رسالة من ماري أنطونيت إلى أسماء الأسد
تبدأ كل الحكاية يا أسماء عندما يتسلل وحش الطغيان لروحك، يدب دبيب النمل، وبروية يلتقط فتات مظالم الناس، يغذي نفسه بها، لا يلبث طويلا حتى يجوع أكثر، لن تلقميه حقوقاً سُلبت، ومفاسداً ارتكبت، هذه المرة هو بحاجة ليروي ظمأه الوحشي بدماء الشعب المكلوم، الرغبة تنمو وتتنامى وتكبر في نفسك الوحشية لتصبح الدماء الطاهرة سلسبيلاً يطفئ عطش وحشك المترامي على جوانب الإثم والخطايا وفي أحضان العذاب والموت، تنتكس روحك المجرمة وتصاب بداء الأنين، لا تقولي أنكِ لا تعرفيه؟ ...، مررتُ به سابقاً، وأنا على ثقة بأن داء الأنين يلاحقك في يقظتك ومنامك، لا دواء له سوى المزيد من المجازر والدماء والكثير من آهات المعتقلين وأنين المعذبين، الشفاء يكون آنياً، وستبقين بحاجة للمزيد من الجريمة وانتهاك الحرمات.
إنك تذكرينني بنفسي يا أسماء، إلا أنك تتفوقين بكل مقاييس الإجرام، ذلك الوحش التهمني كما التهمك ولكنكِ تجاوزتني بأن الوحش تقمصكِ وتقمصتِه، اندمج بكِ واندمجتِ به، انصهرتما معاً، ذابت بقايا إنسانيتك التي لا أعرف إن وجدت بك سابقاً، أما أنكِ خُلقتِ وحشاً متعطشاً لسرقة بقايا حياة الناس وفتات أحلامهم ورماد أحلامهم.
أما بعد:
مشت جموع الثائرين، تطأ الدجى، وتدوس أعباء السنين، اتجهوا إلى قصري ينددون ويتظاهرون، ويحملونني ذنب جوعهم المقيت، أوتصدقين يا أسماء كيف لأولئك الناس اتهامي بتجويعهم وظلمهم، وسلب حقوقهم وخيانة أرضهم.. أما أننا معشر الطواغيت ننسى ظلمنا وطغياننا ونتمسك بقشة المرض الواهية نحاول أن نستجلب العطف أو بعض بضعٍ من الإنساني. أوليس كذلك يا أسماء؟ سواء كان مرضك لعبة سياسية أو حقيقة عضوية أو مجرد إشاعات دبلوماسية، الأمر واحد، لن تنالي سوى المزيد من الألم، الوحش الذي انصهرتِ معه وتغلب على فتات بشريتك، سيقتلكِ، كما قتلني.
الجشع والظلم والخيانة والعمالة جعلت منا مسوخا بشرية تتقاذفنا رياح المرض، وأمواج الضياع لنغرق في محيطات الألم، حتى داء العافية وسلب الصحة البدنية، سيحجم عنك، لن يقبل بالمكوث في مسخ بشري، التعاطف المرجو في تدني الحالة الصحية لا يجب أن تتوقعيه من ضحاياكِ يا أسماء، المتوقع آت ولكنني أخالكِ تتناسينه في طيات الأيام ومرور الأسابيع ومضي الأعوام، تلك الجموع الثائرة، وشعل الضياء الباردة بموت ألقيته عليهم لن يستكينوا قبل الثأر يا أسماء، أوتحسبين أن كل الأناس خونة مثلنا؟
حاشى لشعب مظلوم أن يشتركوا معك في صفة أو أن تتماثلوا في سمة، الدماء التي رويتِ بها ظمأ طاغوت ذاتك لن تذهب سدى.. ولن تدفن هباء منثورا.. بل ستكون الطوفان الذي يغتالك من جذورك، يقتلع غرورك ويغرق وحشك وتنتهي قصتك المخزية كانتهاء أي خائن يا أسماء.
ختاماً:
في عام ١٧٩٣ نصبت المقصلة جزاءً لكل خوان، استعان بالمحتل على شعبه لمعت شفرتها في عينيّ، أدركت أنها النهاية التعيسة لطاغوت تعيس، المؤلم حينها يا أسماء سقوطك المدوي، الفرحة في أعينهم، السعادة التي تملؤ أفواه الجياع، كيف فعلوا ذلك؟
يبدو أننا عندما كفرنا بالجحيم وأنكرنا العقاب وتطاولنا على رب الأرباب، حينها آمن المستضعفون حق الإيمان وأقبلوا على الموت واثقين، فوهبت لهم الحياة، حياة ماجدة تليق بالأحرار، لم نضحِ إلا بأخلاقنا وإنسانيتنا وبقايا بشريتنا لننال هذه السلطة التي خولتنا أن نكون وحوشا بحق، بينما ضحوا بفلذات أكبادهم ودماء أرواحهم لينالوا الانتصار، أفعندكِ شك بأنهم منتصرون؟ هم المنتصرون، هذا هو التاريخ والحاضر والمستقبل.
بينما كنت متجهة إلى مقصلتي رأيت الأم الثكلى، والزوجة الأرملة، والأخت المكلومة، والأخ المتألم، والابنة اليتيمة، والعجوز الفاقد لحبيبات فؤاده، كانت صفعات أعينهم أقوى علي من سياط الجلاد وأشد ألماً من حدة المقصلة.. لقد ثاروا وأخذوا بالثأر من قتلتهم. في الجحيم يا أسماء لن تحتاجي الكثير من أفعالك بعضها فقط يكفي لخلودك، بانتظار الثأر منك ولحاقك بمن سبق، مزابل التاريخ تشتاق لاحتضانكم ومهاوي الجحيم تفتقد أمكنتكم.