لا شيء تغير .. “الجبهات مولعة .. طيران ما عم يهدي ... والهدنة بعدها متربعة عالطاولة المفاوضات معززة مكرمة”
تحاول "إيناس" ، هذه الأيام ، السير بالشوارع بشكل طبيعي ، دون حاجة لأن تسرّع الخطوات أو تلتفت بكل الاتجاهات بحثاً عن خطة هرب في حال بدأ القصف ، وتفكر ملياً بأن تبحث عن نزهة قد تكون بلا موت ، بعد أن تقرر أخيراً تطبيق "هدنة" تشمل مدينتها التي نالت من الموت ما يشبع الأرض.
لدى ايناس ، وهي ممرضة في أحد المراكز الطبية في الغوطة الشرقية ، تخوف من كلمة "هدنة" فهي تعني أنها مفتاح لمجازر دموية ، طريق مميز لتنفيذ مخططات خبيثة .
و دخلت سوريا في هدنة جديدة منذ ٣٠ كانون الأول الفائت ، بعد أن توصلت تركيا و روسيا لاتفاق يقضي، بالبدء بهدنة مؤقتة يتبعها في حال النجاح الدخول بمفاوضات حددت عاصمة كازخستان “الاستانة” مقراً لها ، وسط ضبابية في الرؤية و الكيفية التي ستظهر فيها هذه المفاوضات ، التي لاتعد جديدة أو نوعية ، اللهم إلا من تحكم دولتين (تركيا و رسيا) وحدهما فيها.
لم تخفي “ايناس” ارتياحها نفسياً مع سماعها كلمة “هدنة” ، رغم يقينها أن الهدنة لن تكون فاعلة، فالهدنة برأيها هي “ضحك” على المدنيين ، وتستهزئ ايناس بالهدنة بطريقة أهل الغوطة المعروقين بكثرة “المزاح” ، وتقول :”صوت القصف ماتغير ...بالعكس أشتد ...الجبهات مولعة نار ورصاص وقذايف.... طيران ما عم يهدي لا نهار ولا ليل ....والهدنة بعدها متربعة عالطاولة المفاوضات معززة مكرمة”.
الغوطة الشرقية لعبت دوراً محورياً في مفاوضات الهدنة التي استمرت لفترة ليست بالقصيرة في “أنقرة” ، إذ أصر الجانب الروسي على استثنائها من الاتفاق كما هو حال وادي بردى ، الأمر الذي رفضه ممثلو الفصائل المشاركين بالمفاوضات ، الأمر الذي أجبر روسيا استحياء ضمن المنطقتين ، و لكن عملية الضم كانت على الورق فقط اذا لازالت الغوطة تتعرض للقصف و محاولات الاقتحام من الأسد و حلفاءه و ذات الشيء و إن كان بسوية أعلى بكثير في وادي بردى.
خروقات الأسد و حلفاءه للهدنة ، سواء بالقصف أو غارات الطيران أم بالهجوم البري ، جعلت روتين حياة ايناس ، المقيمة في مدينة دوما وتعمل في مركزها الطبي كممرضة ، لا يتغير فرعايتها لبيتها و زوجها و كذلك قطتها ، فعجلة الحياة لا تتعطل وفقاً لها.
حصار الغوطة الشرقية الذي بدأ قبل أربع سنوات ، صعّب من حياة المدنيين الذين يقدر عددهم ، في تلك الرقعة الملاصقة لدمشق ، بـ ٤٠٠ ألف مدني ، فزوج ايناس يعمل طوال اليوم متجولاً على دراجته الهوائية، مع انعدام أي آفاق أخرى للعمل في منطقة مساحتها تتآكل بشكل مستمر نتيجة الهجمات التي لم تعرف التوقف عليها طوال السنوات الخمس الماضية.
و تسرد ايناس اللحظات القليلة التي سبقت الهدنة ، والتي شهدت مجزرة أودت بحياة ١٤ شهيد غالبيتهم من النساء و الأطفال ، وتقول ايناس أن أقسى مشهد حينها كان لجثمان طفلة لم تتجاوز الـ ١٢ عاما ، تم احضارها إلى المركز دون رأس ، ولا يكاد صوت أنين المرضى و المصابين يغادر آذانها طوال فترة دوامها الممتد من الثامنة صباحاً و حتى الرابعة عصراً ، وفق لنظام دوام ليس بيومي.
حرب النظام و حلفاءه على الشعب السوري التي تنهي عامها السادس ، لم تعرف التوقف أو الانخفاض بالدموية ، وباتت الحرب هي الكابوس الذي يعيشه السوريين ، وما “الهدنة” و لو “كاذبة” إلا فترة راحة من مواجهة الموت بلا أي درع إلا بقايا لباس .