“نحن من بكرا ماشيين .. سامحونا” بتلك الكلمات و الصوت المبحوح لخص أعز أصدقائي في داريا المشهد ، ليمر شريط طويل أمام ناظري، وتضيع المشاهد فيه من غزارة الدموع، و غصة لم أعتد عليها طوال سني الثورة ، بكل ما حملته معها من آلام، فهنا الأمر يتعلق بـ”مسند حلمنا” الذي ضيّعناه نحن لا أحد غيرنا.
اليوم نقف على أعتاب المدينة المدمرة ، الشاهد الأبرز على حقد الأسد و ايران و روسيا ، الحاضر الأبرز على طاولات الخذلان و مؤتمرات المؤامرات، و الأهم الدليل الأدمغ على معنى الخذلان الثوري لمصدر عز و فخار الثورة، وباتت اليوم وصمة عار على جبين الجميع لا استثناء ، مهما كان اسمه أو صفته أو أي كان بالإجمال .
اليوم سيقف جيش الإسلام و فيلق الرحمن في الشط المقابل لداريا، ليتابعوا ما فعلت أيدهم ، و أي “بغي” ارتكبوا ، و أي تاريخ سيذكر من محاسنهم قيد أنملة ، و الأكثر ألماً أي مستقبل سينتظرهم ، فداريا اليوم لم تسقط أبداً، قاتلت حتى الرمق الأخير ، و حتى في هذا الرمق قاتلة فيه ما بعد انتهاءه، أما هم فلا زال الخلاف من أرسل المؤازرة ، و من سبق بإطلاق معارك باسم “داريا”.
في الجنوب ستقف الفيالق و الجيوش و الجبهات و الفصائل و الأولوية و الكتائب، منكبة على نفسها تدّور الأسماء بين قاداتها ، و تستعجل في بيانات الشجب ، والتوعد و التهديد ، و التصبير ، و لكن لمن ؟؟ فالوقت حان لتحضر نفسها للدخول في قائمة اللامنتمين.
في الشمال على الفصائل الرنانة العاتية الجيوش و المليئة بما تصفهم بـ”الأسود” ، عليها الوقوف مع ذاتها و تفكر مليلاً ، أي نصر سيغطي خذلان داريا ، وهم من يملكون وسائل ضغط تساعد و تخفف ، و لكن الوقت بالنسبة لهم ليس لداريا ، بل لمن يعجل بنشر الخبر و تبني الفعل .
لا ألوم الأسد و حلفاءه ، فهم عدو و عدو “قذر” ، و لكن اللوم نلقيه على أنفسنا و ذواتنا ، فنحن فقدنا الكثير ، و لكن بداريا لم نعد نملك ما نفقده ، و كما قال لي أحد الأصدقاء بعد سماع تسجيل أعز أصدقائي في داريا “ أتمنى أن أرى وجه قائد أي فصيل في سوريا لأعرف من أي جبلة جبلوا .. و كيف سيمضون ما تبقى لهم في هذه الحياة”.
تتسارع وتيرة الأحداث العسكرية في الريف الشرقي لحلب، لاسيما بعد تقدم قوات "قسد" في منطقة منبج وتمكنها من السيطرة على المدينة، بدعم جوي كبير من التحالف الدولي الغربي، لتبدأ قواتها بعمليات الزحف غربي نهر الفرات في سعيها للسيطرة على مدينتي جرابلس والباب، الأمر الذي لاقي معارضة تركية كبيرة، خصوصاً أنها تدرك نية "قسد" في تحقيق مشروعها الانفصالي على الحدود التركية.
وقد عملت تركيا بعد سيطرة "قسد" على مدينة منبج على التحرك على عدة أصعدة دولية، لكسب تأييد دولي لعملية عسكرية تهدف لتأمين حدودها يكون الجيش السوري الحر المكون المعتدل بنظر الجميع، رأس الحربة لمحاربة تنظيم الدولة وتوسع "قسد" في المنطقة الشرقية لحلب، على أن يحظى بدعم تركي كبير على الأرض.
وبدأت فصائل عدة من الجيش السوري الحر وبدعم تركي الأمس، عملية عسكرية واسعة النطاق تستهدف السيطرة على مدينة جرابلس بريف حلب الشرقي، على الحدود السورية التركية، والخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة، وذلك بعد تحضيرات استمرت لأسابيع عديدة، تمكنت خلال ساعات قليلة وبعد تمهيد مدفعي وجوي لأيام من السيطرة على المدينة بشكل كامل، والتوسع جنوباً حتى للسيطرة على قريتي الجامل والعمارنة، حيث بات الثوار وجهاً لوجه مع قوات "قسد" في المنطقة، والتي فوجئت بالتقدم السريع للثوار في المنطقة.
وحسب محللين فإن الأيام القادمة ستشهد تحولات عسكرية كبيرة في الخارطة العسكرية على الأرض، لاسيما مع ارسال تعزيزات تركية إضافة إلى جرابلس، وبدء قوات "قسد" بالتراجع إلى شرقي نهر الفرات حسب ما أعلن الناطق باسم التحالف الدولي، تزامناً مع تصريحات عديدة لقادة الجيش الحر في جرابلس عن نيتهم التقدم باتجاه الباب والتوسع غرباً حتى إعزاز بريف حلب الشمالي.
وينظر البعض إلى أن ربيع "قسد" في المنطقة قد انتهى وأن عملية "درع الفرات" جاءت لكبح جماح هذه القوات التي كادت أن تحقق مشروعها الانفصالي لو تأخرت هذه العلمية، وبالتالي قد تشهد تراجعات كبيرة عن مناطق عدة لاسيما العربية منها في تل أبيض ومنبج وريف الرقة، لتعود لحجمها الطبيعي في مناطق وجودها الأساسية في الحسكة وعين العرب وعفرين، مع التنبؤ باقتراب حدوث انشقاقات كبيرة في صفوف "قسد" لاسيما من المكونات العربية والتركمانية التي أجبرت على الانضمام لهذه القوات في وقت سابق، دون اي يكون لديها أي خيار ثاني.
ووسط تسارع الأحداث وتغير المواقف الدولية، بات من الضروري اليوم أن يعلم الأكراد الانفصاليين منهمـ أنهم وطوال عقود عديدة في التاريخ، كانوا أداة لتنفيذ مشاريع الغير، وبالنهاية تنقلب أطماعهم التوسعية والانفصالية عليهم، ليكونوا هم الخاسر الوحيد، لذلك لابد من مراجعة حساباتهم والعودة لرشدهم، والنظر في موقفهم من الثورة والنظام، وإعلانه بشكل واضح، حتى ينعم المكون الكردي الذي لاقى الويلات بشيىء من الحرية كغيريه من مكونات الشعب السوري الثائر ضد الظلم والاستبداد.
في هلوسة الانتظار أرصد بعض خردوات القذائف على إحدى التلال المنهكة، أنقل نظري بين جعبة ممزقة ورصاصة صدئة، أحدث بعض الحشرات التي تتكئ على بقايا صاروخ منفجر منذ عام أو أكثر، وأتأمل عبثية الأشياء التي خلفتها الحرب في وطني.
تحكي أشجار الصنوبر والكرز والرمان حكايات، وما بين تقارب أشجار الزيتون تخلق قصص، منها ما يحكي رواية عن شهيد أو معتقل أو لاجئ في مكان بعيد أو حتى نازح في مكان قريب، أراها مشدوهة من هول ما رأت، يكاد الصلع يصيبها بعد جرعات الكيماوي وهمجية التتر الذين مروا عليها، قالت لي أنها اعتقلت في مكانها بسياج الرصاص واستنشقت سموماً لا تعرف ما اسمها، واختلط مع عبقها رائحة البارود وتفسخ الجثث، لم يكن حينها بإمكاني أن أخبرها شيء سوى أني أبكي معها.
هكذا تحولت الثورة الى حرب خاضت ستة أعوام من طفولتها، ارتوت من ثدي الغدر والمؤامرات واللاإنسانية الدولية، الثورة التي وصمت ب"اليتيمة" نالت ما يكفي من الطعنات، كشرنقة تحاول الخروج من جلدها وتتحول الى فراشة، تلك الثورة تحاول الفرار من سم كوبرا الدول التي تلاهثت عليها لكنها لم تفلح حتى الآن.
أتساءل ماذا بإمكان صمود الشجر أن يقدم أو يؤخر في حرب ضروس؟ وماذا بإمكان هيجان بحر أن يفعل لوقف معارك شعثاء حتى البروج؟ وهل لبراميل نفط أن تمانع أن تكون سبيلا لإشعال فتيل التطرف وعبودية الأموال وتمجيد أشخاص كالعجول؟ هل دموعنا طريق لإطلاق سراح المعتقلين من السجون؟ وهل لضحكاتنا المبتذلة تأثير لدغدغة مشاعر العالم معنا ضد إجرام العبيد بالأحرار وجعلهم يسارعون لتنفيذ الوعود؟
كل عبثية الحرب تقطن في كفة وجوع الأطفال في كفة، فعند هذا العجز تشعر باستسلام كواكب الدنيا لحرقة الشمس، هذا الحرمان وهذه القسوة التي ولدت الأحقاد بين أبناء سوريا، فحين يفكر طرفان أن كلاهما إنسان و أن أحدهما يعيش على عاتق حرمان الآخر من رغيف الخبز تزيد نقمة الأحقاد تلك، هذا ما سعى له ذاك النظام السوري بأفكاره الشعثاء وأهدافه الملقحة بالضغينة، وهذا ما ولدته الحرب، إنها سموم تنفخ في عقول كل سوري، لا بل تنفث حتى في طعام الشعب.
ينتابني إحساس بين تلك الخردوات تساؤل آخر، وربما كان هذا التساؤل هو الأكثر فطرية في عهد الفجور الإنساني الذي مارس بغاؤه على جثث الأرامل واليتامى والأطفا، كيف اخترقت رمال الكره أدمغتنا يا ترى؟
يجيبني صدى غامض من بعيد : "لقد تصحرت نفوس أولئك الذئاب فلم يعد يهزهم دمع أو توسل امرأة عزول، لقد باتوا يلهثون كالكلاب العطشى لإذلال إنسانية الأحرار، وبات أسيادهم ينعقون لجمع اليورو و الدولار في حساباتهم بسويسرا وأوروبا، لتزيد خزائنهم و تفيض مواردهم من فيض دم تخثر على أوراق الشجر و في وسط السماء وعند الغروب و عند السحر، وأصبحت أرصدتهم بحجم استكلابهم و نهشهم أجساد شهداء عراة لم ينحنوا ذات يوم.
تمنيت حينها لو ني انتميت لمجزرة أو قدمت روحي قرباناً لنحيب أمٍ أو قهر ثائر، تمنيت لو كنت معولاً أحفر خنادق الثوار أو كنت أغلالاً تكبل الحقد الممنهج في نفوس الغاصبين، أو أنشودة تحفر النصر في جدران الكبرياء لتصرخ باسم سوريا الوطن.
لطالما نادى الشعب السوري منذ انطلاقة الثورة السورية بوحدة الأراضي والشعب السوري، لتغدو هذه الكلمات شعاراً يرددوه في كل جمع وكل مظاهرة وكل مقام ومقال ثوري، حتى جاء ما يبدد هذا الشعار ويحاربه بمشروع قديم جديد مدعوم من الغرب بكل أنوع الدعم السياسي والعسكري باسم وشعارات براقة لمحاربة الإرهاب.
هذا المشروع الانفصالي قديم حديث بدأ كحلم لتنظيمات عدة تنتمي لمكون معلوم في الداخل السوري، ومع بدء الثورة السورية بدأ الحلم يأخذ شكل الحقيقة ليتحول إلى واقع بعد أن عملت قوات "واي بي جي" و الـ "بي كي كي" الكردية على السيطرة على المناطق العربية في محافظة الحسكة وتهجير أهلها، تمهيداً لمشروعهم الكبير من الحسكة شرقاً حتى عفرين غرباً، مستغلة بذلك تغاضي قوات الأسد عن أفعالها في الحسكة، مقابل ضبط المحافظة وضمان عدم خروجها في وجه الأسد.
ومع دخول تنظيم الدولة من العراق إلى سوريا والذي كان الحجة الأكبر لتكوين هذا الكيان وتدخل الدول الغربية لمساندة الأكراد في ذلك رغم المعارضات التركية الدولة الجارة، إلا أن محاربة الإرهاب باتت الحجة الأكبر للدول الغربية لدعم المشروع الانفصالي في سوريا وتثبيت أركانه بالسيطرة على منطقة عين العرب، ثم التوسع شرقاً إلى تل أبيض وعين عيسى، لتبدأ مرحلة جديدة من الحراك السياسي باسم مكون جديد وهو "مجلس سوريا الديقراطية".
ولإعطائه الصبغة الشرعية وأنه يمثل مطلب السوريين ككل عملت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" على إدخال بعض المكونات العربية والتركمانية في الرقة كجبهة ثوار الرقة ضمن صفوفها وفي عفرين جيش الثوار، لتكون هذه المكونات هي رأس حربة إعلامية لا أكثر، تعطي لقسد دفعاً إعلامياً وحضوراً سياسياً كبيراً على أنها تمثل مكونات الشعب السوري، من عرب وكرد وتركمان، وتسعى لتخليص أرضهم من الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة.
ومع تسارع الأحداث في الشمال السوري واستغلال "قسد" لتقدم قوات الأسد في حلب وسيطرتها على بلدات ومدن ريف حلب الشمالي، ومن ثم السيطرة على منطقة حوض الفرات والتقدم غرباً في منبج ومناطق أخرى، بدأت ملامح المشروع الانفصالي تظهر للعلن على ألسنة قادة قسد ومكوناتها الكردية، وباتت أحلامهم تتحول لحقيقة فلم يبق أمامهم إلا منطقة جرابلس والباب وإعزاز فتغدو المنطقة الحدودية كاملة من عفرين غرباً حتى الحسكة شرقاً تحت سيطرتهم، وقد هجرها غالبية أهلها من المكونات العربية.
ولأن تركيا الدولة الجارة تعارض بشدة قيادة دولة انفصالية في الشمال السوري، ولأنها اصطدمت مرات عدة بالقرار الأمريكي الداعم لقسد، عملت في الآونة الأخيرة على بناء تحالفات سياسية وعسكرية جديدة ظهر فيها التقارب الروسي الإيراني التركي، ليكلل هذا الاتفاق خلال أسابيع قليلة ببدء عملية عسكرية واسعة النطاق في منطقة جرابلس، تستهدف السيطرة على المدينة، والتوسع في ريفها، وبذلك قطع الطريق على المشروع الانفصالي، وربما إعادة ترتيب الأرواق العسكرية على طول الحدود بما يجبر قسد للتراجع عن المناطق التي سيطرت عليها مؤخراً في شمالي حلب وريفها الشرقي وريف الرقة.
وجاء الإعلان عن عملية "درع الفرات" كصاعقة وضربة كبيرة لقسد في سوريا، وحلفائها في الغرب، إلا أن إصرار تركيا على دعم الجيش الحر ومساندته برياً بقوات ومدفعية على غرار المساندة الأميركية، قد أثمرت اليوم بالسيطرة على مدينة جرابلس، وربما تغدو هذه المدينة نقطة انطلاق لتحرير المنطقة، وبناء المنطقة الأمنة على طول الحدود السورية التركية، وبالتالي ضرب المشروع الانفصالي، وإعادة سوريا لما يريد شعبها حرة مستقلة موحدة.
قررت تركيا اليوم التدخل المباشر ، العلني ، لأول مرة في الميدان السوري عسكريا، بزج قواتها الخاصة في تطور ملحوظ في الملف السوري عموماً و لاسيما الحدود، و الذي يعتبر رسالة واضحة أن “لا مغامرة جديدة “في هذا المكان ، و العمل سيكون بيدها بشكل تام .
في الأيام الماضية، من خلال متابعة التحضيرات لمعركة “جرابلس”، كانت الأحاديث العلنية و المتداولة أن الفاعل على الأرض سيكون بعض الفصائل التابعة للجيش الحر ، بدعم كبير و شامل و كامل من قبل تركيا ، و في الخفاء كان الحديث عن تدخل قوات تركية بشكل غير علني ، و لكن اليوم و منذ الفجر بدأ الاعلام التركي الرسمي الاعلان عن أن القوات التي ستدخل تركية ، في اطار الحق في “الدفاع عن النفس” و الأهم تنفيذ التهديد الفعلي لأحد أهم خطوطها الحمراء ألا وهي “الدولة الكردية”، بعد أن مرت سنوات على الاقتصار على التهديد و الوعيد على المنابر و أمام الكميرات.
توقيت الهجوم لم يكن مفاجئاً ، فقد أخذ “حقه” في التمهيد السياسي الناعم ، و الذي حمل في طياته “الحسم” بأن لا دولة كردية بشكل نهائي، بعد أن كان الاقتصار على منطقة بعينها ضمن مربع معين يمنع أن يكون الحلم الكردي في شمال سوريا موصولاً .
و لعل التغيير في ديمغرافية السياسية التركية اتجاه سوريا ، قد يمهد لمزيد من التغيرات على الأرض ، و يقلب الموازين من جديد ، و لكن بشكل غير مفهوم أو متوقع ، فهنا لن يكون لـ”المبادئ” دور في توجيه السياسية التركية ، و إنما “المصالح” هي المغلبة بشكل حتمي ، فمن يستطيع أن يقدم خدماته لتركيا سيكون على موعد مع مقابل مجزٍ، و أما من يتخاذل أو يظهر ضعفه فسيكون حتماً في قائمة المحاربين، و هذا ما يجعل من معركة “جرابلس” و في الطرف الآخر “الحسكة” ، هي المفاضلة بين الثوار و النظام ، من يفز بود تركيا و يحصل على “الهدية”.
الحقيقة التدخل التركي ، بهذه الطريقة لا يمكن اعتباره تدخل من طرف واحد “تركيا” ، بمنعزل على بقية الأطراف الدولية الفاعلة بالملف السوري، فأحاديث تركيا الرسمية تقول أن الدعم الجوي يتم من قبل التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، و في نفس الوقت هناك “تطنيش” روسي ينم على علم ، و صمت إيراني يشير إلى التأييد الكامل ، و بطبيعة الحال الأسد لا يملك شيء إلا محاولة تقديم خدمة “المصالحة” مع تركيا من خلال اقلاق الفصائل الكردية الانفصالية في الحسكة و القامشلي ، علّه يستطيع الحصول على شيء من “العسل” التركي ، الذي لوحت به الأخيرة بعد أن تصريحات رئيس الوزراء بن علي يلدريم ، التي تجاهل بها ذكر الأسد كعدو و إنما اعتبره مفاوض و طرف في الحل .
اليوم بدأت “درع الفرات” ، التي تشي بأن الهدف لن يكون “جرابلس” بعينها ، بل الامتداد سيكون على طول الخط “الفرات” ، وهذا ما أكده العقيد أحمد عثمان قائد فرقة السلطان مراد ، أن جرابلس هي بوابة لتحرير ريف حلب الشمالي، قهذا يدل أن الأمور قد حسمت ، و أن دور “الانفصاليين” بات من الماضي ، و أقسى ما يمكن الحصول عليه هو مناطق كانوا متواجدين بها قبل الثورة .
خرجت القضية السورية من أيدي السوريين (نظاماً ومعارضة)، على الرغم من الآلتين، الإعلامية والدبلوماسية اللتين تحاولان إظهار مشهد المفاوضين من الجانبين على طاولة المؤتمرات الدولية، وضمنها في جنيف، والتي لن يكون آخرها مؤتمر لندن في الشهر المقبل.
لم يعد السوري المعارض اليوم يسأل عن مشروع معارضته تجاه ما يحدث له من حرب إبادة تطاول الإنسان والحجر، أو عمّا تعده هذه المعارضة للتخفيف من معاناته، أو لتمكينه من استعادة عالمه، وتحقيق آماله في سورية الجديدة. كما لم يعد السوري الموالي يسأل عن موقف نظامه من كل الاختراقات الدولية لما كانت تسمى "السيادة السورية"، وتلاعب هذه الدولة، أو تلك، بمصير السوريين، ووصايتها على النظام.
هكذا نحن، في الحالتين، نتابع التصريحات المتتالية لدولٍ تساند النظام من جهة، ودول تدعي مساندة المعارضة من جهة أخرى، ولعل من المفيد التذكير بأن التفاهمات والتقاربات الأخيرة بين الدول، على اختلاف موقفها أو موقعها من الثورة، وضع السوريين في حالةٍ يمكن تسميتها سقوط مفهوم الدول الصديقة، أو المساندة، لصالح ظهور مفهوم جديد، يمكن تسميته دول "الوكلاء"، أي وكلاء الحل السوري.
تستطيع روسيا التي تقدم نفسها وكيلاً عن النظام السوري عقد التفاهمات والاتفاقات والهدن، داخلياً وخارجياً، من دون العودة إليه، أو حتى إعلامه، من باب سد الذرائع وتحصيل الشرعية في جزئها السوري الموالي. وهذا يشمل أيضاً إيران التي تدرك، اليوم وبوضوح، أنها لم تعد وكيلاً عن النظام، إلا ضمن ما تسمح به روسيا لها، على الرغم من تنازع النظام في ولائه بينهما، وإحساسه العميق أنه أمام خيارين، أحلاهما بيعه على أول طاولة تفاوض، تحقق لروسيا مصالحها الأوروبية، وحضورها الدائم في الشرق الأوسط، ومصالحةً، ولو شكلية، على المستوى الدولي العام. أما ثانيهما فيتجلى في خيار الوكيل الآخر، أي إيران التي أضحت عاجزة عن الدفاع عن وجودها، كما عن مكانتها في سورية، إلا من خلال الرضا الروسي.
"أوغلت المعارضة السورية في التفريط بالقرار الوطني المستقل، في تعاملها بطريقةٍ دونيةٍ مع دولٍ لا تهتم إلا بمصالحها وأجندتها بداية ونهاية"
وفي الواقع، إيران هذه التي لطالما تصرفت كأنها وكيلة حصرية عن النظام، وصاحبة النفوذ في سورية، والتي دفعت الأمور إلى أقصى الحل الأمني، وأقصى الرفض لمطالب المعارضة، ومعاداة طموحات الشعب السوري، بإصرارها على بقاء الأسد، وجدت نفسها مضطرةً للتقليل من طموحاتها، والرضى، ولو على مضض، بالوصاية الروسية، بل واعتبار روسيا صاحبة النفوذ الأكبر في سورية، إلى حد أنها باتت تخشى منازعتها على مكانتها حليفاً ثانياً لروسيا، بعد دخول تركيا على خط التحالف مع روسيا؛ وهو تحالفٌ يمكن أن يتطور ويفتح على سيناريوهات عديدة، لا علاقة لها، أو ربما تأتي بالضد من مصالح إيران في المنطقة.
في المقابل، الأوضاع على جبهة المعارضة أكثر وطأة وخطورة وتعقيداً، فأولاً، هذه المعارضة من الأصل كانت تعاني من قلة الدعم والإسناد السياسي والعسكري والمالي مما يسمى معسكر أصدقاء سورية، بالقياس للدعم اللامحدود الذي كان يتلقاه النظام من حليفيه، الإيراني والروسي. ثانياً، واضحٌ أن دول "أصدقاء سورية"، لا سيما الولايات المتحدة، تراجعت في مواقفها المعلنة عن حقوق الشعب السوري والانتهاء من نظام الأسد، إلى أقل حتى من قرارات جنيف 2012 وأقل من بياني فيينا 1و2. ثالثاً، المشكلة أن هذا بات يشمل حتى أكثر الدول قرباً للمعارضة السورية، وهي تركيا من جانبين، أولاهما تنسيقها مع روسيا حليفة النظام، والتي تقصف الشعب السوري بالطائرات، وثانيهما بإعلانها التراجع عن هدف ترحيل النظام في المرحلة الانتقالية. رابعاً، ما ينبغي ملاحظته أن هذا كله يجري في غياب تام للمعارضة السورية، رأياً أو حضوراً، وحتى أن هذه المعارضة تبدو غير قادرة على إبداء رأيها، أو مناقشة رأي من يدّعي صداقتها من مبدأ التوكيل التام أيضاً لهذه الدولة أو تلك.
كان الأجدر بالمعارضة أن تدرك أنها تمثل الشعب السوري ومشروعه الوطني، وأنها تستمد شرعيتها ليس من الأنظمة الداعمة "الصديقة"، والأصح الوكيلة، وإنما من شعبها. أيضاً كان يجدر بالمعارضة أن تصارح شعبها بحقيقة الأوضاع، وبشأن كل ما يجري من تحولات وتعقيدات، من دون مواربة، وبمسؤولية، وأن تضع شعبها بصورةٍ واضحةٍ حول مواقف كل الدول، وأين تقف اليوم من مبادئ الثورة، وحدود مصالحها الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية، لأن ما يدور في أروقة مكاتب المعارضة، في لقاءاتها واتصالاتها، هو ملك للشعب السوري، وليس لأي أحد بذاته.
إضافة إلى كل ما تقدم، من المفترض بالمعارضة أن تدرك أن الشعب هو الذي يدفع الأثمان الباهظة لكل ما يجري، ومن ذلك تسليم النظام السوري بلده لمن ادّعوا مساندته، في محاولته الحفاظ على سلطةٍ، ولو منزوعة السيادة. ويأتي ضمن ذلك أيضاً عجز المعارضة، وضعف إدراكاتها مكانتها ودورها ممثلاً للسوريين وبديلاً للنظام، ناهيك ضعف إدراكها مكانتها ورقة قوة، وليس مجرد أداة لهذه الدول على طاولة التفاوض الدولية.
قصارى القول، أوغلت المعارضة السورية في التفريط بالقرار الوطني المستقل، في تعاملها بطريقةٍ دونيةٍ مع دولٍ لا تهتم إلا بمصالحها وأجندتها بداية ونهاية، فهل يمكن للمعارضة أن تتدارك مخاطر هذا الوضع الذي وصلت إليه، حفاظاً على مكانتها، ودفاعاً عن حقوق شعبها؟
لم يكن فشل مفاوضات جنيف السورية مفاجئاً، ولا علاقة لتأجيلها، مرة بعد مرة، بخرق وقف إطلاق النار في حلب أو الغوطة، أو عدم التزام الأطراف المتقاتلة الهدنة المعلنة. السبب الأساسي أن روسيا والولايات المتحدة لم تتفقا بعد على تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط، وإفساحهما المجال للدول الإقليمية للغوص أكثر في هذا المستنقع. ولكل منهما هدفه. موسكو تسعى إلى تكريس وجودها في المنطقة، طامحة إلى إحياء مشروع استراتيجي إمبراطوري قديم جداً يقضي بإنشاء تحالف أو تكتل عسكري- سياسي، يمتد إلى طهران وبغداد ودمشق، وكان هذا المشروع يواجه الكثير من العقبات، ففي ستينات وسبعينات القرن الماضي كانت تركيا وإيران الشاه وإسرائيل تقف حائلاً دون تحقيقه، وبعد الثورة لم تكن إيران الضعيفة مستعدة للتعاون في تنفيذه، فضلاً عن تفكك الاتحاد السوفياتي مطلع التسعينات، واستقلال الدول الآسيوية التي كانت تدور في فلكه وتحولها في اتجاه الغرب، وسماح بعضها للولايات المتحدة بإقامة قواعد عسكرية. اليوم يجد بوتين الفرصة سانحة لإعادة إحياء هذا الحلم من خلال علاقاته القوية مع إيران والحرب الأهلية في سورية وتمسكه بالأسد، وتحييد تركيا الخائفة من إقامة دولة كردية قرب حدودها.
أما واشنطن فكانت تواجه هذا المشروع بتمتين تحالفاتها في آسيا الوسطى والقوقاز، وفي الشرق الأوسط، وإقامة قواعد عسكرية فيها، كما حاصرت إيران بعد الثورة واعتبرت سورية جزءاً من محور الشر، وضربت العراق وأسقطت نظامه، بعدما أنهكته حرب الخليج الأولى، وأزالت معالم دولته لتنشئ نظاماً موالياً، معتمداً في بقائه على الدعم السياسي والعسكري الذي تقدمه إليه كي لا يقع في أحضان طهران، من دون أن يعاديها، وكي لا ينفتح على دمشق وحلمها القديم (منذ أيام الأسد الأب) في التواصل مع موسكو عبر هذا الخط الإستراتيجي.
انطلاقاً من هذا التفكير تتواجه الولايات المتحدة وروسيا في سورية، وعلى خلفيته تجري المحادثات بين كيري ولافروف اللذين لم يجدا بعد مساحة للتوافق. يقول روبرت مالي، وهو منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج في البيت الأبيض ومساعد الرئيس أوباما، إن «الروس لا يعارضون الانتقال السياسي (في سورية)، ويريدون تجنب نشوء وضع يؤدي إلى تدمير مؤسسات الدولة وتفككها وانتصار الجهاديين. كما أنهم يدعون إلى وقف النار، لكنهم ضد أن تستغل النصرة هذه الهدنة. ونحن نشاطرهم موقفهم في هاتين النقطتين». (فورين بوليسي). ويضيف: «نقول بصراحة، سواء كان هناك اختلاف بين ما تقوله موسكو وما يجول في ذهنها، أو إن كانت عاجزة عن إجبار النظام السوري على القيام بما يجب (وقف قصف المعارضة المعتدلة)، فنحن لا نخسر شيئاً. وسنواصل تقديم الدعم للمعارضة السورية، ولن نسمح للنظام بأن ينتصر». وتابع إن «واشنطن تسعى إلى التعاون مع روسيا لتحقيق أهداف مشتركة، لكن في حال فشل هذا التعاون فنحن مستعدون لاتخاذ خطوات تؤدي إلى إطالة أمد النزاع».
لم يوضح مالي الأهداف المشتركة، ولا كيفية التوصل إلى تحديدها، فالنقطتان اللتان تحدث عنهما (الانتقال السياسي وتجنب انهيار الدولة) غير كافيتين لإنهاء الحرب التي بدأت تمتد إلى دول الجوار، خصوصاً تركيا. ومن غير الواضح أيضاً كيف يمكن الدولتين التفاهم على حلول للأزمات المعقدة، بدءاً من أوكرانيا وجورجيا وليس انتهاء بسورية.
كل المؤشرات تؤكد إطالة أمد الحروب الطائفية والمذهبية في المشرق العربي والعراق، فلا موسكو مستعدة للتخلي عن حلمها في تكريس الخط الإستراتيجي إلى دمشق مروراً بطهران وبغداد، ولا واشنطن مستعدة لمغادرة المنطقة. بل هي عادت إليها بقوة، بعد انكفاء لم يدم طويلاً، كما أن الحرب بين «اليانكي» والجيش الأحمر ليست واردة.
عندما زار الرئيس الراحل الياس سركيس فرنسا ليطلب من رئيسها فرنسوا ميتران المساعدة على وقف الحرب في لبنان، قال له: "Allez voir Wachington" أي "روح شوف واشنطن". وكان لهذا الجواب معنى واضح وهو أن الحرب في لبنان هي من صنع واشنطن وهي التي تستطيع وقفها ولا أحد سواها. وقد أكدت المراحل التي مرت بها تلك الحرب واستمرت 15 سنة صحة ذلك. فالغاية من اشعال الحرب في لبنان كانت التخلص من المنظمات الفلسطينية التي تزعج اسرائيل بعملياتها الفدائية، وتالياً اخراج الفلسطينيين المسلحين الذين يزعجون اللبنانيين باخضاعهم للتفتيش عند الحواجز، عدا تهميشها دور السلطة اللبنانية. وخوفاً من أن يتغلب الطرف اللبناني على الطرف الفلسطيني أو يتغلب الطرف الفلسطيني على الطرف اللبناني، وتحديداً المسيحي بعد وقوف أحزاب اسلامية وقومية عربية الى الجانب الفلسطيني، رسمت أميركا خطوطاً حمراً للمتقاتلين لا يجوز لأي منهم تجاوزها، ما جعل الحرب سجالاً عند خطوط التماس بين ما كان يسمى "بيروت الشرقية" و"بيروت الغربية" في انتظار ان يتعب المتقاتلون ويصبحوا جاهزين للقبول بالحل الذي وضع في لقاءات الطائف والذي أخضع لبنان لوصاية سورية تتولى هي تنفيذ اتفاق الطائف في غضون سنتين. لكن الوصاية السورية التي طابت لها الاقامة في لبنان جعلتها تمتد الى 30 سنة وقبضت ثمن ذلك اخراج المسلحين الفلسطينيين من لبنان الى تونس ارضاء لاسرائيل وتنفيذاً لصفقة التفاهم مع أميركا.
والآن يستطيع لبنان أن يقول لكل موفد عربي أو دولي صديق يحاول اخراجه من ازمة الانتخابات الرئاسية: "روح شوف إيران"... فكما أن واشنطن كانت وراء اشعال حرب الـ 75 في لبنان تحقيقاً لاهدافها ولاراحة اسرائيل من العمليات الفدائية الفلسطينية، فإن طهران هي التي افتعلت الأزمة الرئاسية وهي التي تحلها إذا شاءت. فلو انها كانت تريد انتخاب رئيس للبنان لكانت طلبت من نواب "حزب الله" ومن معهم النزول الى مجلس النواب لانتخاب أحد المرشحين عون وفرنجية، وكلاهما من خطها السياسي، بل كانت ضغطت لينسحب أحدهما للآخر ضماناً لفوزه وتبديداً لخوفها من فوز مرشح آخر ليس من خطها، ولما كان الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله يكرر تأكيد تمسكه بترشيح العماد عون حتى بعد فشل المساعي المبذولة لدى الرئيس سعد الحريري لكي يؤيّد العماد عون ويتخلى عن تأييد فرنجية، أي الطلب من الحريري أن يتجرّع كأس السم... وهو ما لن يفعله، وإن هو فعل يكون قد حكم على نفسه بالانتحار السياسي.
لذلك فإن السيد نصرالله، على رغم كل الصعوبات التي تواجه ترشيح العماد عون وتعذّر تذليلها، ظل مصرّاً على تأييد ترشيحه مخالفاً ما كان قد اقترحه سابقاً وهو انتخاب من لا يشكّل انتخابه كسراً لأحد، أي مرشح توافق وتسوية، لكنه تناسى ذلك عندما بلغه أن ايران لا تريد انتخاب رئيس للبنان في الوقت الحاضر بل في الوقت الذي تحدّده هي.
لقد بات واضحاً ان إيران تريد أن تأخذ في سوريا كي تعطي في لبنان، أي أن يكون الحكم في سوريا موالياً لها فيصبح عندئذ أي حكم في لبنان موالياً لها أيضاً بفعل تأثير الحكم في سوريا على الحكم في لبنان، في حين أن حكماً في سوريا غير موالٍ لإيران أو حتى محايداً يجعل الحكم في لبنان أكثر حرية واستقلالية في اتخاذه قراراته المحلية والاقليمية والدولية.
لذلك يمكن القول إن إيران ستظل تضغط في لبنان لتحصل على ما تريد في سوريا وأن تصيب عصفورين بحجر واحد. واذا كان الشغور الرئاسي لا يكفي لبلوغ ما تريده إيران في سوريا فإنها تستخدم عندئذ أوراق ايصال لبنان الى الفراغ الشامل، وذلك عندما يحين موعد الانتخابات النيابية المقبلة فلا يكون رئيس للجمهورية ولا يكون قانون عادل ومتوازن تجرى الانتخابات على أساسه، ولا يكون تمديد لمجلس النواب بل يكون الفراغ الشامل، وقد يكون هذا ما عناه الرئيس نبيه بري بقوله: "إن لبنان هو على مفترق طرق إذا لم نتوصل الى اتفاق حول الملفات العالقة نهاية السنة".
عندما ضُربت أوروبا بنار الإرهاب، قامت الدنيا ولم تقعد... وعندما استمر ضرب ريف حلب والشعب للسوري من قبل نظام بشار الاسد والنظام الروسي، قعدت الدنيا ولم تقم!
عشرات القتلى والجرحى يومياً وملايين السوريين المشردين نحو العالم شهرياً ولا تزال اوروبا تنظر وتترقب، واميركا تشاهد من بعيد.
فتارة تصمت واخرى تستنكر افعال روسيا، وهي التي كانت في السابق تتقدم الصفوف قبل الاستنكار وتتحرك طائراتها الحربية وبارجاتها البحرية قبل الكلام!
سورية ضاعت والتقسيم آتٍ واسهم الاسد في المعركة تتأرجح لدى اوروبا حسب مصالحها، بين البقاء تارة او الاطاحة به تارات اخرى، ولكن لكل مسار ثمن!
كيف تقبل الولايات المتحدة، للدب الروسي ان يعبث في سورية من دون ان توقفه او تحجمه، ما لم يكن للولايات مصلحة من ذلك!
اميركا لا ترغب بالاسد، ولكن لا يوجد لديها بديل مناسب حتى اليوم، لذا نرى صمتها الواضح عن تلك المذابح التي يرتكبها بشار بحق شعبه حتى تتوصل هي للحل، وتعرف من هو رجلها المناسب في المكان المناسب!
فقد تساءل الكاتب إيليوت أبرامز في مقال بمجلة «نيوزويك»، كبرى المجلات في الولايات المتحدة، عما فعله الرئيس باراك أوباما تجاه الجرائم التي يقترفها نظام بشار الأسد بحق شعبه، وقال إن أوباما لم يحرك ساكناً!
من هنا نرى ان على المعارضة السورية حمل صوابها ولملمة اوراقها وتوحيد صفوفها ولاسيما بعد فك حصار حلب، وهي الورقة الوحيدة المتبقية لها للاستمرار في التقدم في المعركة!
فبالاضافة الى عصابة بشار وروسيا وايران في سورية، هناك «الدواعش» الذين كانوا عاملاً من عوامل تأخر تقدم المعارضة الذين تأذوا من أفعالهم الشنيعة واحتلال مناطقهم التي يسيطرون عليها، الامر الذي بات عليهم توحيد كل فصائلهم تحت راية واحدة، وهدف واحد هو إسقاط بشار الاسد ومن ثم لكل حادث حديث!
على الطاير:
- في حوار مع وكالة «مشرق» المقربة من الحرس الثوري الايراني، أعلن احد قادة الحرس في سورية الجنرال محمد علي فلكي أن بلاده «شكلت جيش التحرير الشيعي بقيادة قائد فيلق القدس قاسم سليماني، حيث يقاتل هذا الجيش حالياً على ثلاث جبهات، في العراق وسورية واليمن»!
هكذا تدخل ايران علينا بطائفيتها... وهكذا ترفع امامنا شعار «لا للتدخل في شؤون الآخرين»!
ومن أجل تصحيح هذه الأوضاع بإذن الله... نلقاكم!
قلب رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم الطاولة تماماً ، كاشفاً عن توجه جديد في سياسة بلاده حيال ما يجري في سوريا، و يتلخص الانقلاب الذي تلى الانقلاب الفاشل بوصف ما يجري في سوريا بأنها “حرب داخلية” تستنزف طاقتها، محدداً المسار الجديد بمنع أي كيان غير الدولة السورية بالوجود في سوريا ذات الأراضي “الموحدة” ، مسمياً بالاسم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ، الذراع السياسي لوحدات حماية الشعب ، و زعيميه صالح مسلم ، بأن لن يكون لهم كيان.
كلام يلدريم الذي بدد كل التحليلات المعاكسة و الساعية للتخفيف من حدة الانقلاب في التوجه التركي ، ووضع النقاط على حروف كانت مبهمة تتناقل بين أنقرة و موسكو و طهران ، مروراً بدمشق ، بأن التحالف الجديد سيفرض شروطه على الجميع ، معها كان هذا الجميع كبيراً أو يعارض دولة بثقل الولايات المتحدة الأمريكية.
الأنباء التي كانت تتحدث عن التحالف الجديد ، كانت تصب في خانة واحدة، ألا وهي مبادلة واضحة تضمن من خلالها تركيا أمنها القومي بعدم ظهور تكتل يهددها بعد سنوات بالعدوى في أراضيها، و في ذات الوقت يمنحها حق الانتقام من أمريكا بعد تقديمها دعم و مساندة لمحاولة الانقلاب التي هدفت للاطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، فالأتراك مما معروف عنهم، هو البغض الشديد للخيانة التي تعتبر بمثابة الحرب ، و يستحق مرتكبها العقوبة التي تجعله غير قادر على تكرارها سواء معها أم مع غيرها.
وجوه التحالف الجديد ، يحمل في طياته قبول و تنازل كبير في السياسة التركية اتجاه الأسد ، و بشكل مبدئي حتى يتم تخفيف من تبعيات هذا الانتقال يتوجب الحذر بالتصريحات ، و مفاعيها ، و البداية سيكون بقبول بالأسد كجزء من المعادلة، يملك حق المفاوضة و الاشتراك في المرحلة الانتقالية ، مع اعتباره غير مرغوب به في المستقبل الذي يتلوها ، وهذا “المستقبل” قد يحمل تغييراً مماثلاً يجعله موجوداً و بقوة أكبر من ذي قبل، و طبعا بعد تقديمه خدمات جلية بوأد الحلم الكردي الانفصالي ، البداية يبدو أنها تشهدها الحسكة اليوم.
الملف الكردي الذي قاده الساسة الأكراد الانفصاليون ، بنوع من الغباء و العنجهة غير المحددة ، و المسمومة بهواجس اسطورية ، جعلهم للمرة الثانية ، في التاريخ الحديث ، بمثابة أداة ربط نظام الأسد مع تركيا ، في أقل درجات الاستنساخ ، لما حدث في عام ٢٠٠٤ ، ابان ثورة القامشلي.
التحالف التركي - الروسي - الايراني - الأسدي، هو نوع من تلك التحالفات التي شهدتها الحرب العالمية الأولى أو الثانية ، الغاية منه أن تكون سوريا هو أول انكسار لأمريكا، و درس مؤلم لها قد يؤدي لتفككها كحال الاتحاد السوفيتي ، وهو الحلم الذي يشكل هدفاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين .
اليوم تركيا تتنازل بشكل تام عن فكرة مربع على الحدود خالي من الطائرات تحت مسمى “منطقة آمنة” ، وتقول أن من واجبها أن تؤمن كامل شريط الحدود ، الأمر الذي يفتح جهنم جديدة على مصراعيها في سوريا ، فهنا سيختلط “الحامل بالنابل”، و سنشهد أنواع من المعارك و التشابكات التي لاتحصى، وهنا يبدو أن أمريكا ،التي ظهرت اليوم عاجزة من خلال تصريح وزير خارجيتها جون كيري عندما لخص الوصول إلى اتفاق نهائي مع روسيا حول سوريا بـ”الأمل”، لن تبقى عاجزة تماماً، فهي تملك من الخطط المتعددة و المتتابعة، التي توصل إلى ذات الهدف مهما تعرجت الطرق.
بين التحالف الجديد الذي يملك مفاتيح على الحدود و السماء و الأرض ، و كتلة غير محدودة من القوة غير حرة التصرف التام في ذات المساحة الجغرافية ، نقف على أعتاب مرحلة غير محدودة المخاطر و الحروب، في مشهد يصنع تاريخ جديد ، لا دورس فيه من الماضي و إنما يصنع مدرسته الخاصة.
إليكم خمسة عشرة دليلا ، تثبت أن مايجري في الحسكة من اشتباكات ما بين النظام السوري وميليشيا الـPYD هي مجرد فبركات وتمثيليات على الشعب الكوردي
1- لو كانت الخصومة حقيقية ، والإشتباكات حقيقية ، وأن هنالك صراع حقيقي ، لإمتدت نيرانها إلى باقي نقاط التماس ما بين الفريقين ، ولا سيما في قامشلو وكوباني وعفرين
2- مازال التنسيق ما بين الفريقين يجري على قدم وساق في بقية المناطق التي يشرفان على إدارتها معاً
3- مازالت قوات الـ ypg التابعة لحزب الـ pyd تحرس المقرات الأمنية والعسكرية للنظام السوري في العديد من المناطق التي يديرها الفريقان المتصارعان في الحسكة اليوم
4- لاتزال قوات النظام السوري ، وميليشيات الـ pyd ترابط جنباً إلى جنب في حلب وفي مناطق تماس أخرى مع المعارضة السورية المسلحة
5- مايزال الفريقان متواجدان في الحلف الإيراني والروسي ، وهنالك صمت إيراني واضح حول الخصومة المزعومة مابين حلفاءه وهما النظام السوري ومنظومة الـ PKK وفرعها السوري الـ pyd
6- يعتبر النظام السوري هو الشريان الحيوي و الرئيسي الذي يمد ميليشيات الـ pyd بالمال والسلاح بالتنسيق مع أمريكا ، ولذلك يستحيل عقلا ومنطقاً أن يستغني الـ pyd عن النظام السوري ويدخل في خصومة معه ، لاسيما أنه خلق لنفسه محيط معادي
7- تعتبر ميليشيا الـ pyd ذراع النظام السوري الضاربة في الشمال السوري ، ومن أشرس حلفاءه ضد المعارضة السورية المسلحة ، ولذلك يستحيل عقلا ومنطقاً أن يستغني النظام السوري عنه ، في الوقت الذي خسر فيه حلب وبات في وضعٍ حرج جداً
8- تعتبر ميليشيا الـ pyd هي القوة الكوردية الوحيدة التي قدمت خدماتها للنظام السوري ، وإستطاعت قمع ثورة الكورد والقضاء على أي حراك ثوري كوردي ضد النظام ، وهي القوة الكوردية الوحيدة التي تستطيع لجم المجلس الوطني الكوردي المعارض للنظام السوري ، وإفشال كل حراكه ، ولذلك يستحيل عقلا ومنطقاً أن يستغني عنه النظام السوري ، في هذا الوقت العصيب الذي يمر به
9- يحاول النظام السوري جاهداً ، على تقديم هيئة التنسيق الوطنية والتي يشكل الـ pyd شريكاً رئيسياً فيه ، للرأي العام الدولي ، على أنها المعارضة المعتدلة والمقبولة لديه ، وهي الجهة الوحيدة التي يمكن أن يجلس معها النظام على طاولة المفاوضات ، لذلك يستحيل عقلا ومنطقاً أن يستغني عن الـ pyd ولا سيما هو اللاعب الرئيسي في الهيئة وله سيطرة مسلحة على الأرض .
10- لم يعد خافياً على أحد ، مدى إرتباط حزب العمال الكوردستاني بالمشروع الإيراني في المنطقة ، وهو من يدير حزب الـ pyd وميليشياته ، وتورط في هذا المشروع حتى أذنيه بحيث لم يترك له أي خطوط للرجوع ، فرأسه بات مطلوباً من الجميع ، وليس له عمق إستراتيجي سوى إيران والنظام السوري ، لذلك يستحيل عقلا ونقلا أن يدخل الـ pyd في خصومة حقيقية مع النظام السوري .
11- العلاقة مابين حزب العمال الكوردستاني وتابعه الـ pyd مع المحور الإيراني والسوري ، هي علاقة عضوية وإستراتيجية وثيقة ، ولا يمكن أن تتأثر تحت أي ظرف كان ولا سيما في الوقت الذي يخوض هذا المحور حرب وجودية مع المسلمين السنة في المنطقة ، والقضية بالنسبة لجميع من تورط في هذا الحلف ، هي معركة كسر العظم ، وقضية أن نكون أو لانكون .
12- لا يمكن لإيران أن تخوض في حرب وخصومة مع حزب العمال الكوردستاني وتابعه الـ pyd في الوقت الذي أعلن فيه الكورد عن ثورة وإنتفاضة مسلحه ضدها في إيران ، وهي بأمس الحاجة الآن إلى شريكها حزب العمال الكوردستاني لإخماد الثورة الكوردية في كوردستان إيران ، ولذلك لن تسمح إيران بدورها للنظام السوري بأن يخوض حرباً حقيقية ضد تابع حزب العمال الكوردستاني الـ pyd في الوقت الراهن
13- يجب عدم التغاضي عن مشروع إعلان إستقلال إقليم كوردستان الذي أعلن عنه الرئيس مسعود البرزاني ، والذي تعارضه إيران بشدة ، وهي بأمس الحاجة إلى شركائها في حزب الإتحاد الوطني الكوردستاني الذي يتزعمه جلال طلباني وحزب كوران الذي يتزعمه نيشروان مصطفى وحزب العمال الكوردستاني الذي يتزعمه جميل بايك ، وذلك للعمل على إجهاض مشروع الإستقلال ، ولذلك يستحيل عقلا ومنطقاً أن تدخل إيران في صراع حقيقي مع منظومة حزب العمال الان وهي بأمس الحاجة إلى خدماتها .
14- جاءت مسرحية الحسكة ، لؤأد الإنتفاضة الكوردية التي كان يتم التحضير لها من قبل المجلس الوطني الكوردي ضد ممارسات ميليشيات الـ pyd بحق الشعب الكوردي ، بذريعة أنها تخوض الآن حرباً ضارية ضد النظام السوري ، ولكسب تعاطف الشارع الكوردي ، بعد موجة الإنتقادات العارمة التي تعرض لها مؤخراً ، بسبب إعتقالها لرئيس المجلس الوطني الأستاذ إبراهيم برو .
15- أرادت إيران إيجاد مبرر قوي لإدخال ميليشياتها الشيعية إلى المنطقة بشكل علني ومكشوف هذه المرة ، ولا سيما بعد الخسائر الفادحة التي تلقتها من قبل جيش الفتح في محافظة حلب ، فقامت بإفتعال حرب ما بين النظام السوري ، وميليشيات الـ pyd لفتح طريق إمداد واسع وعلني بإتجاه حلب .
ولولا علمي ويقيني بأن الكثير من الناس ، لا طاقة لها لقراءة المقالات الطويلة ، لأتيتكم بأدلة عقلية أخرى تدل على أن ما يجري في الحسكة هي مجرد فبركات وتمثيليات ، ومجرد خداع على حساب الدم الكوردي ، الأداة فيها حزب الإتحاد الديموقراطي الـ pyd ، لكني أكتفي بهذا القدر ودمتم بخير
يمشي سرًا في ردهات المنزل، يتلصص من خلف الأبواب على أصوات الأنفاس، يريد أن يتأكد أن لا أحدًا يختنق هنا، من يدري؟ فلعل التاريخ قد أحب أن يعيد نفسه.
عادة، في مثل هذه الأيام، يخشى النومَ، يحاول أن ينشغل بأي شيء، فلعل الهواء قد اعتاد القتل، مثلنا، يخشى أن يختنق في نومه أو في حلمه، لقد نجا مرةً، وعادةً النجاة لا تتكرر.
كأنها البارحة، أو كأنها غدًا، تضيق قصبات التنفس مثل خرم إبرة، تتشنج العضلات حتى تكاد تنكمش، ولا يظهر على بياض العيون إلا بقايا الأحداق، رغوة الأفواه تكفي لتُغرق كونًا أحمقًا كالذي نعيش فيه، والجثث المتنفخة بذورٌ أُلقيت على الأرض لتنبت مرة أخرى، اعتاد الناس على نمطٍ واحدٍ من القتل، لماذا تغيرونه؟ التلاعب بأذواق الناس في الموت جريمةٌ أيضًا، لقد اعتادوا على القتل المدمر، حيث تظهر على القتيل علامات قتله أو لا يبقى منه ما يظهر عليه، أما هذا الذي يبقي عليك سالمًا، إنما يأخذ آمال الآخرين ودهشتهم، يكفي أن يحدث ذلك مرة واحدة، ليصبح ذكرى وليصبح مستقبلًا، ليصبح المقتول قاتلًا دون أدنى تردد، ليصبح كل شيء هو العدو الأول، لا مكان لخانة ثانية بين الأعداء.
يحاول أن يغلق باب الأيام، لتمر هذه السنة بدون الواحد والعشرين من آب، ليمر الأطفال أمامه دون أن يخشى تساقطهم حوله، كلما تنفّس طفلٌ راقبه بعناية، هل هو الشهيق الأخير؟!، الحمد لله لقد زَفَر، مازال يرى أن الجميع يعانون من صعوباتٍ في التنفس في هذا اليوم تحديدًا، ويؤكد له ذلك سعالُ أحدٍ ما، ويربكه جدًا لو لهث بقربه أحدٌ لأنه كان يركض أو كان يشتاق.
الذاكرة اختنقت أيضًا، المسؤول عن التذكّر الآن الرئة لا الدماغ، تتذكر شهيقَهم المتتالي، نسيَ الزفيرُ موعده، أحداقَهم، رعشةَ إصبع صغير، انتفاضاتِ أطراف أمٍ تحاول أن تصبح رئةً لابنها، لكنها مذ قطعت حبل المشيمة خانته، كما فعلت بنا دمشق تمامًا، كثيرون أمام الأبواب يحاولون الخروج، مشهدٌ وجوديٌ تمامًا، الهواء يعني الموت، الخروج لا يُغني عن الدخول شيئًا.
كأنهم غرقى لكنهم على اليابسة، حين يغرق الناس في البحر فهناك قاتلٌ غير مباشرٍ لهم، فرّوا إلى البحر منه، ولكن حين يغرقون على اليابسة سيتحول من نجا منهم إلى قنابل موقتة لا يعلم أحدٌ متى وأين تنفجر، كان عليه أن يقتلنا جميعًا.
كعادتها دمشق لم تكن نائمةً، ولا صاحيةً، بخور جوامعها وكنائسها يملأُ الزوايا، عطور فتَيَاتها وشبانها تجعل الجو أثقل، ليس رجاحةً أن يختنق الجميع، وليس عدلًا أن نختنق نحن فقط، ربما لأن الناس هنا غير الناس هناك، فالقرارات كافيةٌ لجعل الناس مختلفين، ربما ياسمين دمشق يبقى ياسمينًا لأن الناس يومًا ما سيحتاجونه، لم يعد في الروح متسعٌ لغضب أو لحقد، لكن عروش الجمال والحنين هذه هدمَتْها صرخة لم تغادر ذاكرة الرئة: "قُوم يا بي قوم، قول يارب ، قول يارب" في محاولةٍ يائسةٍ من أبٍ منهكٍ لينتصر ابنه على كل من قتلوه، ابتداءً بمن أنجبه.
في هذا اليوم، مبررٌ أن تكره "بالزنبق امتلأ الهواء .. كأن موسيقى ستصدحْ"، تتأكد أن أحدًا ما كان يقتاتُها في تلك الليلة، واليوم على بعد مئات الأيام ومئات الكيلومترات، فمن نجا .. مازال يختنقُ.