عن إدلب وتركيا
يثير مصير إدلب مخاوف ملايين السوريين في منطقتها وخارجها. ويطرح هؤلاء سؤالا قلقا عمّا إذا كانت أنقره ستتمسّك بضمانتها للشمال السوري، أم ستتخلى عنه... ثمّة عوامل تقرّر مصير إدلب، هي:
ـ أهمية تركيا بالنسبة لروسيا التي تفوق أهمية إدلب، وربما نظام الأسد، وستحكم موقف روسيا من دولةٍ لها مصلحة استراتيجية في إبعادها عن المعسكر الغربي. لذلك لن تغامر بإلحاق هزيمة في إدلب بها لسببين: الضرر الفادح الذي سيترتب على ابتعادها عن روسيا بالنسبة لموسكو، والنتائج القاسية والكارثية بالنسبة لمكانة الرئيس التركي أردوغان، ولصدقية نهجه السياسي. بقول آخر: لن تكرّر روسيا في إدلب ما سبق أن فعلته في الغوطة وريف حمص الشمالي، ليس فقط لأن تركيا دولة قوية، وإنما أيضا لأن عواقب استفزازها ستكون شديدة الخطورة على مجمل سياسات روسيا السورية، واستراتيجيتها الإقليمية والدولية. في المقابل، سيرغم التداخل بين الوضعين، السوري والتركي، وإخراج تركيا من إدلب بالقوة، رد فعل تركي، يتصل بحفظ أمن أنقرة القومي، وسيجبر أردوغان على الدفاع عن بلاده في إدلب، وربما في غيرها أيضا، بالخسارة المؤكدة لموسكو التي لن تتمكن من تعويضها في أي مكان آخر، وستكون أكبر بكثير من إبقاء الوضع في إدلب على حاله القائم اليوم، بضمانة تركيا.
ـ بما أن الرئيس الروسي بوتين حدد آخر العام الحالي مهلة نهائية لإنهاء القتال في سورية، ومطلع العام لبدء الحل السياسي، وبالنظر إلى التزام عسكر ودبلوماسيي روسيا بخططها، فإن خيار موسكو سيذهب، على الأرجح، نحو عمليةٍ محدودةٍ، لا يموت فيها الذئب أو يفني الغنم، تبقي على صدقية الكرملين، من دون أن تطيح علاقاته مع أنقرة، وتضعف مكانة أردوغان ونهجه، عبر ما يسمّيه الأسد متبجحا: "معركة تحرير إدلب" التي ما كان ليجد في نفسه الجرأة على مجرد الحديث عنها، من دون دعم جوي روسي، يرجح أن يقدّم له بصورة مقيّدة في الساحل، وصولا إلى جسر الشغور، لفتح طريقي حلب/ دمشق، واللاذقية / حلب السريعين، كما يقال.
ـ ليس لروسيا مصلحة في تخريب علاقات استراتيجية الأبعاد مع تركيا، من أجل مسألةٍ لها حلول متنوعة غير الدخول في مكاسرة عسكرية/ سياسية مع أنقرة التي أخبرت موسكو أن صلاتها الطيبة معها ليست بديلا لعلاقاتها مع أوروبا وأميركا. وليس أردوغان خوّافا يستسلم أمام التلويح بالقوة، لذلك جدّد تمسّكه بإعادة الأمن والاستقرار إلى سورية والعراق، بينما تبدو واشنطن مصمّمة على تعزيز موقع الكرد في المعادلة السورية، وربما الإقليمية، ما يجعل لإدلب أهمية استراتيجية مضاعفة بالنسبة للرئيس التركي، بالنظر إلى أن إخراج تركيا منها يعني خروجها من المسألة السورية، ودخول في المقابل إلى تركيا. وفي السياسة، يفضل المرء الدفاع عن أمنه خارج حدوده، على ترك الأخطار تقتحمها، وتنتقل إلى داخلها.
ـ إخراج الشمال، ولو مؤقتا، من قرار روسيا الإجهاز على مناطق خفض التصعيد والتوتر، الذي قضى عليها في الغوطة الشرقية وجنوب دمشق وريف حمص الشمالي، وترك فسح متعاقبة من الوقت، لحل مشكلة جبهة النصرة في إدلب ومحيطها، دليل آخر على ما لأنقرة من أهمية استثنائية في نظر موسكو، وثقة بأنها تستطيع حل مشكلتها من دون حرب.
ـ هناك، أخيرا، احتمال وحيد قد يغير هذه الحسابات، هو تفاهم أميركي/ روسي على طي الصفحة الكردية، وسماح أنقرة بعودة الأسدية إلى الشمال السوري، بما فيه الجزء الذي تحتله أميركا منه. هل هذا احتمال واقعي؟ لا أعتقد. لذلك يبقي مصير إدلب رهنا بالعلاقات بين أنقرة وموسكو.