ها أنا أخط مقالي التالي فداء لـ ”داريا” و دعماً و مساندة لها في وجه الهجمة الشرسة التي تتعرض لها، لأخفف عنها دمار البراميل و صواريخ أرض- أرض التي تنهال عليها، و كذلك إطفاءً لنيران النابالم، و تقتيلاً للجنود المقتحمين و آليتهم المصفحة ، مقالة سيكون وقعها قاسياً على النظام و أعوانه و ايران و أتباعها و روسيا و طائراتها.
و لم لا يكون من مقالي هذا، من منبري هذا ، في هذا التوقيت المبارك ، أثره الكبير و الجم و الحاسم و المخفف والمنجي لـ ”داريا”، التي أنشدها دوماً و أصفها بأنها “أيقونة” ثورتنا ، و مصدر “فخارنا” و “عزنا” و نمائنا و سبب المطر و الخضرة، مع الاشارة إلى أنني : أنا القوي الصنديد، أدافع عنها من خلال مقالة سيكون وقعها على العالم مدوياً و مؤلماً، سيدفعهم لسحب جحافلهم عن أبواب مدنييها الذين يواجهون الموت الملون بأجساد أنهكها الحصار.
و بما أن داريا لها هذا الشأن العظيم عندي ، سأنقل تلك البيانات الرنانة، التي صدر أحدثها من جارتها في الغوطة الشرقية، عندما قالت في معركتها الجديدة (الهادفة لإنقاذ ما تبقى من الفسطاط) أنها نصرة لداريا ، وهم بحاجة لمن ينصرهم فكيف ينتصرون، و أي استنصار لم يظهر إلا في قمة الضعف .
سأذهب للجنوب لأحاول البحث في سراديب الاجتماعات و التحضيرات للزج بالجحافل في “مثلث الموت”، و أزف بشرى دك أبواب دمشق الصلبة، وصولاً لداريا لقطف عنبها مع اقتراب موعد النضوج، و طبعاً هي بشرى و تكهنات ووعود بأن القادم أدهى و أمر للنظام و حلفاءه الأشرار الذين تفرغوا تماماً لداريا، و لكن هذا “القادم” التائه لن يصل ، وأياً يكن المهم أني زففت البشرى و نقلت التضامن و وثقة ورود اسم “داريا” في البيانات التي صدرت أو التي تجهز أو التي ستصدر في أي مستقبل قريباً كان أو بعيد .
في المنطقة الوسطى والشمال، سأراقب هدير الصواريخ المتجهة لأي جهة كانت سواء نظاماً أم داعشياً أو فيما بيننا، لأمهر عليها اسم داريا ونصرتها ودعماً لصمودها، و تصبيراً لمصابها، فهذا داريا “ليست حيثما”.
ولن أميز بين عسكري وسياسي، سأكون حاضراً في مؤتمرات الائتلاف الصحفية والاجتماعات واللقاءات مع الساسة، وكذلك مع هيئة المفاوضات وألحق بهم في تصريحاتهم العابرة للقارات، لأنقل المناشدات والعبارات الرنانة وكذلك المشاعر الآسفة، الامتعاض والقلق والندب.
بين مقالتي القوية هذه و ما نقلته و أنقله و سأنقله، أستطيع البوح و أنا مرتاح الضمير، مرفوع الرأس، أن داريا ستكون بخير، و أنا و من ذكرتهم من داعمين سنكون طاهرين بعد أن ربطنا أسمائنا و أفعالنا و قذاراتنا و خذلاننا بـ ”طهر” مدينة كـ ”داريا” ، و اكتفينا بحروف بلهاء بلا معنى اذا ما …..
تفعل الطائرات الروسية فعلها في حلب وعلى امتداد مناطق إدلب وغيرها من مناطق نفوذ المعارضة السورية، لكنها غائبة عن ذلك التنظيم الذي ضجّ الغرب والعرب بأفعاله الدموية، يغيب هذا التنظيم عن جدول أعمال الرئيس الروسي الذي يكرر أن معركته في سوريا ضد الإرهاب، ولكن الإرهاب كما تشير الأهداف الروسية على الأرض، هو كل معارض جدي للرئيس بشار الأسد، وكل القوى التي نالها من تنظيم داعش ما نالها من قتل وإبادة.
الهدف الروسي والإيراني هو ضرب المشروع البديل عن نظام الأسد، وهذا المشروع لا يمكن أن يكون داعش لا لأن هذا التنظيم أقل أو أكثر إجراما من الأسد، بل لأسباب تتصل بأوضاع دولية وبعنوان الإرهاب الذي يختزل وجود هذا التنظيم دوليا وإقليميا. من هنا تتركز الجهود الإيرانية الروسية على محاولة إنهاء المعارضة السورية المقبولة دوليا، وتلك التي تحظى بدعم عربي أو رعاية تركية. من هنا كانت معركة حلب لفك الحصار عن آخر معاقل المعارضة في المدينة رسالة قوية لروسيا وإيران بأن التسامح في عملية إضعاف المعارضة لا يعني إلغاءها، فيما شكلت إرادة القتال لفصائل المعارضة السورية في حلب وجها متجددا للرفض العميق لدى الشعب السوري للنظام السوري المتهالك، وبالدرجة الأولى لما تسميه قوى المعارضة قوى الاحتلال الروسي والإيراني والميليشيات الأجنبية التي تشكل الطاقة العسكرية الفعلية على الأرض وفي الجو.
حدد الرئيس الأميركي باراك أوباما منذ عامين مدة زمنية تمتد بين ثلاث سنوات وخمس سنوات للقضاء على هذا التنظيم. وتحديد هذه المدة الزمنية قد يبدو عكس المرجو منه. ذلك أنه إذا ما جرى التدقيق في الشروط التي وضعها الرئيس الأميركي لإنجازها، نجد أن ما طلبه أوباما هو عملية سياسية يجب أن تواكب العمليات العسكرية ضد داعش. وهذه العملية السياسية حددها على خارطة انتشار هذا التنظيم، وهي في إعادة صياغة العملية السياسية بالعراق وفي سوريا، بما يوفر إعادة الاعتبار للمكون السني في المعادلة السياسية العراقية وداخل الدولة، كذلك في سوريا. وقال أوباما “نريد أن تكون هناك قوات قادرة على السيطرة في المناطق التي يمكن أن نخرج داعش منها وهذا يتطلب وجود حكومة تمثل الجميع”.
إضافة إلى هذا التحدي، ثمة ما هو أهم في نظر الأميركيين، ألا وهو إعادة صوغ المعادلة الإقليمية بشروط جديدة، تحقق لأطراف النزاع الإقليمي مساحة من الأدوار التي لا تميز بين الحلفاء التقليديين لواشنطن، أو اللاعبين الجدد تحت المظلة الأميركية… وإزاء هذه الشروط السياسية والإقليمية يمكن فهم أسباب عدم استعجال واشنطن للقضاء على داعش. فهي ببساطة لا تجد نهاية لداعش إذا لم يكن من بديل سياسي وإقليمي قادر على الحلول مكانها.
هذا التنظيم أظهر قدرة ليس على الصمود فحسب، بل على التمدد في خضم الحرب عليه من قبل التحالف الدولي، في سوريا. وإذا كان هناك من يوفر دعما لوجستيا وماليا لهذا التنظيم، إلا أن ذلك لا يقلل من قوة ذاتية توفرت لداعش. منها أسباب اجتماعية وسياسية لا تغيب عن أحد. فداعش هو فكرة جاذبة لكل من يعتقد أن العالم الإسلامي السنّي يتعرض منذ سنوات لهجمة استعمارية واحدة غربية تمثلها الإدارة الأميركية، وأخرى مذهبية تقودها إيران في سوريا والعراق واليمن. وهو جاذب أيضا لكل من يعتقد أن النظام العربي الرسمي أو ما تبقى منه، عاجز عن أن يكون ندّا للهجمة الخارجية من جهة، وفاشل وقامع لتطلعات المجتمعات العربية نحو الحرية ولتقاسم عادل للثروات الوطنية من جهة ثانية.
بهذا المعنى تنظيم داعش هو أكبر تنظيم في العالم الإسلامي، ما دامت السياسات الدولية والإقليمية تذهب نحو قمع خيارات الأكثرية لصالح الأقليات سواء كانت قومية أو سلطوية أو مذهبية.
في المقابل يعتقد بعض المراقبين أنه إذا كانت أهداف واشنطن واضحة لجهة صوغ معادلة إقليمية جديدة في الشرق الأوسط، فإن ثمة ما هو مسكوت عنه في السياسة الأميركية، وهي خارطة الطريق لتحقيق هذه الأهداف. إذ أن واشنطن تبقي عينها مثبتة على ما تعتقد أنه الجائزة الكبرى لها في هذا المخاض الإقليمي: أي إيران. ويلفت المراقبون إلى أن الإدارة الأميركية تنطلق من اعتبار استراتيجي يقوم على أن إيران لا يمكن أن تكون خارج نظام المصالح الأميركية في المنطقة، وعملية احتواء إيران جارية لكن هذه المرة على حساب النظام الإقليمي العربي، وبسلاح الإرهاب الذي يمثله داعش وبما يتلاءم ولا يتعارض مع المدى الإستراتيجي الحيوي لإسرائيل، والأرض السورية هي الامتحان الناجح على هذا الصعيد، فإيران تقول إن العداء هو مع العرب ليس مع إسرائيل وإن كان العنوان محاربة الإرهاب.
وإذا كانت واشنطن غير مهتمة بمواجهة النفوذ الإيراني وتمدده، كما هو الحال في اليمن أو في سوريا والعراق، فهي تعلم أن دولا إقليمية (تركيا السعودية) بما فيها الثورة السورية تشكل قوة ردع واستنزاف يعفي واشنطن من الرد المباشر. إضافة إلى حاجة السلطة الإيرانية المتنامية في الداخل والإقليم، إلى مستوى ملح من التعاون مع واشنطن في ظل الغضب السني ضدها.
الحرب السورية لم تشهد منذ بدايتها حتى يومنا هذا أيّ مواجهة فعلية بين التنظيمات الإيرانية الرسمية والميليشياوية بما فيها حزب الله مع تنظيم داعش، على طول الجغرافيا السورية، فقد كان التنظيم سلاحا في وجه المعارضات السورية المدنية والمعتدلة.
اتخذت موسكو منذ انطلاق الثورة في سوريا، قبل نحو ست سنوات، موقفًا مؤيدًا لنظام بشار الأسد، وطورت موقفها، ليشمل تقديم الدعم والمساندة في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية، بما في ذلك استخدامها «الفيتو» في مجلس الأمن ضد أي قرارات من شأنها إدانة نظام الأسد، أو معاقبته على سياساته وممارساته، ثم انتقلت بموقفها إلى الانخراط المباشر في الصراع السوري أواخر العام 2015، عبر إرسال قوات جوية وبحرية وبرية وخبراء للمشاركة في الحرب، وعبر استخدام الطائرات والصواريخ في قيادة بعض المعارك على جبهات مختلفة من البلاد.
ورغم انخراط روسيا في الحرب السورية، وانضمامها إلى حلف نظام الأسد مع إيران والميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات، فإنها سعت للعب دور الوسيط من أجل حل سياسي في سوريا، يتوافق ويتقارب مع موقف النظام، الأمر الذي تفسره جملة سياساتها كما عملياتها العسكرية في سوريا، والتي كان آخرها إطلاق معركة حصار حلب بهدف خلق وقائع ميدانية وسياسية تعزز السير نحو حل سياسي، يتوافق مع الرؤية الروسية في إطار التحالف مع نظام الأسد.
غير أن معركة حلب، في مجرياتها ونتائجها الأولية، ذهبت في اتجاه مختلف عما كانت ترغب فيه موسكو وحلفها، من حيث استنهاض تنظيمات المعارضة المسلحة، وتقاربها البيني من جهة، ومع المعارضة السياسية من جهة أخرى، وإفشال مخطط حصار حلب، الأمر الذي وضع موسكو أمام حقيقة العجز عن حسم عسكري هناك، رغم كل ما تم من حشد نوعي وكمي لحلف النظام في معركة بدت نتائجها شبه مضمونة.
وكان من نتائج ما حدث أن صارت روسيا في موقفها السوري أمام واحد من خيارين؛ إما الاستمرار في المسار الحالي الذي لن يوصل إلا لاستمرار الصراع بين كر وفر دون حسم، وإما مزيد من الانخراط الروسي في الصراع السوري بجلب المزيد من القوات، خصوصًا القوات البرية، إلى سوريا، والاستخدام الواسع للأسلحة الروسية في الحرب دون أي نتائج مضمونة، مما يمثل كارثة روسية، قد لا تقل عما كان عليه التدخل السوفياتي في أفغانستان في سبعينات القرن الماضي، وقد كان من مقدمات انهيار الاتحاد السوفياتي. أمام الخيارين الروسيين الصعبين، لا يبدو أمام موسكو إلا تعديل موقفها وسياستها في القضية السورية، خصوصًا التعامل بمستوى أكثر من الجدية والمسؤولية مع جهود الحل السياسي في سوريا، وهو حل يراوح بين مستويين؛ أولهما الحل القائم على أساس «جنيف1» لعام 2012، الذي تطالب به المعارضة، وتؤيده قوى إقليمية ودولية، والثاني توافقات فيينا 2015، التي كان الروس بين صناعها، والتي لا تغفل «جنيف1»، مع تعديلات عليه.
لقد أفرزت معركة حلب في بعض نتائجها الحقائق السابقة، وهي حقائق تضاف إلى ما يفرزه التطور الحاصل في العلاقات الروسية – التركية، خاصة في ضوء قمة إردوغان - بوتين في موسكو، التي خصصت جلسة لبحث القضية السورية، بحضور كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين من الطرفين، وأسست بنية مشتركة لبحث القضية السورية، التي سيكون لها تأثيرات ليس على العلاقات البينية، بل على القضية ذاتها، عبر إيجاد قواسم مشتركة بين الجانبين في الموضوع السوري، والمشترك بينهما هو دعم مسار الحل السياسي.
وباستثناء عاملي نتائج معركة حلب وتطور العلاقات الروسية – التركية في ضغطهما على الروس لدفعهم نحو الحل السياسي، فلا بد من التوقف عند الوضع العسكري لنظام الأسد، وقد باتت قواته تعاني من انهيار شامل رغم كل المساعدات التي يقدمها له الحلفاء الروس والإيرانيون، وهذا ما كشفته وأكدته وقائع معركة حلب في عدم قدرة قوات النظام على الاحتفاظ بسيطرتها على مواقع عسكرية محصنة في منطقة الراموسة، وفيها خيرة ضباط ومدربي النظام في الكليات العسكرية، وصدرت تأكيدات من جانب حزب الله عن انهيار قوات الأسد في حلب، بعد أن منيت بخسائر كبيرة بشرية ومادية في تلك المعارك، وهو أمر يطرح على حلفاء النظام سؤالاً حول قوة حليفهم وقدرته على الإمساك بالوضع السوري في وقت تتواصل فيه ترديات وضعه في كل المجالات والمستويات.
خلاصة الأمر، إن روسيا أمام حقائق جديدة في المستويين السوري، سواء لجهة تعزيز قوة المعارضة، وتردي أوضاع النظام، أو في المستوى الإقليمي والدولي الذي يضغط كما هو حال الأوروبيين للانتقال السياسي في سوريا، مما يجعل موسكو لا تملك خيار الاستمرار في موقفها الراهن، ولا هي تستطيع تطوير مشاركتها في الحرب السورية لحد الغرق في وحولها، مما يفرض عليها المضي نحو خيار أكثر موضوعية وتوافقًا مع مصالحها، وتجاوبًا مع مطالب المجتمع الدولي الذي يعتقد قسم كبير منه أن روسيا يمكن أن تساهم جديًا في الحل السياسي للقضية السورية.
لم يكن أحد يصدّق أن حلب ستدحر محاصريها خلال أربعة أيام، وستحاصرهم في اليوم الخامس. قبل فك الحصار، كانت جميع الأخبار تدور حول هجوم كاسح سيشنه النظام ومرتزقة إيران، بمعونة الطيران الروسي، لاحتلال كامل حلب، وردّها إلى بيت الطاعة الأسدي. وكنا نمسك قلوبنا خوفاً من سقوط مدينةٍ، تتركز فيها جميع قوى الصراع الداخلي/ العربي/ الإقليمي/ الدولي، ويرتبط بمعركتها مصير الشعب السوري، وشعوب أخرى في منطقتنا، وأوضاع دولية، تتكثف فيها على صورة جيوش متصارعة، وأسلحة متقاتلة، وخيارات متعارضة.
إلا أن مفاجأة هائلة كانت بانتظارنا، جسّدها هجوم عاصف، شنته المقاومة، بعد توحيد صفوفها، ورسم خطة عمليات مشتركة، نفذتها بتنسيق جهود طرفيها: الجيش الحر وجيش الفتح، اللذان هجم أحدهما من خارج المدينة، والآخر من داخلها، ثم التقيا، بعد بضعة أيام، في الراموسة، وفتحا معبراً فيها، وفكّا الحصار عن ثلاثمائة ألف مواطنة ومواطن، كان الأسد يتوهم أنه حاصرهم، وجعلهم أسراه.
لم يكن أحد يتخيل أنه سيكون للهجوم من الزخم ما سيمكّنه من طرد جيش النظام إلى خارج قلاع حصينة، عجز مقاتلو المعارضة عن الاقتراب منها أعواماً، ناهيك عن احتلالها، على الرغم من محاولاتهم المتكرّرة، وما قدّموه من شهداء على أسوارها. السؤال الذي يطرح نفسه: أين كان الأسديون والإيرانيون الذين يتأهبون لاقتحام حلب، وما الذي فعلوه لصد هجوم المقاومة المباغت؟ يبدو أنهم فرّوا، أو تفرّقوا أيدي سبأ، أو قتلوا، أو سقطوا أسرى، أو انسحبوا من معركةٍ أيقنوا أنهم لا يستطيعون خوضها.
هذه المفاجأة على الصعيد العسكري رافقتها مفاجأة على الصعيد السياسي، لعب فشل الانقلاب في تركيا دوره الكبير في إحداثها، جسّدها قرار أنقرة رفض حصار حلب، والعمل على كسره من خارج الالتزام بما كان يتم من تفاهمات أميركية/ روسية، وعلى وضع هجوم المقاومة في سياقٍ لا يريح واشنطن، يعطل خطة النقاط الثلاث التي كانت قد أعلنت عن بدء جهودٍ مكثفة، للتفاهم عليها مع روسيا، فتبخرت نقاطها جميعها، ولم "تتحول الهدنة إلى وقف إطلاق نار دائم"، أو "يقدّم كيري مقترحاً جديداً للحل"، كما تنص على ذلك نقطتها الثالثة. بدعمها الهجوم الناجح، أظهرت أنقرة كم يمكن لدورها أن يكون مؤثرا في الخطط التي يضعها الكبيران، وكم يمكنها العمل من خارج قراراتهما وخططهما، أميركية كانت أم روسية، وبين أن خيارات أنقرة لن تنضوي، بالضرورة وفي جميع الأحوال، ضمن السياق الذي تم التفاهم عليه بينهما، وأنها تستطيع خربطة شغلهم، والعمل بطرقٍ ليس من المحتم أن تكون جزئية أو وقتية المجريات والنتائج.
ما الذي سيترتب على المفاجأتين السورية والتركية؟ ثمّة احتمالاتٌ عديدة ممكنة، أهمها التالي: بدعمها الهجوم بعد المصالحة مع روسيا، وقبل زيارة الرئيس أردوغان سان بطرسبورغ، ومن دون النظر إلى ما يمكن أن يكون عليه رد فعل واشنطن، أعلنت تركيا في رسالةٍ واضحة إلى "كل من يهمه الأمر" أنها لن تتخلى عن السوريين وثورتهم، ولن تصالح نظامهم أو تنقذه، كما خالت أوساط عديدة، ولن تتردّد في إمدادهم بالعون الذي يمكّنهم من تغيير أوضاعهم العسكرية، وتالياً السياسية، إلى الحد الذي يجعلهم رقماً صعباً يستحيل تجاوزه، سواء في معادلات السياسات الإقليمية والدولية، أم في أي حل مقبل.
بمعركة حلب ونتائجها الباهرة، دخلت تركيا الساحة السورية من أعرض أبوابها، وطوت صفحة التقيّد بالرهانات والحسابات، الخارجية عموماً والأميركية خصوصاً، وأحدثت مفاجأة من العيار الثقيل، لا يُستبعد إطلاقاً أن تمهد لحل سياسي عادل، يحترم شعب سورية، ويستجيب لحقوقه: طال الزمن أم قصر.
المعارك الأخيرة التي توجت بكسر الحصار المفروض على حلب، وتحرير مواقع وأحياء عديدة كانت خاضعة فيها للنظام، والاحتفاء الكبير الذي لاقته، والنتائج التي أدى إليها، وفي مقدمها التحالف الذي يبدو وثيقاً اليوم بين الفصائل المدنية والفصائل الإسلامية، ليست معارك عادية. إنها تشكل منعطفاً مهماً في تاريخ الصراع المرير والمتعدّد الأطراف على الأرض السورية. ليس لما أسفرت عنه من ولادة قوة عسكرية موحدة ومنضبطة، وقادرة على خوض عمليات محكمة في صف الثورة والمعارضة، وسوف تزداد قوةً مع تقدم الانتصارات والمكاسب على الأرض، وهو ما افتقدته الثورة السورية سابقاً، وإنما لأنها حسمت، أو في طريقها إلى أن تحسم نزاعاً على القيادة، ما يزال مستمرا منذ سنوات. وهذا سبب إضافي، لكي لا يقبل نظام الأسد التوازن الجديد، وأن لا يسجل المجتمع الدولي التقدّم الذي أحرزه الثوار السوريون في الخانة الصحيحة. وبدل أن يفتح التغيير الحاصل في موازين القوى طريق المفاوضات المسدود، سوف يفاقم من مأزق السلام. فعلى الأغلب، وإذا قسنا الأمور بسوابقها، لن يتعلم الأسد، وحلفاؤه الإيرانيون بشكل خاص، أي درس إيجابي ومفيد من النكسة التي شهدوها، ولن يقبلوا التفاوض على أساسٍ جديد، وسوف يصرّون على الحسم العسكري لتكريس وجودهم في سورية، وهو ما لا يمكن ضمانه بغير انتصار الأسد ونظامه. في هذه الحالة، بدل أن تكون معركة تحرير حلب خطوةً نحو إنهاء الحرب، ربما ستدفع إلى تأجيجها بشكل أكبر، وتكون تمهيداً لمرحلة جديدة من الصراع، تتجاوز، في دمويتها، المراحل السابقة، وذلك بمقدار ما حطم انتصار الفصائل المقاتلة حلم الحلف الثلاثي، طهران وموسكو وطرطوس، في تحويل معركة حلب إلى معركة تصفية قوى المعارضة، وأنعش، في الوقت نفسه، حلم الفصائل التي تعرّضت لنكساتٍ كبيرة سابقة، في اسقاط النظام، وحسم الصراع لصالحها بالطرق العسكرية، أي بمقدار ما تحولت رهانات الحرب إلى رهاناتٍ مصيرية بالنسبة لجميع الأطراف.
في جوهر النزاع بين السوريين
ومن المفيد، في بداية هذه المرحلة التي ستكون قاسيةً على أبناء الشعب السوري والمدنيين الذين يتحملون عبء القتال الرئيسي بشكل خاص، أن لا يغيب عن ذهن المنتصرين هنا وهناك، وفي هذه اللحظة أو تلك، جوهر الصراع، حتى لا تذهب سورية ضحية تنامي مشاعر الكراهية والحقد والانتقام، ونغلق على أنفسنا، من دون أن ندري آفاق الحل السياسي الذي لا نهاية للحرب من دونه، إذا أردنا أن تبقى سورية والسوريين، في أي صيغةٍ كانت، على قيد الحياة. وربما يساعدنا تذكّر جوهر الصراع وأسبابه وأهدافه على كبح جماح الغرق في الحرب الطائفية التي يزداد منسوب الاندفاع نحوها بمقدار ما يشتدّ الصراع، ونفقد السيطرة عليه، وتتراجع، بل تنسحق في سياقه القوى المعتدلة على الضفتين، لتبرز إلى المقدمة القوى الراديكالية التي لا تعبأ كثيراً بتعاظم الرهان على التعبئة المذهبية والعصبوية، ويزيد دور القوى والمراهنات الأجنبية التي لا يهمها مصير سورية، بمقدار ما يعنيها توظيف حربها لتحقيق مآرب وأهداف خاصة بها.
ينبغي أن نتذكّر دائما ولا يغيب عن أذهاننا أن الحرب اندلعت، منذ البداية، ردّاً من النظام على مطالبة الشعب بالتغيير والاصلاح، وأنها كانت التعبير عن تصميم النظام الذي أوصل البلاد إلى طريقٍ مسدودة، على رفض التجاوب بأي شكل مع مطالب أغلبية من السوريين، والبحث معهم عن مخرجٍ في صيغة جديدة للحكم، تضمن للجميع ما أصبح معياراً عالمياً وإنسانياً للعدالة في عصرنا، وهو المساواة في الحقوق والواجبات، وفي الوصول إلى مواقع السلطة والنفوذ والموارد بين جميع السوريين، وإنهاء عهد المحسوبية واحتكار النفوذ والسلطة والثروة والجاه لصالح فئةٍ صغيرةٍ من الذئاب الكاسرة، تماهت مع الدولة، واستخدمتها درعاً تحتمي به، وأداة لقهر الشعب وتمزيقه فرقا وشيعاً، وبث الرعب في قلوب أبنائه، حتى يقبل الخضوع والإذعان.
وينبغي أن نتذكّر، دائماً، أن ما أوصلنا إلى ما نحن فيه من كارثةٍ إنسانية وبيئية هو الاعتقاد الذي لم يتزعزع عند قادة النظام وأنصارهم أن سورية ملكٌ خال لهم، وأن أي تنازل في أي ميدان سوف يعني بداية انهيار ملكهم. ولا يزال أغلبهم يعتقد أن بإمكانهم سحق الانتفاضة الشعبية، ووأدها تحت آلاف الأطنان من المتفجرات والغازات والقنابل من كل نوع، وترويع السوريين بطوفانٍ لا ينتهي من الصور والأفلام التي يسرّبونها عمدا، لتحريض السوريين بعضهم على بعض، وتشويه صورة الثورة بسيلٍ من الأكاذيب والروايات الملفقة عن الإرهاب والإرهابيين.
وعندما فشلوا، وتحطمت خططهم العسكرية والدعائية على جدران صمود السوريين، طار صوابهم. لكنهم، بدل أن يغيروا سياستهم، زادوا اقتناعا بأنه لا حل إلا بمزيد من العنف والقتل والدمار. وهكذا اكتشفوا فضيلة التدخل الأجنبي وشرعيته، فبعد أن جرّوا بلادهم بأيديهم إلى حرب إبادةٍ ذهب ضحيتها مئات ألوف السوريين، لم يتردّدوا في استقدام عشرات المليشيات الطائفية إلى بلدهم، وفي تسليم مقاليد أمرهم وقيادتهم للجنرالات والمستشارين الايرانيين. وعندما فشلت طهران في تحقيق مآربهم، التفتوا إلى روسيا التي اعتقدت أن الحرب السورية فرصتها الوحيدة للرد على الصفعات الغربية التي وجهت إليها في العراق وليبيا، ولاستعادة صدقيتها في أوروبا والعالم، وتسهيل فرض الأمر الواقع في أوكرانيا والقرم.
ومن جديد، وجدوا أنفسهم عاجزين عن كسر صمود السوريين. ولم ينجح التحالف الثلاثي الإيراني الروسي الأسدي، على الرغم من كل ما حشده من قوى، واستخدمه من أسلحة، في حسم الصراع. وفاقم حرص الإيرانيين والروس على عدم التفريط باستثماراتهم الكبيرة في الحرب السورية من تمسكهم ببقاء الأسد، واستعدادهم لتسعير الحرب والتصعيد في العنف.
وهكذا، بدل أن تتقدم حظوظ التفاوض مع تفاقم الأزمة وانخراط المجتمع الدولي المتزايد فيها، تراجعت، بشكل أكبر، كل يوم. وباءت الجهود الدولية للبحث عن تسويةٍ سياسية، تضمن، في الوقت نفسه، مصالح السوريين الموالين للنظام، والحد الأدنى من كرامة ومصالح أولئك الذين ثاروا على الظلم والفساد والاستبداد، بفشل ذريع، وهي الآن في سكرات الموت. ولا يزال بشار الأسد وطغمته وحلفاؤه مصرّين على انتزاع النصر على الشعب بأي ثمن، حتى لو كلف ذلك تدمير مدنه وحضارته وتشريد الملايين منه وإخراجه من دياره. لم يعد لدى هؤلاء أي ذرةٍ من البصيرة والعقل. كما يحصل لرجال العصابة المطاردين، حول هؤلاء البلاد والدولة والشعب إلى رهائن، وهم يهدّدون بقتلهم جميعاً أو الحصول على مبتغاهم، ويؤكدون عزيمتهم وقوة ابتزازهم بقتل مئات السوريين وتدمير شروط حياتهم كل يوم .
خيارات السوريين الصعبة
أمام فشل المجتمع الدولي في القيام بواجباته، ووضع حد للانتهاكات الخطيرة لحقوق السوريين، أفراداً وشعباً معا، وفشل الأمم المتحدة والدول الكبرى في الدفع نحو حل سياسي، وتعطيل نظام الأسد جميع الآليات السياسية والقانونية لفك الحصارات المفروضة على مئات آلاف المدنيين والحفاظ على حياتهم، لم يبق أمام السوريين، وفي مقدمهم فصائل الثورة، خيار سوى عرض الاستسلام، كما طالبهم به، قبل معركة فك الحصار عن حلب، وزير الحرب الروسي، أو استجماع ما بقي لديهم من قوة معنويةٍ وشجاعةٍ وإيمانٍ من أجل خوض حربٍ أصبحت حرب حياة أو موت، لا يمكن أن تتوقف قبل إسقاط الأسد ونظامه.
في سياق هذه الحرب الوجودية التي وضعت السوريين أمام خيار واحد: إما قاتلاً أو مقتولاً، وسدّت كل المنافذ على السياسة والحلول السياسية والتسويات، لم يعد للتيار السياسي والفكري المدني دور كبير، وهو يفقد، بشكل متزايد، القدرة على التأثير والنفوذ. لقد قزم وسحق تحت وقع ضربات العنف الوحشي لنظام الأسد، وهجومات داعش المنسقة معه، وتخلي الدول الديمقراطية التي ادّعت الصداقة مع الشعب السوري، وتردّدها في دعم خيار ديمقراطي جدّي في سورية، وتهافت سياسة النخب العلمانية وتشوشها واضطرابها. وليس هناك شك في أن معركة فك الحصار عن حلب فتحت طريقاً واسعاً لتقدم الإسلاميين إلى موقع القيادة، تساعدهم على ذلك إرادة القتال، والانتشار العسكري، كما تشجعهم دينامية التقدم على الأرض على تجاوز الخلافات، والسير بخطى أقوى نحو الاتحاد في ما وراء تياراتهم ومدارسهم وأجنداتهم، المعتدلة والمتطرفة.
يطرح هذا أسئلةً كثيرةً على أصحاب هذا التيار المدني الذي مال، بشكل أكبر، نحو الكفاح السياسي، والذي غدر به حلفاؤه، وعجز عن تجاوز انقساماته وتوحيد قيادته، ويضعه أمام اختيارٍ صعب بين الخضوع للاحتلال الروسي الإيراني القابع تحت أسمال نظام الأسد المتهالك، والانقياد وراء مشروع جهادي سوري، يولد من لهيب حرب التسلط الوحشي والإبادة الجماعية والاحتلال الأجنبي والتقسيم، ما يزال يتقدّم وتتسع دائرة انتشاره، على الرغم من أنه لا يزال متعدّد التيارات والتوجهات، ولم يبلور هويته الواحدة، ولا أجندته السياسية بشكل واضح بعد. لكنه يبدو، بعد معارك حلب التي تحولت إلى مسرح الصراع الرئيسي بين النظام والمعارضة، أول المرشحين لفرض قيادته على مقاومة شعبٍ هُدّت أركان وجوده، وروّع أطفاله، ويشعر بأنه أصبح من دون نصير.
لم يكن سوري واحد يتصور عندما هبت ثورة مارس/ آذار 2011، أنه سيجد نفسه يوماً أمام مثل هذا الاختيار. الأغلبية الساحقة من السوريين الذين غزوا الشوارع والساحات، بشعاراتهم وأهازيجهم ورقصاتهم الليلية، كانوا يلهجون ويحلمون بمشروع واحد: سورية المدنية التعدّدية الديمقراطية الواحدة، سورية العدالة والمساواة والمؤاخاة بين جميع أبنائها وجماعاتها القومية والمذهبية والفكرية والسياسية، سورية متصالحة مع نفسها وتاريخها، بما في ذلك مع الجماعات التي احتضنت النظام، بمختلف مذاهبها وطبقاتها، ومع التيارات والحركات الإسلامية التي أقصاها النظام، والتي أعلن أغلبها، منذ بداية الثورة، التزامه بالعهد الوطني المدني والديمقراطي.
غيرت حرب السنوات الخمس، وما شهدته من سياسات القتل والإبادة والتشريد، ومن نكران واستهتار عالمي بحياة السوريين ومستقبلهم، جميع الحسابات. وجاءت انتصارات معركة فك الحصار في حلب، لتمحو تاريخاً طويلاً من الخيبات والانتكاسات، ولتحيي الأمل بتجديد الثورة وإعادة عهد انتصاراتها. وهي تضع قوى الثورة والبلاد أمام منعطفٍ جديدٍ، وتعيد تشكيل المشهد العسكري، وبالتالي السياسي، بشكل مختلف تماماً عما كان عليه في حقبتها الأولى. والسؤال اليوم مطروح على الإسلاميين الذين هم في طريقهم إلى حصاد تضحيات ملايين السوريين من كل التيارات والاتجاهات، وفي مواجهة نظام الجريمة وحلفائه، وعبث المجتمع الدولي، وخيبة أمل السوريين به، عن دور القوى المدنية، ومصير العهد الوطني الذي شكل ضمير جميع من شارك في الثورة منذ بدايتها من السوريين، والذي لاتزال قيم التسامح والنفور من التعصب والتطرف والانغلاق تشكل النبض العميق لثقافته وسلوكياته اليومية، بمعزٍل عن ظروف الصراع الراهن على الدولة والسلطة.
لا أعتقد أن أحداً من قادة الاسلاميين السوريين الذين فتحت لهم معركة فك الحصار عن حلب الطريق نحو تصدّر كفاح السوريين المرير ضد نظام الأسد يملكون الجواب الآن، أو أن همهم، وربما مصلحة كثيرين منهم، يشجعانهم على طرح السؤال، ومحاولة الإجابة عنه. وعلى الأغلب، ليسوا قادرين أو مستعدين بعد لطرحه على أنفسهم. وهذا ما يفسّر إصرار بعضهم على تسجيل معركة فك حصار حلب في سجل الانتصارات الإسلاموية بإطلاق اسم إبراهيم اليوسف عليها، بدل تسجيلها كما كان يقتضي الواجب الأخلاقي والسياسة معاً في سجل الانتصارات الوطنية الجامعة والمجمعة.
تبرهن معركة حلب على أن تصميم السوريين على التخلص من نظام الأسد وإرثه الأسود لا حد له ولا بديل. وهم على استعدادٍ ليراهنوا على أي قوةٍ يعتقدون في قدرتها على تحقيق غايتهم. لكن، ليس من أجل إقامة نظام بديل للاقصاء والتهميش. أخطر ما يمكن أن نشهده، في الأشهر والسنوات المقبلة، هو وضع السوريين، من جديد، أمام اختيار مستحيل: بين دولة نظام الاحتلال والتشبيح الأسدي، أو لادولة نظام طالبان أفغانستان اللاهث وراء خرائب الماضي، والرافض أي مفهوم للتقدم والتغيير والتجديد في الاقتصاد والمجتمع والدين.
إسقاط الديكتاتورية ومنظومة الحرب المؤبدة في سورية هو الهدف الذي لا يناقش فيه حرٌّ ولا يتقدم عليه واجب. وكسب المعارك العسكرية أولوية، ولا بديل عنه، لمنع الخصم من تحطيم مستقبل السوريين. لكن كسب الحرب، خصوصاً ضد هذا النوع من النظم، مثله مثل بناء المستقبل، لا يتحقق بالوسائل العسكرية وحدها. إنه، بالدرجة الأولى، شأن سياسي. ومعركة السيطرة على حلب وإدارتها هي الامتحان.
ونحن مقبلون على معركةٍ يتساوى فيها الموت والحياة، وكي لا نفقد إنسانيتنا، ولا نحرم من فرصة استعادة وطننا، وطن الجميع، لا ينبغي أن ننسى أننا لسنا طائفةً، ولا نحارب من أجل طائفة أو جماعة، مهما كان وضعها، وإنما نحارب من أجل سورية وحقوق الشعب السوري وحريته من دون تمييز، أي من أجل كرامة الإنسان، المتمثل في كل سوري، وأن نتذكّر دائماً أن ما فجر ثورة الشعب السوري هو رفض سياسة الإذلال والطائفية البغيضة والتمييز الاجتماعي والسياسي والمذهبي والتفتيت والتقسيم، وأن الوفاء للثورة وتضحيات شهدائها أوْلى أن يدفع إلى سلوك سبيل العدل، ورفع الظلم وبسط السلام ونشر المودة والألفة من رد الاعتبار لأحدٍ، أو حتى إرواء غليل المظلومين.
سيطر الهياج الفكري يوم أمس ، بعد انتشار صور لنسوة قيل أنهم من “منبج” خرجوا من سواد داعش إلى صفار قوات سوريا الديمقراطية، وعمت حالة الفرح بانتزاع الجلباب و حرقه ، ومُلئت الأعين بدموع الفرح من صور الأحضان التي تم تبادلها أمام عدسات الكميرا التي نقلت مشاهد الحرية ، لخصتها ببرقع تم نزعه و “سيجارة” تم اشعالها، في الوقت الذي كانت فيه ذاتهكانتالذراع الأمنيلنفس القوات، التي نشرت الحرية في منبج، تقوم باعتقالإبراهيم برورئيسالمجلسالوطنيالكرديأثناءوجودهفيوسطمدينةالقامشلي،فهذا النوع من الحرية ممنوع ، فكل ماهو مطلوب التغير الكامل و الشامل في بنية الشعب سواء أكان من الناحية القومية أم الايدلوجية، فالديمقراطية يعني لفظ الأفكار الاسلامية و استقطاب أفكار الديمقراطية و الحرية بالمظاهر الخارجية فقط.
الفرح ، السرور ، الابتهاج ، لمعان العيون ، مشاعر اجتاحت السواد الأعظم من متطلعي الحرية ، ليقينهم أنه تم التخلص من الفكر السوادي الذي لايتناسب البتة مع البيئة السورية التي تملك هويتها الخاصة، التي لايمكن أن تكون سوداء، و لكن في الوقت ذاته لايمكن اعتبار التخلص من السواد الداعشي شيء ايجابي اذا ما أيقنا أن الصفار القادم ليس بأفضل منه ، فذلك يدعو للوأد في الحياة و الخنوع التابع لرغبة الخليفة و الأولياء، هذا يدعو للانفلات الخارجي و الخضوع التام لرغبات الطموحات الاسطورية بدولة أمنية تقتل أبنائها و تطردهم اذا ما خالفوا رغبة “القائد”.
لخصت البروبغندا يوم أمس كل ما حدث في منبج ، أنه صراع جلباب و سيكارة تشعل و قهقهة أمام الكميرات، و جز لحية و ابتسامة عريضة من وجوه كانت بين فكي الموت، ولا تملك خيار إلا الموت، و اذا ما هَمّشتُ فكرة التلاعب بالصور و استخدام الممثلين و الكومبرس (رغم حتمية الأمر وفق دلائل علمية و عملية)، فان المشهد الذي تم اختزاله هو في غاية السوء ، و يبشر أن التغيير ليس يهدف إلى زج هذه القومية أو تلك في مناطق ليست بمناطقها و الغاء أسماء المدن ووضع أسماء “خزعبلية” ، فالأمر يسير إلى انهاء الهوية ككل ، و الغاء البيئة السورية السمحة الوسطية ، لكن المنضبطة الغير متفلتة، فلا النقاب و الجلباب الأسود هويتنا، لا التعري و نزع الحجاب هو من صلب عرفنا إذا ما أردنا ابعاد الدين عن النقاش رغم أولويته.
فالتغير بالبنية السورية بتحويل التركيز إلى الأجساد و الغاء الأفكار هو في غاية الخطورة ، و يعيدنا إلى استبداد من نوع جديد ، اذ كانت السيطرة في الماضي تقتضي من الحاكم تحويل التركيز من العقول إلى الأمعاء، اليوم نحن أمام الانتقال من الأفكار إلى الغرائز.
اليوم نشهد صراع على أشده، ضمن نقاش: هل لك أن تفرض الحجاب أو تفرض نزعه!؟
في حين تابعنا جميعاً ما قالته الصحفية في السي ان ان أمام مجلس الأمن، و التي كانت في سوريا و لبست الحجاب السوري، و لم تمتعض و لم تعترض على البيئة بل احترمتها، كما أنها لم تقل أن المشكلة في الحجاب ، و إنما ركزت على أمر وحيد أن الشعب يريد أن يحظى بفرصة للعيش و يتبادل الأفكارو ليس نزع الحجاب.
بين الفرح بنزع الجلباب و السكوت عن اعتقال “برو” يتلخص المشهد كله في أننا أمام معضلة في العقيدة التي ستحكم المستقبل ، والتي ستضرب اسس تعتبر من صلب الدين و العادة و العرف و التقاليد، بالتالي البنية العامة للشعب السوري.
بشّر رئيس الوزراء التركي، بنعلي يلدريم، بأن أنباء "جميلة" عن سورية سوف ترد في القريب. وجاء هذا التصريح بعد عودة الرئيس، رجب طيب أردوغان، من اجتماعاته مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في بطرسبرغ، ومع توارد أنباء عن توجه رئيس الاستخبارات التركية، حقّان فيدان، إلى موسكو، لاستكمال المباحثات مع الروس في جانبها الأمني. وتتسم تصريحات يلدريم بخصوص الوضع الإقليمي بطابع التفاؤل المفرط (ربما للتدليل على أن عهد حكومته سوف يتسم بصفر مشاكل، وهو الشعار الذي رفعه رئيس الحكومة السابق، أحمد داود أوغلو، من دون أن يتيسر له تطبيقه، وها قد جاء البديل يلدريم ليضعه موضع التنفيذ).
لم يرشح عن قمة أردوغان وبوتين أي شيء بخصوص الوضع السوري، غير أن ما تلاها بات يوحي بأن الطرفين في سبيلهما إلى تضييق الخلافات. في هذه الأثناء، كانت القوات الروسية تواصل دعمها حكومة دمشق، وتقصف منشآت مدنية، آخرها حتى كتابة هذه السطور، كنيسة في إدلب، فيما كانت "الحكومة الشرعية " في دمشق تستخدم الغازات السامة ضد المدنيين في أحياء حلب الشرقية، وفيما كان وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، يقلد في حلب أوسمةً لأفراد مليشياتٍ، مكافأة لها على تشديد الخناق على الأحياء المحاصرة.
تثير هذه التطورات المتسارعة تساؤلات، كما تثير الفضول، حول ما يجري ترتيبه. التساؤل الأبرز: هل ستستعيض موسكو عن الجهد الثنائي مع واشنطن، بإقامة ترتيبات ثنائية مع أنقرة؟ لا شيء ينفي ذلك، فواشنطن تنوء بعبء الملف السوري، من دون أن تبذل جهداً يذكر لوقف المجازر في هذا البلد، وبعد أن اختزلت الوضع المعقد هناك وتصويره على أنه يقتصر على خطورة تنظيم داعش، مع إغماض العينين عن بقية جوانب المشهد، وبالذات الوجود الإيراني ووجود المليشيات الدائرة في فلك إيران.. وفي وقتٍ تتوتر فيه العلاقات التركية الأميركية، ويبدو مصير قاعدة إنجيرليك غامضاً مع اتهاماتٍ لجنرالات في القاعدة بالمشاركة في محاولة الانقلاب الفاشلة. والراجح أن واشنطن سوف تركز زاوية النظر على انعكاسات التفاهمات التركية الروسية على الحرب ضد داعش، علماً بأن موسكو لم تمنح الحرب على داعش أية أولوية مقارنة بجهودها "الطيبة" المثابرة والمحمومة في استهداف المدنيين والمنشآت المدنية.
وفي أجواء اهتزاز الثقة بين واشنطن وأنقرة، ونزوع موسكو إلى الانفراد بإدارة الملف، بما في ذلك المشاركة المباشرة في الحرب ضد المعارضة وضد المدنيين، فإن على واشنطن أن تجني ثمار سياستها المشلولة، واستتباعها لموسكو، وابتعادها عن شركائها في مجموعة أصدقاء سورية، وتلك ربما خاتمة طبيعية مع انقضاء ولاية الرئيس، باراك أوباما، الذي يستحق أن يوصف بأنه كبير المتفرجين على المأساة السورية، فقد تم استدراج واشنطن إلى الصمت على المشاركة الروسية في الحرب، ولتزكية موسكو بأنها اللاعب الأول وصاحبة القرار، على الرغم من أن الأمر تم من وراء ظهر المجتمع الدولي ودول الإقليم، وبالضد من إرادة الشعب السوري. وبينما لم تتوقف موسكو عن استهداف المدنيين بصورة وحشية، فإن قصفها الإعلامي والدبلوماسي ضد الإرهاب لم يتوقف ساعة، وقد أثبتت إدارة أوباما أن صبرها بلا حدود، وأنه ليس لديها ما تفعله سوى مراقبة الوضع عن كثب (!).
تثير التطورات التركية الروسية التساؤل بشأن الدور الإيراني، وحيث التزمت طهران الصمت حيال قمة بوتين أردوغان. تخوض إيران الحرب في سورية، عبر الحرس الثوري ومليشيات حزب الله والحشد الشيعي ومليشيات الأفغان والباكستانيين الذين يساقون إلى الحرب عنوة. ترفض طهران كل مرجعية دولية، وتعتبر كل المعارضين السوريين إرهابيين، وتتمسك بخياراتٍ قصوى، تتمثل في سحق المعارضة السورية، وجلب كل السوريين إلى بيت الطاعة. وبينما تلتقي طهران مع موسكو، في عقيدةٍ عسكريةٍ واحدةٍ، هي التطهير العرقي والديني، وإلى إشعار آخر، فإن موسكو ترغب في اجتذاب أطراف مؤيدة لسياستها، وتقبل لفظياً بالمرجعية الدولية للتسوية السورية، وتدفع إلى أن يُجدّد النظام في دمشق نفسه بنفسه إلى التكيف مع مقتضيات التسوية، فيما ترى طهران أن لا شيء في دمشق يستحق التغيير والمراجعة، وأن الحكم هناك لا يأتيه الباطل في كل ما يرتئيه وينفذه، وأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان. وعليه، من المتوقع أن تسعى موسكو إلى تشجيع اتصالات تركية إيرانية من أجل كسر الستاتيك القائم، وإعادة اكتشاف المصالح المشتركة، ومنها الحرب على الحركة الكردية، وتنشيط المبادلات التجارية بأعلى أرقام ممكنة، غير أن أية اتصالات تركية إيرانية ستكون مرهونةً باتضاح أفق التفاهم الروسي التركي حول سورية. وبخبرة التجارب السابقة، لن تكون طهران مستعدةً للتراجع خطوة واحدة سوى مقابل تراجع أنقرة خطوتين إلى الوراء. الخشية في هذه الظروف أن تقود النزعة التصالحية المفرطة لدى أنقرة، ورهاب الانقلاب، إلى خطواتٍ متسرعةٍ تزيد في تعقيد الوضع السوري، تماما كما أن التدخل الروسي زاد الوضع تعقيداً، وضاعف من المحنة التي يتجرّعها ملايين السوريين.
وإلى إيران وأميركا، هناك بقية الأطراف ذات العلاقة بالملف السوري، ومنها على الخصوص أطرافٌ خليجيةٌ ترتبط بتفاهات استراتيجية مع أنقرة. وليس معلوماً ما إذا كانت أنقرة قد وضعت هذه الأطراف، وفي وقتٍ مناسب، في صورة التطورات الجارية، وما إذا كانت قد نسقت معها لعبور مرحلة جديدة، أم أن الأمر يقتصر فقط على "مبادرة" تركية قد تضع الأصدقاء أمام الأمر الواقع، مع ما لذلك من تداعيات.
ومن هذه الأطراف المعنية أيضاً مجموعة أصدقاء سورية، من فرنسا إلى بريطانيا، إلى الأردن ودول أخرى، علماً بأن التواصل التركي مع هذه الدول ضعيف، وقد زادت التطورات التركية الداخلية في تباعد المواقف. كيف مثلاً لبلدٍ، مثل الأردن، أن يقبل بأي حل للأزمة السورية لا يضمن عودة أكثر من مليون لاجئ سوري يقيمون على أراضيه، ويشكلون ضغطاً على ميزانيته التي تنوء بالأعباء؟.
لا يجانب الصوابَ مسؤولون غربيون لدى قولهم إن مفتاح الحل يكمن في "جيب" شخص واحد، هو الرئيس فلاديمير بوتين، نظرا للتأثير الكاسح الذي يمتلكه على نظام البراميل المتفجرة في دمشق، غير أن أي حلٍ لن يقيض له النجاح، ما لم يستند إلى المرجعية الدولية وأحكام القانون الدولي، وإلى تطلعات السوريين نحو نظام تعدّدي ديمقراطي، تحكمه سيادة القانون، لا سلطة الغاب، فالسوريون كانوا وسيبقون الرقم الأصعب والأقوى في المعادلة، والذي يستحيل تجاوزه.
بعد هجوم مباغت، نجح جيش الفتح، بالتعاون مع غرفة علميات فتح حلب، في إحداث ثغرة هامة في طوق الحصار المحكم المفروض على مدينة حلب منذ أواخر الشهر الماضي (يوليو/ تموز). ومثّل هذا الهجوم نقطة فارقة في مسار الحرب السورية، بعد التدخل الروسي الذي غير معادلات الصراع، وأضفى بعدا مغايرا في تفاعلاته الدوليّة لصالح النظام وحلفائه. تناولت مقالات عدة أهمية المعركة الأخيرة للمعارضة السوريّة، لكنّ قليلاً منها ركز على تداعياتها على النظام واستراتيجيته، لا سيما وأنها كانت أول خسارة حقيقية للنظام في حلب منذ يوليو/ تموز 2012.
لا تخفى على مراقب الأهمية الاستراتيجية لمدينة حلب، فعدا عن أنها العاصمة الاقتصاديّة لسوريّة، فإن قربها من الحدود التركيّة أكسبها مكانةً خاصةً في حسابات المعارضة والنظام. على هذا الأساس، كانت حلب حاضرة دائماً في استراتيجية النظام، منذ اندلاع المظاهرات السلمية عام 2011، وقد عمل جاهدا على عزلها عن الحركة الاحتجاجية وتحييدها باستخدام شتى الوسائل القسرية والناعمة. ومع أن المدينة شهدت مظاهراتٍ محدودة، فإنها ظلت عصية، باستثناء أحيائها الطرفية، أمام أي اختراقٍ ثوريّ، وذلك بخلاف أريافها التي احتضنت المظاهرات والعمل المسلح من بعده. ولمّا فشلت كل المحاولات، قرّرت فصائل الريف الشمالي تثوير المدينة، وإدخالها بالقوة في معادلة الثورة، عبر هجوم عسكري، اكتسح نصفها الشرقي في يوليو/ تموز 2012، لكنه توقف على أبواب قلعتها القديمة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت حلب في قائمة أولويات النظام عسكريّاً، لتخوفه من تكرار سيناريو بنغازي إبّان الثورة الليبية على معمر القذافي. وبخلاف تكتيكاته القتالية المتغيرة والمتبدلة، اعتمد النظام فيها استراتيجية عسكريّة احترافية في حلب، مستفيدا من تدخل حزب الله، وأطلق أواخر عام 2013 عملية عسكرية طويلة المدى، سميت "دبيب النمل" هدفت إلى استعادة حلب وريفها بالتدريج، من دون أن يضطر إلى زجِّ أعداد ضخمة من القوات، لتحقيق حسم عسكريّ شامل.
حققت هذه الاستراتيجية نجاحاتٍ مهمة، إذ استطاعت قوات النظام في أكتوبر/ تشرين الأول 2013 السيطرة على بلدة خناصر الاستراتيجية، وفتحت طريق إمدادٍ التفافي، يمر بالأحياء الجنوبية لمدينة حلب (الراموسة) ويصل إلى قسمها الغربي، حيث تتموضع قواته. ولما تحقق له ذلك، بدأ خلال عام 2014 معركة ثانية، استولى فيها على المدينة الصناعية والشيخ نجار، واتخذهما قاعدة للانطلاق شمالاً إلى مناطق المعارضة في باشكوي وحندرات ومخيم حندرات، ليصل بعد عامين إلى طريق الكاستيلو، ويفرض الحصار الكامل على المدينة أواخر يوليو/ تموز 2016. وعلى هامش المعركتين السابقتين، حصلت معركة روسية إيرانية في ريف حلب الشمالي، لم يكن للنظام أي دور حقيقي فيها. فبعد إسقاط تركيا مقاتلة روسية، في نوفمبر/ تشرين الأول 2015، سعت موسكو إلى عقاب تركيا عبر عزلها بشكل كامل عن الشمال السوري. وتقاطعت الأهداف الروسية مع مساعي إيران إلى فك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين. لذلك، زجّت الأخيرة رسميا حرسها الثوري في المعركة إلى جانب المليشيات العراقية والأفغانية، واستثمرت روسيا في قوات الحماية الكردية المعادية لتركيا، وأمنت لها غطاء جوياً مكّنها من السيطرة على بلدة تل رفعت، وكادت تصل إلى أعزاز، لولا التدخل المدفعي المحدود للجيش التركي.
من جهة أخرى، حاولت إيران، بقرار ذاتي خارج حسابات النظام وروسيا، السيطرة على ريف حلب الجنوبيّ، والوصول إلى طريق حلب – دمشق الدولي، بالقرب من مدينة سراقب، والتوغل في محافظة إدلب لفك الحصار عن بلدتي كفريا والفوعة ذات الأغلبية الشيعية، والقضاء على تجربة جيش الفتح الذي سيطر أوائل عام 2015 على محافظة إدلب، لكنه نجح في الربع الثاني من 2016 في صد الهجوم الإيراني، واستعاد السيطرة على بلدة خان طومان الاستراتيجية، ما كان المرحلة الأولى في فك الحصار عن حلب، فعبر هذا الريف المتصل مع محافظة إدلب، سارت تعزيزات جيش الفتح، لتصل إلى التخوم الجنوبية لحلب، حيث المواقع العسكرية المحصنة (مدرسة الحكمة، كلية المدفعية، الكلية الفنية) والتي تساقطت، الواحدة تلو الأخرى، أمام زخم الهجوم وقوته.
من المبكر لأوانه القول إن معركة حلب غيرت موازين القوى، أو قلبت معادلات الصراع العسكرية والسياسيّة، لكن المؤكد أنها أفشلت استراتيجية "دبيب النمل" الناجحة التي اعتمدها النظام على مدار السنوات الثلاث الماضيّة، وحجّمت النفوذ الإيراني خارج مناطق العاصمة والقلمون، وبعثت رسالة مباشرة إلى روسيا مؤداها: استحالة إنهاء الصراع عسكريّاً لصالحها.
أصدق جملة أو حكمة قيلت خلال القرن العشرين المنصرم، هي تلك العبارة التي قالها الممثل نهاد قلعي ولقبه حسني البورظان، والعبارة هي: «إذا أردنا أن نعرف ماذا يحصل في إيطاليا فعلينا أن نعرف ماذا يحصل في البرازيل».
يومها كانت العبارة تحمل احتمالين؛ إما أن كاتبها أوردها لأجل الضحك والكوميديا المجردة من كل النوايا، وإما أن الغطاء مكشوف عن بصيرته للدرجة التي أصبحت العبارة في القرن التالي أي الحادي والعشرين، من أساسيات حياتنا.
ومثال على ذلك، فإذا أردنا أن نعرف ماذا يحصل اليوم في حلب السورية، فعلينا أن نعرف ماذا حصل في اجتماع الرئيسين أردوغان وبوتين، بعيداً عن التصريحات الإعلامية المعدة سلفاً، مثل عبارات: «التعاون المشترك والعلاقات الاستراتيجية والمصير الواحد وتحسين العلاقات بين البلدين والرؤية المشتركة».. كل هذه العبارات لا تسمن ولا تغني من جوع الأطفال في حلب، بل نريد أن نعرف إلامَ توصل الجانبان بعد أن يتم إخراج الصحافيين من القاعة وترضيتهم بكم صورة يأخذونها للرئيسين وهما يبتسمان ويتصافحان؟
على أغلب الظن أن هناك قراراً واحداً مصيرياً سيحدد الوضع، ليس في حلب وحدها، بل وفي كل سوريا، هذا القرار يفسره كل طرف من طرفي الصراع السوري لمصلحته، فالموالون للنظام سيرون فيه خيراً لهم لاعتقادهم بأن حلفاءهم الروس لن يخذولهم، وبالتالي سيرسون بمركب الحل في مينائهم، بينما سيعتقد المعارضون بأن القرار سيكون لمصلحتهم ثقةً منهم بموقف تركيا من المعارضة التي تتخذ من الأراضي التركية ملاذاً آمناً.
وهذا القرار المصيري سيكون معقداً للغاية و«مشربكاً» أكثر من شربكة سماعات هاتف بيد سائق سيارة رن هاتفه فجأة بوجود شرطي مرور أمامه، وسبب تعقيد هذا القرار أنه حتى لو اتفق الرئيسان المجتمعان عليه فلن يكون من السهل تطبيقه، لأن الأمر اليوم بسوريا لم يعد بيد أحد، وهذه حقيقة، هو نوع من أنواع «توازن الخراب»، أي لا تمنح الفرصة لطرف أن ينتصر على طرف آخر، ولا أحد يريد لطرف أن يتغلب على الثاني، ومن باب الفلسفة العسكرية يسمونه «كرّاً وفرّاً»، ولكن في الواقع هو دعم متوازن لكل طرف من الأطراف، كي يبقى الوضع كما هو عليه.
بكل الأحوال، فحلب هي نصف المعركة، وأي طرف يكسبها سيكون كسب نصف سوريا، إلا إذا صحت التصريحات المتعلقة بتقسيم سوريا.
فاتني أن أخبركم بان عبارة حسني البورظان قالها في مسلسل اسمه.. «صح النوم».
هل الشرق الأوسط مهدد بأن يضحى موقًعا وموضًعا لمواجهة نووية سورية أميركية تعيد التذكير بما جرى في أوائل ستينات القرن الماضي في كوبا على نحو خاص٬ بعد محاولة الاتحاد السوفياتي السابق زرع صواريخ ذات رؤوس نووية في الخلفية الجغرافية للأراضي الأميركية؟
يبدو أن الأزمة السورية تتطور لتأخذ بعًدا مقلًقا للغاية٬ كأنه لا يكفي الدماء التي أريقت والآمنين الذين هجروا٬ والمذلة التاريخية للشعب السوري طوال السنوات الخمس الماضية٬ فها هي روسيا تفتح فصلاً جديًدا من تلك المأساة التي تتجلى إرهاصاتها في الآفاق.
الأنباء الواردة في بلاد القياصرة تفيد بأن قاعدة «حميميم» الجوية في ريف دمشق٬ تتحول الآن إلى قاعدة استراتيجية روسية٬ ويجري العمل على قدم وساق لتهيئتها٬ لاستقبال قاذفات استراتيجية روسية ثقيلة قادرة على حمل قنابل نووية.
يتساءل المراقب المحقق والمدقق للمشهد السوري ولتوجهات القيادة الروسية تحديًدا.. هل هذا هو الخيار شمشون لدى بوتين٬ رًدا على تحركات حلف الأطلسي بالقرب من حدود بلاده؟ وإن كان لبوتين ولروسيا مصالح استراتيجية في نقل المعركة القطبية خارج أراضي الروس التاريخية٬ فأي مصلحة للطرف السوري في جعل سوريا قاعدة نووية روسية٬ لا سيما أن الرد الأميركي حال صدقت تلك القراءات لن يتأخر طويلاً؟
من الواضح أننا أمام الفصل الأول من فصول الاتفاقية الروسية السورية٬ وهو فصل دموي وكارثي يبدأ بنشر مجموعة دائمة من القوات الجوية والفضائية الروسية٬ ولا أحد يجزم ماذا بعد.
يؤكد فرانتس كلينتسيفيتش٬ النائب الأول لرئيس مجلس الاتحاد الروسي لشؤون الدفاع والأمن٬ أن موسكو لن تنشر أسلحة نووية وقاذفات ثقيلة في القاعدة بصورة دائمة٬ باعتبار أن ذلك سيتعارض مع الاتفاقات الدولية٬ ويثير انزعاًجا قوًيا لا مفر منه٬ غير أن السؤال؛ ما الفرق بين الانتشار المؤقت والانتشار الدائم؟ المسألة في حقيقتها تلاعب بالكلمات٬ إذ يمكن لروسيا أن تغير طواقم طائراتها٬ بين الحين والآخر٬ غير أنه تبقى هناك وفي كل الأحوال تهديدات نووية٬ من خلال أسلحة محمولة جًوا٬ أو طائرة٬ أو عائمة في البحر٬ في تحايل واضح وفاضح لمعاهدات حظر الانتشار النووي.
المشهد الروسي الأخير في سوريا يتجاوز بمراحل المبررات التي قدمتها للعالم للتدخل العسكري في سوريا٬ ذلك أنها كثيًرا وطويلاً تحدثت عن أنه في حال عدم اتخاذ الإجراءات الضرورية٬ سيصل خطر الإرهاب الهائل لأراضيها أيًضا.
والمتابع لتصريحات بوتين وبقية المسؤولين الروس يرى أن هناك خًطا إعلامًيا وإعلانًيا مشترًكا يهاجم الغرب الذي لا يسعى لمواجهة الإرهاب٬ وعليه٬ فإن روسيا تعمل على تعزيز العلاقات مع اللاعبين الإقليميين٬ وتحديًدا مع سوريا وإيران والعراق.
هذا الحديث في جانب كبير مردود عليه٬ فالجميع وإن وافقوا على حشد الجهود لمواجهة «داعش» والقضاء عليه٬ فإن الأمر لا يبرر تحويل سوريا لخلفية نووية روسية٬ خلفية حكًما وبالضرورة ستجر ويلات مواجهة قد تقود لحرب عالمية نووية لا تبقي ولا تذر٬ ويمكن أن تحدث في لحظة من لحظات انفلات الأعصاب٬ لا سيما في زمن الرؤوس الساخنة التي لا تقوى على التفكير السديد.
مواجهة «داعش» مطلب دولي محبوب ومرغوب٬ لكن هل تلك المواجهة تستدعي توسيع الساحات المخصصة للطائرات الحربية وبناء تحصينات لحماية الطائرات من عمليات قصف محتملة من الأرض والجو؟ وهل لدى «داعش» تلك الإمكانيات في الوقت الحاضر٬ أم أنها استعدادات لملاقاة جنود ونيران الناتو٬ أميركًيا وأوروبًيا؟
الروس يخططون لتزويد القاعدة السورية بأجهزة اتصال إلكترونية حديثة٬ بما في ذلك منظومات خاصة بالتحكم بالحركة الجوية٬ مما يعني أنهم أضحوا أصحاب سيادة على الأرض السورية٬ في انتقاص لا تخطئه العين للسيادة السورية على الأراضي الوطنية٬ كما أن مشروع توسيع قاعدة «حميميم» عطًفا على تخصيص ساحات لهبوط وإقلاع طائرات النقل الثقيلة٬ يشمل أيًضا قيام روسيا ببناء ثكنات ومطاعم جديدة للعسكريين٬ بالإضافة إلى مستشفى ميداني وتجهيز مواقع لنشر منظومات صواريخ «بانتيسر» الحديثة التي ستحمي القاعدة٬ بحسب ما بثته «روسيا اليوم».
المصادر الروسية تعترف بالحقيقة الواضحة كالشمس في ضحاها.. «تحويل قاعدة حميميم إلى قاعدة عسكرية متكاملة لا يستهدف دعم سوريا كحليف لموسكو فحسب٬ بل تعزيز الأمن القومي الروسي».
.. يعن لنا أن نتساءل ما الفارق إذن بين سياسات روسيا الآنية في سوريا٬ والمحاولات الأميركية الدؤوبة في الشرقين الأدنى والأقصى٬ في أفغانستان والعراق؟
الفكر التوسعي البراغماتي واحد٬ بل إننا نشهد فصلاً روسًيا جديًدا من فصول الدوغمائية المطلقة٬ يشابه إلى حد التطابق منطلقات جورج بوش الابن في حروبه الغابرة.
الروس ينظرون اليوم إلى أنفسهم كأنهم رسل العناية الإلهية المنتظرون٬ وعليهم ينعقد خلاص الشرق الأوسط والعالم من الشر الأميركي المستفحل والمسيطر٬ هل من لا يصدق؟
فليسمع هؤلاء ما يقوله ألكسندر دوغين٬ العقل المفكر لفلاديمير بوتين: «الرب سيحمي روسيا الجديدة وشعب روسيا».
هل نحن أمام جمهورية الرب الروسية٬ المكافئ أو المعادل الموضوعي لفكرة أميركا الدينية «مدينة فوق جبل»؟
ليكن ما يكون من أمر اعتقاد الروس أو الأميركان بأنهم «الشعب المختار» الجديد٬ غير أن ما يهمنا قوله هو أن سوريا وقيادتها تخطئ خطأ فادًحا إن أرادت الهروب للأمام على هذا النحو الذي يحرق ويغرق المنطقة٬ التي لا تحتمل أن تكون كوبا جديدة في القرن الحادي والعشرين وفي الشرق الأوسط٬ الذي أضحى «كأس الجحيم» فعلاً وقولاً.
في الوقت الذي تدور في الغرف المكيفة المشاورات و المفاوضات بين الدول المسيطرة على الملف السوري، لايجاد حل يرضى طموحات الجميع ، تسير على الأراضي السورية آلة الدم “الأسدية - الروسية” بشكل حثيث و متصاعد لحصد أكبر قدر من أرواح من تبقى من السوريين ، و كأن الحل بات مرتبطاً بنفاذ السوريين ، فبغير هذه الحالة لا يمكن لأي خطة أن تنجح.
تنقلنا الأخبار بين المؤتمرات الصحفية و اللقاء السرية ، المكالمات الهاتفية ، و جميعها تقول أن الأمور يتم تدارسها و الخرائط يعاد ترتبيها ، و تبعاً لها سيتم اضافة ملفات للنقاش و أخرى سيتم ازالتها من الأجندة ، وجوه ستغيب عن المشهد و أخرى ستحل مكانها لتلعب دور البديل أو الممثل .
و يَعد الساسة بأن الأمور تبشر بالخير فمنهم من حددها بشهر “آب” و منهم من قال أنها خلال الشهور الست القادمة ، مقترحات حول مجالس عسكرية و هيئة انتقالية ، رفض للتقسيم و الفدرلة، حرب على الارهاب و الانفصال ، تعهدات و تعهدات مقابلة، دون أن يتم أي شيء على الأرض أو يتغير شيء.
و اليوم نقف أمام مشهد القتل و الابادة ، الذي لا يمكن الفته أو الاعتياد عليه ، ففي ادلب على سبيل المثال ١٩ منطقة بين قرية و بلدة و مدينة تم قصفها خلال بضع ساعات ، تقاطر الشهداء منها إلى السماء فيما بقي الجرحى تحت رحمة الألم المبرح بانتظار الموت، مع نفاذ امكانية العلاج نتيجة التدمير المنظم لكافة المشافي و المراكز الصحية.
في حين يقف المدنيون في حلب و ريفها على أعتاب السماء بانتظار صاروخ فراغي أو عنقودي ، و قد يكون من النوي الحاوي على الفسفور أو غاز سام كـ”الكلور”، ويقف فاكوا الحصار بحالة تأهب للانطلاق من جديد لايلام من يتسبب بإيلام المدنيين، وحتى من ذكرتهم أخيراً يواجهون طعناً عنيداً من الجميع ، و أقساها الاتهام بالتخاذل أو التراجع ، كأن الهجوم سيكون على حاجز يحوي بضعة دبابات ، في حين ينتظرهم على بعد أمتار قليلة ثلاثة جيوش و عشرات الميليشيات من المرتزقة ، اضافة للعالم بالأسره .
وبين المشهدين تسير عملية تقاسم المصالح على أجساد السوريين ، و على أرواحهم ، من خلال طريق خط بدمائهم و عُبّد بآهاتهم، في ثورة حقيقة ليس على الأسد فحسب بل على أعداء الانسانية.
صدر القرار من موسكو، قبل شهر ونصف الشهر، بمهاجمة حلب ومحاصرتها ومحاولة إعادتها إلى سيطرة نظام مافيا الأسد، وخاض الحرس الثوري الإيراني معارك حلب بكل قوته، معتمداً على المليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية والأفغانية التابعة له، وبعض من تبقى من قوات تابعة لنظام الأسد على الأرض قوة أرضية، وقوى سلاح الجو الروسي بكل ما عرف عنه من قدرة تدمير عالية، وجرأة في قصف المناطق المدنية والأسواق الشعبية والمشافي غطاءً جوياً. وقد استطاعت هذه القوات تحقيق نجاح نسبي، وتمكّنت من إحكام الحصار على المناطق التابعة للمعارضة في حلب، وقطع الطريق الوحيد الذي كان يربط تلك المناطق بالعالم الخارجي (طريق الكاستيللو)، ثم صدرت تصريحاتٌ من وزير الدفاع الروسي، يعلن فيها النصر في حلب، وأن بلاده مستعدة لتأمين خروجٍ آمن للمدنيين من حلب المحاصرة، بينما أعلن بشار الأسد عن استعداده للعفو عن المقاتلين الذين يسلمون أنفسهم وسلاحهم، بتنسيقٍ واضح بين الطرفين، للإيحاء بأن معركة حلب انتهت، وأن خطة الحسم العسكري الروسية في طريقها إلى النجاح، مما سيسمح لروسيا وإيران بفرض الحل السياسي الذي يخدم مصالحهما.
في هذه الأجواء، وبينما انشغل المحللون السياسيون في التفكير والتحليل لماهية الحل السياسي القادم الذي ستفرضه روسيا وحلفاؤها، مستغلة انشغال الإدارة الأميركية في المعركة الانتخابية، والأتراك بأمورهم الداخلية بعد الانقلاب الفاشل، وتركيز اهتمام السعودية ودول الخليج العربي على معركة اليمن الممتدة، بدأت قوات المعارضة المسلحة السورية هجوماً معاكساً استطاعت به الالتفاف على الحصار، وهزيمة قوات الحرس الثوري الإيراني، والمليشيات المتحالفة معها، والسيطرة على مساحاتٍ واسعةٍ من حلب، بينها قواعد عسكرية مهمة، مثل مدرسة المدفعية والتسليح ومنطقة الراموسة، وتمكّنت من كسر حصار حلب الشرقية، والبدء بحصار حلب الغربية الواقعة تحت سيطرة النظام.
قد يكون كسر الحصار ليس الإنجاز الأكبر لقوى المعارضة المسلحة، مقارنة مع اغتنام مستودعات أسلحة كاملة، كان النظام يخزّنها في القواعد العسكرية التي خسرها، مما سيعوّض القوات المهاجمة عن انقطاع الدعم القادم من الشمال، عن طريق "الكاستيللو"، ويمكّنها من متابعة هجومها لمدة أشهر عديدة، وسيرفع كثيراً خسائر إيران وذراعها الرئيسية في المنطقة، حزب الله، وسيضع موسكو في وضعٍ لا تحسد عليه، بعد فشل رهانها على الحسم العسكري، على الرغم من سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها أسطولها الجوي في القرى والمدن السورية. فهل سيقرأ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الرسالة القادمة من حلب؟ وإذا قرأها هل سيفهم معناها؟.
تقول الرسالة إن إيران وحرسها الثوري بكامل طاقته، وحزب الله بكامل عدده، وكتائب الحقد الطائفي العراقية والأفغانية بكامل عدتها، وما تبقى من جيش طاغية دمشق مع كل محتوى الخزينة السورية من مال وسلاح، مضافاً إليها قوات روسيا الجوية الهائلة والمدمرة كل شيء، من دون تمييز بين عسكر ومدنيين أو بين حجر أو بشر، فشلت كلها في استعادة نصف مدينة حلب، بل وقد تخسر النصف الآخر.
هل سيبقى زعيم الكرملين مصمماً على الحسم العسكري طريقاً وحيداً لفرض الحل الذي يريد في سورية؟ وهل سيستشرس في الدفاع عن نظام متهالك، ويحول سورية إلى أفغانستان أخرى، تستنزف روسيا، وتُغرق السوريين في الدم والدمار عقوداً؟ أم أن معارك حلب والهزائم التي مُني بها الحلف الذي يدعمه قد تشكّل فرصةً لاستخلاص العبر، وتفهّم أهمية الضغط على الإيرانيين، ومن خلالهم على طاغية دمشق، ودفعهم إلى قبول حلٍّ سياسي يحقّق طموحات الشعب السوري المشروعة في الحرية والديمقراطية، والاستقرار في دولةٍ عصريةٍ بعيداً عن الحكم المافيوي لآل الأسد وجرائمه، وعن التنظيمات التكفيرية وإرهابها وظلامها، بما يضمن استقرار سورية دولةً مسالمةً متصالحةً مع جوارها والعالم؟
شرح رسالة حلب، ومحاولة إيصالها إلى الروس، وكل من يهمه أمر سورية، يجب أن تكون مهمة كل الوطنيين السوريين، وكل حلفاء الشعب السوري الصادقين، كما أن تقدّم النخبة الثقافية والسياسية الوطنية في سورية بمشروع وطني، يوحِّد الغالبية الساحقة من السوريين، حول بنوده، ويرسم صورة حضارية عن السوريين وثورتهم، وحلمهم بدولة حرة ودستور يساوي بينهم، من دون تمييز على أساس الجنس أو الدين أو العرق، قد يساعد كثيرين، وفي مقدمتهم الروس، على استيعاب الرسالة التي أرسلتها حلب إلى الجميع في الأيام الماضية.