتب آخر من مكاتب القتل الذي يسمى تجاوزاً بـ”الخارجية” تارة و “الدفاع” تارة أخرى.

و لكن الخطين المتصالبين ، على شكل الصليب الذي قيل أنه حُمل المسيح عليه ، أبى إلا أن يخرج و يكشف الحقيقة التي كسوريين لا نحتاج لتلك الهفوة كي تظهر، فهي منذ اللحظة الأولى و طوال المدة الماضية جميعها ظاهرة و معروفة و محسومة.

“حرب مقدسة “، “حماية المسيحين في الشرق” ، “سندافع عن وجودهم” ، لن يكون الشرق بدونهم ، ذلك ابان انطلاق العدوان الفلعلي من العدو الروسي في أيلول ٢٠١٥، و سبقه قبل سنوات قليلة دعم لدير الموت في صيدنايا “دير الشيروبيم” ، و لمناطق عدة لا مكان لذكرها خشية أن يتحول الموضوع لصراع ديني ، و إن كان هذا الصراع، جزء من الصراعات التي توجه إلى الشعب السوري منذ عقود طويلة أخذ منحاه الواضح خلال السنين الست الماضية.

بين المشهدين طفلة محمولة على يد والدته و هو ضاحك باسم مطمئن بجانب كاهن عسكري ، و في الصورة المقابلة كيسٌ أبيض صامت و ضجيج طائرات تواصل حوامها في السماء ، فداخل الكيس يضج ببقايا جسد طفل ، لم ينال حتى شرف البكاء من والدته التي لا زال البحث جارياً عن بقايا جسدها المتناثر ، في ساحة السوق الذي كان في أيام مضت سوقاً و بات مقبرة تائهة ، بلا شواهد لمدافنها ، فلا أجساد كاملة، و الجميع اختلط بالجميع و باتوا يشكلون “الجسد السوري” في المقبرة الكبيرة سوريا، و خطأ أن نقول سوريا ككل و لنقل أؤلائك “المسلمين” السوريين في الأراضي المسلمة في سوريا.

يقال لا تنفخ يا فتى ببوق الحقد و التشدد و الكراهية ، و تعامل مع الأمر من منظور انساني بحت ، و لاتشر إلى الدين أو الطائفة أو المنطقة الجغرافية ، كي لا تقع في المحظور و تضاف إلى قائمة القمئين ، “الحقيرين” و مداني التصرفات، و المنبوذون من العالم و المتحضرين و ذوي العقول المنفتحة، و اطرح القصة على أنها وجهان يمكن تواجدهما مساعدات و ابتسامات في منطقة مسالمة ، وقذائف و “قذارات” و قتل في مناطق تشهد صراع متعدد الأطراف ليس الروس وحدهم من فيه فهناك “المتشددون” الاسلاميون ، ونرجوا منك التركيز على الأخيرين.

في الحقيقة الدور المتحضر لا ينجح مع أمثالي ، لسبب بسيط ذكرته بالأمس عن قصة ، الرقم “٢٦” و المحتوى “طفل” ، بأننا “لايمكن الحديث بعنجهة أمام موت من النوع الذي نشاهده، فهنا الواقع يفرض نفسه بأن نسمي الأمور بمسمياتها، فهم يسعون لاذلالنا حتى في طريقة الموت، ، ليكون طموحنا فيما تبقى من حياتنا بأن تكون “النهاية أقرب” .”

اقرأ المزيد
١٧ أغسطس ٢٠١٦
بوتين في أنجرليك «الخليجية»

فارق «بسيط» بين قتال الفصائل المسلحة المعتدلة في سورية بأسلحة متواضعة وبلا غطاء جوي، و «نضال» الروس ضد مَن تسمّيهم موسكو «عصابات إرهابية»، من دون أي تمييز بين المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد، ومَنْ كانوا في «جبهة النصرة»، ومَنْ لا يزالون في صفوف «داعش».

فارق «ضئيل» بين قذائف «الهاون» في أيدي الفصائل والقاذفات الروسية الاستراتيجية التي اقتربت من مواقع «الإرهابيين التكفيريين» في سورية، باتفاق مع إيران، بعدما ارتضت فتح كل منشآتها للروس، لحسم المعركة في حلب.

هكذا بات القيصر في الخليج، ومن بحر قزوين إلى المتوسط يدشّن عرض عضلات نادراً منذ الحرب الباردة، فيما الأميركيون منهمكون بمعاركهم في حملة الانتخابات الرئاسية. وإذا صحّ القول أن الرئيس باراك أوباما اختار لتفادي التورُّط بالمستنقع السوري، «تلزيم» الحرب والحل إلى القيصر، فيصدق كذلك استنتاج صفعة قوية وجّهها الكرملين أمس إلى إدارة أوباما وسياسته «الناعمة»، حين كشف نشر قاذفات من طراز «توبوليف 22» في قاعدة جوية إيرانية، باشرت قصف مواقع في سورية.

في المشهد الأولي، تقتدي موسكو بواشنطن التي تستخدم قاعدة انجرليك التركية لقصف «داعش» في سورية. وإن باتت إيران تحت المظلة الجوية الروسية إلى حين، بذريعة خفض زمن طلعات الطيران الروسي الذي يستهدف مسلّحي التنظيم في الأراضي السورية، فما لا يحتاج إلى أدلة هو توافق موسكو وطهران على سحق كل معارضة للنظام السوري ترفع السلاح في وجهه.

الأهم، عشية بدء عمليات «توبوليف 22» من القاعدة الجوية الإيرانية، هو توافق موسكو وطهران على طمأنة أنقرة، وتحييد مصير الأسد عن أولوياتها، في مقابل سحب ورقة التشجيع الروسي لإدارة كردية في شمال سورية، بما يرضي تركيا وإيران معاً، وعدم ممانعة الرئيس رجب طيب أردوغان في درس تدويل الرقابة على الحدود التركية- السورية. الهدف الواضح هو قطع شرايين التسليح والتمويل، ولكن، مرة أخرى يجدر التساؤل عن المتضرِّر الأول والثاني، «داعش» وحده أم كذلك «جبهة فتح الشام» والفصائل التي كسرت حصار النظام السوري للأحياء الشرقية في حلب؟

بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، تبدّل موقع أنقرة في حسابات «التسوية» السورية، انطلاقاً من التقارب الروسي- التركي الذي شجّع أردوغان على قبول سيناريو «حكومة الوحدة الوطنية» في دمشق، والتي لا تقصي الأسد، ضمن مهلة محددة. باتت وحدة سورية أولوية، باتت معادِلة لوحدة تركيا التي حرص الأميركيون على تسريب «مخاوف من حرب أهلية» فيها، و «قلق» على مصير أسلحة نووية مخزّنة في قاعدة إنجرليك.

وقبل الحديث عن المبادئ الثلاثة للحل في سورية، وعن التوافق بين موسكو وطهران وأنقرة، كانت التلميحات التركية الى «مفاجآت»، بعد نفي توجُّه أنقرة الى التطبيع مع نظام الأسد. «توبوليف» في همدان أم «المفاجآت» التي تطلق يد القيصر فلاديمير بوتين في رسم ما يعتبره ملامح لنظام دولي جديد، فيما واشنطن منكفئة الى قوتها «الناعمة».

وبين غرفة عمليات روسية- إيرانية- عراقية، وتنسيق روسي- إيراني- تركي، و «قاعدة» قرب همدان بعد طرطوس وحميميم، يستعجل القيصر حسم المعركة. إنها الخريطة الجديدة لنفوذ الكرملين، عدّل أول خطوطها في شبه جزيرة القرم، قبل استنساخ الأرض المحروقة في الشيشان لملء الفراغ «الأميركي» في الشرق الأوسط.

لا تتعفف طهران عن «تلزيم» موسكو مهمة سحق معارضي الأسد، ما دامت اعتبرت سورية محافظة إيرانية، لكنّ العرّاب الروسي الذي أدخلها «نفق» التفاوض مع الغرب لطيّ الملف النووي، مثلما قايض بقاء الأسد بنزع الترسانة الكيماوية السورية، يثبت بجدارة أنه تلقّف رسالة «تصدير الثورة» الإيرانية، وأرخى مظلة روسية على «الهلال الشيعي»... ليستعيد المبادرة في مواجهة «زحف الحلف الأطلسي» إلى شرق أوروبا.

صواريخ «مجنّحة» روسية في أجواء العراق وإيران، لضرب «الإرهاب» في سورية. لا مواجهة بين كبار الحرب الباردة، وما يتطلع إليه بوتين بات أبعد بكثير من استئصال دولة «داعش» بين دجلة والفرات.

صواريخ وبوارج وقاذفات تفتح أجواء المنطقة العربية ومياهها للقيصر العائد بخيبات أوباما. ولن يكون مفاجئاً أن يدعم الدور الإيراني في اليمن، فيما لا تفوّت الأمم المتحدة فرصة إلا وتشكّك في شرعية تحرُّك التحالف العربي في مواجهة الانقلاب على الشرعية.

بداية النهاية؟ الصراع على النظام العالمي الجديد في بداية فصل آخر.

اقرأ المزيد
١٧ أغسطس ٢٠١٦
لا «صفقة» روسية ناجحة لتسويق «بقاء الأسد»

كان الخصام الناشب حالياً بين تركيا والولايات المتحدة سبباً وجيهاً لتزخيم احتضانٍ روسي ثم إيراني لرجب طيب أردوغان، بعدما أشعرته موسكو في الخريف الماضي، بعقوباتها وإشهارها العداء له غداة إسقاط «السوخوي»، بأنها في صدد شطب تركيا من أي معادلة نفوذ إقليمية خاصة بسورية. خلال تلك المحنة، بخسائرها الاقتصادية المحققة وتداعياتها السياسية غير القابلة للضبط، لم يبذل «الحليف» الأميركي أي جهد لطمأنة أنقرة ولم يخرج «الناتو» عن تضامنٍ معنوي غير مجدٍ. لم تكن تلك المرّة الأولى التي يشعر فيها الأتراك، منذ بدء الأزمة السورية، بأن واشنطن تخذلهم وتعرقل كل خططهم مع حلفائهم العرب، وفيما تكبّل أي دعم للمعارضة السورية بكمٍّ هائلٍ من الشروط إلا أنها تتعايش مع كل التدخّلات الأخرى أو تشجّعها، سواء كانت روسية أو إيرانية أو إسرائيلية.

ومع أن أنقرة لم تتبنَّ بعد رواية علنية متكاملة لـ «الدور الخارجي» في المحاولة الانقلابية، إلا أنها مقتنعة على الأقل بأن روسيا وإيران كانتا خارج «المؤامرة». ولعل وقوع المحاولة بعد أسبوعين على توقيع اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل حال دون الاشتباه بالأخيرة رغم اتهامات سابقة لها بعلاقات مع جماعة فتح الله غولن. لذلك بقيت فرضية الدور الأميركي قوية، شرط التوصل الى إثباتها، وبالأخص تحديد دوافعها وأهدافها. خلافاً للعواصم الأوروبية التي اشتبكت سياسياً وإعلامياً مع أنقرة على خلفية حملة «التطهير» العسكرية والمدنية لـ «الغولنيين» المفترضين واحتمال معاودة العمل بعقوبة الإعدام، التزمت واشنطن لهجةً نقديةً غير مستفزّةٍ لعلمها بأن البلدين مقبلان على مرحلة شائكة وأن الأفضل احتواء الصعوبات ديبلوماسياً بدل مفاقمتها بالمساجلات العلنية. ويكفي أن أردوغان قصد سانت بطرسبرغ للقاء فلاديمير بوتين، وسط تصاعد مشاعر العداء لأميركا في الشارع التركي.

هل يكفي ذلك لافتراض أن هذا اللقاء حصل فعلاً عند مفترق طرق لتركيا؟ هناك من ذهب بعيداً في المقارنة بين اللحظة الأردوغانية الراهنة واللحظة التي اتجه فيها جمال عبد الناصر نحو الاتحاد السوفياتي، رغم اختلاف الظروف، وحتى اختلاف الرجلَين. فمهما بلغت المرارة عند الرئيس التركي، فإنها لا تحجب براغماتيته، ثم أن مصالحته مع بوتين كــانت دخلت صلب سياسته الجديدة قـــبل محاولة إطاحته، ولا شك في أنه يعرف ماذا يريد من روسيا وماذا يريد بوتين منه، وعلى افتراض أنه يــــرغب في إحداث تغييرٍ ما في خيارات تركيا إلا أنه لا يستطيع المـــقامرة بمصالحها مع الغرب لقاء مكاسب لن يقدمها بوتين مجرّدة من التوظيف الاستقطابي.

عدا استعادة التبادل التجاري وإحياء المشاريع الكبرى مع روسيا، وهذان فيهما مصلحة للطرفين، وعدا تبعات المحاولة الانقلابية التي يمكن أن تكون لدى موسكو معطيات استخبارية مفيدة في شأنها، فلا شك في أن الهمّ الرئيسي الذي يشغل أردوغان له عنوان معروف: المسألة الكردية. وبات الشأن السوري يأتي بعدها أو في سياقها.

وفي الاثنين، لم يكن الأميركيون واضحين ولا مطمئنين ولا متعاونين، بل على العكس بالغوا في اللعب بـ«الورقة الكردية» سورياً الى حدّ ساهم في إشعالها تركياً، حتى أن معيار «الإرهاب» الذي أشهرته أميركا واوروبا ضد «حزب العمال الكردستاني» (بي كي كي) لم يعد قائماً رغم العمليات التي ارتكبها في العديد من المدن. وقد انتقدت أنقرة مراراً الدول الغربية واعتبرت أنها تكيل مواقفها من الإرهاب بمكيالَين. لكن القلق التركي تحوّل هلعاً مع ظهور توافق- وأحياناً تنافس أميركي - روسي للاعتماد على الأكراد كطرف وحيد صالح لمحاربة «داعش».

لم تكن تركيا وحدها التي استشعرت الخطر. فإيران ونظام بشار الأسد كانا استخدما «بي كي كي» وفرعه السوري لمناكفة تركيا، ونسّقا تحركاته مع انتشار تنظيم «داعش» لضرب المعارضة، إلا أنهما وجدا هذه الورقة تنزلق من أيديهما لتستقرّ عند الأميركيين في استخدامهم الأكراد لضرب «داعش». ثم وجدا أن موسكو فتحت خطّاً مع الأكراد، ورمت فكرة «الفيديرالية» لتعرب عن انفتاحها على مشروع الإقليم الكردي، كما وافقت على ممثلية لـ«حزب الاتحاد الديموقراطي» وتبنّت بإصرار تمثيله في وفد المعارضة الى مفاوضات جنيف رغم علمها بأن لا موقع له في المعارضة التي تقاتل النظام.

وبعدما أدارت طهران ودمشق فرع «بي كي كي» السوري لإضعاف المعارضة أولاً، ثم لتوظيف «إقليمه» المفترض كقاطرة للتقسيم وفقاً لرؤيتهما، إذ بهما الآن يتقاسمان المخاوف نفسها مع تركيا، وإذ بالتوافق على «وحدة سورية» يصبح أبرز رسائل زيارة وزير الخارجية الإيراني لأنقرة. ولعلها مرّة أولى ونـــادرة تُظـــهر فيها إيران اهتـــماماً رسمياً بـ «وحدة» بلد يواصل فيه حليفها الأسد مع ميلــيشياتها، خصوصاً «حزب الله»، تنــفيذ مشاريع لاقتلاع السكان والتغيير الديموغرافي.

هل يعني ذلك أن إيران تخلّت نهائياً عن اللعب بالورقة الكردية؟ ربما. لكن ماذا عن روسيا، فهل تستطيع توفير ضمانات لتركيا بمعارضة إقامة إقليم كردي على شريطها الحدودي مع سورية، وهل تستطيع احترام ضمانات كهذه مع علمها بأن أميركا تريد مكافأة الأكراد على محاربتهم «داعش»، وبالتالي إذا قرّرت وضع «فيتو» على الإقليم فمقابل ماذا؟... ثمّة أولوية روسية الآن، وهي عدم الفشل في سورية. لكن تجربتها خلال عام لم تأتِها سوى بمؤشّرات نجاح ضئيلة تدين بمعظمها لتواطؤ- تعاون أميركي. صحيح أنها من نوع الدول التي تقتل المدنيين بدم بارد وتدمّر المستشفيات والمدارس والمخابز بلا تردّد، ولا تهزّها اتهامات بجرائم حرب، إلا أن كل ذلك يورّطها أكثر مما يسهّل مهمتها. والمؤكّد أنها لم تعد ترى إمكاناً للنجاح بالاعتماد على قوات النظام المتهالكة أو على ميليشيات مهووسة بالأجندة الإيرانية. وحتى حصار حلب، الذي ساهمت فيه بعدما كانت ترفضه، ارتدّ على حلفائها في شكل أتاح لأردوغان المجيء الى اللقاء مع بوتين واثقاً وليس صاغراً.

مع ذلك، شكّل ذلك اللقاء فرصة لمعاينة إمكان استقطاب تركيا سورياً، فهي كانت خفّضت منذ تنصيب حكومتها الحالية من حدّة مطالبتها بـ «رحيل الأسد»، وأبدت استعداداً لشيء من الانفتاح على نظامه. وقبل ذلك، كانت تركيا لبّت كل الشروط الأميركية سواء بحجب الأسلحة النوعية عن المعارضة «المعتدلة» أو بالضغط لمنعها من توسيع رقعة سيطرتها الى مناطق حسّاسة مذهبياً أو حتى للتعامل بمرونة مع محدّدات للتفاوض وللحل السياسي تعتبرها المعارضة مجحفة. وبما أن هذه الشروط كانت منبثقة أساساً من التفاهمات الأميركية - الروسية، فإن أي «تنازلات» إضافية، ومنها خصوصاً عدم الخوض بـ «مصير الأسد» رحيلاً أو بقاءً، أو تأجيله أو حتى تجاهله، تستطيع موسكو المساومة عليها مع واشنطن أو أنقرة أو سواهما، ولا يمكنها إجبار المعارضة على قبولها.

كانت روسيا تصوّرت، أو صوّر لها النظام والإيرانيون، أن حصار حلب كافٍ لتصفية المعارضة وتمرير «حلّهم» السياسي المنشود. وقد تكون المداولات الأخيرة مع الأميركيين، والليونة المستجدّة في مواقف تركيا (قبل زيارة أردوغان)، ساهمت في تشجيع الروس على هذه المغامرة. لكن إذا كان الأميركيون يخذلون المعارضة السورية تفادياً لأي تنازل لروسيا في مكان آخر (اوكرانيا مثلاً)،فإن الأتراك لا يملكون خياراً كهذا لأن التخلّي عن المعارضة أو التورّط بتصفيتها يعني خروجهم من المعادلة بإرادتهم مع وجود أكثر من مليونَي لاجئ سوري لديهم. وعدا أن الروس يتجاهلون أطرافاً معنيّة أخرى، عربية وغير عربية، فإنهم بإصرارهم المحموم على بقاء الأسد يفتقدون لأبسط قواعد التسويق، اذ ليست لديهم حتى الآن أي «صفقة» يعرضونها على الآخرين لقبول بقاء هذا الرجل ونظامه، وليست لديهم صيغة خلاقة لحل سياسي متوازن. فتارة يعرضونه لقاء «محاربة الإرهاب»، وتارةً أخرى لقاء «هدنة 3 ساعات»، وطوراً لقاء إطلاق المفاوضات أو إدارة مرحلة الاستنزاف في انتظار الإدارة الأميركية المقبلة. وعندما تكون السلعة مضروبة، فلا عجب أن يكون الإتجار بها فاشلاً.

اقرأ المزيد
١٧ أغسطس ٢٠١٦
رقم “٢٦” و المحتوى “طفل” .. هذا ما تبقى منّا بعد أن مُزقنا….

قد لا يكون المشهد الأول ، ومن الواضح أنه لن يكون الأخير ، و لكن هل يجب علينا الاعتياد و تقبل أن نكون عبارة عن أرقام تكتب على الأكفان يرفقها وصف لفئتنا العمرية ، ويضيع الاسم و الكنية ..!؟

قد لا يكون مشهد استثنائي أو غريب ، على الشعب السوري ، و لكنه ليس مفروض علينا أن ننظر إليه على أنه شيء حدث و انتهى ، مجزرة افتعلها القتلة و جفت دمائها المادية و دخلت الأرشيف القمئ، بل هي حالة تغرس في أحشائنا و تنمي حقد متضطرد و متزايد، لن يكون اطفاءه إلا من خلال ابادة الذرية بأكمالها، و قلب الأرض التي شهدت هذا الأمر ، حتى يكون هناك بصيص أمل أن أحدا ما في زمان ما يستطيع العيش على أرض شهدت ابادة أهلها، بهذه الطريقة المذلة.

اليوم الصراع الذي اتخذ منحى تكسير الرؤوس، بين القوى العالمية الكبيرة منها و الصغيرة وحتى الناشئة، بتكاليف بسيطة دون أي خسائر تذكر على أرضهم أو شعوبهم أو تمس الحاضر الذي يصنع التاريخ في المستقبل.

تتوعد الدول بعضها على المنابر المتباعدة ، وتلتقي بسلامات حامية ووعود بالتوافق و السعي للوصول إلى حل ، في حين يكون العسكر يمارسون الهواية الوحيدة التي يتقنون ، ألا وهي القتل، و لكن القتل الذي يسير وفق منحى متعاظم من القذارة، بحيث تكون جثة القتيل متواجدة أو الجزء الأكبر منها موجود، هو حلم يصعب المنال.

اليوم المشاهد الآتية من المجازر التي تجتاح سوريا ، و تحديداً حلب و ادلب، لايمكن لوصف مجزرة أن يحتوي أو يغطي جزء من حجم الفظاعة ، فلا أجساد كاملة ، ولاهويات معروفة ، و لا أحد يبحث عن الجثامين أو يطالب بها ، فهنا الابادة تتم لعوائل بأكملها، فلا صريخ بعدها ولا عويل ، فالموت يصيب الجميع بالسبات .

تنقل الجثامين إلى أشباه المشافي ، و تكفن على عجل و يكتب على غلافها رقم غبي ، و اشارة لكل ما يمكن الحصول عليه ، جنس أو عمر في الغالب و في أحسن الأحوال اسم يتم الاستحصال عليه من ناج من فك الموت، شاء القدر أن يبقى حياً ليقدم خدمة أخيرة للشهيد، بأن يُكتب اسمه على كيس الدفن.

لايمكن الحديث بعنجهة أمام موت من هذا النوع ، فهنا الواقع يفرض نفسه  بأن نسمي الأمور بمسمياتها، فهم يسعون لاذلالنا حتى في طريقة الموت، ، ليكون طموحنا فيما تبقى من حياتنا بأن تكون النهاية أقرب .

اقرأ المزيد
١٧ أغسطس ٢٠١٦
داعش وقسد وجهان لعملة واحدة

في مؤتمر جنيف أصر وفد سلطة الأسد أن يدرج بند محاربة الإرهاب قبل الدخول في مناقشة أي بند آخر مع وفد المعارضة.

الحق أقول لكم أنا استسخفت هذا الطلب من وفد السلطة، وقلت لحالي: هذا الوفد يظن نفسه " صيّاد غُشُم ".. هل يُعقل أن توافق الأمم المتحدة الطاهرة العفيفة.!!، وهل يُعقل أن ترضى أميركا حاملة راية حقوق الإنسان، والمناصرة للشعوب المضطهدة على مثل هذا الطلب الخرافي.!؟.
ولكن الذي ظهر فيما بعد أنني أنا الذي كنت غشيماً حقاً، ولم أفهم كم هي حقيرة تلك اللعبة التي كانت تُلعب في تلك الأيام. فبعد سنوات من المماطلة والأخذ والرد ذاب الثلج وبانت الحقيقة المرة.
فاليوم لا أميركا ولا الأمم المتحدة أصبح يهمها مصير الشعب السوري ولا مآسيه التي تتراكم يوماً بعد يوم بفضل همجية الروس وحقد الأسد. كل ما يهم الجميع اليوم هو محاربة الإرهاب، وعلى رأسها داعش.
منهجية أميركا تكمن في شعارها المطروح " محاربة داعش دون الأسد ". وهدف روسيا هو محاربة الإرهاب، بأشكاله وألوانه من أجل حماية الأسد. والقصد أولاً وأخيراً هو تمزيق سورية كوطن وإبادة الشعب السوري قتلاً وتشريداً، لتخلو الساحة لفئتين، ولا ثالثة لهما، فئة الأسد وتابعيه، وفئة صالح مسلم وحزبه الديمقراطي الكردي، فهما الفئتان المؤهلتان لتمزيق سورية.
ولكي تنجح أميركا في نواياها غير الطيبة، توجهت لصناعة معارضة " عزّ الطلب "، بحيث تملك جيوشاً لا هم لها سوى محاربة الإرهاب.. ولا أريد هنا أن أذكر جيش أحمد الجربا ولا جيش جمال معروف أو غيرهما، وإنما أركز فقط على تصنيع صالح مسلم وقواته الكردية.
في بداية الثورة كان صالح مسلم واحداً من هيئة التنسيق السورية، وحينما لم يصنعوا له مركزاً مرموقاً بالهيئة يليق بمقامه العالي، غضب وانسحب وتوجه نحو الشمال السوري، حيث كان ينتظره دوره المرسوم والمقرر من قبل السياسة الأميركية. وهناك وضعت أميركا صالح مسلم على سرير الفحص السياسي وقامت بمعاينته، فوجدته مؤهلاً جسدياً وعقلياً لتنفيذ ما تريده تلك الــ أميركا من مخططات لتخريب الوطن السوري، وتغافلت عن أن حزبه الديمقراطي الكردي هو الفرع السوري لحزب العمال الكردي، والمصف عالمياً في قائمة الإرهاب.
في تلك الأثناء بدأ الجيش الحر يفرض سيطرته على مناطق متعددة في الشمال السوري، وفجأة ظهر تنظيم الدولة الإسلامية قادماً من الشرق العراقي لإعلان الخلافة الإسلامية.!!، ولكنه لم يتوجه لمحاربة سلطة الأسد، وإنما راح يسلب الجيش الحر ما يملكه من أراض متحررة..
وفجأة ظهرت قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني " البا يا دي " بقيادة صالح مسلم، وبدأت تفرض وجودها في أرض الشمال السوري، وتتحدث عن الإدارة الذاتية كمقدمة لتشكيل الدولة الكردية المنشودة، وهذا ما دعاها لفرض التجنيد الإجباري على الشباب الكردي، وأخذت بنصيحة الفكر الأميركي والغربي الذي يهوى الحديث عن المساوة بين الجنسين، فسارع إلى تجنيد البنات الكرديات كظاهرة حضارية، ولا بأس لو اختطفهن من بيوتهن وتجنيدهنّ غصباً عن عنهن وعن أهاليهن. كما أخذ بنصيحة علماء النفس الإعلاميين بإظهار الكرديات المجندات بمظهر حضاري رائع، حتى ولو كنّ في قلب المعركة، والمظهر هو في غاية الأناقة والنظافة والتهذيب والتصرف الحيادي التام تجاه الجنس الآخر، حتى ليظن المشاهد أن تلك المجندات الكرديات، وكذلك المجندين، ليس لهن أجهزة تناسلية.
ومثلما فعل الإعلام العالمي في تمويه وتحسين صورة مجندات البا يا دي، كذلك فعل العكس بــ " حريم " الإرهابيين اللواتي نشط الإعلام العالمي في تشويه صورتهن، وانتشر مصطلح " جهاد النكاح " كما تنتشر النار في الهشيم، حتى تحولت نساء أولئك " الإرهابيين " لمجرد جسد حيواني لإشباع غريزة أمراء الجماعة.
وقد نسج الإعلام آلاف الحكايات الكاذبة حول جهاد النكاح، حتى أن إحدى المراسلات الشهيرات بمواقفها الصادقة وأمانتها الإعلامية، وبعد تغطيتها لأحداث الثورة في بعض المناطق المحررة بصورة مهنية سليمة.. هذه المراسلة لم تسلم من ألسنة السوء، فقامت بتشويه صورتها الإعلامية، وادعت أنها قدمت جسدها الجنسي طائعة راضية لأمير إحدى الجماعات الإرهابية، إيماناً منها بمبدأ " نكاح الجهاد ".
ويبدو أن صالح مسلم قرأ التاريخ جيداً، وأدرك أن الأسلوب الدكتاتوري هو الأقدر على البقاء والنجاح، فقامت ميليشياته بتصفية معارضيها، كما فعلت حين اغتالت السياسي الكردي " مشعل تمو " الذي كان يسعى إلى حصول الأكراد على حقهم الطبيعي ضمن الدولة السورية الواحدة، كما قامت مؤخراً بنفي إبراهيم برو رئيس المجلس الوطني الكردي في سورية.. ثم راحت هذه القوات ترتكب المجازر في المناطق والقرى العربية وتحرق وتدمر وتهجر سكانها العرب والتركمان وغيرهم، تمهيداً لقيام دولة ذات عرق كردي نقي.
كل ذلك كان بإشراف أميركا ورعايتها ومساندتها ومساعدتها ومد الميليشيا الكردية بالمال والسلاح، حتى أصبحت قوة ضاربة في الشمال السوري إلى جانب قوة تنظيم الدولة، لاسيما بعد هيمنتها على مدينتي عين العرب وتل أبيض، وطرد تنظيم الدولة منهما. أما قوة الجيش الحر فقد انطحنت في تلك المناطق برحى القوتين المذكورتين.
حين رفعت أميركا شعار محاربة داعش دون الأسد، تقدمت قوات البا يا دي للقضاء على هذا التنظيم الإرهابي، ولا باس لو شاركها بالحملات العسكرية بعض العربان والسريان والتركمان الهامشيين، كنوع من التطعيم التعددي.!!. دون أن يكون لهم أي كلمة أو رأي، وقد أطلق على هذه القوة اسماً تمويهياً، هو " قوات سورية الديمقراطية " والتي عرفت فيما بعد باسم " قسد "، تيمّناً بتحويل اسم دولة العراق والشام الإسلامية إلى " داعش "..
وأخيراً جاء دور مدينة منبج لتخليصها من براثن داعش. ومن هو المؤهل لذلك غير " قسد ".!؟. وهكذا انطلقت قسد تحت سقف راية الحزب الديمقراطي الكردي، وتخلصت منبج بعملية أسطورية فاضحة، هي أشبه بسيناريو فيلم هندي من النوع البطولي الخارق.
هذا الانتصار الباهر طبّل له المطبّلون وزمّر له المزمّرون، ودبك له الدابكون، ومنهم الفرنسي " هوبير " الذي قاتل مع الميليشيا الكردية في منبج، وهو يعدّ نفسه من أهل البيت الكردي حين يقول: إنّ تحرير منبج بمثابة انتصار، والنقطة المقبلة ستكون مدينة عفرين في حلب ". كما أن أحد قادة الميليشيات الكردية أهدى النصر في منبج إلى عبد الله أوجلان رئيس حزب العمال الكردستاني الإرهابي.
وفرح الكثيرون ممن يدعون الانتماء إلى المعارضة السورية بذلك، بعد أن استحمّت عقولهم بظاهرة " محاربة الإرهاب "، ولم يدركوا أن منبج تخلصت من براثن طير البوم لتقع في شباك ذئب ضار، وإن قوات سورية الديمقراطية تخطط لقيام دولة كردية تكتسح الشمال السوري كله.
وسواء نجح التخطيط أم لم ينجح، المهم هكذا يفكر صالح مسلم وحزبه، وإنه لو نجح فلسوف يبقى الصراع بين العرب والكرد إلى أبد الآبدين، وقد وعى هذه المسألة الشرفاء من الأكراد، ومنهم ´جيان عمر " الناطق باسم تيار المستقبل الكردي حيث يقول في برنامج تلفزيوني حواري: إن قوات سورية الديمقراطية مكونة، من ميليشيات كردية وأخرى تابعة للنظام، وهذه القوات ترتكب العديد من الانتهاكات ضد الآخرين، وقال أيضاً، وهنا بيت القصيد، أنا لست سعيداً في أن تحل قوات سورية الديمقراطية محل داعش، فكلاهما منظمتان إرهابيتان. ".
طبعاً تحرير.!!. منبج أفسعد بعض القنوات الغربية والعربية ومواقع التواصل الاجتماعي، فقوات سورية الديمقراطية هي المخلص من آلام داعش، وقد أظهرت هذه القنوات والمواقع صوراً تظهر بعض الناس وهم يحلقون ذقونهم في الشوارع، وصوراً أخرى لنساء يدخنّ السجائر، تعبيراً عن الحرية التي حصلنَ عليها في ظل قوات سورية الديمقراطية، وكلها سيناريوهات مفبركة وكاذبة.
وأخيراً أثبتُ منشوراً قصيراً كتبته على صفحتي في التواصل الاجتماعي، فهو يعدُ خلاصة لكل ما سبق:
" منذ عدة أيام تحررت.!! منبج من داعش.
رقص العالم بالمحْرَمتين، وانشغل بهذا الحدث التاريخي.
وشربت العجوز المنبجية السيكارة احتفالاً بهذه المناسبة العظيمة.
حتى وزير الدفاع الأميركي هنأ قوات صالح مسلم الكردية على هذا النصر العظيم.
ولكن المفارقة أن الجيش الحر استطاع البارحة أن يحرر بلدة " الراعي " على الحدود التركية، ويطرد داعش منها، لكن العالم صمت، كما لو أن هرّة جائعة أكلت لسانه.
من هنا أقول: لو أن الجيش الحر طرد داعش من منبج ، فإن العالم سوف يصمت بالتأكيد، وسوف يطنّش ويدعي أنه لا علم له بذلك.!. ".
سؤال أخير لا أريد جواباً عنه: لماذا ساهمت طائرات التحالف مع الميليشيا الكردية بضرب داعش في منبج، ولم تساهم مع ثوار الجيش الحر بضربه في بلدة الراعي.!؟.

 

اقرأ المزيد
١٦ أغسطس ٢٠١٦
نصرالله بعد حلب: خطاب الهزيمة

توجه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مباشرة إلى جبهة النصرة وتنظيم داعش، بصفتهما تنظيمين مسلمين وليسا تكفيريين… بصفتهما مستغلين من قبل الإدارة الأميركية وليس بصفتهما وهّابيين وقتلة ومجرمين، كما خاطبهما سابقا بصفتهما عدوين لإسرائيل. رغم أنّه هو من قال إنّهما أخطر من إسرائيل وفي خدمتها. فما قاله أمين عام حزب الله في خطابه السبت، وانطلاقا من هذه الرسالة، هو إقرارٌ ضمنيٌ بأنّ وجود حزبه في سوريا بات ثقيلا على مجتمعه. وهو الذي أقرّ أخيرا بأنّ ما هو منخرط فيه من قتال في سوريا هو فتنة. علما أنّه كان يبشر بانتصارات محور المقاومة، ويثني على الحليف الروسي في سوريا ودوره في مواجهة الإمبريالية. لكن أيضا هو نفسه قال عن معركة حلب إنّها ستغير المعادلة الإقليمية، وبشّر بانتصار محور المقاومة قبل أسبوعين.. أمّا يوم السبت فقد غابت حلب ومعاركها عن خطابه؛ حلب التي انتفضت ضد الحصار، ووجهت صفعة إلى النظام وحليفيه الروسي والإيراني، وفعلا قلبت هذه المعركة المعادلة وأظهرت أنّ انكسار الفصائل المعارضة ليس ممكنا أمام حلف الممانعة، بل فتحت الآفاق لإحداث تغيير جديّ يجعل من مصير بشار الأسد، صديق نصرالله وحليفه، على طاولة البحث الجديّ.

الفتنة التي سماها نصرالله إيران شريك أساسي فيها، والاستقتال في محاربة المعارضة السورية المعتدلة والدفاع عن بشار الأسد، هما أبرز مقدمات الفتنة هذه وأدواتها التي فجرت غضبا عربيا إسلاميا ضد هذا السلوك وضد أيديولوجيته التي استهانت بخيار الشعب السوري لصالح كذبة يعرفها الجميع في سوريا. كذبة أنّ بشار الأسد ونظامه معاديان لإسرائيل. لقد جرى تدمير سوريا وقتل المئات من الآلاف لأجل بشار الأسد. هذه هي الحصيلة التي يجب أن تكون واضحة للجميع. إذ أنّ هذه الحرب، التي استماتت إيران من أجل حماية نظام الأسد خلالها، باتت اليوم تدرك أنّ بقاءه ووجوده رهن اتفاق أميركي روسي، فيما إسرائيل التي دمر الإيرانيون وحلفاؤهم سوريا بحجة مواجهتها، باتت أقوى في قلب سوريا وبفضل شعارات المقاومة والرعاية الروسية. إسرائيل هذه تقصف ما تشاء في سوريا، ولا يتجرّأ لا الجنرال قاسم سليماني ولا السيد نصرالله على الرد، ولا نقول الأسد لأنّه يدرك أنّه تحت حماية ورعاية إسرائيل التي لم تزل بحاجة إلى المزيد من تدمير سوريا.

معركة حلب كشفت إلى حدّ بعيد كم أنّ حزب الله، الذي طالما ادّعى أنّه يرسم خارطة المنطقة الإقليمية بقوته، بات خارج المعادلة. يلتزم بما يقرره الضابط الروسي في المعركة، ويلتزم بحسابات السياسة الروسية. واللعب مع السياسة الروسية ليس مقبولا ولا مسموحا به. يعرف نصرالله جيدا أنّ روسيا هي من قدّم الضمانات لإسرائيل بعدم المسّ بمصالحها الاستراتيجية في سوريا. ليست واشنطن ولا أعداء إيران، بل حلفاؤها، وإسرائيل تستخدم وجود حزب الله لحماية حدودها الشمالية. هكذا يقول أعداء حزب الله في داعش والنصرة. لذا يمكن أن يصحّ الاتهامان بحق “داعش” و”النصرة” في خدمة الأميركيين لضرب “مشروع المقاومة” كما قال نصرالله. وحزب الله يحمي حدود إسرائيل، ويشكل حاجزا طبيعيا أمام كل من يريد أن يقاتل إسرائيل عبر الحدود اللبنانية، كما يتهمه خطاب التنظيمين المذكورين.

لكن يبقى السؤال: لماذا توجه نصرالله إلى هذين التنظيمين في رسالة تنطوي على دعوة للتعقل وعدم الاستغراق في “الفتنة”؟

ربما أدرك نصرالله أنّ التحولات الإقليمية ليست لصالح حليفه الأسد، وأنّ التلاقي الروسي التركي، كما مقدمات التقارب الإيراني التركي، ليست لصالح الأسد. وأنّ التسوية مهما كانت مجحفة بحق الشعب السوري لن تكون لصالح بقاء الأسد. أدرك نصرالله أنّ فكرة الانتصار لبقاء الأسد طويت من الحسابات الإقليمية والدولية التي راهن عليها، وبالتالي بدأ متأخرا في البحث عن مسار للحدّ من الخسائر. ولا سيما أنّ مئات الآلاف من السوريين في حمص وفي ريف دمشق وغيرهما، لا يزالون مشردين وفي اقتناعهم أنّ حزب الله سبب ما هم فيه فضلا عن نظام الأسد، وليس لدى نصرالله ما يقوله لهم وهو يطالب أعداءه بالعقلانية واستلهام سيرة النبي محمد (ص).

ما قاله نصرالله حول سوريا في خطابه الأخير هو تلميح إلى المصالحات والتسويات ووأد الفتنة بعد إدراكه استحالة الانتصار؛ هو خطاب انقلابي على كل ما قاله عن هذه الحرب المقدسة. وها هو يخاطب مسلحي داعش والنصرة وغيرهما حرفيا “إذا عندكم، حقا، مازال هناك شيء من الإسلام، هناك شيء من الحب للنبي، هناك شيء من العلاقة بالقرآن، أوقفوا هذا القتال لمصلحة أميركا في المنطقة، أوقفوا هذا القتال، ألقوا هذا السلاح، نتكلم بمصالحات، نتكلم بتسويات، ربما يكون هذا الكلام فيه مبالغة، نعم أنا أدعو اليوم كل أولئك الذين لا يزالون يحملون السلاح، ونحن نأسف عليهم ونأسى لهم… هذا ما ندعو إليه اليوم أمام كل المعارك الموجودة في المنطقة. العلماء الحكماء العقلاء الفهيمون، الناس الحريصون على هذه الأمة، الذي يستطيع أن يقول كلمة، الذي يستطيع أن يجري اتصالا، الذي يقدر أن يبذل جهدا، يجب أن تتوافر كل الجهود لوأد هذه الفتنة القائمة في الأمة وفي المنطقة”.

هل يكفي هذا الخطاب كي تتمّ الاستجابة له؟ يدرك حزب الله أنّ التئام الجراح يبدأ بالاعتراف بأنّه أخطأ، وغير ذلك فالعداء سيستمر والشرخ سيتعمق، وكل ذلك “كرمى” لنظام الأسد.

اقرأ المزيد
١٦ أغسطس ٢٠١٦
من حرب تموز إلى حرب سورية: انحراف البوصلة

مرت عشر سنوات على حرب تموز (يوليو) 2006. خلال هذه الأعوام، حصلت تطورات كثيرة لعل أبرزها انخراط المقاومة وحزب الله تحديداً، في الحرب السورية. عشر حقائق يجب تسجيلها تشير الى انحراف بوصلة المقاومة الى غير الأهداف التي قامت من أجلها.

الحقيقة الأولى، أن حرب تموز كانت فعلين متوازيين: حرب أميركية - إسرائيلية ضد سورية وإيران، وحرب إيرانية - سورية ضد إسرائيل. أي لم تكن فعلاً ورد فعل. الأطراف جميعها استخدمت الأرض اللبنانية لتصفية الحسابات، و استُخدم حزب الله في خوض الحرب.

الحقيقة الثانية، أن المقاومة وحزب الله خاضا معارك بطولية في وجه العدو الإسرائيلي، بما كبده خسائر لم يتكبدها في حروبه العربية. وهذه صفحات مجيدة ومضيئة في تلك الحرب، من حق اللبنانيين والعرب الفخر بها.

الحقيقة الثالثة، إعلان حزب الله أنه حقق نصراً إلهيا في تلك الحرب، وهو إعلان بعيد من الحقيقة أولاً، ويهدف الى منع النقاش في الأسباب التي جعلت الحزب يتورط في الحرب ويشكل أداة لسورية وإيران. هدف الحزب من»الإلهية» في النصر منع المحاسبة وشد عصب البيئة التي ينتمي إليها لتخفيف آلام الخسائر.

الحقيقة الرابعة، أن لبنان، ومعه المقاومة، أصيبا بهزيمة كبرى في هذه الحرب. إذا كان الانتصار في تكبيد خسائر للداخل الإسرائيلي، إلا أن واقع الهزيمة تجلّى في حجم الخسائر اللبنانية، حيث سقط حوالى ألف وخمسماية قتيل، وحوالى عشرة آلاف جريح، وتدمير البنى التحتية اللبنانية، والحصار البحري والجوي والبري الذي فرض على البلد، وصولاً الى فرض قوات طوارئ دولية على الحدود وإجبار المقاومة على الانكفاء الى ما بعد حدود نهر الليطاني.

الحقيقة الخامسة، أن الحرب حققت معظم الأهداف الإسرائيلية، لعل أهمها إعادة المقاومة الى الداخل اللبناني وإغراقها في وحول الحرب الأهلية، بما يضفي عليها طابع المذهبية ويضعها في عداء مع مكونات المجتمع الأخرى. لا معنى لكلام حزب الله عن فشل إسرائيل في إنهاء المقاومة وتصفيتها، فهذه جزء أساسي من النسيج اللبناني، حيث يستحيل اقتلاعه ولو بعشرات ومئات الحروب.

الحقيقة السادسة، أن انحراف بوصلة المقاومة قد خطا خطوات كبيرة وسريعة في الغوص بالحرب الأهلية اللبنانية، وتحوّله طرفاً أساسياً في مسارها، ومن موقع طائفي – مذهبي، ترك أثراً سلبياً في موقعها. هذا الانخراط وجد ترجمته في التعطيل المتمادي لمؤسسات البلد، وفي تنفيذ اجتياح بيروت عام 2008، الذي حسم في معاداة أقسام واسعة من الشعب اللبناني ضد المقاومة.

الحقيقة السابعة، أن وظيفة سلاح المقاومة بعد تلك الحرب باتت داخلية تهدف الى تعديل موازين القوى المحلية، وتفرض شروطاً على مسار البلد وأزماته. بات السلاح أداة الهيمنة الفئوية المذهبية للحزب على الوضع اللبناني بمجمله.

الحقيقة الثامنة، أن انحراف البوصلة سيجد ترجمته الكبرى في انخراط الحزب في الحرب السورية، ومن مواقع مذهبية صافية عبّر الحزب عنها بوضوح. إضافة الى أن الحزب ذهب ليدافع عن أعتى نظام ديكتاتوري في العالم العربي، وهو المسؤول الأول عن توليد الإرهاب خصوصاً تنظيم «داعش». هذه الحرب التي كانت أهدافها الإسرائيلية والأميركية جلية في ضرورة تدمير سورية، جيشاً ومجتمعاً وبنى... حتى لا تشكل في يوم من الأيام مصدر خطر على إسرائيل. وقد نجحت في ذلك، وساهم الحزب في هذه المهمة. والأسوأ، كان مشاركة المقاومة في الحرب الأهلية الدائرة في العراق واليمن، ومن موقع طائفي – مذهبي أيضاً.

الحقيقة التاسعة، أن التشدق بمحاربة المشروع الأميركي في المنطقة بات مملاً ويشكل استخفافاً بعقل الجماهير العربية. منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، كان المشروع الأميركي موظفاً في خدمة ما يدعى بمعسكر الممانعة. دخلت إيران الى العراق وهيمنت على مؤسسات البلاد على حاملة الدبابات الأميركية. وفي سورية، يخوض معسكر الممانعة حربه على ما يسمى بالإرهاب تحت العباءة الأميركية وبقيادة التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة. ولم يكن في إمكان قوات النظام والميليشيات التابعة لإيران أن تحقق نصراً على الأرض من دون المساعدة الأميركية وحلفائها. أما الحليف الجديد المتمثل بروسيا، والذي أدخل ضمن معسكر الممانعة، فهذا الحليف الجديد لا يطيق وجوداً لميليشيات إيران ومنها حزب الله. ولم يعد خافياً الدور الذي لعبته روسيا في تصفية بعض قيادات المقاومة ومنها مصطفى بدر الدين.

الحقيقة العاشرة والأخيرة، أن هذا المسار للمقاومة يعمق خسارة موقعها الوطني الذي امتازت به لسنوات، والذي كان له الفضل الأساس في تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي. يدفع الحزب والطائفة التي ينتمي إليها أثماناً باهظة من الضحايا المجانية التي تسقط يومياً في سورية، خدمة لنظام الأسد وتنفيذاً لأوامر إيران. خسائر الحزب هي خسائر لبنانية وتعني جميع مكونات هذا المجتمع من دون استثناء. لا خلاص من هذا المستنقع إلا بالخروج من سورية.

اقرأ المزيد
١٥ أغسطس ٢٠١٦
تقاسم للنفوذ في سوريا… قبل تقسيمها

ما الذي يدور في سوريا، على أرض سوريا، تحديدا، والمناطق المحيطة بها وفي العواصم المهتمة مباشرة بهذا البلد وبمصيره؟ اختلطت الأوراق إلى درجة تصعب الإجابة عن أي سؤال في شأن سوريا باستثناء أن هناك سباقا على حجز مناطق نفوذ في البلد في ضوء الغياب الأميركي، وغياب القدرة على تقسيم الأرض السورية، أقلّه في المدى المنظور.

يمكن أن يأتي التقسيم لاحقا. أمّا الآن، فكل طرف يحاول ضمان منطقة نفوذ له في انتظار الإدارة الأميركية الجديدة التي ستقرّر هل سيكون لها دور في سوريا أم لا؟ هل تلتزم هيلاري كلينتون التي ستخلف باراك أوباما، على الأرجح، سياسة الانكفاء أم تتبع سياسة جديدة من منطلق أن القضاء على “داعش” يتطلب، قبل أيّ شيء، التخلص من عرّاب الإرهاب في المنطقة، أي النظام السوري والميليشيات المذهبية التابعة لإيران بجنسياتها المختلفة، في الوقت ذاته؟

بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لموسكو ومحادثاته مع الرئيس فلاديمير بوتين، دخلت إيران على الخطّ. لم يعد لدى طهران من خيار غير التقارب مع أنقرة. في مؤتمره الصحافي الذي عقده في العاصمة التركية، راح وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف يتغزّل بتركيا، وبما يجمع بين بلده وهذا البلد. ذهب بعيدا في الغزل وفي مديح رجب طيب أردوغان. لم يكن ينقص سوى تبني إيران عملية إفشال المحاولة الانقلابية التي استهدفت الرئيس التركي منتصف الشهر الماضي.

كان المديح الذي كاله ظريف لأردوغان بمثابة تسخيف لبشّار الأسد وموقفه من الرئيس التركي، ولكل ما صدر، وما زال يصدر، عن الأدوات الإيرانية في لبنان من نوع الميليشيا المذهبية المسمّاة “حزب الله”. تبيّن في نهاية المطاف أن لإيران حساباتها السورية التي لا تتفق بالضرورة مع حسابات بشّار الأسد، إضافة إلى أن الأدوات الإيرانية في لبنان والعراق التي تستخدم لدعم رئيس النظام السوري تبقى أدوات ليس مطلوبا منها سوى تنفيذ الأوامر التي تصدر من طهران من دون سؤال أو جواب ومن دون سؤال، حتّى، عن الثمن المطلوب دفعه.

جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني لأنقرة بعيد عودة الرئيس التركي من موسكو حيث التقى فلاديمير بوتين. لا يزال من الباكر الحديث عن النتائج التي أسفرت عنها الزيارة في شأن كلّ ما يتعلّق بسوريا. لكنّ الثابت أنّ هناك اتفاقات اقتصادية ذات حجم كبير أمكن التوصل إليها في أثناء الزيارة ومراعاة للموقف التركي من كلّ ما له علاقة بالأكراد، خصوصا في سوريا.

تجاوز البلدان لأسباب اقتصادية كلّ أزمات الماضي وفتحا صفحة جديدة في العلاقات بينهما. بقيت المسألة المرتبطة بمستقبل بشّار الأسد عالقة. تعرف روسيا، قبل غيرها، أن لا شرعية من أي نوع لهذا النظام المنبثق أصلا عن انقلاب عسكري وعن استيلاء حزب البعث على السلطة في الطريق إلى إقامة النظام العلوي في عهد حافظ الأسد، ثم نظام الأسرة العلوية المرتبطة ارتباطا وثيقا بإيران في عهد بشّار الأسد. بكلام أوضح، تعتقد روسيا أنّ أوان قبض ثمن رأس بشّار الأسد لم يحن بعد، وأن هذا الثمن يتجاوز تركيا، إذ ثمّة حاجة إلى صفقات من نوع آخر مع دول عربية خليجية تعتبر أن لا حلّ في سوريا من دون الانتهاء من النظام ورموزه على رأسهم الأسد الابن.

لم يذهب أردوغان إلى سانت بطرسبرغ للقاء بوتين من موقع ضعف. صحيح أنّه منهك على الصعيد الداخلي في ظلّ المعركة التي يخوضها، كأحد زعماء تنظيم الإخوان المسلمين، مع الدولة العميقة في تركيا التي ترمز إليها المؤسسة العسكرية، ومع جماعة فتح الله غولن، لكن الصحيح أيضا أن بوتين رجل منهك أيضا. اكتشف الرئيس الروسي أن معركة حلب ليست نزهة كما تتصوّر إيران وميليشياتها والنظام السوري الذي يقاتل عن طريق “الشبيحة” إلى جانب هذه الميليشيات. إضافة إلى ذلك، إن الاقتصاد الروسي في حال يرثى لها، وهو في حاجة إلى الأوكسيجين التركي، بالمقدار الذي تحتاج فيه تركيا إلى الأوكسيجين الروسي، خصوصا في ظل التدهور في العلاقات بين أنقرة من جهة، والعواصم الأوروبية المهمة والإدارة الأميركية من جهة أخرى.

كان حصول التقارب الروسي – التركي طبيعيا، كذلك التقارب الإيراني – التركي الذي يفرضه العامل الكردي. إيران تخشى أكرادها، وهي نفّذت حملة إعدامات في حقّهم قبل أيّام قليلة، فيما تركيا تعيش هاجس الدولة الكردية المستقلّة التي لا تبدو أميركا بعيدة عنها كمشروع يندرج في سياق إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.

المفارقة أن إيران تتقرّب من تركيا التي تعمل على إعادة التطبيع الكامل للعلاقة مع إسرائيل، كما أنّ سعيها إلى التنسيق مع روسيا في سوريا يأتي في وقت هناك تنسيق كامل روسي – إسرائيلي في مجالات عدة من بينها سوريا طبعا.

هناك باختصار أربع دول معنية بسوريا أخذت لنفسها مواقع فيها. كلّ من هذه الدول تعمل على طريقتها وبما يخدم مصالحها…

كان هناك في مرحلة معيّنة استخفاف بتركيا وبأوراقها السورية. جاء فك الحصار عن قسم من حلب ليؤكّد أن هذا الاستخفاف ليس في محلّه، وأن حلب قضية حياة أو موت بالنسبة إلى رجب طيب أردوغان ومؤيديه. لو سقطت حلب، لكان سقط أردوغان. ما فشلت في تحقيقه المحاولة الانقلابية كانت ستنجح في تحقيقه حلب، في حال سقوطها. في المقابل، إن بقاء المدينة في يد الثوار لا يعني أن على بشّار مغادرة دمشق غدا. يستطيع البقاء أسير العاصمة ما دامت روسيا وإيران على استعداد لحمايته، وما دامت إسرائيل لا تعترض على ذلك بأي شكل من الأشكال.

هناك باختصار تموضع لأربع قوى في سوريا. هذه القوى هي تركيا وروسيا وإيران وإسرائيل. كلّ قوة من هذه القوى الأربع صارت تمتلك منطقة نفوذ في سوريا، وذلك بعدما أكّدت تركيا أن سقوط حلب ليس مسموحا به.

ما الذي سيحصل في عهد الإدارة الأميركية الجديدة؟ الأكيد أن تغييرا ما سيحصل على الصعيد الأميركي. ما ليس أكيدا وواضحا هو حجم هذا التغيير، لكنّ الثابت أن روسيا قبلت أخيرا بأن عليها التعاطي مع تركيا في سوريا وتجاوز مسألة الإصرار التركي على رحيل الأسد الابن. كذلك الأمر بالنسبة إلى إيران التي باتت تعرف

أن هناك خطوطا لا تستطيع تجاهلها في سوريا، خصوصا في ظلّ العلاقة العميقة الموجودة بين فلاديمير بوتين وبنيامين نتانياهو.

من هذا المنطلق، يمكن الحديث في المرحلة الراهنة عن تقاسم للنفوذ في سوريا تمهيدا لتقسيم سوريا في يوم من الأيّام. قد يحدث ذلك، كما قد لا يحدث. الكثير سيتوقف على موقف الإدارة الأميركية الجديدة ونوع الدور الذي ستقرر لعبه في الشرق الأوسط الذي يشهد حاليا، عبر ما يجري على أرض سوريا ووسط وقوف العالم المتحضر موقف المتفرّج، أكبر مآسي القرن الواحد والعشرين وأكثرها إيلاما.

اقرأ المزيد
١٥ أغسطس ٢٠١٦
من حميميم إلى أنجرليك

الوقت أنجع الأطباء. أقساهم. وأكثرهم غدراً. لهذا لا بد من التمهُّل في الاستنتاج. يصعب التكهُّن بالصورة التي ستكون عليها المنطقة بعد أعوام. فما يُعتبر اليوم إنجازاً قد يُعتبر خسارة بعد أعوام. وما فُسِّر جرأة في وقت سابق قد يُعتبر تهوراً في وقت لاحق. وحده الوقت يستطيع التمييز بين الجرأة والمغامرة والمقامرة.

تجتاز المنطقة الآن حقبة من الضباب والدم. خرائط متصدّعة. انتكاسة مدوّية للتعايش بين المذاهب والأعراق. أزمة هويات حادة وميل جارف إلى الطلاق. استقطابات حادة عابرة للحدود الدولية. وجيوش منهكة تتكئ على الميليشيات. وتدخُّلات إقليمية ودولية. منطقة مريضة تَعِد بمزيد من القتلى واللاجئين والفقراء والمتشدّدين. منطقة مريضة تكاد أن توحي بحاجتها إلى إدارة دولية مباشرة.

على دويّ الحرب السورية والمناخات المحمومة في الإقليم، جاء كلام موسكو عن الاستعداد لتوسيع قاعدة حميميم التي تطفئ الشهر المقبل شمعتها الأولى. توسيع لضمان وجودٍ مريح دائم أو مديد على الأقل. واللافت هو أن القاعدة الروسية تبعد عشرات الكيلومترات عن قاعدة أميركية شهيرة هي قاعدة أنجرليك الجوية الأميركية في جنوب تركيا.

أنفقت إيران الكثير من البلايين ومن دم حلفائها لتضمن لنفسها وجوداً دائماً على المتوسط وعلى الحدود مع إسرائيل. نجحت روسيا في انتزاع موقع على المياه الدافئة بثمن أقل حتى الآن. ولكن لماذا تريد روسيا وجوداً دائماً في حميميم؟ هل تبعث برسالة جديدة مفادها أنها لن تسمح بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، ولو تعرض لانتكاسات من قماشة ما حصل أخيراً في حلب؟ هل تريد القول أن مستقبل سورية سيُرسم انطلاقاً من حميميم وليس من أي نقطة أخرى، قريبة أو بعيدة؟ هل ستكون القاعدة الروسية حارسة الحل في سورية حين ينضج؟ هل ستتولى حراسة سورية الفيديرالية؟ أم ستتولى في غياب الحل ضخ منشطات دائمة في عروق «سورية المفيدة»؟ وهل لحميميم وظيفة تتعدى سورية إلى الإقليم، وتشمل سلامة أنابيب الغاز التي كانت حاضرة بين بوتين وأردوغان؟

تطرح الإقامة الروسية الدائمة في حميميم أسئلة كثيرة. هل يعني الوجود العسكري الروسي أن الحروب السورية - الإسرائيلية صارت من التاريخ؟ وهل تفضّل إسرائيل سورية - الروسية على سورية - الإيرانية؟ وهل يفضّل العرب رؤية هلال روسي - إيراني على رؤية هلال إيراني خالص؟ وهل يعتقد الغرب بأن تورُّط روسيا في سورية يُلزمها بالبحث عن حل لا يمكن أن يكون قابلاً للعيش إلا إذا أعطى إيران ومعها «حزب الله» أقل بكثير مما كان لهما في سورية؟

قصة أنجرليك مختلفة. ولدت في 1951. أي في عالم آخر. في زمن الحرب الباردة. ولكن لم يحدث أن تولت أنجرليك إدارة تركيا أو اعتُبِر جنرالها الأميركي جنرال الجنرالات الأتراك. في سورية تبدو القصة مختلفة. القاعدة الطرية العود أقوى من الدولة التي تستضيفها. والسبب بسيط فقد أنقذتها من الانهيار.

تعيش المنطقة مخاضاً دموياً هائلاً، لا يمكن تعليقه برمّته على مشجب «داعش». لهذا لا بد من إعطاء الوقت مزيداً من الوقت قبل الاستنتاج. من التسرُّع الاعتقاد بأننا نشهد ولادة مثلث روسي - إيراني - تركي ستكون له الكلمة الحاسمة في شؤون جزء من المنطقة. ما تريده إيران في سورية أكبر من قدرة أردوغان على الاحتمال. لا يستطيع أيضاً احتمال حسمٍ روسي للحرب في سورية يؤدي إلى تدمير مناطقها السنّية. لا يستطيع ولو حصل من موسكو وطهران على وعدٍ بكبح اللاعب الكردي الذي يعتبره خطراً دائماً فيما يعتبر «داعش» خطراً قابلاً للزوال.

لم يرَ باراك أوباما في سورية مكاسب استراتيجية تستحق إهدار دم جنود أميركيين واستنزاف البلايين. لعله اعتقد بأن ما اعتبره بوتين انتصاراً لن يتأخر في التحول عبئاً. ربما اعتقد بأن مرابطة روسيا في حميميم ستحتّم عليها البحث عن حلٍّ لوضع يستحيل حسمه بالوسائل العسكرية. المرابطة في حميميم من دون حلٍّ في سورية، ستعمّق حديث المعارضة السورية عن «الاحتلال الروسي». ويعرف بوتين أن سورية موصولة بشرايين المنطقة. وأن تورُّط جيشه في أفغانستان عربية سيستنزف اقتصاد بلاده وصورته معاً. وأنه في هذه الحال سيحتاج جنرال حميميم إلى جنرال أنجرليك لمساعدته في الخروج من محنته.

إنه مخاض مؤلم وطويل في منطقة فقدت حصانتها. إن تكاثر القواعد المعلنة والمضمرة وتكاثر الحروب والميليشيات، يؤكد أن المنطقة مصابة بنقص في المناعة القومية والوطنية وهبوط قاتل في منسوب التسامح والتعايش.

اقرأ المزيد
١٥ أغسطس ٢٠١٦
حديث الانعطافة التركية في الأزمة السورية

يتحدث متابعون عن استدارة أو انعطافة سياسية تركية، بعد زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، سان بطرسبورغ، ولقائه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ويذهب الخيال ببعضهم إلى أن نتائجها ستتوج بتغيير موقف تركيا من المجرم بشار الأسد ونظامه، بل ونسج بعضهم شائعةً عن مدح أردوغان موقف الأسد من المحاولة الانقلابية، وهي ليست مجرد إشاعة، بل افتراء فاقع. ويجري الربط بين زيارة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أنقرة، وما جرى بعد لقاء سان بطرسبورغ، لترتفع أسهم بورصة التكهّنات حول انعطافة تركية وشيكة في الأزمة السورية، تنهض على مقايضتها بعودة العلاقات الاقتصادية بين روسيا وتركيا، بناء على خلفية أن الاقتصاد كان الأكثر إضراراً بالطرفين منذ القطيعة بينهما، وكان العامل الحاسم في طي صفحة الخلاف بينهما، وذلك إذا علمنا أن حجم التبادل التجاري تراجع من حوالي 32 مليار دولار عام 2014 إلى ما يقارب 24 مليار دولار عام 2015، فيما يطمح الطرفان لرفعه إلى مئة مليار دولار بحلول عام 2023.

غير أن طرح الأزمة السورية على طاولة الحوار في لقاء أردوغان وبوتين، ثم ترحيل الحديث عنها إلى لجان ثلاثية، استخباراتية وعسكرية ودبلوماسية، يشير إلى صعوبة تحقيق توافق البلدين على رؤية مشتركة إزاءها، فالروس يدعمون نظام البراميل المتفجرة منذ بداية الثورة السورية، وقادهم ذلك إلى خوض حربٍ قذرة، إلى جانب المليشيات الإيرانية واللبنانية والعراقية والأفغانية، ضد غالبية السوريين، من أجل حماية مصالحهم التي يرون تحققها في تثبيت نظام الأسد في المدى المنظور. بينما اتخذت تركيا موقفا مناقضاً تماماً، بوقوفها إلى جانب مطالب الشعب السوري، واحتضنت أطراف المعارضة السورية ودعمتها، وبالتالي، يشير هذا التباعد بين روسيا وتركيا إلى أنهما لن يصلا إلى أبعد من تنسيق المواقف واحتواء كل منهما الطرف الآخر، ولن يتجاوزا خلافاتهما الجوهرية حول آلية الحل للأزمة السورية، خصوصاً وأن تركيا ما زالت ترى المشكلة في الأسد، وأن الحلَّ في رحيله، بينما تصر روسيا على حمايته ومهاجمة كل أطياف المعارضة وحاضنتها الاجتماعية.

ويجري البناء على تغير الموقف التركي بالمقارنة ما بين موقف الغرب من المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو/ تموز المنصرم، وموقفي كل من روسيا وإيران حيالها، لكنه بناء يقوم على مقايسة هشّةٍ ومتسرعة، ترى أن تغيير سياسات الدول ومواقفها يجري بشكل أوتوماتيكي، وله حسابات ثأرية وشخصية، الأمر الذي لا يصمد في تقاليد العلاقات الدولية التي تبنى على الخطط والاستراتيجيات، الضامنة للمصالح القومية.

صحيح أن تركيا شعرت بخيبة أمل، بل وصدمت من مواقف حلفائها الغربيين، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، حيال محاولة الانقلاب الفاشلة وما جرى بعدها، لكن ذلك لن يدفعها إلى تغيير تحالفاتها وتوجهاتها، بل بناء علاقات متعدّدة المحاور ومتوازنة، بما قد يفضي إلى بناء علاقاتٍ أكثر قوة مع روسيا، الأمر الذي يشكل ضربةً جديدةً وقويةً للإدارة الأميركية الحالية التي باتت تخسر مزيداً من حلفائها في منطقة الشرق الأوسط.

ومن المفيد التذكير بأن الأولوية التركية في الأزمة السورية مبنية على مصالحها وأمنها القومي الذي بات مهدداً بعد إقامة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) في سورية كانتونات كردية في الشمال السوري، وفق مشروع انفصالي، مدعوم من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية، وبالتالي، فإن تركيا تريد من روسيا وقف دعمها له، وهو أمر تلاقي به إيران تركيا، من جهة رفضهما قيام أي كيان كردي في سورية. لذلك، انحصر التوافق التركي الإيراني، في زيارة ظريف أنقرة، في وحدة سورية، وفي "ضرورة مكافحة الإرهاب"، وهما نقطتان تتصلان أساساً بالمسألة الكردية، فيما يبقى الخلاف كبيراً في مواقف البلدين حيال جوهر الأزمة السورية وأصلها، وهو رحيل الأسد. لذلك أكد الرئيس أردوغان، في حديثه لصحيفة لوموند الفرنسية، قبل يوم من زيارته سان بطرسبورغ أن "لا حل للأزمة السورية مع بقاء رئيس النظام السوري، بشار الأسد، المسؤول عن مقتل 600 ألف مواطن سوري".

ويمكن القول إن زيارة الرئيس التركي سان بطرسبرغ نجحت في إعادة وصل ما انقطع من علاقات مع روسيا، بعد أزمة استمرت أكثر من تسعة أشهر، وصاحبها ليونة في الخطاب التركي حيال الحل السياسي في سورية، وذلك لحثّ بوتين على البحث الجدّي عن ممكنات هذا الحل، خصوصاً وأن معركة فك الحصار عن حلب أظهرت للروس وللإيرانيين ومليشياتهم أن موازين القوى على الأرض تغيرت، وأن سعيهم إلى حل عسكري غير مجدٍ، ومستحيل التحقق، وبالتالي، فإن مسارعة وزير الخارجية الإيراني إلى زيارة أنقرة أشارت إلى أن ملالي إيران، ومن خلفهم نظام الأسد، هما أكثر الجهات قلقاً من أي تقارب تركي وروسي.

ويبقى أن أهمية التقارب التركي الروسي تكمن في تسخيره التوافق على حل سياسي إقليمي دولي، تشترك فيه تركيا وروسيا والسعودية وقطر، ولا مانع من إشراك إيران، إن جنحت نحو الحل السياسي، ولن يكتب له النجاح، إلا بمباركة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، لكن ذلك يبدو، في المدى القريب، صعب المنال في غياب الإدارة الأميركية المشغولة بحملات الانتخابات الرئاسية فيها.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢١ مايو ٢٠٢٥
بعد سقوط الطاغية: قوى تتربص لتفكيك سوريا بمطالب متضاربة ودموع الأمهات لم تجف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٠ مايو ٢٠٢٥
هكذا سيُحاسب المجرمون السابقون في سوريا و3 تغييرات فورية يجب أن تقوم بها الإدارة السورية
فضل عبد الغني" مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ مايو ٢٠٢٥
شعب لا يعبد الأشخاص.. بل يراقب الأفعال
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٥ مايو ٢٠٢٥
لا عودة إلى الوطن.. كيف أعاقت مصادرة نظام الأسد للممتلكات في درعا عودة اللاجئين
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٤ مايو ٢٠٢٥
لاعزاء لأيتام الأسد ... العقوبات تسقط عقب سقوط "الأسد" وسوريا أمام حقبة تاريخية جديدة
أحمد نور (الرسلان)
● مقالات رأي
١٣ مايو ٢٠٢٥
"الترقيع السياسي": من خياطة الثياب إلى تطريز المواقف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد