مؤتمر "طبعاً موافقون" في سوتشي
خلال الدقائق الأولى من الجلسة الافتتاحية لمؤتمر سوتشي 29 يناير، دعا رئيس الجلسة، التاجر الدمشقي ورئيس غرفة تجارة دمشق، غسان القلاع، أمام 1300 مدعو من وصفهم باللجنة الرئاسية للصعود إلى المنصة، بدأ الرجل يتلو الأسماء واحداً تلو الآخر، كان واضحاً أن القلاع ذاته لم يطلع على هذه الأسماء العشرة سابقاً، شعر القلاع أمام ألفين وست مئة عين محدقة إليه ومتعجبة من القرار السريع الذي اتخذ على حين غرة بأن ما قام به ولو شكلياً ليس مستساغاً، فطلب منهم أمام عدسات وسائل الإعلام "وعلى ما يبدو بمبادرة شخصية" أن يقولوا نعم إن كانوا موافقين، أجاب العشرات منهم باللكنة السورية "طبعاً موافقين"، هز الرجل رأسه وتمم البيعة بلحظات، ولم ينسَ أن يشيح بيده مقللاً من أهمية موافقة كل مكونات المجتمع السوري" كما وصفتهم روسيا".
عبارة "طبعاً موافقين" دون اعتراض واحد يبدو أنها اختصرت مهام المدعوين الوطنية والتاريخية في سوتشي، فهم - أي المدعوون - لن يعودوا إلى سوتشي لاحقاً، لن تنشر روسيا طائراتها مجدداً لاستقدامهم والاحتفاء بهم بلافتات ترحيبية في المطار وحقائب قماشية تحمل شعار المؤتمر وزعت عليهم ليشعروا بأهمية دورهم الحساس المتمثل بالموافقة، بالنسبة لروسيا ستلعب اللجنة الرئاسية لسوتشي، بدعم منها، دوراً مستقبلياً كبيراً في الحل السياسي، وفقاً لرؤيتها لذلك الحل، وهو ما سيكون على أقل تقدير أكثر استقلالية لها من قدرتها على التأثير على وفدي النظام والمعارضة رغم ما تملكه من نفوذ عليهما، ما جرى هو ولادة مرجعية سورية بيدها مئة بالمئة، عمدتها بـ 1300 موافق، وهو عدد لم يحظَ به أي مؤتمر سوري آخر منذ 7 سنوات، ستستخدم هذه المرجعية لسنوات قادمة بما لا يقف عند البيان الختامي الصوري الذي صدر ويتعدى رعايتها لنظام الأسد.
بدا واضحاً بالنسبة لنا كصحافيين أتينا لتغطية الحدث السوري الروسي بعد اختتام المؤتمر أن المشهد المهيب له كان أكثر أهمية - على عكس ما كنا نعتقد سابقاً - من مشاركة أطراف سياسية بعينها، لا سيما أن جهود روسيا في إشراك المعارضة كان مشكوكاً بها، فروسيا لم تقدم طيلة اجتماعاتها المطولة مع وفد الهيئة التفاوضية السورية في فيينا يومي 25 و26 يناير أي شيء ملموس لتثني المعارضة عن موقفها، واكتفت بإطلاق سيل من التهديد والوعيد في حال لم تشارك، كما لم تخفِ موسكو عدم اكتراثها بالبيان الختامي، وعليه صدر بقالب غزل غير مسبوق لدي ميستورا، جددت فيه روسيا التزامها - سياسياً - بدور الأمم المتحدة بقضية الدستور السوري لإرضاء المبعوث الأممي، وهو ما لم يكن منسجماً مع موقف نظام الأسد، لدرجة أن ممثليه في سوتشي "الكثر" لم يخفوا امتعاضهم، معتبرين ذلك اعترافاً بانتداب أممي لسوريا، لكن امتعاضهم هذا لم يدم طويلاً في وجه القرار الروسي، وعادوا مجدداً للعب الدور المناط بهم بالموافقة.
انتهى المؤتمر ببيان مقتضب من دي ميستورا، أعلن فيه مباركته للطفل الروسي - السوري، ثم توجه المدعوون الـ 1300 بعد ذلك لمأدبة عشاء ضخمة عقدت على شرفهم تقديراً لدورهم الريادي قبل ساعات من مغادرتهم سوتشي.. للأبد.