
في" المعرة ".. "الفراولة" اكتسبت حمرتها من دمنا و أسقطت الدم من وجوه العالم
يبدو أن عِظم المصيبة و كبر هول الفقد، حول أيدينا لخشبة عاجزة عن التعبير أو وصف ما حدث، صعدت للسماء خمسين روحاً و هناك أرواحاً أخرى معلقة بين الأرض و السماء تنزف دماً، و عشرات القلوب تفطرت و تهدمت بشكل يصعب أن تعود كما كانت .
اليوم و بلا أي موعد أو سابق تهديد، في يوم صيفي انتشرت فيه الخضروات في السوق تبحث عن الراغبين ، كان ينقص "الفراولة" لون ما حتى تكون نضرة ولامعة و شهية، فاختارت قاني الدم السوري، فبعثرت أشلائه بحثاً عن اللون المطلوب، وحصلت عليه بالفعل، بأنانية و جمود الخضروات.
يبدو المشهد أشد قسوة ما كلمات مبعثرة كما هي الأجساد التي تبعثرت فوق الخضار و اندمجت بها، وسط أصوات الباعة (الساسة) الهدنة لا تخرقوها، لا تلمسوها، لا تعطلوا على العابثين لعبهم ، فهم يمارسون حقهم و يأخذون مستحقاتهم من أرواحكم و دمائكم.
في الوقت الذي تدور فيها الرحى في جنيف، كانت رحى أخرى تواصل دورانها على أجساد السوريين ، من أخطأت منزله، لحقت به إلى السوق، فهو حق غير معترض عليه، و الشهداء أرقام لا تأثير لهم على المفاوضات التي يجب أن تستمر، ولا حتى قيمة حتى يدفع السفاح الثمن، فالحل المتفق عليه يجب أن يسر وفق ما هو مرسوم، و لو كلف الأمر مزيداً من الدم.
من أيام كان لي لقاء مع المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات ، حول الخطة "ب" ، وعبر حينها عن الخوف من أن تكون تلك الخطة هي قتل من تبقى من سوريين، و لكن ما الذي حدث اليوم أهو قتل من تبقى بصفة كلية أو بكمية لا تؤدي إلى الـ"ما تبقى" اذا بقيت بعض الأرواح المعذبة الشبيه بالموتى.
حديث آخر حصلت عليه من كبير المفاوضين و سمعت من رئيس وفد المفاوضات و كذلك من المنسق العام و أخيراً من رئيس الائتلاف، الجميع أجمع أن المفاوضات لحفظ الدم، و التوقف أو التعليق لضمان التنفيذ، و الدخول في مرحلة الآمان.
كل هذه الوعود الحقيقة سقطت أمام أشلاء ذلك الطفل أو تلك السيدة أو هذا الرجل الذي منح "الفراولة" لونها، ليتنا كنا خضار ، كنا أُكلنا أو رُمينا.