ممانعون راغبون
لا يتوانى الممانعون السوريون والعرب عن اتهام السوريين، المعارضين نظام الأسد، بالعمالة لإسرائيل، مطلقين عليهم أسماء مضحكة، كثوار الناتو والقطوإسرائيليين وعملاء الرجعية، وإلى آخر ما هنالك من هذه الاتهامات المدهشة، لفرط سذاجتها ونمطيتها وثباتها منذ عقود طويلة، من دون النظر إلى المتغيرات التي حدثت عبر تلك العقود على المستويين، المحلي والدولي، وعلى المنظومتين، الاجتماعية والسياسية، في منطقة الشرق الأوسط خصوصا، وفي العالم عموما؛ فمنذ عام 1979، لمّا حدثت الثورة الإسلامية الخمينية في إيران، وصولا إلى عام 2001 وتفجير برجي التجارة في نيويورك بما عرف بهجمات 11 سبتمبر، وانتهاء بعام 2011 تاريخ انطلاق ما كان يجب أن يكون ربيعا عربيا، تغيّرت التحالفات السياسية الدولية، وظهرت نظرياتٌ سياسيةٌ واقتصادية جديدة حكمت العالم، وفضحت ما كان يحدث في الخفاء، من دعم للديكتاتوريات العسكرية والأنظمة الشمولية، التي كانت تدّعي العداء للعالم الرأسمالي، من هذا العالم نفسه.
ولكي لا تحدث مزايداتٌ في هذا الخصوص، فإنه من نافل القول إن إسرائيل هي العدو الأول لكل عربي، أو حتى لكل مؤمن بأن الفكر الإنساني المحمل على العدالة والخير والمحبة، يجب أن يسود العالم ويحكمه، وهو ما يجعل لإسرائيل شركاء في العنصرية والكراهية والشر، لا يقلون عنها سوءا، ويتمتعون بغباءٍ وعنجهيةٍ، تحاول دولة الاحتلال نفيهما عنها في بروباغندا إعلامية مدروسة بعمق، ويجب أن لا تخفى على أحدٍ مهما كانت الذريعة.
غير أن الممانعين العرب يصرّون على التعامي عن هؤلاء الشركاء في أحسن الأحوال، بينما هم في غالبيتهم حلفاء لهم، ومروجون سياساتهم، ومبرّرون جرائمهم، ومعادون بشراسة لكل من يعلن موقفا ضدهم، أكان المعلن فردا أو مجموعات بشرية كبيرة، والتهمة دائما هي الخيانة، والعمالة للعدو الإسرائيلي. والغريب أن الممانعين العرب يعيشون في بلاد مطبعة دبلوماسيا وربما اقتصاديا، وقريبا ثقافيا، مع العدو الصهيوني، وقسم كبير منهم يدافع عن نظامه المطبّع بشراسة، وقسم آخر يتعامل في يومياته مع هذا العدو، في التصاريح والموافقات في داخل الأراضي المحتلة، أو في أثناء دخولها، وقسم يحمل جنسيته، مفاخرا بما تتيحه له من حريةٍ ويسر في التنقل بين بلدان العالم.
والغريب أن هؤلاء لم يحيدوا عن مواقفهم هذه قيد أنملةٍ منذ انطلاقة الثورة السورية، واصطفافهم إلى جانب النظام ضد الشعب الثائر، على الرغم من كل الفضائح التي تكشفت في علاقة النظام السوري مع إسرائيل، وانكشاف خديعة المقاومة والممانعة، سواء في التصريحات المتبادلة، أو في غضّ النظر عن الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة على مواقع عسكرية سورية، واحتفاظ النظام بحق الرد الأبدي في الوقت الذي تقصف به طائراته وصواريخه السوريين في مدنهم وقراهم، أو في التنسيق العلني والكبير بين روسيا (دولة وصية على سورية) وإسرائيل، بما يخصّ الوضع السوري، بشقيه العسكري والسياسي؛ ظلوا ممعنين في تأييدهم المقرف والمشبوه نظام الإجرام في سورية، وباحثين عن أي فرصةٍ لكيل الشتائم والاتهامات للسوريين المضادين له، وليس هيجانهم ضد فريق القبعات البيض، واتهامه بالعمالة، بعد إنقاذ رجاله وعائلاتهم من الأمم المتحدة إلى الأردن عبر إسرائيل، سوى حالة واحدة من حالات الهيجان التخوينية للسوريين الثائرين التي أصابتهم منذ بداية عام 2011، ولمّا تهدأ بعد.
ولا يشفع موت من يعتبرونه خائنا له، ليصمتوا عنه ولو قليلا، افتحوا صفحاتهم واقرأوا تعليقاتهم، إثر رحيل مي سكاف وقبلها فدوى سليمان، وسترون العجب العجاب من الشتائم والاتهامات، والغريب إصرارهم على أن كل صاحب موقف هو بالضرورة عميلٌ تم استئجاره بالمال، ويقبض من الدول المتآمرة على النظام الممانع، وفي طليعتها إسرائيل وأميركا ودول الخليج طبعا، وكأن أصحاب الحق لا يستطيعون أيضا اتهامهم بالقبض من النظام السوري وإيران، ولا يستطيعون اتهامهم بعمالةٍ مقابلةٍ إثر فضح علاقة النظام بإسرائيل.
أما سقوطهم الأخلاقي الكبير فهو في احتفائهم بحرية الطفلة الفلسطينية، عهد التميمي، التي اعتقلها العدو الإسرائيلي، إثر محاولتها صفع جندي إسرائيلي، ثم خروجها من المعتقل، بكامل صحتها وأناقتها، وبعد إتمامها دراستها داخل المعتقل، في وقتٍ يفصح النظام السوري عن أسماء سبعة آلاف معتقل ومعتقلة، من خيرة أبناء سورية، قتلوا في معتقلاته خلال الأعوام السبعة الماضية، لم يعلق أحد منهم على هذه الجريمة النكراء وكأنها لم تحدث، ومن كتب منهم عن هذا الأمر، فلكي يشتم المقارنين بين معتقل العدو والمعتقلات الوطنية في سورية! أما مصير عشرات الآلاف، بل ومصير سورية بكاملها التي أحرقها النظام فلا يهم، طالما هو باق إلى الأبد.