عملية تركية في عقر دار الأسد
العملية التي نفذتها أجهزة المخابرات التركية في عقر دار الطائفة العلوية في اللاذقية، لاعتقال أحد المخططين لتفجيرات الريحانية في تركيا عام 2013، كانت غير مسبوقة، فقد نجحت أجهزة الأمن التركية الخارجية في تعقب واعتقال يوسف نازيك أحد المدبرين الرئيسيين لتفجيرات الريحانية التي ذهب ضحيتها أكثر من خمسين شخصا.
بحسب المعلومات المستقاة من مصادر تركية صحافية فإن المخابرات التركية راقبت نازيك لثمانية أشهر قبل اعتقاله، وإنه كان يسكن قرب مقر أمني للنظام السوري، وبرفقته ثلاثة حراس أمنيين، صحيح أن النظام السوري نفى وقوع العملية، كما نقلت وكالة روسية للأنباء، لكن الأرجح أن الأتراك نفذوها بالفعل، فالغضب والأزمة الداخلية التي صعدت من وتيرة الحساسيات المذهبية في محافظة هاتاي المختلطة بين السنة عربا وأتراك والعلويين العرب المرتبطين مع علويي اللاذقية، هذه الحساسيات ألقت ظلالها على الوضع الداخلي التركي، واستخدمت العملية لإذكاء مشاعر عدائية بين السكان واستثمرتها القوى السياسية المعارضة لأردوغان آنذاك، إذ كانت دعايتها تروج أن من نفذ التفجيرات بالسيارة المفخخة هم المتطرفون السنة من الفصائل المعارضة السورية، الذين كانت حكومة اردوغان تدعمهم سياسيا ولوجستيا، وأن هذه الفوضى والتفجيرات ستستمر ما دامت حكومة أردوغان تدعم المعارضة السورية وتسمح بتواجد السوريين المهاجرين من مناطق المعارضة.
وعلى المستوى الشعبي أتذكر جيدا كيف خرج المئات من علويي أنطاكيا في مظاهرات منددة بالتفجيرات، وكانت إحداها تحمل نعشا رمزيا لأحد ضحايا الهجوم، منددة بدعم الإرهابيين في الثورة السورية في تطابق وتناغم مطبق في الخطاب بين علويي انطاكيا واشقائهم علويي اللاذقية، وسبق لعلويي انطاكيا أن تظاهروا رافعين صور الأسد وسط انطاكيا، بل إن صور الأسد واللوحات الرمزية للطائفة العلوية كالصورة المفترضة للحسين، كانت تعلق في شوارع المناطق العلوية في هاتاي كسمندغ وحربيات، وهي المناطق نفسها التي داهمتها قوات الأمن التركية ومباشرة بعد تفجيرات عام 2013، لاعتقال اثنين من المخططين للهجمات، تم الإعلان عنهم. كما أعلن حينها عن هروب شخص ثالث هو نازيك نفسه الذي اعتقل قبل ايام، وجميعهم من علويي انطاكيا وسمندغ التي يقال إن جد حافظ الاسد ينتمي لها، لذلك لم يكن بالامكان عند تذكر مظاهرات العلويين المنددة بتفجيرات الريحانية ومشهد النعش الرمزي المحمول في المظاهرة سوى استدعاء المثل القائل «يقتلونه ويمشون في جنازته».
العملية بتقديري، تأتي ردا على عملية أخرى نفذها النظام السوري في محافظة هاتاي أيضا، عندما خطط بمساعدة ضابط علوي في الجيش التركي، لاختطاف مؤسس الجيش الحر الهرموش، الذي تم تخديره ونقله عبر الحدود بين محافظة هاتاي واللاذقية. وشكلت هذه العملية صدمة آنذاك لقوى المعارضة السورية وذهب البعض لاتهام الاتراك بتسليم الهرموش وهو اتهام لا أساس له، بل إن الحادثة تدل على ان تركيا انذاك كانت تعاني من مشكلة عامة في ضبط الحدود وعدم التهيؤ للنزاع السوري، بحيث ان الكثيرين من مقاتلي الجماعات الجهادية كانوا يعبرون من خلال شبكات المهربين تماما كما نجح النظام السوري في تهريب الهرموش عبر الحدود نفسها.
العملية تعكس ايضا اهتماما تركيا بأمنها القومي، وهو يفوق اهتمامها بدعم المعارضة السورية، فتفجير واحد في تركيا دفع الاتراك لعملية معقدة بعد خمس سنوات، بينما لا تبدي تركيا أو لعلها غير قادرة على إبداء الاهتمام نفسها بالرد على جرائم النظام السوري وآلاف التفجيرات في سوريا، وهذا امر طبيعي في دولة تراعي مصلحتها القومية كأولوية قصوى قبل مصالح أي أطراف مقربة اخرى كالمعارضة السورية، وهو ما لم تستوعبه المعارضة السورية للآن التي تريد من الآخرين خوض معركتهم هم، ولكنه ليس طبيعيا لسياسة الحلف الايراني في سوريا، الذي يقاتل اعداء النظام السوري وكما انهم اعداء ايران، اذ تعتبر طهران ان امن دمشق وبغداد القومي جزء مهم من أمن طهران القومي، وكذلك فعل حزب الله .