هل يخشى المفضوح من الفضيحة ؟!
سمعت تسعينية سورية تقول في نقلها لمثل شعبي غابر يُحكى على سبيل التساؤل و بلهجتها البدوية: (شيّهم غراب البين من سواد الوجه؟!) الجواب المنطقي بأن لا يهتم لما يشتهر به في الأصل، وفي إسقاط المثل على السقاطة التي اعتاد النظام السوري إظهارها في كل موقعة على امتداد ما يسمى بـ"حضن الوطن" الخانق لساكنيه، نكون ظلمنا "غراب البَيْن"، الطائر المعروف من جنس الغربان الإفريقية، فكل ما جرى خلال ساعات قليلة ضمن المسرحية الهزلية المسماة بالانتخابات حاول جمعه وقدمه ملخصاً لمن يسألك عن أسباب ثورة السوريين على هذه العصابة التي تضيف للجرائم بصمات تزيدها بشاعة تجعل مصطلح "جريمة حرب" قد لا يوافي فظاعتها.
أصر ولا زلت على عدم تسمية ما يخرج من إعلام النظام الرسمي والموالي وحسابات الداعمين له بالفضائح وقد يكون ما يبرر ذلك بأن "المفضوح لا يفضح"، ثم أن المجرم والسفاح لا يزال دم السوريين يظهر بين أنيابه المسمومة في كل ابتسامة فاجرة يطل بها مستفزاً مشاعر الملايين ممن وقعوا ضحية آلته الإجرامية، فهل يهتم لكشف "بعض" سفالته؟! نعم بعض وذلك لعلم السوريين مجتمعين بأن ما خفي من تفاهات الأسد ورموزه و إعلامه أعظم، ومن شاهد جريمة واحدة من بين عدداً لا يحصى من الجرائم مكتملة الأركان يدرك هذه الحقيقة وأن لا مثيل لوضاعة هذا القاتل رفقة عصبة المجرمين التابعين له.
ولماذا التسريب والفضائح وإلّا يكفي تصريح وزير الخارجية "فيصل المقداد"، بقوله إن "انتخابات نظامه أفضل بآلاف المرات من الانتخابات الأمريكية التي وصفها بالمهزلة؟!"، ونعته لعمليات التصويت في قنصليات الأسد التي تشبه فروعه الأمنية وقطعاته العسكرية بأنها "رائعة جدا"، سبق ذلك كله الترويج الإعلامي الفاشل الذي لا يحتاج أي عاقل جهدا لكشف تزييف الحقائق وقلب الوقائع خلاله كل ما يحتاجه عين تبصر وضمير مجرد، ليرى أن عمليات الترويج تلك تشبه حد التطابق عمليات التجميل التي بدت على وجه رأس النظام، حقاً فعلها! لكنها لن تغيير أي شيء يذكر من صورة إجرامه بحق الشعب السوري.
وبعد الحديث المعلن لأعلى منصب دبلوماسي لدى النظام حديث غير مستغرب مع دراية السوريين بعقلية وأسلوب خطاب النظام الذي أدمن القتل والتدمير لسنوات طوال طحنت رحاها الملايين منهم، قبل يومين فقط بدء "العرس الوطني الديمقراطي"، كما أطلق عليه إعلام الراعي الرسمي للمسرحية، مع محاولات ضبط وتوزيع نشوة التجديد لقاتل الأطفال لدى الموالين الذين تضاعفت إفرازات هرمونات التشبيح لديهم متأثرين برواية النظام، فمن اقنعته تصريحات مسؤوليه المثيرة من الطبيعي أن يكملها بتنفيذ عملي يتمثل بتنظيم الحفلات والدبكات في تلك الجغرافية التي يختزل مريدو استمرار الإجرام عظمتها بوصفها "سوريا الأسد".
ولدى النظام شخصيات تظهر للرد على الانتقادات التي تطال ما يمارسه في مسرحية مفضوحة لا تحتاج إلى تسريبات، فتتحول تصريحاتها إلى مادة للجدل قد تزيد فظاظتها على ما أريد تبريره اساساً، ففي أحد المراكز ظهر بعثياً الصفة التي تلازمها صفة الغباء يطالب ما يقرب من 6.6 مليون سوري مهجر بأن لا يكونوا مثل الببغاوات "تبغبغ و تعوعو"، في مصطلحات لا أشك بأن المقترعين فهموا فحواها، وأخص بذلك من ظهر وتحت قميصه الصيفي الملون مسدساً مغموراً لا أدري كم مواطنا أغتال وأرعب، إلا إذا كان يخدع الحضور ويشير برأسه بالفهم في كل خطاب يبرمج على التصفيق عند ذكر بطل المسرحية فحسب.
ومع ظهور العجائب التي لن تظهر إلا في النسخة الأسدية من هذه المهزلة بدءاً من كيفية تلقي وطرح الترشيحات مروراً بتصريحات المقبولين وغيرهم حول الانتخابات وصولاً إلى مراحل تنفيذ المسرحية التي استهلها رأس النظام بالظهور في مدينة دوما التي خنقها بالكيماوي المدينة التي تحولت من مسرح جريمة إلى مسرح للرقص على الأشلاء والأنقاض، قبلها تابعت عدة مواكب ظننتها للمجرم وراعي الإرهاب والإرهابيين الأول، وهي تصل إلى مركز اقتراع بمنطقة مدمرة، إلا أنها كانت لمتزعمي ميليشيات لا يحصر ذكرها فتشابهت القوافل والمجرم واحد، أما ما أثار ردود فعل متباينة لدى السوريين الذين تابعوا دونما تعجب رصد مذيعة لصوتان ذهبا "بحرية أسدية"، إلى منافسي الأسد وفقاً لما زعمه من أدلى بهما، ترافق ذلك مع بث تسجيل "أبو حيدرة جوية" فظهر منشغلاً يقوم بتسهيل عمل المواطن الذي وصل إلى أن ينتخب عنه ولا يكلف نفسه بإسقاط الورقة في الصندوق.
وخلف كواليس الدبكات والمبالغة في إظهار "الفرح" الذي قد لا يشك بأنه مصطنع في بعض الأحيان لمن لا يزالون في درجة الآدمية دون أن أحدد نسبة التوقع، هنالك نظام أوغل في قتل وتدمير وتهجير واعتقال وتعذيب السوريين، يضحك ماكراً بعد معرفته حجم ما أواصر العلاقات الاجتماعية السورية إليه حيث مزقها تماماً، هو ذاته من دعم حفلات الرقص في أحياء تجاور مناطق كان يحاصرها ليصار إلى تدميرها كما فعل بكافة جوانب وقطاعات البلاد إثر حربه ضد الشعب السوري، فيما ظهر جلّ سكان مناطق سيطرته بعد جولات التهديد والوعيد كالخراف التي تساق إلى المذابح للتجديد المحسوم لجلادها، وأول ما ينزف منها وتلفظه عنها هي الكرامة إن وجدت بعد استنزافها على الطوابير وتكسب مزيدا من الذل والهوان، ولا مجال لتحميل بعضهم المسؤولية كاملة بعد أن ردد لسان حالهم بأنهم في موقع الضحية بالتعامل مع سلطة احتلال، هنا يجري الحديث بواقعية عن نظام يحتسب في مسرحيته أصوات من كتم أنفاسهم في غياهب السجون ومن سفك دمائهم بشتى صنوف الأسلحة، ومن حرمهم منازلهم بالتهجير القسري الممنهج، ويرسل خلف الأموات ليعيد تنصيبه في بلد أصبح بفعل ممارساته كالسجن الكبير بوابته الرئيسية "مقبرة"، يجدد النظام عديم الشرعية والإنسانية عبر رفات سكانه، فترة حكم بالحديد والنار والإرهاب هي الرابعة منذ توريثه الحكم والثانية منذ انطلاقة الثورة ضد نظامه في مارس 2011.
وتجديد ولاية رأس النظام "بشار الأسد"، التي غابت عنها المشاركة الشعبية وهذا ما تكشفه لغة الأرقام ولأسباب لا يجهلها سوري حتماً، ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه مكرراً ويلح على الجواب، حول الناخب الذي قدم صوته لا سيّما الذين حشدهم النظام في الخارج، هل يعقم يده قبل الإدلاء بصوته أم بعد؟! طبياً يفضل قبل وبعد عندما يتعلق الأمر بفايروس كورونا، إلا أن ثورياً قد لا تنجح أي مادة في غسل الخزي والعار الذي ارتكبته أيدي الناخبين وهنا أتجاهل عن سبق الإصرار والترصد الأسباب وكل المسبات التي جعلته يقف أمام صندوق قد يكون وقف بموقف مماثل أمام صندوق يضم جثمان شهيد في ركن منزله الذي لا أجزم بأن يكون نجى من الصواريخ والبراميل.
وفي المناسبة قرأت تعليقاً لمذيعة موالية تمعن بالتشبيح تقول إن الصوت في صندوق الاقتراع هو بمثابة "رصاصة في صدور الأعداء"، ومع اكتسابنا شرف عداوة هذا النظام نكون نحن من تقصد في تعليقها ذاك وهذا ما يعلمه السوريين بأن النظام لا يفقه سوى لغة القتل والتدمير والترهيب، وجريدة موالية للنظام ترجع إلينا ذكريات حي الميدان الدمشقي الشهير، فتقول في عنوان محتوى مكتوب لديها ما يشير إلى "خروج أهالي دوما لشكر ربهم على زيارة رأس النظام وأن فرحتهم لا توصف"، أما عن احتمالية مصداقيتها تتأرجح نسبتها في حال نقلت عن من كان يحيط ببشار في ظهوره إلى جانب "أسماء الأخرس"، لا سيما رجل الأعمال وعضو "مجلس الشعب" حامل الجنسية السودانية، "عامر خيتي"، الذي يرى الدمار ثروة اقتصادية، ودوما "بؤرة إرهابية"، أو عن شخص ضمن قطيع ما يطلق عليهم ظلما برجال الدين ممن ظهروا وهم يجوبون الشوارع تمجيداً بغيضاً للقاتل.
ولعل أكثر ما يزيد من قهر السوريين هو ما سمي زوراً بـ"خيمة وطن" وذلك مع تشابه عشرات النسخ منها التي أقيمت على أطلال المنازل وفي ساحات تشييع الشهداء، في ذلك الوطن المحطم الذي باتت الخيمة رمزاً للبؤس والوجع الذي لا ينضب بعد أن ضمت ملايين المهجرين عن أرضهم، وبالطرف الآخر كانت تلك الخيام المقامة للاحتفال أكثر ما تشبه النعوة الرسمية المعلنة لكثير من الأشياء في ما تبقى من البلاد، ومجالس كان الأجدر أن يستقبل فيها التعازي، مع إتمام التجديد المحسوم للنظام وسط تجاهل وتواطؤ عربي ودولي مفضوح هو الآخر ونفي عدم استغربنا من وقاحة قاتلنا لا ينفي الآلام والأوجاع التي تعتصر قلوب السوريين على ما آلت إليه الأمور وأصبح واقعاً مراً يزيد علقمه ظلم وتخاذل ذوي القربى ممن زعموا الانحياز لقضيتنا فتحول منهم من تحول إلى شريكاً فاعلاً في استمرار ما يعانيه الشعب المقهور، وكلمة واحدة تختصر حالهم حين قالها حارس الثورة بأنها "كاشفة".
ومع إتباع نظام الأسد للأساليب والوسائل وكل ما يملك من الإمكانيات الممولة التي يرمي خلالها زرع الإحباط في نفوس الثائرين، قد يكون بعضها تحولت إلى محفز لهم للاستمرار الأبدي والغير قابل للتراجع في طريق النضال والكفاح المعبد بدماء شهداء وصرخات معتقلين ومآسي مهجرين، لا سيما المبالغة في التوقيع بالدم الذي أراه ملخصاً لبرنامجه الانتخابي الأوحد، وهل هناك ما يعبر عن رأي النظام سواه؟! لو أتيح الكيماوي لكان مناسباً أيضا في التعبير عن شهية وما يتوافق مع ممارسات النظام وشبيحته ورغبتهم المستمرة بسفك الدم السوري الذي لو جمع بمكان واحد لتحول إلى بحر يمتاز غيظاً من جملة المتخاذلين ممن تركوه يصراع جلاده وحيداً، بعد إجراء الانتخابات التي يختصره فصولها ظهور عنصراً واحداً وهو يبصم بالدم على عدة بطاقات انتخابية لصالح سافك الدماء الأول، أما مشهد اختتام المسرحية فكان كالمعتاد مع القفز على الأرقام والكذب المكشوف.
وعلى وقع الرصاص الذي لم يغيب عن أرجاء البلاد، لا يكتمل فرح النظام إلا بسفك الدماء فقتل بالرصاص العشوائي ما قتل من المدنيين، معلناً استمراره في الحكم الذي تسلمه قاصراً، فكان ببساطة إعلان فوز المجرم بنتيجة زادت عن 95% بقليل لحقبة زمنية تمتد لسنوات، كل هذا لن يحيد الأحرار ممن لا تزال تراودهم مشاهد لا تغيب عن الذاكرة ولا تزال واقعاً حول ما حل بالشعب السوري على يد نظام الأسد وحلفائه وشركائه، عن دربهم ويوقنون بأن لا مكان للسفاح إلا العقاب والمحاسبة على جرائمه و يستمدون من استمرارهم قناعات لا تفّتر ولا تعرف التراجع مفادها بأن لكل طاغية نهاية محتومة تحت أقدام من ثاروا من أصحاب الأرض والحق، وهنا لا أردد شعارات شخصية بل أنقل ما ظهر خلال أفعال من مزقوا صور الإرهابي "بشار"، رغم قبضته الأمنية وانتشار القناصة لحمايتها، وردود الحاضنة الشعبية في الشمال السوري وتلك التي أحرجت النظام المفضوح في حوران مهد الصرخات الأولى، أقرب دليل على تمسّك السوريين بقضيتهم وأهداف ثورتهم حتى تحقيقها بما لا يدعو مجالاً للشك بأن هذا اليوم قادماً لا محالة هكذا رددها وأقسم عليها شهدائنا الذين نحب ونصدق.